العقل المتجدد ودوره في صناعة مجتمع جديد


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 6960 - 2021 / 7 / 16 - 08:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

تجديد العقل أم تجديد المعقول
من المصطلحات الغريبة اليوم اننا نسمع بتجديد العقل والكاتب يقصد من وراء ذلك تجديد مفاهيمنا عن الإسلام والإيمان به ، هذا القول نوع من التورية المخادعة التي ترمي إلى مقاصد خفية ، والأولى أن نقول نحن بحاجة إلى تحرير العقل من قيد المسلمات والثوابت ليعيد أولا قراءة نفسه ويسترد وعيه ثم ينتقل إلى مرحلة أكتشاف العالم من جديد والمباشرة في تكوين الرؤية الكونية من منطلق عقلي منفتح ومتحرر ومتجدد، لا يمكن تجديد العقل كقيمة ولكن بالإمكان تجديد وسائل الإدراك والوعي ، ليس صحيحا ان نسمي العملية تجديد العقل إلا إذا قصدنا تجديد التعقل كمنظومة منتجه ومكتشفة وفاعلة والأهم أن تكون متحررة قابلة طوعا للتجديد الذاتي بقدرتها الطبيعية على فعل ذلك وليس بالتدخل الخارجي في كل مرة ، هنا التجديد سيكون شكليا طالما أنه غير طبيعي وغير أصيل
من أهم أسباب بقاء الجاهلية في الفكر العربي التقليدي ومع نزول رسالة الإسلام أن العقل العربي أخذ الرسالة كمجدد خارجي أخذ ما فيها كبناء ولم يأخذها كروح ، لذا تجد أن المدرسة العربانية الإعرابية تصر على التمسك بالمباني والظاهر ولا تريد أن تتغلغل للداخل الفكري ، هذه أحدى أهم إشكاليات العقل السلفي العربي تمسكه بالفاعل الخارجي في التجديد ، مثلا اليوم وأعط مثل دول الخليج والسعودية عموما تجدد البناء المظهري بكل الوسائل الممكنه بفعل خارجي .، لم يبدع العقل عندهم وأقصد به المحلي في تجديد مقوماته تراه بدوي بالتصرف ويسكن في برج خليفة متمتع بأحدث تكنولوجيا ولكنه يؤمن بتعدد الأزواج المفرط ويؤمن بأن الحرمة عورة وأن الدين عنده ما يمثله هو وأن الجنة من ممتلكات طائفته ، لم يتغير ولن يتغير حتى لو أصبح في أعلى درجات التمتع بالتجديد طالما لم يدخل فكرة تجديد نظامه العقلي أولا .
إن عملية صناعة المعرفة تخضع لقانون واحد مر التاريخ عليه وأثبت نجاحه وهو أننا حين نحتاج أن نطور منتجاتنا الصناعية مثلا نحتاج إلى جملة من المسائل أولها تحرر الفكرة الجديدة من النموذج القديم لأنه أصلا قد استهلكته الذائقة وأصبح غير متوافق مع الواقع الآني وإلا لماذا نحتاج إلى التجديد ، في تاريخ الصناعة عندما صنعوا السيارة أول مرة كانت العجلات أو الدولاب مثل عجلات العربات التي تجرها الخيول ، أكتشف القائمون على التجديد أن هناك مشكلة حقيقية في عدم توافق العجلات مع واقع السيارة مما أضطرهم للبحث عن بدائل ، هكذا تطورت الصناعة ، أكتشاف الخلل ونقد الموضوع في كل مرة هو السبيل الوحيد لتلمس طريق التجديد وهذا الطريق يبدأ دوما من فكرة تجاوز الواقع الآني كليا أو جزئيا وعلى مراحل متواصلة .
التجديد إذا ليس في العقل كقيمة لأنه واقع كلي العقل منظومة عاملة تتبع نظام وتخضع للتطور البرمجي لهذا النظام ، الذي يجب الآن وبإلحاح هو تطوير وتجديد البرامج والنظم المشغلة وأن نبتعد عن فكرة الكمال أو الأعتقاد أن هناك فكر خارج تأثيرات الزمن أبدا الزمن هو معيار أي فكر بما يتلاءمان عليها ، أي تأخر في الملاحقة والتلاحق يعني خلل فكري ولا يعني خلل زمني ، بمكن للفكر أحيانا أن يسبق الزمن وهذا نتاج جيد ومقبول بشدة ، لكن الذي لا يمكن قبوله تخلف الفكر عن الزمن بحجة عدم الحاجة للتجديد .
أما لو أردنا بشعار تجديد العقل هو أعادة فرض رؤية خارجية مؤدلجة أو تنتهي في نهايات أيديولوجية محددة فإننا نسير من حيث لا نعلم إلى دفن العقل في مقبرة جديد تشبه نقل ميت من مكان ليدفن في مكان أخر ، الصحيح أن نمنح العقل رخصة التحرر ونرفع عن عينية الغشاوة ونتركه يسير بحرية هو من يحدد قوانينها لأنه مسئول وقادر على أن يتوافق مع قوانين الشمول الطبيعي عندها نتوقع بيقين قوي أننا أمام مرحلة تحولات حقيقية تقود لتجديد الحياة ككل وهذا هو هدف الإنسانية في الوجود .