ضيف على الروزنامة: جابر حسين الزُّوْلْ!


كمال الجزولي
الحوار المتمدن - العدد: 6909 - 2021 / 5 / 25 - 23:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الإثنين
درج الحزب الشيوعي على وضع برامجه الاقتصادية بالتضاد مع روشتات البنك والصندوق الدوليين. وظلت مواقفه تجاههما تشكل بنياناً نظريَّا للذهن الجمعي وهو يخوض معاركه في مواجهة الأنظمة الشمولية التي تستجيب لشروط المؤسستين على طريق التَّطوُّر الرأسمالي. لكن سياسات الحزب ظلت، أيضاً، تأخذ في اعتبارها تغيرات الواقع عبر ما تعكسه وثائقه، ومستخلصات مؤتمراته التي عقد آخرها في أغسطس 2016م.
مناسبة هذا الحديث بروز رأي داخل الحزب ربَّما اختلف شيئاً عما ظل سائداً فيه، وإن لم يكن خروجاً عليه. هو، على أية حال، رؤية فكرية تستند علي "متغيرات العصر" نفسها التي سبق أن تناولها الحزب في كثير من وثائقه. هذا الرأي جاهر به، بشجاعة وموضوعية، د. صدقي كبلو، في حوار اجرته معه "ألترا سودان"، ونقلته عنها "الراكوبة"، في 9 أبريل 2021م، حيث قال: "يجب أن نفاوض المؤسسات الدولية من منطلق سيادتنا الوطنية. السودان نفذ جميع شروط الصندوق، ويجب أن يحصل على المقابل. أمَّا المواقف التي ترفض التعامل مع المؤسسات الدولية، فغير واقعية". واستطرد قائلاً: "التصريحات التي تطالب بعلاقات إنتاج لا رأسمالية غير واقعية، ما في حاجة اسمها إنتاج لا رأسمالي كما يردد بعض اليساريين، وهذا هروب من الإجابة على أسئلة ملحة، وعدم دراية بالاقتصاد السياسي"!
رأي الحزب "السائد" عبر عنه القيادي الآخر كمال كرار، حيث قال في حوار مع "الراكوبة" في 6 يناير2020م: "سياسات صندوق النقد ليست جديدة في السودان فقد استمرت طيلة 41 عاماً كانت نتيجتها المباشرة افقار غالبية الشعب، وتدمير الاقتصاد، مما تكشف عنه المؤشرات السالبة (عجز الميزان التجاري، عجز ميزان المدفوعات، عجز الموازنة، ارتفاع معدلات التضخم، انهيار سعر العملة الوطنية .. الخ)، لا يمكن أن نجرب المجرب، سياسات الصندوق نفسها، وهو ذراع الإمبريالية العالمية، تريد اخضاع الشعوب، ونهب الثروات، والتحدي الآن أمام الشعب السوداني، وكل الشعوب التي ترفض الهيمنة، ألا ترهن القرار الإقتصادي لمشيئة واشنطون، وأن تدير السياسة الاقتصادية بحسب تطلعاتها وآمالها".
هنالك، إذن، موقفان داخل الحزب من الصندوق والبنك، وكلا صدقي وكرار يعلمان محتوي بيان الحزب بعنوان "نحو سياسة أقتصادية بديلة" الصادر في8 أغسطس2020م، والذي وصف الحكومة الإنتقالية بأنها "تستجيب كليا لشروط الصندوق والبنك"، وهذا يستدعي توحيد الموقف، وتضمينه الوثائق الرسمية، خاصة وأن هنالك خطوات حثيثة نحو المؤتمر السابع.

الثلاثاء
الثالث من مايو هو اليوم العالمي لحرية الصحافة، واستقلال وسائل الإعلام، وتكريم الصحفيين الذين فقدوا حياتهم أثناء ممارسة مهنتهم، وذلك حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1993م، إثر توصية من المؤتمر العام لليونسكو عام 1991م، جاء فيها "يُتَّخذ هذا اليوم العالمي مناسبة لإعلام المواطنين بانتهاكات حرية الصحافة، والتذكير بأنه، في عشرات البلدان تمارَس الرقابة على المنشورات، وتُفرض عليها الغرامات، ويُعلَّق صدورها، وتُغلَق دور النشر، بينما يلقى الصحافيون والمحررون والناشرون ألوانا من المضايقات والاعتداءات والاعتقالات وحتى الاغتيالات".
مرت هذه الذِّكرى، قبل أيام، و"جُل" صحفنا، في سودان ما بعد الثورة، لا تزال هي نفس صحف النظام المندحر، بذات سياساتها، ومناهجها، وأطقم محرريها، تنشر الشائعات، والأكاذيب، وتشوه ممارسات وخطط الفترة الإنتقالية، فلا يزال إسحق فضل الله، وحسين خوجلي، وأمثالهما، يسودون الصفحات، يومياً، نكاية بالحكومة الانتقالية، وبنشطاء قوي الثورة، فبأي حق، تري، وبأي قانون يسرحون ويمرحون؟!
وننتهز هذه السانحة لتذكير حكومتنا، خصوصاً وزارة إعلامها، بضرورة إيقاف الصحف والمجلات التي تنتمي، سياسيا وأخلاقيا، لفكر وممارسات النظام المندحر، وليس ذلك إلا ما نص عليه إعلان الحرية والتغيير، وكرسته الوثيقة الدستورية رغم عوارها!
وبهذه المناسبة الجليلة أحيي الصديق صديق محيسي الذي أثرى المكتبة بكتابه القيم "الصحافة السودانية والأنظمة الشمولية ــ قراءة في سيرة الإستبداد السياسي"، الذي صدرت طبعته الأولى في 379 صفحة من القطع الكبير، عن "دار الحضارة للنشر" بالقاهرة، في مارس2016م، وقد غطى سنوات ديكتاتوريتي النميري والبشير، مع ملاحق لقوانين الصحافة، و"ميثاق الشرف"، وانتهاء بمذكرة كمال الجزولي في نقد القانون، والتي نشرتها "الراكوبة" بالسبت14 ديسمبر2013م.

الأربعاء
يظل اقرار نظام الحكم من القضايا الكبيرة التي يتوجب النظر إليها بمسئولية لمصلحة مستقبل السودان. فقد سبق لجلِّ القوي السياسية والمدنية أن تواثقت على ترك قضايا الحكم المحلي، وهوية السودان، وتقاسم الثروة، للمؤتمر الدستوري الذي ينعقد عند نهاية الفترة الإنتقالية، بمشاركة كل شعوب السودان. لكن، للأسف، جاءت اتفاقيات سلام جوبا بين الحكومة والجبهة الثورية في 3 أكتوبر 2020م، لتقر نظام الحكم الفيدرالي، على أن يجري ذلك بعد عقد مؤتمر الحكم المحلي. تلك الإتفاقيات عدلت الوثيقة الدستورية، فأصبحت تعلو عليها، حد أن غدت الوثيقة بلا روح، ولا جدوي. ومما زاد الأمر سوءاً المرسوم الدستوري الذي أصدره البرهان في 3 أبريل 2021م، بالرقم/6، وينصَّ على تطبيق نظام الحكم "الفيدرالي" عقب انعقاد مؤتمر نظام الحكم في السودان الذي يعيِّن الأقاليم، وعددها، وحدودها، وهياكلها، واختصاصاتها، وسلطاتها، ومستويات الحكم والإدارة فيها، بما لا يتعارض "كذا!" مع إتفاق سلام جوبا 2020م.
وفي عجلة مريبة، ربما لإنجاز ما أتفق عليه من محاصصات (!) شرعت جهات بعينها في الإسراع بالقطف الفوري لثمار الإتفاقية قبل أن يصيبها العطب! في الإطار نظّم المعهد الديمقراطي الوطني (NDI)، بالتعاون مع منظمة المنبر القانوني، مؤخراً، مائدة مستديرة حول مستويات الحكم في السودان وفق "متبقي" الوثيقة الدستورية واتفاقيات سلام جوبا! وحول توصيات هذه المائدة المستديرة، أبانت مديرة المشروعات بمنظمة المنبر القانوني، سلوى أبسام، لـ (الحداثة) في29/أبريل/2021م، أن أبرز ما جاء في التوصيات، هو ضرورة تضمين المهام، والاختصاصات، والموارد، وآلية القسمة، ومستويات الحكم اللامركزي في الدستور، لكنها لم تقل أينه الدستور نفسه! ومما تعجبتُ له ما قالته إحدي التوصيات عن (ضرورة التوازن في مستويات الحكم مع تعريف المصطلحات الواردة بالاتفاقيات، وتحديد حدود الأقاليم عبر المفوضية القومية للحدود، وفقاً لقانون الحكم الإقليمي لسنة 1980)، علما بأن هذا القانون لم يتفق عليه، بل وأن هنالك خللا بينا في نصوصه! وبنفس الإستعداد للهرولة، ووفق ذات محاصصات جوبا، تقرر تعيين مني أركو مناوي حاكما لإقليم دارفور (الكبري)! وفي ذات السياق، نظمت وزيرة الحكم الاتحادي، بثينة دينار، ورشة لنظام الحكم في السودان (27 ـ 28 ـ 29 أبريل2021م). وفي حوار لها مع (الحداثة) نقلته (الراكوبة) عنها في29/أبريل/2021م، رهنت (قيام مؤتمر نظام الحكم بـ 3 مؤتمرات أخرى هي: مؤتمر شرق السودان، مؤتمر شمال كردفان، ومؤتمر الخرطوم). الطريف، أنها علقت، في نفس الحوار، علي موقف الحزب الشيوعي الذي رفض المشاركة في تلك الورش الفنية وفي المؤتمر نفسه، قائلة: (نرجو من الزملاء في الحزب الشيوعي أن يكونوا في الحدث الكبير الذي يخلق تحولاً في السودان، وأن غياب أي سوداني له أثره، لكن الديمقراطية تقول إن المجموعة الأكبر إذا توافقت على شيء فرأيها هو الغالب، مع احترام رأي الأقلية)! لكنها لم تقل أينها هي (المجموعة الأكبر) حتي تنصاع الأقلية لرأيها؟! الجدير بالذكر، أن الحزب الشيوعي بني موقفه الرافض، بحسب بيان صادر عن لجنته المركزية نشرته سودان تربيون في26/أبريل/2021م، على (أن الورشة وما يعقبها من نشاط واجتماعات ومؤتمر، سيهدف لاستباق ونسف فكرة المؤتمر الدستوري الجامع)، ومعلوم أن الحزب كان أعلن في وقت سابق تحفظه على سلام جوبا بين الحكومة والجبهة الثورية في 3 أكتوبر 2020م.
هكذا أصبحت أهم قضايا الفترة الانتقالية في خضم الدوامة التي يؤجج أوارها المكون العسكري، بمؤازرة الموقعين علي سلام جوبا، والصامتين المدنيين في مجلسي السيادة والوزراء، القانعين بكل هذه البلبلة، الداعمين للالتفاف علي أهداف الثورة! ويقيناً إن حسم هذه القضية المركزية وأمثالها لرهين، حتما، بإرادة الجماهير، وإنها، حال استمرار ثورتها، لمنتصرة.

الخميس
في خبر نشرته "ألترا سودان" في 7 مايو 2021م، ونقلته عنها "الراكوبة"، أنها تحصلت علي مستندات رسمية بشأن إغلاق وترحيل مصنع الشركة الدولية التابع لجهاز الأمن والمخابرات سابقا، من منطقة صواردة التابعة لمحلية وادي حلفا بالولاية الشمالية. وكان وكيل التعدين السابق د. محمد يحيي قد أصدر قراراً بالرقم/18، في 19 مارس 2020م، يقضي بإيقاف وإزالة هذا المصنع من صواردة، ومنع التصديق لأي شركة في المستقبل بالموقع. زد علي ذلك، أن القرار نص علي تجفيف سوق المعدنين بصواردة، مع إلزام الشركة بمعالجة مخلفات الآثار البيئية الضارة بالمنطقة. في ذات الوقت تم تحديد فترة21 يوما، تسري، من تاريخ صدور القرار لترحيل المصنع بكامل مكوناته إلي الموقع الجديد بمنطقة "جبل أبو طاقية" الذي يبعد 46 كلم من المناطق السكنية.
جاء ذلك القرار الصائب بعد معارك جماهيرية شرسة ناهضت، لأكثر من أربع سنوات، وجود المصنع بالمنطقة. وكما يحدث عند أي تحرك جماهيري ضد قرارات النظام المندحر، كانت هنالك انتهاكات وضحايا واعتقالات وتعذيب لقادة الحراك عن طريق جهاز أمن ذلك النِّظام. ولا ندري كيف ومتي تم اختيار الموقع الجديد لنفس المصنع! الجدير بالذكر أن هنالك تسريبات بأنه آل للقوات المسلحة، تماما مثلما حدث لمنظمة "الشهيد" الأخوانية العاملة، حتي الآن، بكامل هياكلها، دون أن نسمع أنها تمت مراجعتها، برغم ما طفح من فسادها وجرائمها ونهبها لأموال الشعب، أو نسمع بأن لجنة إزالة التمكين قد تولت أمرها!
صواردة هي موطن الراحل الكبير محمد وردي، وله فيها أشعار وأغان نوبية رائعة، وقد تضافرت جهود أهلها الذين أسسوا الموقع العظيم "صواردة شو". فلروحه أن تطمئن، وتعظيم سلام لأهلها على هذا العمل الجليل!

الجُّمعة
"نفس الزول الكاتل ولدك/ حاكم بلدك/ نفس الزول الكاتل ولدك/ شال لي روحو الفاتحة وقلدك/ حاكم بلدك/ رمز سيادة/ شال من إيد الكوز السوط والسلطة وجلدك"! هذه القصيدة، ولنفترض فيها هذه الصفة، للشاعر الشاب يوسف الدوش، شاعت وانتشرت علي أوسع نطاق، في الصحف، والوسائط، وهتافات الثوار/ ات، في تظاهراتهم التي لم تتوقف، حد وجدنا رمزها في عبارة "نفس الزول" مكتوبة، هكذا، علي جوانب الرقشات، والمواتر، ووسائل النقل العام، للركاب أو للبضائع، ويرددها الأطفال بتنويعات خفيفة راقصة، وهم في تجمعاتهم في شوارع وأزقة أحيائهم! هذا الإنتشار غير المسبوق، وفي أيام معدودات، يثير عندي مسألتين: الأولي "شعرية" القصيدة وتمظهراتها الفنية والجماهيرية، والثانية مآلاتها وتداعياتها، علي المستوي القانوني فيما يخص حرية الآداب والفنون، وحرية التعبير والنشر في بلادنا.
بشأن "القصيدة" نقول إنها وجدت إقبالا غير مسبوق، وعُرف مؤلفها، وهو الذي لم يكن، قبل إذاعتها، معروفا كشاعر في مشهدنا الثقافي/الشعري، واشتهر في الناس جراء تناولها، بحذاقة، استثارت عواطف الثوار/ات، وهي تلامس الموقف الجمعي من المكون العسكري غير المرحب به جماهيريا، ومظاهره الممتدة علي كامل تجليات الفترة الإنتقالية وحراك حكومتها، حد أن صار المشهد برمته يشي بأن العسكر، المحسوبين علي النظام المندحر، هم محركو المنظومة التنفيذية في السلطة الإنتقالية بكاملها. إذن، فإن القصيدة مست عواطف القوي الثورية، وشحذتها، كنصل حاد، في مواجهة هؤلاء العسكر، ومشايعيهم، وهنا بالذات، تتجلي خطورة القصيدة، مما لا يرضاه العسكر، ولا يوافقون عليه بطبيعة الحال. أما القصيدة نفسها، فهي تجري علي نسق ومنوال أهزوجات وهتافات الثوار/ات قبل الاعتصام الكبير وإبانه، فقد جعلوا تلك الأشعار مدوزنة، بالكامل، بإيقاعات راقصة، مشحونة بالحماس الثوري، على أقصي ما يكون، ومحرضة، علي الاستمرار في الثورة حتي الإنتصار الحاسم. وكنت قد تساءلت في مخطوطة لي أسميتها "مقدمة لرؤية وجه الشعر في الثورة السودانية" لم تنشر بعد، قلت: "منذ يناير2019م طلعت فى الملأ أشعار كثيرة، بعضها يُقرأ، وبعضها جعلته الثورة، وفقا لتجليات الحراك وثوريته، تستنهض الشعب كله ليكون فى الثورة ومساراتها، فتحول إلى هتاف متفق عليه، على منصات الثورة، وهنا، فى هذه البرهة، بدأ التحول الشعرى، جله وليس كله، ليكون برسم الشارع. وانتشرت، بأوسع نطاق، ثم غدت، فى ذات الوقت، "النشيد العام" للثورة، ولكى تكون فى الثورة، عليك بترديد النشيد والسيرعلى خطاه. ولن أكف عن ترديد أنه لم تكن هناك مندوحة من أن تكون الأغانى والأناشيد فى مسار الثورة ذاته، ولكن، ترى كم من هذا القدر المهول من الأشعار والأغاني سيبقى فى ذاكرة وضمير الشعب"؟!
ما أود أن أقوله حول قصيدة "نفس الزول"، أنها قصيدة واقع الحال في راهنه المعاش، ليست بالطبع، قصيدة الحساسية الجديدة تلك التي في سمات وأردية التغيير، قصيدة المستقبل وكل العصور. إنها قصيدة المرحلة، ليس كل المرحلة بالطبع، بل هي معبرة عن مواقف بعينها، سافرة في واقعيتها ومباشرتها، وبالتأكيد ستزول حين تزول أسبابها!
أما مآلاتها وتداعياتها، فقد تمثلت في رد الفعل "الغاضب" الذي أبداه المكون العسكري في مجلس السيادة، بتصدي رئيسه البرهان بنفسه، حيث أيقن أن المقصود بـ "الزول!" هو نفسه، رغم أن تأويلا للقصيدة يمكن أن يري أن المقصود المكون العسكري في مجلس السيادة، وهم المعروفون بانتمائهم للجنة البشير الأمنية، وتماهيهم مع ما أسمتهم قوي الثورة بالفلول من زواحف ومن يعملون في "الظل" لهزيمة الثورة والقضاء علي الفترة الإنتقالية برمتها. ذلك الخطر الذي جعلته القصيدة ملموسا ومرئيا، هو الذي جعل المكون العسكري يسرع، في تهور، لتغطية الخوف الذي تنذر به المرحلة، وهي تنادي بالقصاص وفقا للقانون، ليقوم بما عرف بـ "بلاغات البرهان"! فهل، يا تري، تلك البلاغات من شؤون رأس المجلس، أو حتي المجلس مجتمعاً؟! أم هي من اختصاص المؤسسات المعنية التي من واجبها التعاطي مع مثل هذه القضايا؟! وأما حصاد البلاغ ضد الشاعر، فقد حشد كل قوي الثورة في مواجهة الصلف العسكري، وغدت المعركة قيد التنفيذ في المطلب العادل للثورة، أن تكون حكومة الثورة مدنية خالصة، فلنقلها ملء حناجرنا وسواعدنا، مدنياااااو .. يا برهان!

السَّبت
قال لوركا في بعض أشعاره: «أيها السيد المسيح/ بحق الجرح النازف في خاصرتك/ بحق قرنفلات دمك الذكي/ عكر الليل علي الجنود" وفي مجتزأ من روزنامة "خيانة قميئة" قال كمال الجزولي: «بقدر ما تعمل الأقسام الخاضعة من الشريحة القيادية العلوية في الجيش لتأثيرات فكر طبقي رجعي على جعله يذهل عن مهنيته الوطنية، وصرفه، من ثم، عن واجبه الأساسي، ودفعه للتداخل في استراتيجيات الصراع الاجتماعي، انحيازاً لخصوم الشعب من الشموليين، أعداء الديموقراطية والحريات، وتمكيناً لهم، بقوته المادية الاستثنائية، من السلطة السياسية في البلاد، فإن المحتوم، في هذه الحالة، أن ينزلق الجيش، وبشكل دراماتيكي، من بين أحضان الجماهير، ومحبتها، وفخرها، إلى موضع غضبها، وسخطها، ونقمتها، كخائن لتطلعاتها، ومدمر لطموحاتها، ومجهض لآمالها. والعكس صحيح تماماً، حيث لا يندر أن تتقدم، في ذات الوقت، من بين صفوف نفس هذه الشريحة، لكن بتأثير ونفوذ الفكر الاجتماعي الديموقراطي، أقسام أخرى تتخذ جانب الشعب، فتصادم هذه الاتجاهات المعادية له، وتسعى لاستعادة الجيش إلى مهنيته الوطنيَّة، باذلة في سبيل ذلك من التضحيات ما لا يقل مهره عن المهج والأرواح. وهكذا، بقدر ما يحسن الجيش إلى مهنيته هذه، خصوصاً في ساحات الوغى، أثناء حرب عادلة، بقدر ما يقابل الوطن، بكل قواه السياسية، وطاقاته الإبداعية، ومكوناته المجتمعية، هذه المهنية، بأسمى آيات التقدير والعرفان، مترجمة إلى أتم الاستعداد لتوفير كل الظروف والمعينات المادية والمعنوية، لتمكينه من ذلك، ولو بالتقطيع من الجلد .. دون من ولا أذى"!
ذكرني هذا الرأي السديد بمخطوطة لديوان شعر صغير، لا تزال بيدي منذ سنوات، ولا أزال، أيضا، أبحث عن ناشر لها! المخطوطة بعنوان: «ضد الحرب والعساكر، كذا نفرح بالموت" للشاعر والباحث الصديق ميرغني ديشاب، تحتوي علي 32 لوحة شعرية بالغة العمق والثراء، بلغة سهلة المعني، عميقة الغور، في شتي موضوعات العسكر التي ظللت، كسحابة سوداء، كامل بلادنا، وقت كان الوقت وقتهم، محميين بالسلاح ذي البأس والمنعة والقهر، ليليين بسِمات الشر والحقارة، فلا يأبهون بالدم الذي يهرقونه علي الطرقات وفي البيوت.
الكراسة الشعرية الصغيرة، هي، في ظني، الوحيدة التي تناولت موضوعة تخريب بعض العسكر، عندنا، للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضا، إذ كتبت بعد إنقلاب الاسلامويين مباشرة، فيما بين7 أكتوبر 1989م و23 ديسمبر 1989م، وتعد، في ظني، من أوائل التجارب الشعرية التي تصدت لذلك الانقلاب بجسارة، وأعلنت موقفاً عصرياًٍ مضيئاً أوانذاك وحتي اليوم. ليت الصديق د. كمال عبد الكريم ميرغني يقوم بطباعة هذا العمل المهم، علما بأن كلينا، ميرغني وأنا، تعوزنا "المصاري"! إفعلها بالله عليك يا كمال. أما الشاعر النوبي الكبير ابن أرقين كمال عبد الحليم، فقد قمت بتسليم مخطوطة أعماله الكاملة، أشعاراً ومسرحيات، للشاعر مأمون التلب الذي قام بتسليمها للسر السيد، ليقوم اتحاد الكتاب السودانيين بطباعتها علي نفقته حسبما تم إعلانه خلال أمسية بدار الاتحاد منذ حوالي العامين، ولكن، أينه، الآن، الاتحاد نفسه؟!
وعلي ذكر الشعراء، هاتفني من القاهرة الأستاذ الشيخ عووضة ليزف لي خبرا طيبا، أنه قد تواصل مع شاعرنا الكبير القدال، فأخبره أنه تلقي، صباح نفس اليوم، جرعة أخري من الكيماوي، وسيتلقى الأخيرة في 15 الجاري، بعدها يتقرر بشأن علاجه، فقد أستبعدوا الجراحة حاليا. أفاد عووضة أيضا بأنه في أفضل حال. ويتابع مع عووضة أيضاً عاطف إسماعيل. لندعو له جميعنا بكامل الشفاء.

الأحد
إبان رئاسته للوزارة، زار المحجوب مقديشو ترافقه فرقة فنية، علي رأسها محمد وردي. وفي طريقهم من المطار إلي الإستراحات الرئاسية، بصحبة الرئيس الصومالي، وقتها، عبد الرشيد شارماركي، اصطفت الجماهير علي جانبي الطريق، تهتف باسم وردي ملء حناجرها. ويبدو أن المحجوب أخذ في خاطره، لأنه ما أن اختلي بوردي في الاستراحة حتي قال له هامسا: "أوَّل مرَّة أعرف أن في مقديشو جالية حلفاويَّة بهذه الضَّخامة"!