الحزب القديم مات وحركة الإنقاذ ليست بديلاً


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 6983 - 2021 / 8 / 9 - 08:54
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

"ارتاحت" قيادة الحزب، بعد المؤتمر التاسع، من حركة اليسار الديمقراطي لتتفرغ للمعارضين الآخرين. رفضت النقاش داخل الهيئات فبات من الطبيعي نقله إلى الصحف، كررنا في الدعوة، من موقع الحرص على وحدة الحزب، إلى إجراء حوار بين الشيوعيين لإعادة تجميع القوى اليسارية. قمت بنشر مقالة في جريدة السفير في 30-10-2003،تحت عنوان بيان الغائب، وقصدت بالغائب الحزب الشيوعي، الذي كان ينبغي أن يصدر البيان عن قيادته، قلت فيه "إن الشيوعيين اللبنانيين يدعون قيادة حزبهم إلى الخروج من التقوقع على الأزمة الداخلية، وإلى فتح أبواب الحزب أمام الشيوعيين واليساريين بدل تيئيسهم، وإلى المبادرة في تجميع قوى التغيير الديمقراطي على أساس نهج واضح في الموقف من نظام المحاصصة القائم وفي الموقف من السياسة السورية في لبنان، نهج لا يقبل ازدواجية متمثلة بمعارضة للنظام السياسي وعلاقات ودودة مع بعض أطرافه، ولا يتبنى الاعتراض على الدور السوري من موقع العداء لسوريا وللعروبة". ولم تلق الدعوة أذناً قيادية صاغية.
بعد عودة الوفد من دمشق توجهت إلى القيادة، في مقالة بتاريخ 28-12-2004 بالدعوة إلى اعتماد "خيار ثالث لا يكون التحاقياً بسوريا ولا عدائياً لها، بما يساعد على لم شمل الشيوعيين بدل دفعهم خارج الحزب ونفيهم وإبعادهم عن تاريخهم وعن حلفائهم وعن موقعهم الطبيعي في صدارة المعارضة للسلطة ونظامها الأمني وراعيها السوري. إن لم شمل الشيوعيين واليساريين والتقدميين والديمقراطيين يستدعي عدم تكرار تجربة التحالفات في الانتخابات البلدية وفي الانتخابات النيابية، والانخراط الحثيث في عملية إعادة بناء الوطن والدولة على أساس المصالحة والعروبة والديمقراطية".
كنا في المجلس الوطني عشرة أعضاء معارضين، توجهنا في كانون الثاني 2005 بمبادرة للحل رفض المكتب السياسي نقاشها في الهيئات الحزبية فنشرتها بإسمي كمقالة صحافية، أرى ضرورياً وضعها بين أيدي المهتمين من القراء، ليدركوا إلى أي درجة من قلة المسؤولية وصلت حالة القيادة.
هذا نص المبادرة:
"مضى عام على المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي اللبناني, ترقب الشيوعيون خلاله أن ينهض الحزب من أزمته ويجمع صفوفه ويستعيد دوره ويستنهض تاريخه ، وعلقوا الأمال على تنفيذ قرارات المؤتمر وإصدار الوثائق، واستبشروا بنشاط الأمين العام وديناميته وتصريحاته في المناسبات الوطنية والحزبية، ولا سيما مناسبة تحرير الأسرى واحتفالات الحزب وخطاب حصرايل وغيرها، إلا أن محصلة هذا العام خيبت الأمال وأثبطت الهمم وفاقمت الإحباط وضاعفت حالة التشرذم .
ففي غمرة الأحداث التي تعصف بالوطن وتهدد وحدته ووجوده، بدا الحزب غائباً عن الحياة السياسية اللبنانية، منعزلاً داخل احتفالاته الطقوسية، فتقلصت مبادراته الوطنية وتضاءل تأثيره في الحياة العامة وضاقت أطر تحالفاته، ولم يعد يشد الشيوعيين إلى موقعهم السياسي والطبقي والوطني إلا روابط الحنين إلى تاريخهم الناصع وقيمهم النضالية ومناقبيتهم العالية وسلوكهم المحترم من جماهير شعبهم، في ظل غياب كامل لهيئاته القيادية الوسيطة ولحياته التنظيمية الداخلية، وتفكك في منظماته القاعدية وانقسامات تجلت في كل المناسبات الوطنية والمحلية وخصوصاً في الانتخابات البلدية التي خاض فيها الشيوعيون معاركهم أحياناً في مواجهة بعضهم بعضاً.
لقد جرت مصادرة نضالات الحزب الوطنية والقومية في المقاومة والثقافة والعمل النقابي والحركة الطلابية وفي مؤسسات المجتمع المدني، وبعد أن كان الحزب على رأس كل حركة مكافحة من أجل الخبز والعلم والحرية، منذ الاستقلال وحتى تحرير الوطن من الاحتلال، بات على هامشها يستجدي لنفسه موقعا فيها، هذا إذا أنعم عليه به المصادرون، في شروط غير مشرفة تحرمه الفعل والتأثير وتجعله في موقع التبعية والالتحاق. لقد بلغت هذه الحالة ذروة خطورتها في المحاولات الجارية على قدم وساق لمصادرة الحزب كله واقتناص دوره ووراثة تاريخه ومنجزاته، فاستفحلت أزمتنا الداخلية بأزمة دورنا السياسي المرتبك، حيث صرنا نتحالف مع خصومنا ونعادي حلفاءنا، وبتنا مهددين بضياع القضية بعد ضياع الهوية.
أننا نناشد الشيوعيين الحريصين على تاريخهم الشخصي وعلى تاريخ حزبهم، على اختلاف مراتبهم التنظيمية، من داخل الأطر ومن خارجها، الانخراط في مبادرة الإنقاذ لكي يستعيد الحزب دوره في الحياة السياسية اللبنانية ويشارك بفعالية في إعادة بناء الوطن والدولة على الأسس التالية :
1- النظام اللبناني القائم على المحاصصة والفساد والتبعية يهدد الوطن بوحدته ويهدد السيادة والأمن الاجتماعي والمعيشي والاقتصادي. إن الحزب الشيوعي اللبناني يفقد مبرر وجوده إذا بقي في حالة الترقب ينتظر من يدعوه إلى التنسيق مع قوى المعارضة والانخراط في أطرها، وهو مدعو لأن يمسك زمام المبادرة، لأنه الطرف الوحيد المنتشر في كل الطوائف والمناطق والطبقات الاجتماعية، وهو بالتالي الوحيد الذي يجسد الوحدة الوطنية بأوسع معانيها، والوحيد القادر على بلورة صيغة للمصالحة الوطنية الحقيقية تعيد بناء الوطن على أساس العروبة والديمقراطية ودولة القانون، وذلك انطلاقا من أوسع حوار بين من تواجهوا على المتاريس المتقابلة في الحرب الحرب الأهلية، وعليه أن يستكمل ما كان قد بدأه يوم كان سباقاً إلى مقابلة خصوم الحرب للاتفاق معهم ومع سواهم من الحريصين على إعادة بناء الوطن.
2- في تاريخ الحزب الشيوعي ما يجعله راسخ الانتماء إلى الوطن وإلى العروبة فلا يرى تناقضا بين الانتماءين، وهو يملك أكثر من سواه المقومات التي تخوله لعب دور أساسي في إعادة صياغة العلاقات اللبنانية السورية على أسس سليمة، أنطلاقا من اتفاق الطائف وما نص عليه في هذا الشأن، ومن ضرورة وضع حد للتدخل الأمني السوري واللبناني في الحياة السياسية اللبنانية. وإذا كان الحزب يتضامن مع سوريا في مواجهة الإمبريالية والصهيونية، فهو لا يرضى بأن يوظف هذا التضامن في مصلحة فريق لبناني ضد فريق آخر في إطار الصراع الداخلي، ولا في إطار تصحيح العلاقات اللبنانية السورية، وهو يعلن أنه في موقع المعترض على سياستها اللبنانية التي دفعت إلى إدارة شؤون الحكم طبقة من المنتفعين وأصحاب المصالح السوريين واللبنانيين الذين يتاجرون بسيادة الوطن وثرواته ويشيعون ثقافة الفساد والاستزلام والمحاصصة في أجهزة الدولة وبين المواطنين وفي الحياة العامة. وهو يدعو سوريا إلى اعتماد الديمقراطية سبيلا لتعزيز شروط المواجهة مع التحديات الخارجية والداخلية، و لتحسين شروط علاقاتها مع لبنان، بما يعزز صيغة العلاقات المميزة الضرورية لكلا البلدين في جميع المجالات دون استثناء، وعلى الأخص في مجال الديمقراطية والحريات العامة.
3- أدى تغليب العامل الخارجي، خصوصا بعد غياب كمال جنبلاط، إلى انقسام اللبنانيين حول الوجود الفلسطيني وإلى ضمور دور القوى الوطنية اللبنانية. وأيا تكن أسباب ذلك وأدوارالقوى التي عملت لفرضه أمراً واقعاً، فإن قوى التغيير تتحمل قسطاً من المسؤولية، ولا يجوز أن تتكرر المسألة اليوم حتى لا يتكرر الانقسام مغلوطاً حول الوجود السوري، ذلك أن مثل هذا الفرز الداخلي من شأنه أن يستعيد أجواء الشحن والتعبئة الطائفية والشوفينية ولغة الحرب الأهلية واصطفافاتها. إن على الحزب أن يلعب دوره التاريخي في منع قيام هذا النوع من الانقسام بين تجمعي "البريستول والكومودر"، وأن يبادر، من موقع علاقاته مع جميع القوى اللبنانية ومع سوريا، إلى التواصل وتكثيف الحضور معها والضغط عليها، انطلاقاً من معاييرالقضية الوطنية الضرورية لإعادة بناء الوطن والدولة، وللحؤول دون تغليب العوامل الخارجية أو الاستناد إليها والمراهنة عليها، سورية كانت هذه العوامل أو دولية. وبالرغم مما يملكه الحزب من عناصر القوة الذاتية في تحليله السليم وعناصر القوة الموضوعية في موقعه الوطني المستقل، فإن إدارة العلاقات السياسية تقدم صورة عن الحزب منافية لموقعه وموقفه ودوره ولقرارات المؤتمر، فيصبح الاكتفاء في إضمار مثل هذا الدور والتقصير في تظهيره سبباً في بلبلة الحزب الداخلية وفي إلغاء استقلاليته وتمايزه، وفي انعزاله وجعله على هامش الحياة السياسية اللبنانية إن لم يكن خارجها.
4- على الحزب أن يناضل في سبيل قيام يسار عربي جديد يحدد مضموناً جديداً للقضية القومية ويهيء لها قيادة جديدة بالتنسيق مع كل القوى الحريصة على خروج الحركة القومية من حقل الاستبداد الذي طغى على قيادتها، وأخذاً بالاعتبار الخصوصيات القطرية والنضالية لدى كل الأحزاب والحركات. كما عليه أن ينخرط انخراطاً فاعلا في الحركات المناضلة على الصعيد العالمي من أجل قيام عولمة مضادة وأممية بديلة.
5- لا يمكن للحزب أن يقوم بهذا الدور المبادر والفاعل إلا بالخروج من المعالجات الإدارية لأزمته الداخلية، فيفتح الحوار على مصراعيه بين الشيوعيين، كل الشيوعيين المنتظمين وغير المنتظمين، ويدعو الذين شاركوا في المؤتمر التاسع والكادرات الشيوعية الأخرى إلى تقييم عمل الحزب خلال هذا العام، من خلال كونفرنس يعقد لهذه الغاية. وهو مطالب، في سبيل ذلك، بالكف عن اعتبار الأزمة أزمة تنظيمية، وإن كانت كذلك فهي ناجمة عن النواقص والثغرات في تنظيم العمل القيادي ونهجه فحسب، الذي يحمل جماهير الشيوعيين المرتبطة بتاريخها الناصع تبعات ارتباكه وتخبطه السياسي، ويزرع الاحباط في نفوس الشيوعيين ويدفعهم إلى مغادرته، ويهيء الظروف لتفتيته وبروز الانقسامات في صفوفه، ويشجع على قيام أطر يسارية بديلة، ولا يحرك ساكناً لمعالجة النتائج الخطيرة لهذا النهج، ومنها النزف المستمر، ما يشجع على الاعتقاد بأنه نهج يرمي عامداً متعمداً إلى حصول ما يحصل، بل وينظم حصوله عن سابق تصور وتصميم ، حتى لا يبقى من الحزب إلا إسمه وقيادة تتضاءل همومها أمام هموم الوطن الكبرى."
‏ كانون الثاني 2005
نشرت النص مقالة بإسمي بناء على طلب القيادة وحتى لا تحسبها عملاً تكتلياً انشقاقياً.


تسارعت الأحداث وتسارعت معها وتيرة الافتراق السياسي عن نهج الحزب، ولاسيما بعد اغتيال رفيق الحريري. لم تصدق القيادة أن الأحداث الدراماتيكية باتت تهدد الوطن بمصيره والدولة بسيادتها، واختارت الأنحياز أكثر فأكثر لجبهة الممانعة ولفريق الثامن من آذار، واتهمت كل المعارضين لنهجها بالانتماء إلى حركة اليسار الديمقراطي، وهذا غير صحيح، وبالانخراط في جبهة 14آذار التي تشكلت ضد السوريين، وهذا صحيح جزئياً لأن المعترضين كانوا راغبين في أن يكون موقف الحزب في هذه الجبهة لا في جبهة الثامن من آذار. وهو خاطئ جزئياً لأن الرغبة بالانحياز إلى فريق الرابع عشر من آذار لم تكن تعني الموافقة على مشروعه. فقد كتبت عدة مقالات في نقد حركة 14آذار التي بدت كأنها نسخة من حركة "التحرر الوطني" التي لا ترى غير الخطر الخارجي، فيما كان مشروعي للحل يتمحور على قضية إعادة بناء الوطن والدولة، لأن عملية التهديم ليست مسؤولية خارجية فحسب.
اتسعت الهوة وباتت غير قابلة للردم بعد اغتيال جورج حاوي. ففي حين كان الرأي العام المحلي والدولي يدين جبهة الممانعة ويحملها مسؤولية الاغتيالات، بدا موقف خالد حدادة بمثابة تبرئة للنظام السوري لأنه وجه الاتهام الغامض إلى النظام الطائفي في لبنان وحلفاء إسرائيل. ولم يتوقف انحدار الموقف عند حد التصريحات بل تعداه إلى المشاركة في المخيم الذي إقيم في ساحة رياض الصلح ضد الحكومة وضد مشاريع إعادة البناء، انطلاقاً من معزوفة الاعتراض على مشروع سوليدير ورأس المال المتوحش.
حتى ذلك الوقت كانت علاقتي الشخصية بالرفاق في قيادة الحزب، ولا سيما بالأمين العام، على أفضل ما يرام، رغم أنني مع بضعة عشر رفيقاً جاهرنا بموقفنا المعارض وكان لنا مرشحونا للأمانة العامة ورئاسة المجلس الوطني وأمانة السر. وأذكر أن مرشحنا للأمانة العامة نال اثني عشر صوتاً فيما نال فاروق دحروج خمسة وعشرين وخالد حدادة ثمانية وثلاثين، فكان موقفنا حيادياً حيال صراع على السلطة داخل القيادة، إذ أثبتت نتائج فرز الأصوات أنه لم يكن سبباً في ترجيح فوز الفائز ولا في خسارة الخاسر.
ثلاثة أمور تؤكد على أن علاقتي الشخصية بالقيادة لم تكن عادية بل ممتازة. الأول هو أن الأمين العام عرض علي، في ربيع 2004، أي بعد شهرين على انتخابه أن أتولي مسؤولية قطاع الثقافة والمثقفين من خارج المكتب السياسي في علاقة مباشرة معه. اعتذرت لسببين، الأول أنني لست في وارد الدخول بالتسلل إلى قيادة الحزب، بعد أن كنت قد ترشحت لعضوية المكتب السياسي ولم يحالفني الحظ، حتى لايشكل ذلك إساءة إلى علاقتي برفاقي المعارضين في اللجنة المركزية، وإساءة كذلك إلى شفافية الأمين العام أمام المكتب السياسي، والثاني أن خلافاً كان قد بدأ يظهر داخل القيادة بين اتجاهين، ففي حين أعلن خالد حدادة في خطاب حصرايل عن خروج الحزب من كل الأطر التحالفية السابقة، وبشكل خاص من التجمع الوطني للإنقاذ والتغيير كان سعدالله مزرعاني يصر على ما سماه الخيار الثالث بين تجمع البريستول الذي جاهر بموقف معادٍ للوجود السوري بعد محاولة اغتيال مروان حمادة، وتجمع الكومودور المناصر لسوريا، لكنه لم يكن خياراً ثالثاً بل دعوة لمواجهة لقاء البريستول والالتحاق مباشرة بالنظام السوري عن غير طريق الكومودور.
الأمر الثاني حصل بعد أن عقدت حركة اليسار الديمقراطي مؤتمرها وأخبرني الأمين العام برغبته في توجيه التهنئة إلى قيادتها المنتخبة، تعبيراً عن تمسكه بالديمقراطية، واعترافاً بحق الاختلاف. نبهته إلى خطورة قيامه هو شخصياً بهذا الدور لما فيه من مباركة رسمية للانشقاق واقترحت عليه تحصين الحزب ضد الشرذمة، وكان ما كان بشأن النص الذي حمل عنوان، اليسار بين الإنقاذ والأنقاذ. حصل ذلك في خريف 2004.
في حزيران 2005، غداة اغتيال جورج حاوي، أطلق خالد حدادة في مكان الانفجار تصريحاً يصب في خانة الدفاع عن الجهاز الأمني المتهم بعمليات الاغتيال، فتقرر منعه من المشاركة في التشييع وإلقاء كلمة بالمناسبة. دعاني خالد حدادة مع رمزي عواد إلى اجتماع في بيت الأخير في الهلالية بصيدا، ليستشيرنا حول ما يمكن فعله، باعتبارنا أقرب المقربين إليه من بين المعارضين، عارضاً علينا حل المكتب السياسي وإعادة تشكيله. رفضنا أنا ورمزي الاقتراح لأن إضافة اثنين من أصدقائه إلى المكتب السياسي لن تحل مشكلة سياسية معقدة. اقترحت عليه بديلاً من ذلك أن يشكل المجلس الاستشاري، الهيئة الواردة في أحكام النظام الداخلي للحزب، على أن يسمي فيها رفاقاً من ذوي الخبرة والتجربة من الحزب الشيوعي ومن أهل اليسار اللبناني، من مثل كريم مروة وغسان الرفاعي وجورج بطل وحبيب صادق ومحسن ابراهيم وفواز طرابلسي وكميل داغر، وأن يدرج اسمين من حركة اليسار الديمقراطي، نديم عبد الصمد والياس عطالله حتى لو توقّع عدم موافقتهما. وبهذا يكون قد طبق أحكام النظام الداخلي وأبقى هيئات الحزب المنتخبة هي صاحبة القرار، وفتح أبواب الحزب على مصراعيها للنقاش ولم الشمل.
بدا خالد حدادة متحمساً لمثل هذا الاقتراح ووعد بتنفيذه في أقرب اجتماع للمكتب السياسي، لكنه "غادر ولم يعد" بل عاد بعد أشهر بقرار من اللجنة المركزية بتجميد عضويتي فيها إلى أجل غير مسمى، أزعم أنني بسببه دخلت المستشفى لإجراء عملية بسطرة. قال لي أحدهم في حينه، إن المكتب السياسي بدل أن يقر الاقتراح رد عليه بفصلي، بعد أن تأكد أن الاقتراح من تأليفي وتلحيني ولم يحسن خالد حداده الدفاع عنه. والله أعلم.
أقفلت القيادة النقاش وأدارت ظهرها لظاهرة "التسرب" الحزبي، واستخدمت لغة التهديد والوعيد بحق المعترضين على نهج القيادة، ودفعتهم إلى التجمع تحت أي صيغة أخرى، فكانت حركة الإنقاذ. غير أن هذه الحركة حسمت هويتها منذ اللحظة الأولى، فهي لا تبغي انشقاقاً عن الحزب وإلا كانت اختارت حركة اليسار الديمقراطي، بل اختارت أن تسمي نفسها حركة الإنقاذ "في الحزب الشيوعي اللبناني" لأنها ستسعى إلى إنقاذ الحزب لا إلى إحداث انقسامات فيه. مرة أخرى كان رد القيادة عاصفاً: فصل محمد علي مقلد من الحزب بدعوى عمله على تشكيل تكتل انقسامي، وقطع المخصص عن غسان الرفاعي المتفرغ في العمل الحزبي منذ منتصف الأربعينات، أي قبل أن يكون قد أبصر نور الحياة أي عضو من أعضاء المكتب السياسي الذي أصدر القرار.
أعترف بأن حركة الأنقاذ حملت معها أمراض الحزب، إذ سيطر الهم التنظيمي على عملها في المرحلة الأولى، أي هم تركيب الأطر القيادية، مع ما يقتضيه ذلك من استخدام الأساليب القديمة كلها التي سماها المؤتمر السادس أساليب تآمرية، وسيطر على بعض أعضائها هم الظهور الإعلامي ومناكفة القيادة والتنافس معها على اجتذاب القواعد الحزبية. غير أنها، والحق يقال، كانت أكثر حرصاً على وحدة الحزب وعلى تاريخه من القيادة التي عبثت بهذا التاريخ أيما عبث، وعممت وعياً شيوعياً جديداً لا ينتمي بشجرة النسب ولا بالجينات إلى المؤتمرين الثاني والثالث اللذين حضرا الأجواء للحرب الأهلية، ولا للمؤتمر التاسع الذي قرأ تجربة الحرب الأهلية قراءة نقدية وقرر الانخراط في الحل الذي أقره اتفاق الطائف.
مقطع من سيرة ذاتية