عندما حل الإرهاب / قبل 80 عاما غزت ألمانيا النازية الاتحاد السوفيتي


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 6941 - 2021 / 6 / 27 - 23:35
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

في ساعات الصباح الاولى من يوم الأحد 22 حزيران 1941، غزت جيوش ألمانيا النازية الاتحاد السوفيتي، شارك في الهجوم أكثر من 3 ملايين مقاتل، و3600 دبابة، و7100 بندقية و2500 طائرة، بالإضافة إلى 600 ألف مقاتل من الدول الحليفة: المجر، رومانيا، فنلندا، وسلوفاكيا، وإيطاليا. وكلفت الحرب أرواح 27 مليون مواطن سوفيتي و2,7 مليون جندي ألماني.
كان الهجوم مفاجأة لعدد قليل فقط، فالصورة المعادية لروسيا كانت حاضرة، وكان الهدف إنشاء منطقة اقتصادية قارية مغلقة تهيمن عليها ألمانيا، تصل حتى جبال الأورال. وكان هتلر قد ألمح إلى كليهما في كتابه “كفاحي” وصرح بوضوح في لقاء في 3 شباط 1933 أمام هيئة اركان الجيش والبحرية الألمانية: “احتلال مساحة معيشية جديدة في الشرق وألمنتها بقسوة”. وكان الجواب النازي على كيفية التعامل مع السكان الأصليين: تهجير وتدمير. وكان العدو واضحا بالنسبة للغزاة “اليهود والبلاشفة”. ومعروف أن تلخيصا دقيقا لمجريات اللقاء المذكور، وصل عبر الحزب الشيوعي في ألمانيا، إلى القيادة السوفيتية حينها، لكن ستالين لم يأخذه على محمل الجد. في ظهر ذلك اليوم، تجمع الناس في شوارع موسكو ومدن سوفيتية أخرى، يتابعون، عبر مكبرات الصوت خطاب مفوض الشعب للشؤون الخارجية، فياتشيسلاف م. مولوتوف: “في الساعة الرابعة من صباح هذا اليوم، ودون تقديم أي ادعاءات ضد الاتحاد السوفيتي أو إعلان للحرب، هاجمت القوات الألمانية بلدنا، وانتهكت حدودنا في العديد من الأماكن وعرّضت مدن جيتومير وكييف وسيفاستوبول وكاوناس وغيرها لقصف طائراتها. كما نفذت طائرات معادية أقلعت من قواعد جوية في رومانيا وفنلندا ضربات جوية. واختتم الخطاب بمناشدة عاجلة لوحدة الشعب السوفيتي وإرادته في المقاومة: “ قضيتنا عادلة. والعدو سيهزم. وسيكون النصر لنا “.
دُمرت في غضون ساعات قليلة آلاف المعدات السوفيتية. وكانت الأشهر الخمسة التالية كارثة للشعب السوفيتي. لقد وصل الجيش النازي إلى لينينغراد وموسكو ومصبات دنيبر ودون وكييف وخاركوف. لكن الهجوم السوفيتي المضاد في الفترة من كانون الأول 1941 إلى اذار 1942، اعطى إشارة مبكرة عن الهزيمة المستقبلية للغزاة.
عنصرية غير مسبوقة
لقد استُخدمت العنصرية في أكثر أشكالها وحشية وشمولاً “كمبرر” لقتل وتجويع الملايين وتهجير و”إعادة توطين” عشرات الملايين من السلاف واليهود، وفي نهاية المطاف أيضًا لاستغلال ملايين النساء والرجال المختطفين والنساء كعبيد في ألمانيا وداخل الجيش النازي. وجرى تنفيذ هذه السياسة البشعة وفق “الخطة العامة للشرق” من خلال إبادة السكان اليهود دون استثناء، إبادة جميع قادة الدولة السوفيتية، بما في ذلك الحزب الشيوعي، الكومسمول (منظمة الشبيبة الشيوعية)، والمفوضون السياسيون في الجيش، والمثقفون السوفييت، والكوادر القيادية في الاقتصاد والإدارة. وصدر أمر خاص من هتلر، بتصفية جميع الذكور في المدن الكبرى، وخاصة ستالينغراد؛ وتجويع لينينغراد. وتطبيق استراتيجية الجوع في روسيا وروسيا البيضاء، تنفيذا لسياسة الإبادة الجماعية. وقتل مئات الآلاف من أسرى الحرب السوفييت من خلال الجوع المتعمد وإطلاق النار في معسكرات الاعتقال، والتجنيد الإجباري لأكثر من مليوني سوفييتي (عمال مدنيين وأسرى حرب) في اقتصاد الحرب الألماني. كانت الخطط النازية متلاحقة وذات طبيعة دائمة. وعلى أساسها تخيل هملر قائد قوات اس اس النازية، انه سيكون هناك استيطان ألماني لأكثر من نصف مليون عامل.
لقد حول الهجوم النازي الحرب العالمية الثانية إلى حرب إبادة عنصرية. طبعا هذا لا ينفي القسوة شديدة التي مارسها النازيون في حروبهم ضد بولندا وفرنسا ويوغوسلافيا ودول أخرى؛ لكن منذ بداية غزو الاتحاد السوفيتي، كانت القيادة النازية مهتمة صراحة بإبادة شعوب بأكملها.

إعادة تفسير التاريخ
في عالم اليوم تبذل جهود استثنائية لإعادة تفسير تاريخ الحرب، وتزوير الحقائق. وتلعب اساطير النازيين الجدد دورا محوريا فيها. يزعم هؤلاء أن الهجوم على الاتحاد السوفيتي كان “ضربة وقائية”. وان ألمانيا توقعت هجوما وشيكًا مزعومًا للجيش الأحمر، ويرى مؤرخون أنه حتى هتلر لم يكن ليقول ذلك بشكل أفضل. والأسطورة الثانية تستند إلى فكرة “جيش ألماني نظيف”، وأنه لم يشارك في جرائم النازيين. هذا الادعاء، الذي تم الدفاع عنه لفترة طويلة بعد الحرب، تم دحضه في التسعينات من خلال المعرض الذي أقامه معهد هامبورغ للأبحاث الاجتماعية، حيث بين إمكانية جنود افراد غير نازيين، ولكن الجيش كمؤسسة كانوا على علم بطبيعة حرب الإبادة، وساهم فيها.
ان ثقافة الذاكرة الألمانية يجب ان تهتم بإحياء ذكرى جميع ضحايا حرب الإبادة، وبشكل مناسب.. ولذلك فمن المثير للصدمة أن البرلمان والحكومة ورئيس الدولة في الجمهورية الاتحادية لا يريدون على وجه التحديد إحياء ذكرى ضحايا ذلك البلد الذي كان عليه أن يتحمل وطأة الحرب العالمية. وفي الوقت نفسه، يشير هذا الموقف إلى التحول طويل الأمد في السياسة الألمانية تجاه روسيا، والابتعاد عن سياسة الانفراج، التي كانت ذات يوم تقريبًا سببا في ضمان وجود ألمانيا.