التقليدُ والابتكار … القطارُ والطيارةُ الورق


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 6934 - 2021 / 6 / 20 - 11:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في جلسة شهادة الشيخ "حسين يعقوب" أمام المستشار الجليل "محمد السعيد الشربيني"، خلال محاكمة متهمين في قضية "خلية داعش إمبابة"، سأله القاضي عن "حكم قتل إنسان"، فأصرَّ الشيخ على قوله: (لا يجوز قتل "مسلم”!) وانتبهوا إلى فكرة التخصيص في القتل. وحين سأله القاضي عن معنى الجهاد والسلفية التكفيرية وتكفير الحاكم والدولة، قال الشيخُ: “لا أعلم"، بينما ظلَّ يتكلم على مدى 43 عامًا بوصفه أعلمَ أهل الأرض، حتى أعلن المتهمون بالإرهاب أنهم قد استقوا أفكارَهم من فتاوى الشيخ يعقوب وأمثاله! وهنا نتأمل الفارق بين مَن "يفتي بتكفير الناس" وهو آمنٌ في بيته، ومَن "يُقلِّد" فيحمل السلاح ويقتل الأبرياء ويهدم الأوطان.
"التقليدُ"، هو أن يُقلّدَ إنسانٌ إنسانًا، دون تأمل ما يُقلِّد: إن كان حسنًا أم سيئًا، صالحًا أم طالحًا، تقوى أم إرهابًا، حتى يتحول المقلدون إلى مجموعة من عرائس ماريونيت تنفّذ ما يُملى عليها ولو كان شرًّا وويلا، مثل أولئك الإرهابيين في “خلية داعش” الذين سمعوا شيوخ التكفير، فحملوا القنابل ونزعوا الفتيل وأهرقوا الدماء. أما "الابتكارُ"، فهو أن يُفكّر كلُّ إنسان ليصنع الطيّبَ الصالحَ للمجتمع، فتتطور البشريةُ وتزدهر الأممُ وتُشرق على الوطن شمسُ التحضّر. التقليدُ قطارٌ مُبرمج بليدٌ لا يعرف إلا السيرَ على قضيبين. إن حاول أن "يُفكّر" حاد عن القضبان وصنع كارثة. أما الابتكار، فهو طيارةٌ ورقية حُرّة تبتكر في كل لحظة مساراتها الصالحة في فضاءات لا تعرفُ القضبان. التقليدُ قولبة في صندوق حديدي مظلم، والابتكارُ تحليقٌ في رحاب الرحمن الرحيم. ولكن، هل يجوز الابتكارُ في الابتهال إلى الله تعالى؟ نعم. يجوز، بل هو مطلوب.
دعوني أحكي لكم عن إمام أحد المساجد في دولة المغرب، فاجأ المُصلّين في صلاة الجمعة قبل سنوات بأدعية مبتكرة تنهلُ من جوهر الإسلام السمح ومن روح الله الذي أمرنا بكل ما من شأنه أن يجعل منّا بشرًا ممتازين متحضرين. فبماذا دعا الشيخُ المغربيُّ ربَّه وربَّ العالمين؟ قال:
اللهم علّمنا احترامَ الوقت، والثقة بالإنسان، وتقديرَ المرأة، والرحمة بالناس، والشغفَ بالعلم، وحُبّ الكتاب. آمين.
اللهم ابعد عنّا روحَ التقليد، واغرسْ فينا روحَ الابتكار. آمين
اللهم حرّرنا من الجمود والتحنُّط العقلي ودرّبنا على ترقية عقولنا، واجعلنا لا نخاف من العلم. آمين.
اللهم ازرع فينا روحَ السلام وابعد عنّا شررَ العنف. آمين.
اللهم اغرس فينا ملكة النقد الذاتي، وارفعنا إلى مستوى النفس اللوّامة. آمين.
اللهم حبّب إلينا الحوار واجعلنا نتقن فنّ الإصغاء إلى الآخر، وارزقنا الصبر على مخالفينا في الأفكار. آمين.
اللهم ارحمنا من نار التعصّب وامنحنا روح التسامح. آمين.
اللهم علّمنا ألا نُلقي النفايات في الطريق، وأن نحافظ على بلادنا نظيفة أنيقة. آمين.
اللهم علّمنا الأناقة والتحضّر في كل عمل، واجعلنا نُحسن العمل ونتقنه، ولا نتلفّظ إلا بالألفاظ الكريمة وأن نُحسن التعامل مع جميع خلقك. آمين.
اللهم علّمنا ألا نُسرع في إدانة الآخر، وأن نكفّ عن تكفير الناس وزندقتهم، وحبّب إلينا الاختلافَ والتعددية. آمين.
اللهم امنحنا القدرة على ضبط النفس في لحظات الانفعال، واخمد فينا نار الغضب والشهوات. آمين.
اللهم علّمنا النظافة وروح الجمال ودقّة المواعيد وإتقان العمل والذوق الرفيع في قيادة السيارات. آمين.
اللهم امنحنا عشق زراعة الورود والاهتمام بالأشجار وكراهية الغبار والتلوث والفوضى والتسيب الوظيفي والإهمال في العمل. آمين.
***
انتهت أدعيةُ الشيخ المغربي، وفي الختام أدعو الَله قائلة:
اللهم علّم أئمتنا أن يفتحوا قلوبَهم وعقولهم على رحاب الوطن والإنسان، فيدعون الَله بما يُصلِح حال مصر الطيبة، بدلا من الدعاء بالويل على المخالفين لنا في العقيدة أو الطائفة أو المذهب أو الملّة.
اللهم نجّنا من تجّار الدين المرتزقة الذين أفسدوا علينا ديننا ودنيانا، وسرقوا منّا أعمارنا وأوطاننا ومستقبل أولادنا. وارزقنا شيوخًا صالحين يعلّمون الناسَ محبةَ الناسِ والوطن ويدعون الله بكل ما ينتصرُ للإنسان؛ حتى نردد وراءهم: آمين؟ “الدينُ لله والوطنُ لمن ينهضُ بعقول أبناء الوطن.”
***