العيّل بيجي … من رزقنا!


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 6981 - 2021 / 8 / 8 - 10:22
المحور: المجتمع المدني     

Facebook: @NaootOfficial


“العيّل بيجي برزقه". تلك العبارةُ هي إحدى أشهر "المغالطات المنطقية" التي نستخدمُها يوميًّا في فولكلورنا المصري لكي نُبرّر تمادينا في الإنجاب دون تدبُّر، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من كارثة الانفجار السكاني الذي أدى إلى نقص الموارد والغلاء وعدم استمتاعنا بالتنمية المشهودة التي تحدث بمصر في عهد الرئيس السيسي. تلك المغالطة تُسمى في علم الفلسفة "مغالطة سرير بروكروست Procrustes Bed Fallacy". وتعود التسمية إلى الأساطير الإغريقية التي تحكي عن قاطع طريق اسمه "بروكروست"، كان يستضيف ضحاياه في بيته ويقدم لهم العشاء، ثم يدعوهم إلى النوم على سريره الحديدي. فإذا ما استلقى الشخصُ الضحيةُ على السرير أوثقه بروكروست بالحبال، ثم شرع في “قولبته” على مقاس السرير. فإن كان الشخصُ أقصرَ من السرير، شدَّ قدميه بالقوة، وإن تمزّقت مفاصله، حتى يتساوى طولُه مع طول السرير! وإن كان الشخصُ أطولَ من السرير، بتر الزائدَ من ساقيه! وتعتمد تلك المغالطةُ قول "كلاشيهات" محفوظة أو "قوالب" جاهزة من الأدبيات الفولكلورية، ومحاولة توفيقها وقولبتها قسرًا على أمر آخر بقياس مختلف، مثلما كان بروكروست "يُقوّلب" أجسادَ ضحاياه على مقاس سريره. لا شك أن الله يرزقُ جميع الكائنات ولا ينسى الدودة في شق الجبل، فكيف ينسى مولودًا جديدًا؟! والمغالطة هنا في تغافل الظرف الاقتصادي لمصر الناهضة التي تريد أطفالا أصحاء يتلقون التعليم الممتاز والرعاية الصحية والنفسية الممتازة، وليس مجرد الطعام التي يُقيم الأود.
في افتتاحه المدينة الصناعية الغذائية "سايلو فودز" بالمنوفية، أعلنها الرئيس/ عبد الفتاح السيسي واضحةً ناصعةً دون تجميل أو تزييف: “الانفجار السكّاني أحد أهم أسباب الغلاء". بديهةٌ منطقية، نعيشُها منذ نصف قرن، لكننا ظللنا نتغافل عنها حتى تضخّمت وتوحّشت وصارت حجرَ عثرةٍ أمام عجلة التنمية الراهنة. الانفجارُ السكاني غولٌ أعمى يبتلعُ جميعَ محاولات النهوض ويعرقل البناء ويعطل حلمنا بمنظومة "جودة الطفل المصري وجودة المواطن المصري"، تلك التي وضعها الرئيس السيسي في أولويات خريطة برنامجه الرئاسي. لهذا أطلق الرئيس مبادرة طيبة جديدة للكشف عن الراغبات في الإنجاب من أجل تحسين جودة الطفل المصري، الذي سوف يغدو مع الأيام عمادَ هذا الوطن وأحدَ بُناة أركانه. وطالب الرئيسُ مجددًا بتنظيم الإنجاب فيكون لكل أسرة طفلٌ أو طفلان، لكي تستطيعَ مصرُ تنشئتَه على النحو الممتاز، فنصلُ إلى منظومة "الكيف" وليس "الكمّ". وذاك هو الحلمُ المنشود، حتى "نُباهي الأممَ" بنسلِنا الرفيع: "قيمةً"، وليس "عددًا”.
عزيزي القاري، بمجرد انتهائك من قراءة هذا المقال القصير، سيكون تعدادُ سكان مصرَ قد ازداد 45 مولودًا جديدًا. ومع تصفّحك جريدة الغدِ بإذن الله، ستكون مصرُ قد استقبلت 4320 شخصًا جديدًا يحملون الجنسية المصرية، وينتظرون الطعامَ والتعليمَ والرعاية الصحية والنفسية والسكن والوقود. يخبرنا الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن هناك مولودًا جديدًا كل 20 ثانية! تصوّرْ عزيزي القارئ أن تعدادَ مصر منذ 150 عامًا كان خمسة مليون نسمة، وأصبح اليوم 103 مليون! تصوّروا أن تعدادَنا عام 1960 كان 25 مليونًا فقط! كيف تضاعف عددُنا أربعة أضعاف خلال ستين عامًا؟!
تشير البياناتُ والإحصاءات إلى أنه حال استمرار مستويات الإنجاب عند المستوى الراهن، سوف يتضاعف عددنا خلال عقود قليلة، وسيكون لهذا أثرٌ كارثيّ على النمو الاقتصادي وتدنّي مستوى المعيشة لدى المواطن المصري، مهما تسارعت عجلة التنمية.
شكرًا للأزهر الشريف الذي اتفق مع دار الإفتاء المصرية على شرعية وحتمية مساندة الدولة المصرية في خطتها الراهنة لمواجهة كارثة الانفجار السكاني. ذاك أن الانفجار السكّاني الراهن يلتهم جميع محاولات النهوض الذي تصنعه الدولةُ المصرية الجديدة في عهد الرئيس السيسي، علينا الآن الآن وليس غدًا أن ننتبه إلى الخطر الداهم المحيط بنا. علينا أن نُقرَّ ونعترف أن اتحادنا معًا، شعبًا وقيادةً ومؤسساتٍ، لتنظيم حملة قومية فعّالة لتنظيم الإنجاب، هو السبيلُ "الأوحد" لدعم الجهود الحقيقة الراهنة للنهوض بمصرَ وتذوّق رحيقَ ثماره الدانية.
تسعى مصرُ اليومَ إلى الارتقاء بالمواطن المصري الجديد صحيًّا وتعليميًّا ونفسيًّا وفكريًّا من أجل ارتفاع مؤشر السعادة لدى الشعب المصري. ولا سبيل إلى ذلك إلى بتضامّنا معًا لإنجاح خطة الدولة المصرية في النماء الاقتصادي، الذي لابد أن يواكبه تنظيمُ الإنجاب، حتى تمام مرحلة النهوض والارتقاء. “الدينُ لله والوطنُ لمَن يساند ارتقاء الوطن.”
***