أفتراض تصور العالم الافتراضي


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 6960 - 2021 / 7 / 16 - 23:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

تكلمنا في مقال سابق حول فكرتنا عن مستقبل المجتمع الإنساني في ظل الثورة الرقمية القادمة التي من علاماتها الخاصة طغيان التفكير الممنهج المستند على المعادلات الرياضية الخوارزمية وتطبيقاها على شبكة الأتصالات العالمية , وما ينتج عنها من توفر فرصة نوعية لفرض نظام أقتصادي وسياسي جديد تتحكم به قوى البرمجة والإدارة والتصميم حينها تفقد المعادلة الأقتصادية والمالية الحالية دورها وأهميتها وحتى قوانينها لصالح هذه المنظومة المتعددة الاستخدامات والتدخلات في جميع نواحي الحياة دون أن يتوقع أحد من البشر يتصور أن يضع حدود لها خاصة مع ما توفره من سهولة ويسر في إدارة الأعمال والأنتاج والتواصل لتحول الأرض إلى عمارة سكنية واحدة .
الإشكالية التي يثيرها هذا التطور ليس في ما تطرحه من مستحقات وخصائص نوعية على بنية النظام العالمي وتطور العلاقات المجتمعية بما فيها أبسط العلاقات من داخل الأسرة الواحدة وأنتهاء بأعقد وأدق وأوسع العلاقات الكونية المتشابكة والمترابطة فيما بينها , السؤال هو كيف يمكننا الآن التهيؤ والأنتقال لمرحلة المجتمع الرقمي وخاصة فيما يتعلق بالمجتمعات والبلدان التي تفتقد إلى القواعد المؤسسة أو ما يطلق عليها البنى التحديدية التي تتناسب وعالم مرعب يبدو لمن لا يفهم حقيقة هذا العالم وسيرورته التكوينية ,المجتمعات المتقدمة والتي تمتلك كم هائل من المؤسسات والأطر المناسبة قد لا تعاني من صدمة الأنتقال لأنها أولا تعي هذه المشكلة والثانية أن لديها ما يكفي من عوامل ومقدمات ومعطيات تستطيع بها مواجهة هذه الحقبة القادمة ,بل وأن كثيرا من المجتمعات شرعت من الآن بتهيئة الأجواء وأعداد الخطط والبرامج التي تؤمن أنتقال طبيعي ومتناس للعالم القادم من خلال مثلا التعليم وإعداد الحكومة الإليكترونية وربط مفاصل المجتمع والدولة بقواعد بيانات واسعة ودقيقة لتمثل وجها من أوجه الأنتقال الطبيعي للعالم الجديد .
الأكثر إثارة في طريقة تعاملنا كمجتمعات ما زالت في طور التلقي والإعداد أننا لا نخشى حقيقة ما سنواجهه في المدى القريب والمتوسط من إتساع الهوة الفارقة بيننا وبين بقية المجتمعات التي أعدت وأعتدت ما هو ضروري وحساس لعملية الأنتقال , والمشكلة إن هذا العدم من الإحساس سيضعنا أمام أستحقاقات كثيرة ومنها إرادتنا ستكون مرهونة بما يمنحنا الأخرون من فرص كما أن وعيننا المتخلف لا يمكنه أن يستدرك الأخطاء العملية والعلمية بما يضيع علينا فرصة اللحاق والمسايرة , والسب كله يعود لجملة النظام الحياتي الذي نعيشه من علاقات أقتصادية مشتتة ونظم سياسية متهالكة ومنظومة تعليم وتأهيل في غاية التخلف كما أن فقداننا للعمل المؤسسي والجمعي وغياب الرؤية الكونية الواضحة والشفافة ساهم إلى حد بعيد في عتامة المشهد القادم وتخبط في تلمس الخيارات الأنسب.
علينا فعل حقيقي يتمثل أولا بإعداد الدراسات العملية وبناء منظومة علمية متكاملة وفق منهجية ترسخ فكرة النظام الرقمي العالمي الجديد الذي سيتجاوز عالم العولمة وما بعد العولمة ,مشملا على تصوير هذا العالم الأفتراضي والعيش ضمن أجواءه العامة والخاصة في محاولة لاستنباط طرائق ومعالجات حقيقية تقودنا ليس فقط للفهم بل للعمل المشترك مع سائر المجتمعات وكيفية تقويم القيم والعلاقات الراهنة بحيث تكون قادرة على قيادة المجتمع لهذا التحول أو لربما بناء شبكة قيم جديدة وقوانين تمهيدية وسلسلة من الأفكار التي تجسد الرؤية الأفتراضية ومن ثم النزول للقاعدة الواقعية للمجتمع وبسط كل الأفكار المستحصلة على واقعنا لتمتحن وتتخذ لها أرضية عمل تبنى حولها الخطوات العملية القادمة .