مَطَرُ البَاذِنْجَانْ .. فِي طَهْرَانْ!


كمال الجزولي
الحوار المتمدن - العدد: 6985 - 2021 / 8 / 11 - 02:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الإثنين
كمال بولاد، مقرِّر المجلس المركزي للحريَّة والتَّغيير، أعلن، بالإثنين الثَّاني من أغسطس 2021م، أنَّهم: «يعملون، الآن، على بناء خطَّة تفصيليَّة دقيقة تحدِّد مهام القوى الحيَّة»؛ والسُّؤال إذن: ماذا كانوا يفعلون طوال أكثر من عامين، دَعْ ما قبلهما؟!

الثُّلاثاء
لم يكن التَّاسع من أغسطس 1924م يوماً عاديَّاً في تاريخ السُّودان، بل دخله كأحد أهمِّ أيَّام الثَّورة على الاستعمار، حيث شهد مظاهرة تلاميذ المدرسة الحربيَّة بالخرطوم، يطالبون بالإفراج عن أبطال «اللواء الأبيض».
اجتازت المظاهرة الثُّكنات الحربيَّة، وعبرت السِّكَّة حديد، حتَّى بلغت منزل البطل الملازم ثاني علي عبد اللطيف، قائد الثَّورة الذي كان مغيَّباً، وقتها، خلف القضبان، لتؤدِّي التَّحيَّة العسكريَّة لأسرته، فاستقبلتهم الحاجَّة فاطمة، والدة زوجته عازَّة محمَّد عبد الله، تردُّ على تحيَّتهم بزغرودة أشعلت الحماس في نفوسهم، فأفسحوا لها على رأس مظاهرتهم التي شقَّت طريقها لتحيِّي البطل في سجن كوبر. وكانت المظاهرة، كلما قطعت بضعة أمتار، كلما انضمَّ إليها المزيد من النَّاس، زرافات ووحدانا، فتمضي تتضخَّم، مثل كرة الثَّلج، حتى بلغ قوامها عشرين ألفاً. وفي بضع لحظات قصار جادت قريحة عبيد عبد النُّور بأهزوجة خلدت الحدث هتافاً عزيزاً في القلوب قبل الأفواه: «أَصْلُو مُوتَاً فُوق الرُّقابْ/ كَانْ رَصَاصْ اوْ كَانْ بِالحُرابْ/ البِدُورْ عِنْدْ الله الثَّوَابْ/ اليَضَحِّي ويَاخْدَ العَقَابْ/ يامْ ضَفايِرْ قُودِي الرَّسَنْ/ واهتُفِي فَليَحْيَا الوَطَنْ»!
بأم ضفاير كان عبيد يومئ إلى والدة عازَّة، الحاجَّة فاطمة محمد حسن، دينكاويَّة الأصل، أو ربَّما إلى عازَّة نفسها، زوجة البطل، وبنت محمد عبد الله الدنقلاوي الخندقاوي. وقد استضفتها، شتاء 1973م، في حلقة من برنامج «مشاوير» الذي كنت أقدِّمه من إذاعة أم درمان، قبل أن يحظره جهاز الأمن، فحدَّثتني عن زيارات عناصر المخابرات إلى منزلهم، بحثاً عن المنشورات وغيرها من الممنوعات السِّياسيَّة! قالت إنها كانت تغطي جسمها بدهن كثيف، وتدسُّ الأوراق بين ثنيَّات «رهطها»، وتقاوم التَّفتيش بالانزلاق في أيدي العساكر فلا تمكِّنهم من الامساك بها!
تسبَّب إيقاف البرنامج في الحيلولة دون تقديم حلقة أخرى معها كنت اعتزم تخصيصها لتفنيد ما أشيع عن إصابة البطل باختلال عقلي إثر ضربة بجردل حديدي على رأسه، من أحد زملائه، في سجن واو الذي كان قد نُقل إليه عام 1927م. غير أن الباحثة اليابانيَّة، د. يوشيكو كوريتا، وثَّقت لنفي الواقعة، في كتابها: «علي عبد اللطيف وثورة 1924م: بحث في مصادر الثَّورة السُّودانيَّة» الذي ترجمه مجدي النَّعيم، ونشره «مركز الدِّراسات السُّودانيَّة» بالقاهرة، عام 1997م، حيث أكَّدت أن الادارة البريطانيَّة اختلقت الشَّائعة لتكيد له، وأن الحاكم العام «قرَّر»، عام 1938م، أن «علي عبد اللطيف يعاني من جنون العظمة وانفصام الشَّخصيَّة»! ولذا جرى ترحيله، سرَّاً، إلى القاهرة، وأودع المستشفى العسكري، ثمَّ نُقل إلى مستشفى الأمراض العقليَّة، حيث قضى عشر سنوات، قبل أن يتوفي في 29 أكتوبر1948م. وكانت العازَّة قد زارته، والتمست من وزير الحربيَّة السَّـماح له بمغادرة المسـتشفى، كونه سـليم العقل. لكن الوزير رفض الاسـتجابة لالتماسها!
أمَّا اللافت بحقٍّ، للأسف، فهو أن الوفد السُّوداني الذي كان قد وصل القاهرة، آنذاك، برئاسة اسماعيل الأزهري، لمتابعة المفاوضات بشأن الحكم الذَّاتي للسُّودان، لم يسع ولو لزيارة البطل، دَعْ أن يحاول استثمار علاقاته، وقتها، مع الحكومة المصريَّة، لحملها على الاستجابة؛ بل لقد ألمح راوي حسن نجيلة، في «ملامح من المجتمع السُّوداني» إلى أن «عضواً» بالوفد قال للسُّودانيِّين الذين أثاروا معه مسألة البطل: لقد انتهى دوره، ولم تعُد له أهميَّة!
بعد وفاته، وبأمر من محمَّد نجيب، أول رئيس لجمهوريَّة مصر بعد إلغاء الملكيَّة، جرى تكريمه بترحيل جثمانه من المقابر العامَّة إلى مقابر الشُّهداء، كما جرى، لاحقاً، إحياء ذكراه، بتأبينه في حضور العازَّة، وتخصيص معاش لها ظلت تتقاضاه إلى حين وفاتها عام 1987م. أما حكومة السُّودان فقد اكتفت، عام 1969م، بمنحه ميداليَّة، وأخرى لزوجته، ثمَّ ترقيته، عام1970م، إلى رتبة المقدَّم، و .. بس!

الأربعاء
أهمُّ جزئيَّة في حديث ياسر عبَّاس، وزير الرَّي، خلال المؤتمر الصَّحفي الذي عقده بالأربعاء 28 يوليو الماضي، أن الحلقة الأساسيَّة في أزمة «سدِّ النَّهضة» هي «رفض إثيوبيا إبرام اتِّفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب، السُّودان ومصر»!
هذا «الرَّفض» محيِّر بحق! فرغم الأثر السَّالب لهذا السَّد على السُّدود السُّودانيَّة، وما قد يسبِّبه من نقص في المياه، إلا أنه، حسب الوزير، مفيد، مع ذلك، للسُّودان في توليد الكهرباء، وتقليل الطَّمي، وتنظيم جريان النَّهر؛ كما أن الأصل في النِّيل الأزرق، حسب القانون الدَّولي العام، وحسبما أوضح مهندسو الوزارة في المؤتمر، أنه نهر دولي، مِمَّا يقتضي أن يكون الاتِّفاق بشأنه ثلاثيَّاً؛ فضلاً عن أن التَّوافق قد تمَّ، فعليَّاً، على 90% من القضايا، وأن الـ 10% المتبقِّية قضايا قانونيَّة تحتاج، فقط، لإرادة سياسيَّة، خاصَّة أن الوزير نفسه أكَّد أن التَّفاوض هو «الحلُّ الوحيد» للأزمة!

الخميس
يتَّصل مفهوم «الهُويَّة»، وثيقاً، بمفهوم «الثَّقافة» كمحدِّد رئيس لها، فالأخيرة، من حيث فلسفة التَّاريخ وعلم النفس الاجتماعي، هي جماع السُّلوك العام، أمَّا من النَّاحية العمليَّة فهي جماع الإبداع المكتوب، والمرئي، والمسموع، لدى الأمَّة المعيَّنة.
وفي بلادنا تنتسب غالبيَّة الجّماعة المستعربة المسلمة إلى العنصر النوبىِّ المنتشر على الرِّقعة الجُّغرافيَّة الممتدَّة من أقاصى الشَّمال إلى مثلث الوسط الذَّهبي (الخرطوم ـ كوستي ـ سنار)، وهو العنصر الذى ينتمي إليه غالب «الجَّلابة»، أو الطبقات والشَّرائح الاجتماعيَّة التي تمكَّنت، خلال خمسة قرون، من تركيز أكثر الثروات فى أيديها، والتي تَشكَّلَ في رحمها، تاريخيَّاً، التَّيَّار «السُّلطوي» المستعلي على مساكنيه الأغيار بعِرق «العرب!» ودين وثقافة «الاسلام»، اضافة إلى اللغة «العربيَّة»، بطبيعة الحال. فبرغم الأصول النوبيَّة لأغلب هذه القوى الاجتماعيَّة، إلا أنهم لم يعودوا، بعد استعرابهم، يستبطنون الوعي بـ «هُويَّة» تلك «الأصول» التى استحالت هى نفسها إلى «هامش»، وإنما يزعمون تشكلهم كنموذج «قومىٍّ»، في «الثَّقافة» العربيَّة الاسلاميَّة. بعبارة أخرى، ولكي نكون أكثر تحديداً، فإن المشكلة لا تكمن في مجرَّد هذه السَّيرورة «الهُويويَّة»، بقدر ما تكمن في الأسلوب القامع الذي اتَّبعته هذه العناصر في الاستعلاء على من أضحت تتوهَّم أنهم دونها، ضربة لازب، من سائر أهل «الهُويَّات» الأخرى. صحيح أن «الهُويَّة» القديمة قد اضمحلت، إلى حدٍّ بعيد، فى وجدانها، ولم يعُد لـ «نوبيَّتها» أيُّ معنى حقيقي، ومع ذلك انطلقت تقدِّم نفسها كنموذج «قومىٍّ»، وثقافتها كثقافة «قوميَّة»، وإسناد هذه «القوميَّة» المدَّعاة إلى اللغة و«الثَّقافة» العربيَّتين، وإلى الدِّين الاسلامي، دون أن تكون قد استوفت أشراط تشكُّلها كنموذج كلي شامل يعبِّر عن جماع «الثَّقافات» السُّودانيَّة، أو يعكس «وحدتها» في منظومة «تنوُّعها»، فما تزال تعبِّر، فحسب، عن محض إدراك نيلىٍّ شمالىٍّ لهذه «الهُويَّة» الجَّديدة.
شكَّلت مراكمة الثَّروة في أيدي هؤلاء «الجَّلابة»، إذن، الخلفيَّة التَّاريخيَّة لنشأة التَّيَّار الاستعلائي السُّلطوي، و«تمكينه» من فرض نمط «تديُّنه»، والمستوى الذي يناسبه من «الثَّقافة» واللغة العربيَّتين. وقد تلقَّى هذا التَّيَّار دفعة كبيرة من الادارة البريطانيَّة، عندما احتاجت إلى خلق «مؤسَّسة سودانيَّة» داعمة لها، فاصطنعتها من شريحة كبار التِّجار، مِمَّن مكَّنتهم خدمتهم لرأس المال الأجنبي في السُّوق المحلي، وقتها، من مراكمة ثروات أعادوا استثمارها، خلال مرحلة ما بعد الاستقلال، في تجارة الاستيراد والتَّصدير، وفي بعض الصِّناعات التَّحويليَّة الخفيفة، قبل أن يتفرَّغوا، نهائيَّاً، منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، للمضاربة الطفيليَّة في أسواق العقارات والعملات، كما اصطنعتها من الأرستقراطيَّة القبليَّة والطائفيَّة التي مُكِّنت من التصرُّف في الأراضي والثَّروات، ومن الشَّرائح العُليا من بواكير خريجي «الكليَّة» مِمَّن لعبت دخولهم العالية دوراً مهمَّاً في توجيه نزعاتهم المحافظة.
وفي سياق لفت الانتباه إلى الأهميَّة التَّاريخيَّة التي يكتسيها التَّكوين الأوَّلىُّ الباكر للفئات والشَّرائح الاجتماعيَّة العليا، المنتمية، بالأساس، إلى الجَّماعة المستعربة المسلمة، والأوضاع الاقتصاديَّة السِّياسيَّة والاجتماعيَّة الثَّقافيَّة التي تشكَّلت في عقابيل انهيار الممالك المسيحيَّة، وتأسيس «مملكة سنار»، يهمُّنا إبراز الآتي:
(1) أن ذلك التَّكوين، وما ترتَّب عليه، جرى في ملابسات النَّشأة الأولى لنظام التِّجارة البسيط، على نمط التَّشكيلة ما قبل الرَّأسماليَّة، منذ مطالع القرن السَّادس عشر، وازدهار التِّجارة الخارجيَّة تحت إشراف ورعاية السَّلاطين، على غرار قوافل التِّجارة الموسميَّة في مكة مع بدايات الانقسام الطبقي، واكتمال انحلال النِّظام البُدائي خلال القرنين الخامس والسَّادس الميلاديَّين، وتشكُّل الشرائح العليا من التِّجار، والموظفين، والفقهاء، وقضاة الشرع، أو الطبقة الوسطى قيد التكوين آنذاك.
(2) أن التَّراكم الكمِّى لتناقضات مصالح مختلف فئات وشرائح التِّجار آلَ إلى تغيُّر كيفي بانحلال الدَّولة السِّناريَّة خلال الرُّبع الأوَّل من القرن التَّاسع عشر. ومن أبرز عوامل ذلك تراجع دور السَّلاطين خلال القرن الثَّامن عشر، وانحلال قبضتهم على أراضى السَّلطنة، فحازها كبار التِّجار الذين كبلوا العبيد، والرُّعاة والمزارعين أنصاف العبيد، بالمزيد من علاقات الانتاج العبوديَّة والاقطاعيَّة المتداخلة. ثم جاء تفاقم الحركات الانفصاليَّة، في أجواء انقسامات السُّلطة، وانسلاخ مناطق بأكملها، كمنطقة الشَّايقيَّة، ودعوة مناطق أخرى لمحمد علي باشا للتَّدخُّل.
(3) أن قوى الانتاج البدوي، في قاع المجتمع، كانت تتكوَّن، بالمقابل، من الرَّقيق، والرُّعاة، وحِرَفيىِّ الانتاج السِّلعي الصَّغير في القرى، ومزارعي الأراضي المطريَّة والرَّى الصناعى، الرازحين بين سيطرة السُّلطان ، ونفوذ التِّجار الاقتصادي، بنظام «الشِّيل»، حيناً، و«السُّخرة»حيناً آخر. وتنتسب إلى قاع المجتمع هذا قبائل الجَّنوب، والفونج، وجبال النُّوبا، والنِّيل الأبيض.
(4) أن تلك التَّأثيرات ألقت، أيضاً، بظلالها السَّالبة على جبهة «الثَّقافة». فحيث لم يُفض انهيار الممالك المسيحيَّة، بعكس ما يعتقد البعض، إلى «محو» المسيحيَّة نفسها، بضربة واحدة، كديانة و«ثقافة» سائدتين (مثلاً: جعفر بخيت، 1987م)، كانت قد بدأت تتشكَّل خصائص الفضاء الرُّوحي لذلك النَّشاط المادِّي، وفق المعايير «الثَّقافيَّة» لمؤسَّسة «الجَّلابي» السَّائدة اقتصاديَّاً، والمتمكِّنة سياسيَّاً، مثلما بدأت في التكوُّن «هُويَّة» ما يطلق عليها «الشَّخصيَّة السُّودانيَّة» المتأثِّرة بسايكولوجيا الخوف من الاغيار المساكنين الذين لم يكن لديها ما تتَّقي به «أخطارهم الميتافيزيقيَّة» سوى التَّعويل، حدَّ التَّقديس، لا على فقهاء الشَّرع «أهل العلم الظاهري» مِمَّن وجدتهم يجوسون مع الجَّائسين في عرصات الأسواق، وأبهاء البلاط، فباخت هيبتهم فى نفسها، إنَّما على السُّلطة «الرُّوحيَّة» للأولياء والصَّالحين «أهل العلم الباطني» المنحدرين من ذات جماعتها الإثنيَّة المستعربة المسلمة، والزَّاهدين في ذهب السَّلاطين ونفوذهم، والقادرين، وحدهم، على أن «يلحقوا وينجدوا» بما يجترحون من كرامات، وخوارق (راجع «الطبقات» لود ضيف الله)، الأمر الذي فاقم من استهانة هذه «الشَّخصيَّة السُّودانيَّة» بثقافات الزَّنج، والآخرين من المساكنين الأغيار، عموماً، وتحقير «رطاناتهم» التي لا شبيه لها سوى «كلام الطَّير»، والاستعلاء عليهم، ومهَّد لحجاب حاجز بينها وبينهم في وعي «سنَّار» الاجتماعي، وامتدَّ تأثير هذا العامل السَّالب إلى يوم الناس هذا.

الجُّمعة
الكلمة المفتاحيَّة في موقف الشِّيوعيِّين وسائر الدِّيموقراطيِّين التَّوانسة من الأزمة السِّياسيَّة التي ما تنفكُّ تضرب تجربة التَّحوُّل الدِّيموقراطي هناك، هي «ملل الشَّعب من إحلال مستبدٍّ محلَّ آخر»، على حد تعبير حمَّة الهمامي، الأمين العام لحزب العمَّال، مشيراً إلى إطاحة بن علي ببورقيبة، ثمَّ إطاحة الثَّورة ببن علي نفسه، ثمَّ المحاولة التي يقودها، منذ حين، قيس سِعيِّد، رئيس الجُّمهوريَّة، لتدخُّله الفوقي، شخصيَّاً، باسم الحفاظ على المشروع الدِّيموقراطي التُّونسي، في تقرير مصير هذا المشروع.
هذه الوضعيَّة المأزومة تشبه، إلى حدٍّ كبير، ذات الأزمة التي يعانيها، حاليَّاً، التَّحوُّل الدِّيموقراطي في السُّودان، ليس بالنَّظر، فقط، إلى القاسم المشترك بين التَّجربتين، من حيث نشوب النَّشاط الاسلاموي في عصب الأزمة في كلتيهما، بل بالنَّظر، على وجه الخصوص، إلى أن هذا النَّشاط التَّخريبي يجري، هنا وهناك، باسم الثَّورة والتَّغيير الدِّيموقراطي نفسه! أقرب مثال لهذه الصُّورة المقلوبة في السُّودان إفطار رمضان الذي نظَّمه الاسلامويُّون، مؤخَّراً، باسـم «المبادرة الشَّـعبيَّة لحماية الثَّورة السُّـودانيَّة»! وبالمقابل، هناك المحاولات الحثيثة التي ظلَّ يبذلها الغنُّوشي، زعيم الاسلامويِّين في تونس، لتصوير حركتهم كحركة علمانيَّة ديموقراطيَّة (!) إذ لم يتحرَّج حتَّى من توجيه نقد مبطَّن لذات التَّيَّار في السُّودان، يوم حلَّ ضيفاً عليه عام 1982م، وكان المضيِّف، وقتها، متحالفاً في السُّلطة مع الدِّكتاتور جعفر نميري الذي أطاحت به، لاحقاً، انتفاضة شعبيَّة، حيث قدَّم الغنُّوشي محاضرة، ضمن الأسبوع الثَّقافي لاتِّحاد طلاب جامعة الخرطوم المسيطر عليه، وقتها، من الاسلامويِّين، قائلاً: «الذي أخشاه أن تكون الحريَّة قضيَّة ظرفيَّة بالنسبة لنا، نطالب بها عندما يكون الظرف غير مناسب لنا. وهنا يكون السُّقوط الرَّهيب. إننا نطالب بالحريَّة للإنسان أيَّاً كان» (راشد الغنوشي؛ محاور إسلاميَّة، ط 1989م، بيت المعرفة بالخرطوم، ص 143).
ليس المحكَّ، إذن، محض المجاهرة اللفظيَّة بالدِّفاع عن «الدِّيموقراطيَّة»، إذ يمكن أن يتحشَّد أعداؤها أنفسهم، تحت راياتها، ويتخندقون، وهم يرتِّبون، مع ذلك، للقضاء عليها، إنَّما المحكُّ هو التمسُّك بمبادئ «الدِّيموقراطيَّة» ذات المضمون الاجتماعي، لا الممارسة الشَّكلانيَّة، فحسب، والتي تجري عبر صناديق الاقتراع دوريَّاً (!) وإلى ذلك عدم السَّماح لأعدائها أن يخدعوا الجَّماهير براياتها البرَّاقة، بينما هم يحفرون لوأدها تحت أعمدة هذه الرَّايات نفسها!

السَّبت
هزَّتني الكلمة النَّبيلة التي نشرها صديقي فضيلي جماع، مع نهاية يوليو الماضي، في تهنئة صديقنا المترجم البارع عادل بابكر، والمترجمة ريم أبو الفضل التي لم أحظ بشرف معرفتها بعد. مناسبة التَّهنئة فوزهما بـ «منحة زمالة أفريقيا العالميَّة للتَّرجمة للعام 2021م» التي تعتبر الأولى من نوعها التي يقدِّمها «المعهد الأفريقي». فاز عادل بترجمته لرواية بركة ساكن «ساماهاني»، وفازت ريم بترجمتها لرواية عادل شروي «قصة مصرية أفريقية».
عادل بابكر عمل، خلال السَّنوات الماضية، على ترجمة الكثير من ثمار الأدب السُّوداني، نثراً وشعراً، إلى اللغة الإنجليزيَّة، وبالعكس. فبالإضافة إلى رواية بركة ساكن «ساماهاني»، قام بترجمة روايته الأخرى «الجنقو مسامير الأرض». وترجم، أيضاً، رواية «منسي» للطيِّب صالح، ومختارات لنخبة من الشُّعراء السُّودانيين والجَّنوبسودانيِّين، بعنوان «الشِّعر السُّوداني الحديث Modern Sudanese Poetry»، قدَّم لها ماثيو شنودة، وصدرت عن دار نشر جامعة نبراسكا، ضمن «سلسلة الشِّعر الأفريقي»، وشملت طيفاً واسعاً من أعلام الشعر السُّوداني «الخليل، والمجذوب، وجمَّاع، والفيتوري، وجيلي، وتاج، وفارس، والنُّور، ومحمَّد المكي، ومصطفى سند، وعبد الحي، وأبو ذكرى، وعلي عبد القيُّوم، وعالم عبَّاس، وفضيلي جمَّاع، وكمال الجزولي، ومحجوب شريف، وحميد، وأزهري محمَّد علي، ومحجوب كبلو، وعبد القادر الكتيَّابي، وهـاشم صدِّيق، والرَّضي، وروضة، ورقيَّة ورَّاق، ونجلاء التُّوم، ومامون التِّلب، وخالد عثمان، وبوي جون، وحاتم الكناني، ونايلاو أيول». وترجم، كذلك، بعنوان «أدب السَّوادنة Literary Sudans»، مختارات سرديَّة لأدباء سُّودانيِّين وجنوبسودانيِّين، ضمن سلسلة «الأدب والنَّقد الأدبي في أفريقيا»، قدَّم لها البروفيسير تعبان لوليونق، وصدرت عن «دار البحر الأحمر The Red Sea Press» وشملت نصوصاً من «ليلى ابو العلا، وبركة ساكن، وديفيد لوكودو، وأمير تاج السِّر، ودان لوكودو، وإدوارد لوكا، وإبراهيم اسحق، وأحمد الملك، وأجنيس بونيلاكو، ومنصور الصُّويِّم، وطارق الطيِّب، وبشرى الفاضل، وتعبان لوليونق، وميري بلاكنقز، ومبارك الصَّادق، وكمال الجزولي، وفرانسيس دينق، ويحي فضل الله، وستيفن ووندو، وكينيي سبينسر». كما ترجم ملفَّاً من الأدب السُّوداني لدوريَّة «الأدب العربي الحديث الإنجليزيَّة Banipal 56 – Magazine of Modern Arab Literature» شمل خمسة نماذج «الطيِّب صالح، وهشام آدم، وبركة ساكن، وبشرى الفاضل، وكمال الجزولي».

الأحد
انتشر، مؤخَّراً، على مواقع التَّواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يُظهر سماء طهران تمطر حبَّاتٍ من الباذنجان! شغل الأمر السُّلطات الإيرانيَّة، ربَّما بأكثر مِن كارثة كورونا، فضلاً عن أن وكالة الأنباء الإيرانيَّة «إرنا» نقلت، عن علي زولغادر، مسؤول الشُّرطة، أنهم قبضوا على خمسـة «متَّهمين» اعترفوا بتصوير الفيديو، في إطار بحث يجرونه حول المؤثِّرات البصريَّة، غير أن أحد المقاطع تسرَّب بالخطأ إلى وسائل التَّواصل الاجتماعي! وعلى حين أنكروا انتماءهم لأيَّة «حركة سـرِّيَّة»، عجزت الشُّرطة عن تحديد «الجَّريمة» التي يمكن «اتِّهامهم» بارتكابها!
الجدير بالذكر أنَّ الوكالة أضافت أنّ أمين تقي بور، منتج الفيديو، إيراني يعيش في كندا، ويعمل في هوليوود متخصصاً في الخدع السِّينمائيَّة، وأنه جاء إلى طهران لحضور مراسم دفن والده، في ما ألغيت رحلة عودته بسبب تفشِّي الكورونا!

***