نفرتيتي تقولُ: -مِن مصرَ دعوتُ حابي-!


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 6958 - 2021 / 7 / 14 - 13:14
المحور: حقوق الانسان     

كأنها تُناجي اللهَ. لهذا تَسامَى عنقُها الطويل الجميلُ لتنظرَ نحو السماء، بعدما خلعت تاجَها الملكيّ، وأشاحت عن مساحيق التجميل والعطور التي تقبعُ في قواريرها الذهبية فوق طاولتها، تنتظرُ أن تلمسَها الملكةُ "الجميلة التي أتت" حتى تتزيّنَ كلما تطلّب منصبُها الشرفيُّ السياديُّ حضورَ مراسمَ رسميةٍ إلى جوار زوجها الملك إخناتون. هي اليومَ مشغولةٌ بأمر جلل يخُصُّ بلادها بشأن “حابي/النيل” واهب الحياة والحضارة لأرض مصر العظمى. الملكةُ الخالدة رفقةَ وزير بلادها "سامح شكري"، يتحدثُ من مكتبه إلى العالم عبر "الفيديو كونفرنس" حول السدِّ الذي شيّدته إثيوبيا لكي تأسرَ مياهَ النيل الجارية؛ فلا يصل إلى شريان "هِبتِه" وهديته/ مصر كما وصفها "هيرودوت" القائلُ: “مِصرُ هِبةُ النيل"، أي نعمته الربّانية ومنحتُه. كان ذلك يوم 29 يونيو 2020، حينما اختار الوزيرُ المحترم "سامح شكري" أن يضع مستنسخَ إحدى بروڤات تمثال "نفرتيتي" على يساره، وعلمَ مصرَ عن يمينه، وهو يُلقي كلمته التاريخية أمام "مجلس الأمن" العام الماضي؛ ليفضحَ موقفَ إثيوبيا الأنانيّ غيرَ المسؤول من تشييد سدٍّ على "منبع النيل" سوف يقتلُ الحياةَ في دول المصبّ: مصر والسودان. وحذّرت مصرُ العالمَ يومَها من أن التهاونَ مع إثيوبيا؛ سوف يُمهدُ الطريق لاستهتارها، فتملأ السدَّ مرةً ومراتٍ في قرارات أحادية رعناء، تهدد السلمَ في أفريقيا.
التمثالُ البهيّ الذي ظهر إلى جوار وزير الخارجية المصري عام 2020 هو نسخةٌ غير مكتملة لرأس الملكة نفرتيتي، دون تاجها الملكيّ ودون عدسات عينيها المشرقتين وكولار ثوبها الأنيق. النسخةُ المكتملة فائقةُ الجمال والإتقان، شاهدتُها في متحف برلين، ووقفتُ أمامها فخورةً وأنا ألمح الذهولَ في عيون الزائرين وأسمع كلماتهم عن إعجاز الفنان المصري، سلفنا المصري الصالح. أتكلم عن "اكتمال" رأس نفرتيتي رغم غياب عدسة عينها اليسرى مع الزمان الذي يأكل الإنسانَ وينحرُ الحجر؛ ولكنه مع ذلك لم ينل من خلود آثرنا العظيم. ذاك هو الكمالُ رغم النقصان. غيابُ عينها اليسرى هو تمامُ الكمال. ففي النقصِ اكتمالٌ، وفي الغيابِ حضورٌ. لهذا يتعمّدُ الفنانُ الفارسي أن يترك غرزةً ناقصةً في السجادة الفارسية الثمينة، ليؤكد على "اكتمال النقصان البشري"، ولهذا كان الرومانُ يبترون أذرعَ تماثيل الحسناوات التي ينحتها فنانوهم العظام.
في تقديري أنها لم تكن صدفةً أن يقفَ رأسُ نفرتيتي الشامخُ في نسخته "غير المكتملة" إلى جوار وزير الخارجية المصري "سامح شكري" في كلمته التاريخية للعالم ومجلس الأمن العام الماضي للحديث عن مخاطر سد إثيوبيا الذي يمكن أن يجلبَ الخرابَ لمصر والسودان، لا سمح الله ولا قدّر، إن لم توقف إثيوبيا تعنّتَها غير الحكيم وخرقَها السافرَ لجميع الاتفاقيات والمعاهدات، واستهانتها بميثاق الأمم المتحدة الذي تقرُّ ديباجتُه بـ"حسن الجوار بين الدول"، ورفضها غير المبرر لجميع المقترحات العلمية المدروسة التي قدمتها مصرُ، لضمان توليد الطاقة الكهرومائية في أثيوبيا بأعلى معدلات الكفاءة، دون الجوْر على حقوق دولتيْ المصب: (مصر والسودان) مع توفير الحماية لهما من أخطار ذلك السد.
رأسُ نفرتيتي المكشوف دون غطاء وعلمُ مصرَ العظيم، يتوسطهما لسانُ مصر الناطقُ بالحق، كان رسالةً صامتة وبليغة من مصر للعالم تشيرُ إلى "قيمة النيل" في أدبيات حضارتنا الخالدة، وأن الدفاع عن حقنا الأصيل والعريق والأبدي في هذا النهر "مسألةُ وجود وحياة" دونها كلُّ شيء. لكن ما حدث خلال العام الماضي، عطفًا على السنوات العشر الماضية، من استهتار وفوضى من الجانب الإثيوبي؛ حتى وصلنا إلى الجلسة الثانية أمام مجلس الأمن في نيويورك الخميس الماضي 8 يوليو 2021، يؤكد أن إثيوبيا لم تلتقطِ الرسالةَ؛ ويُفضي إلى أن سيناريوهاتٍ جديدةً مفتوحةَ المدى مطروحةٌ في جعبة مصر تلوحُ في الأفق؛ من أجل الذود عن حقنا في الحياة، أمام خصومٍ يريدون أن يسلبونا ذلك الحق على نحو غير نبيل وغير مبرر. وندعو اللهَ ضارعين ألا تضطرنا إثيوبيا، ومَن يساندونها في كواليس الحاسدين الحاقدين على مصر، إلى ما لا تُحمد عُقباه فيُمسي الجميعُ في زمرة الخاسرين. الأذكياءُ الشرفاء يخوضون معاركَهم بفلسفة: Win Win. لهذا نرجو أن يساندنا المجتمعُ الدولي في معركتنا الشريفة، وأن يُقرَّ مجلسُ الأمن بمشروع القرار الذي تقدمت به تونس الحبيبة، حتى ينتصرَ الجميع.