مع جريدة المستقبل حول خلافة السيستاني 3/3


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 6922 - 2021 / 6 / 8 - 18:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أما عن العامل الثاني المتعلق بمقتدى الصدر فيقول المحرر السياسي: «في كواليس التيار الصدري هناك همس حول طرح السيد مقتدى الصدر كمرجع أعلى بعدا كبيرا شعبيا بعد السيد السيستاني كونه يملك تيارا، وأنه قد أكمل دراسته الحوزوية في البحث الخارج مؤثرا حسب قول مؤيدين، وأنه مؤهل لمثل هذه المهمة خصوصا إذا ما علمنا إن التيار الصدري كسر كثيرا من القواعد والأعراف الكلاسيكية في الحوزة، وذلك في حياة السيد الراحل محمد الصدر». وهذا أيضا لا يمثل معلومة جديدة انفردت بها (المستقبل)، فالكلام حول ذلك يتداول منذ مدة. لكن مقتدى الصدر لا يملك مؤهلات المرجعية حسب المعايير التي سارت عليها تقاليد النجف، لكنه سيكون حصرا مرجع الصدريين، بل هو اليوم يضاهي مكانته عندهم مكانة الإمام المعصوم، كما إن اليعقوبي مرجع خاص لحزب الفضيلة، لكن هذه المرجعية المحصورة في الصدريين يجب حساب تبعاتها الخطيرة في كل الأحوال.
وتتكلم المقالة عن «وجود أسماء كبيرة من الطبقة الأولى من المراجع كالسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ بشير النجفي والشيخ إسحاق الفياض»، وهنا لا بد من القول رغم أننا نتمنى ألا تكون هناك مرجعية دينية معنية بالشأن السياسي، لأن ذلك هو ممارسة ولو مخففة للإسلام السياسي الذي نرفضه، لكني أقول إذا كان العراق كان لا بد له أن يمر بتجربة المرجعية المعنية بالشأن السياسي، فهو محظوظ بأن ذلك تمثل بشخص السيستاني، لأن الثلاثة الآخرين الذين ذكروا لا يملكون أي وعي سياسي، وكان تدخل أي منهم في الشأن السياسي سيفرز حالة كارثية وسلبيات وأضرارا أضعاف ما حصل.
أما كلام المقالة عما أسمته بـ «الطبقة الثانية»، فسأتناول اسمين من ثلاثة أسماء طرحتها، لأني لا أعرف الثالث:
1. حسين إسماعيل الصدر: هو صحيح مرجع ليبرالي وقريب جدا من العلمانية، وهو معجب بالغرب وصديق له، لكن ليس له فرص تبوؤ موقع المرجعية العليا، وحاولت أمريكا أن تدعمه بغبائها بأموال خيالية، متصورة أنها بهذا الطريقة يمكن أن تصنع مرجعا يكون صديقا لها، وهذا يدل على أمية أمريكا في موضوع المرجعية.
2. محمد اليعقوبي: هو مرجع حزبي سيبقى مقلدوه محصورين في أعضاء حزب الفضيلة، ولن تتعدى مرجعيته حدود حزبه، ثم هو ذو نفس شديد الطائفية.
ولذا قال كاتب المقالة محقا: «فالواقع يقول إن هذه الأسماء ليست قادرة على قيادة الشارع الشيعي، كما إنها لا تحظى بإجماع الحد الأدنى من الشارع أو المؤيدين»، ولو إننا نتمنى ألا يكون هناك مرجع يقود الشارع الشيعي، بقدر ما يرجع مقلدوه إلى فتاواه في الأحكام الشرعية غير السياسية.
أما ما نتطلع إليه كعلمانيين بشأن خلافة السيستاني، مع إننا نعتمد الفصل بين الدين، فيما هو الفصل بين المرجعية الدينية العليا وشؤون الدولة والسياسة، فأقول من حيث المبدأ وفي حال عدم وجود جمهورية إيران الإسلامية ونظام ولاية الفقيه القائمة عليه، فنحن نرى إن المرجع الديني ليس شأنا سياسيا قط، بل لأننا رغم دعوتنا للعلمانية بالفصل بين الدين والسياسة، نؤمن بحرية الدين والعقيدة، كنا سنتمنى ألا يكون هناك خليفة للسيستاني، ولا يكون بالضرورة مرجع أعلى واحد، بل أن تتعدد المرجعيات الدينية للشيعة، وتكون حصرا من اهتمامات الشيعة المتدينين، لأن السني حتى المتدين لا يرجع إلى فقه مرجع شيعي، كما إن الشيعي غير المتدين لا شأن له بذلك أيضا، لأنه غير ملتزم أصلا بالأحكام الشرعية حتى يكون مضطرا لاتباع مرجع يعلم منه حلال الدين وحرامه، أما غير المسلم من أتباع الديانات الأخرى والمؤمن اللاديني والملحد واللاأدري كمواطنين وجزء من مجتمعنا العراقي، فمن قبيل الأولى ألا تكون لهم علاقة بالمرجعية الدينية، خاصة إذا كانت مرجعية دينية محضة وغير مُتَسَيِّسَة طوعا أو مُسَيَّسَة رغما عنها، وهكذا هناك مسلمون شيعة متدينون، حتى لو مثلوا أقلية، لهم رؤية ذات أرضية متينة بعدم وجوب التقليد. ولذلك لا أرى من الصحيح وجود مرجع أعلى وحيد، بل ليقلد المقلدون من الشيعة كل من يشاء من المجتهدين.
لكننا مع أخذ دور النظام الإيراني، يمكن أن نتمنى مرجعية دينية للشيعة في النجف لها أتباعها بين كل شيعة العالم، تكون بعيدة عن السياسة، حتى لا تنفرد مرجعية ولاية الفقيه الإيرانية بشيعة العالم، ذلك لغاية أن يأتي زمان ينتهي فيه تأثير ولاية الفقيه الإيرانية، وينتهي فيه إضفاء القداسة المبالغ بها، وغير الراجحة حتى دينيا، على رجال الدين عامة والمراجع خاصة، فهم بشر كغيرهم يصيبون ويخطئون ويحسنون ويسيئون. من هنا قد يكون نافعا أن تبرز مرجعية أحد اثنين، الأول كمال الحيدري إذا ما قرر المجيء إلى النجف، لكنه ربما سيحارب بشدة، أو محمد رضا السيستاني، لاحتمال أنه سيسير على نهج أبيه، لا فيما سلكه في السنوات من 2005 حتى 2014، بل بما انتهى إليه من اقترابه كثيرا من الاتجاه العلماني، ومن نظرية محمد مهدي شمس الدين في نفس ولاية المرجع. وكما ذكرت في مقالة لي عن كون توقف صلاة الجمعة منذ نهاية كانون الثاني 2020 بسبب كورونا، قلت فيها إن هذا يمثل دورة تدريبية للشعب العراقي، في عدم الحاجة للانتظار من جمعة إلى جمعة لمعرفة آخر موقف سياسي للمرجعية. فالمرجعية الدينية محترمة طالما بقيت مرجعية دينية فقط، مع إقرارنا بوجوب وجود مرجع معتدل غير مؤمن بالإسلام السياسي، كي لا يترك فراغا تملأه ولاية الفقيه الخامنوية المتطرفة، لتضيف إلى وضعنا الكارثي كارثية أخرى أعظم وأشد.
06/06/2021