نعمة الحزن - اسمها محمد 24-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 6946 - 2021 / 7 / 2 - 23:03
المحور: الادب والفن     

-لا تعطِ مفاتيح أحلامك لأحد، فأبوابها تختلف باختلاف الفاتحين…

صباحاتك الجميلة لا تحدث لوحدها، بل تصنعها أحلامك.. قدرتك على التحديّ، الاستمرار، والبدء من الصفر مرات…

وضعتُ كل ذلك أمام عينيّ عندما طلب مني رئيسي في العمل مقابلة لزيادة ساعات عملي في المستشفى الجامعي، كان هذا شيء جيد لأنه يدل على ثقتهم بي، لكنه أيضاً سيذهب بالبقية القليلة من الوقت (الفارغ) التي أمتلكها، وفراغ بعض الوقت عندما تعمل كثيراً وسيلة لشحن همتك وطاقتك…

قلت لأحلام:
-يريدون مني العمل على جميع الجبهات...
-صعب أن تكوني بهذه المهارة.. وفوقها متفرغة تماماً.. لا بيت، لا زوج لا أطفال…
-لا أعتقده السر،، أعتقد الخلل في المنظومة الطبية…
-كيف؟
-لطالما توقعت انهيار النظام الطبيّ الغربي، الأطباء يعملون فوق طاقتهم، وفوقها يقضون وقتهم أمام الحواسيب، يدونون ويكتبون.. بدلاً من قضاء معظم الوقت بين المرضى..
الوقت المتاح لكل مريض قصير، وشركات التأمين الصحي تقرضُ من قلب أبقراط.. ولا ننسى أن الطب الدفاعي ينتشر بدرجة كبيرة..
-ما معنى الطب الدفاعي؟
- الطب الدفاعي، ببساطة هو أن يُجبَر الطبيب على تدوين كل شيء لأن المريض قد يقاضيه لأي سبب…
هذا انتشر كثيراً في الغرب بسبب فتح مجالات كثيرة لمقاضاة الأطباء، مما جعل الكثيرين منهم يطلبون تحاليل لا داع لها، وصور أشعة ليست ضرورية.. يعني من باب " في حال كان هناك شيء آخر، فالطبيب طلب كل شيء ممكن و لن يقاضيه أحد".
-هذا خطير جداً…
-جداً.. أخشى أن الوباء القادم بعد الفيروسات هو انهيار المنظومة الطبية و إرهاق مقدميّ الرعاية…

أنهيت قهوتي الصباحية و حواري -الشيّق دوماً- مع أحلام.. و مضيت إلى العمل..
قررت أن يكون الصباح جميلاً.. الصباحات الجميلة لا تنتمي إلى عوالم الحظ، بل إلى عوالم العمل…
**********

يجب أن تحزن.. الحزن مرحلة لا بدّ منها لصحتك النفسيّة:

يظن الناس أنك عندما تعاني الفقد ولا يكون عندك وقت كافٍ للسماح لحزنك بالتمدد، يجعل حالك أفضل، يعتقدون أيضاً أنك عندما تشغل نفسك عن الحزن تقتله، و هذا خطأ عظيم…

الصحيح هو أن تمنح نفسك الوقت اللازم للحزن، أن تحزن وتفكر في دقائق علاقتك مع الشخص المفقود ( المفقود الميت و الحيّ) .. يعني في حالات الوفاة وخسارة الأشخاص لأي سبب كان أيضاً…

ما يفعله من لا يمنح نفسه فراغ الحزن، هو نقل حزنه -إجباراً إلى اللاوعي- و عندها تبدأ سلسلة من الاضطرابات النفسيّة صعبة العلاج، لعلّ أشيعها في تلك الحالات: اضطراب الحزن المعقد: Complicated grief disorder.


-عليّ، لم تحدثني عن عليا منذ زمن طويل…
-ولم نرَ عمار من زمن أطول…

علاقة عليّ ب هبة تتطور بسرعة انتشار الشائعات في الدول العربيّة، وسرعة الانترنت في أمريكا…
رأى عمار ذلك من قبل أن يحدث، و طعنت قلبه صحة توقعاته…

كيف لا يرتبط عليّ ب هبة كيف لا.. و بينهما تاريخ من الحزن يمر من خلال تيجان ملوك العرب، و يسخر من عمائم تغطي العقول قبل الرؤوس…
كيف لا يتقارب شخصان فيما بينهما تنهمر ضحكات أطفال بلا أمهات!


لم يكن ل عمار عمل طبيّ يأكل وقته مثلي.. قدرته على تقبل خسارة حبيب أقل من قدرتي.. قدرتي الممزوجة بضيق الوقت المتاح للحزن، هذا ما اعتقدته أولاً.. لكن بتفكير بسيط رأيت أن كلانا معرّض لمرض نفسي..
هو معرّض للاكتئاب، الذي عانى منه سابقاً بعد خسارته ل هبة…
وأنا معرضة لاضطراب الحزن المعقد…
هكذا عاد الاكتئاب إلى حياة عمار.. تسلل إلى مفاصل أحلامه، فأعاقها عن الحركة، وهكذا حاولت أنا تخطي حزن الفقد الطبيعي، ففتحت الباب ل اضطراب الحزن المعقد…

ما حدث بعد ذلك يستحق الحديث…


يتبع…

- الرواية تحمل بين صفحاتها الجزء الثالث من رواية عليّ السوري-الحب بالأزرق/بغددة-سلالم القراص