اليوم الذي هز تونس .


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 6975 - 2021 / 8 / 1 - 15:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كان يوم 25 جويلية 2021 لحظة فارقة في تاريخ تونس الراهن، فقد تطلب الأمر ساعات قليلة لتجريد الإسلام السياسي من أغلب سلطته . .كانت تلك خطوة لم يكن يصدق كثيرون قطعها خلال أشهر فما بالك بيوم ، فقد اقتضى التخلص من سلطة زين العابدين بن على شهرا سقط خلاله عشرات الشهداء والجرحى، بعد حكم تواصل ربع قرن ، بينما لم تستمر سلطة الغنوشي المضطربة غير سنوات عشر ، كان نهار ذلك اليوم طويلا وليله أطول .
جاءت المظاهرات سريعة ، مباغتة ، واسعة الانتشار ، شبان في ربيع العمر ، ذكورا واناثا ، يسيرون بثبات رغم الحر الشديد ، متكاتفين متآزرين ، ومطلب سياسي رئيسي على شفاههم : حل البرلمان . غير آبهين بالمخاطر، متسلقين الجدران ، ملتقطين قنابل الغاز ، كانوا في أغلبهم دون شغل وثروة ، ولا شيء بين أيديهم سيخسرونه، هدفهم دفن منظومة سياسية فاسدة ،فيما يشبه الانتقام منها ، فقد سرقت منهم كل شيء حتى الأمل .
كانت المواجهات مع جهاز قمع المظاهرات قاسية وضارية ، ودارت غالبا على مقربة من مقرات حركة النهضة الحاكمة ، التي تم اقتحامها وحرق بعضها ، في مشاهد تذكر بمنتفضي 17 ديسمبر قبل عشر سنوات وهم يدكون مقرات التجمع الدستوري بالحجارة وقنابل المولوتوف. ربما كان أولئك أبناء هؤلاء .
امتدت المواجهات حتى ساعات الليل ، متنقلة من حي الى حي ، ومن مدينة الى أخرى . كانت تونس تتجول في أرجاء نفسها وقلبها في يدها يقاتل ، وعندما انطلقت صواريخ قيس سعيد بعد طول انتظار من منصاتها لتصيب أهدافها بدقة ، كانت استراحة المحاربين فغمرت البهجة القلب النابض بالحب والغضب وغصت الشوارع والساحات بالمحتفلين .
كانت صدمة حركة النهضة كبيرة إزاء ما حدث ،وجاءت تصريحات قيادتها متناقضة مضطربة في البداية ، وعندما هبت الى مقرها المركزي لعقد ندوة صحفية حول المظاهرات لم يطل خطاب التهديد والوعيد الذي أطلقته ، فقد أدركتها قرارات قيس سعيد المفاجئة هي الأخرى فاختنقت العبارات في الحلق : إنه الانقلاب .
لم تجد تلك القيادة من خطة جاهزة في ذهنها للمواجهة غير خطة رابعة المصرية ،وحدثتها النفس باعتصام أمام البرلمان في ساحة باردو، يبدأ بمطالبة حراسه الجدد بفتح الباب ، وعندما طلبت نائبة رئيس البرلمان المجمد الجندي بعنجهية الديمقراطيين المزيفين يذلك تحت رقابة عدسة هاتف حوال ، قائلة انها أقسمت على الدستـــور أجابها أنه أقسم على الولاء للوطن .
ظل اعتصام حركة النهضة خطة غير قابلة للتنفيذ ، فقد ذهبت سدى دعوات شيخها أتباعه الى الالتحاق به ، وربما كان ذلك سبب مغادرته ساحة باردو، خاصة أن حجارة المحتجين ضده قد بلغت بلور سيارته الفخمة ، التي كان مرابطا فيها قبل أن ينســـــــج الأتباع على منواله فيبرحون المكان.
ويبدو أنه منذ ذلك الوقت تم البدء بتنفيذ خطة أخرى ، تقوم أولا على تجييش الأتباع والأصدقاء وكسب المترددين ضد الانقلاب المزعوم داخليا ، وثانيا التظلم لدى الدول والمنظمات خارجيا باعتبارها حارسة الديمقراطية التونسية ، وثالثا إصدار تصريحات متضادة تفيد الوعد والوعيد، الترغيب والترهيب ، تشتيتا لانتباه الخصم ، ورابعا الهجوم دفعة واحدة بمسيرات في شكل أمواج ، واذا لم تنجح بقرار أمني عسكري استعملت الجهاز السرى المتهمة بحيازته لتنفيذ عمليات إرهابية .
وهذه الخطة لا تختلف من حيث الجوهر عن خطة الاخوان في مصر، وقد جربت في أرض الكنانة ولم تنجح وجلبت على أصحابها من المغامرين المقامرين الوبال ، ولا شيء يفيد أنها ستنجح في تونس فالأرجح هو غرق الحركة في بحر شعب كافر بها ، حانق عليها ، فضلا عن أنها ستكون في مواجهة رئيس يهمه التاريخ والوطن أكثر من حياته ، تسكنه فكرة مواصلة الانفجار الثوري التونسي من داخل الشرعية، كلفه ذلك ما كلفه .