على طريق تحقيق سلام عادل في الشرق الأوسط / خلفيات وتأثيرات انتفاضة الشعب الفلسطيني الأخيرة*


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 6955 - 2021 / 7 / 11 - 23:28
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

انتفاضة الشعب الفلسطيني على خلفية المساعي الإسرائيلية للاستحواذ على مساكن فلسطينية جديدة في الشيخ جراح، وما تبعها من عدوان وغطرسة إسرائيلية، ربما سيكون له تأثير يتجاوز حدود الصراع في فلسطين، ليمتد إلى بلدان المنطقة ويؤثر على الكثير من الأدوار الإقليمية والدولية فيها، ومن هنا تأتي أهمية المساهمة في معرفة خلفيات الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة.
سلبيات “التطبيع” مع اسرائيل
جاءت الانتفاضة لتفضح الهدوء الوهمي جراء انخراط عدد من الأنظمة العربية في تطبيع علاقتها مع إسرائيل. ويمكن تفسير الانتفاضة على أنها رد على التهميش الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، على الرغم من السبب المباشر، التهديد بالاستيلاء على منازل فلسطينية في حي الشيخ جراح في القدس. والمعروف أن هذه الصراعات بين الفلسطينيين وسلطة الاحتلال مستمرة منذ سنوات، وأسبابها الحقيقية عميقة الجذور، فعلى الرغم من توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 وتأسيس الإدارة الفلسطينية، التي كان من المفترض وفقًا للتفاهم العام أن تهيئ لقيام الدولة الفلسطينية من خلال بناء المؤسسات، تدهور وضع السكان بشكل مطرد منذ ذلك الحين. ويستمر الاحتلال بكل تداعياته، في بناء المستوطنات، وشن الاعتقالات التعسفية، والقيود المفروضة على حرية تنقل الفلسطينيين، وغيرها الكثير، وقد تعمقت هذه الممارسات خلال عهد ترامب، الذي أطلق يد حكومة إسرائيل لتوسيع وتعميق التعسف.
في التقارب بين إسرائيل وبعض الدول العربية، ورد ذكر فلسطين بشكل عابر، لم يحتل مستقبل فلسطين أي أهمية في المفاوضات. لقد تولد لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انطباع بأن إسرائيل تستطيع إدارة الصراع مع الفلسطينيين على أساس طويل الأمد، اعتمادا على اعتقاده أن المعارضة الفلسطينية ستكون محدودة جدا.
لقد كشفت الأحداث أن هذا الافتراض كان خاطئا. والشعب الفلسطيني لا يقبل القمع الدائم والحرمان من حقوقه المشروعة. لقد تصدر المشهد جيل جديد من الشباب، لا تمثل اتفاقات أوسلو بالنسبة له بصيص أمل يقود إلى إقامة دولة فلسطينية، جيل يعتبر اتفاقيات أوسلو ميتة وبالتالي لم يعد جيل أوسلو يمثله. ان ما شاهدناه انفجار جيل جديد احبطته السياسات الخاطئة.

امتداد المواجهة إلى داخل إسرائيل
الحرب على غزة وامتداد المواجهات إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ترتبط في جزء منها بأزمة الديمقراطية الإسرائيلية. ويعكس اللجوء إلى أربعة انتخابات عامة خلال عامين أزمة مؤسسية دفعت إسرائيل إلى حافة العجز، وأكدت، حتى بالمقاسات الإسرائيلية شرعية ناقصة. لقد خاض بنيامين نتنياهو ومؤسسته العسكرية حربا بلا غطاء برلماني. وظل فراغ السلطة السياسية لصيقا بالمؤسسات الإسرائيلية، ولا ندري مدى قدرة حكومة اليمين المتطرف التي ازاحت نتنياهو على الاستمرار.
على الرغم من ان الكيان الإسرائيلي بني على الاحتلال والاستيطان والإرهاب وتشريد سكان البلاد الأصليين، وممارسة الإرهاب ضدهم، الا أن انفجار الصراع في الداخل الإسرائيلي، ألغى حتى الروابط الضيقة في الأحياء، وأصبح الذعر من هجمات اليمين والمتطرفين الصهاينة الليلية على جدول العمل، وسببا مباشرة لردود فعل عنيفة من ضحايا هذه الهجمات. واستجدت تصدعات خطيرة لا يمكن معالجتها إلا بشكل مستدام من خلال دمج جميع الفئات السكانية كمواطنين متساوين، ولكن هل يمكن لحكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف انجاز مثل هذه المهمة؟

الفلسطينيون والصواريخ
تمثل القدس بالنسبة للشعب الفلسطيني رمزية وطنية جامعة، تسقط أمامه, كل المراهنات. لقد أثارت صور اقتحام قوات الأمن الإسرائيلية للحرم في القدس خلال شهر رمضان وأطلاقها الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية على المتجمعين هناك غضبًا فلسطينيا كبيرًا في جميع انحاء فلسطين. ولم يؤثر على هذا الاجماع الشعبي، التباين في الموقف من إطلاق الصواريخ على إسرائيل في إطار صراع مراكز للسلطة الفلسطينية الرسمية في الضفة والقطاع، والتكتيكات المتقابلة التي تستخدمها هذه المراكز في الصراع العدمي والضار بمصالح الشعب الفلسطيني.

وضع مأساوي
إن استمرار الاحتلال واستمرار سياساته في العزل والحصار وقضم الأرض، والظروف المعاشية المأساوية في القطاع، كلها أسباب تعمق شعور الفلسطينيين بأن ليس لديهم ما يخسرونه. وليس لسكان القطاع أي أمل في التفاوض أو العمل مع إسرائيل، كما تفعل السلطة الفلسطينية، في سياق التعاون الأمني. يدعم سكان القطاع، إلى حد كبير، كل أشكال المقاومة. والمسألة تتعلق، بدعم خيار المقاومة، وليس الدعم السياسي أو الأيديولوجي لحركة حماس. يشترك في المقاومة نشطاء حزبيون من مختلف الفصائل وجمهرة واسعة من المواطنين المستقلين، بعيدين عن تيارات الإسلام السياسي. ويرفض الفلسطينيون، لعبة إسرائيل وحلفائها الإعلامية، بتبرير ارهابها المنظم ضد الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية في القطاع بأطلاق حماس للصواريخ. ويمارس الفلسطينيون حقهم المشروع بالمقاومة لاحتلال استمر منذ أكثر من خمسة عقود، مؤكدين ان مقاومة الاحتلال بكل الوسائل هو استرداد للكرامة.

جيل مقاوم جديد
يبدو أن السلطة الفلسطينية بقيادة فتح تواجه صعوبات جديدة، وينحسر رصيدها الجماهيري، وهناك تيارات من فتح بدت منافسة قوية لتيار الرئيس الفلسطيني داخل فتح. أضف إلى ذلك القناعة التي تتسع بعدم كفاءة أدائها وانتشار الفساد في مفاصلها. وجاءت الغاؤها الانتخابات، حسب مراقبين رضوخا للضغوطات الإسرائيلية، واضعافا للعملية الديمقراطية وتهميشا للناخبين الراغبين في انتخاب من يحكمهم، ربما كان هذا أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبتها السلطة منذ سنوات. لقد بعثت عملية التحضير للانتخابات، بعد سنوات من الركود، الآمال في الحركة السياسية، وعدم تحققها عمق أزمة الثقة بين السلطة والغالبية العظمى من الجماهير. لذلك انحصر نشاطها في الأروقة الدبلوماسية والأمم المتحدة. ولهذا كانت مساحة النقد لها في وسائل التواصل الاجتماعي واسعة. وهناك تقارير تقول إن أنصار الرئيس عباس وحملة صوره لم يكن مرحبا بهم في الاحتجاجات التي شهدتها منطقة الحرم.
صحيح أن مقاومة الشعوب عمل تراكمي، وليس هناك مقاومة وطنية واجتماعية منقطعة الجذور، ولكن ما شهدناه هو ظهور حركة فلسطينية جديدة ومستقلة، وقبل كل شيء، عابرة للحدود. لقد شهدنا أول اضراب فلسطيني غطى كامل فلسطين منذ عام 1936. وكان هناك دعم فاعل في جميع مناطق الشتات الفلسطيني في البلدان العربية وأوربا وامريكا. ان هناك آمالا بأن ما حدث سياسيا، سوف لن يختفي بانتهاء التصعيد. ما يعني أن اتجاهات تطور الصراع مفتوحة، على الرغم أن الفيتو الأمريكي خصوصا والغربي عموما، يشكل دائما المصد السريع لأي ادانة دولية لسلوك حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما أكدته الأحداث الأخيرة أيضا.

التضامن المطلوب
التجربة التاريخية رغم قساوة ما عاشه الفلسطينيون تؤكد تعمق تسييس حياة الفلسطينيين اليومية وتزايد وعيهم. ورفضهم التقسيم، وفق المنطق الإسرائيلي، ليس فقط في الكيانات الأربعة التي تفرضها سياسة الاحتلال: غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وإسرائيل نفسها، وكذلك في جميع أنحاء العالم أيضًا. ولهذا سوف تتزايد الضغوط على السلطات الإسرائيلية، وفرض شرعية النضال من أجل الحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين، ومن أجل المزيد من الحقوق المدنية والديمقراطية داخل اسرائيل. ومن هنا فان التضامن الأممي سيكون مطلوبا في جميع بقاع العالم سواء كان في العراق أو تشيلي أو المانيا.
وأخيرا تبقى وحدة الصف الوطني الفلسطيني على أساس القيم الوطنية والديمقراطية خيارا لا غنى عنه لأي نجاح أو انتصار قادم، وكذلك التعاون والتنسيق بروح أممية عالية بين قوى اليسار والتقدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة وداخل الكيان الإسرائيلي، الذي أثبت في أكثر من مناسبة أهميته في مواجهة العنصرية الصهيونية وكامل منظومة الأفكار المتطرفة.
ـــــــــــــــــــ
* تمت الاستفادة من بعض التحليلات المنشورة في اعلام حزب اليسار الألماني