الدور الرجعي للحوار المتمدن


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6908 - 2021 / 5 / 24 - 20:32
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

تأسس الحوار المتمدن منبراً لليسار كما يلح مؤسسوه على تأكيد ذلك . لكن ما يدعو للإشتباه بهؤلاء المؤسسين هو أنهم لا يعلمون من أي طينة هي طينة اليساريين ولأي طبقة إجتماعية هم ينتسبون بصورة عامة طالما أن تحديد الطبقة هو المؤشر الدال على المبادئ والسياسات الأبلغ من أي دلالة أخرى . هل اليساريون ينتسبون لطبقة العمال أم لطبقة البورجوازية الوضيغة والفرق كبير بين الإفتراضين ؛ فلو كانوا من العمال لما تساءلنا حول أهدافهم الاستراتيجية لأنها بالتأكيد ستكون اشتراكية، ولو كان غالبيتهم من البورجوازية الوضيعة - وهم كذلك كما نرى - فإن أهدافهم القريبة والبعيدة سواء بسواء هي بالتأكيد ضد العمال وضد الإشتراكية ؛ هذا ما تعلّمه الماركسية اللينينية دون لبس أو إبهام .

كنا كتبنا كثيرا نرفض انتساب الحوار المتمدن لليسار – كما كنا كتبنا عدة مقالات ضد دعاوى اليسار قبل بصع سنوات في موقع اليسار الديموقراطي اللبناني الذي لم يعد موجوداً – لكن أصحاب الحوار المتمدن لم يسيخوا السمع إلينا وزادوا التأكيد على يساريتهم الرجعية .
الجديد في الموضوع هو إنتقال نشر "الحوار المتمدن" إلى البث التلفزيوني وهو خطوة حميدة دون شك لأنها تؤكد أهمية اللعبة السياسية في التطور الإجتماعي، لكن ذلك فاقم من الخطاب الرجعي الذي تنتهجه إدارة الحوار المتمدن .
بعد المقابلات الثلاث الأولى على قناة الفضاء للحوار المتمدن حول المرأة وحقوقها بمناسبة يوم المرأة العالمي أنتجت القناة ثمان مقابلات، لستة يساريين ولشيوعي واحد والثامن الآخر تم محوه على عجل قبل معرفة هويته السياسية، وما كانوا ليجروا المقابلة معي كشيوعي إلا رفعاً للعتب كوني الكاتب الأكثر نشراً في الحوار المتمدن . ليس غريباً أبدا أن يعلنوا في أرشيفهم الفضائي عن مقابلات اليساريين الستة دون أدنى ذكر أو أية شارة للمقابلة الشيوعية معي وهو ما يؤكد أن اليسارية هي من سياسات البورجوازية الوضيعة المعادية بالطبع للشيوعية . وما زاد من حنقي هو أن السيدتين الجميلتين بيان بدل وسوزان أمين إنحصرت اسئلتهن في مختلف المقابلات مع غيري في .. "ما أحوال اليسار عندكم؟" و " لماذا لم يشارك اليسار في الربيع العربي؟" و "ما تفسيركم لانحسار اليسار ؟" – طبعا الأسئلة المثيرة لإستهجاني وحنقي هي دون شك من إملاءات إدارة الحوار اليسارية .

سينكر اليساريون معاداتهم للشيوعية لأن مثل هذا الإعلان من شأنه أن يكشف عن طينتهم السبخة . هم ينكرون عداءهم اللشيوعية لكنهم يؤمنون في فشل المشروع اللينيني في تحقيق الثورة الاشتراكية في روسيا نفسها خليك عن العالم، ولذلك يقتضيهم الواجب البحث عن الإشتراكية الحقيقية التي قد تتأتى من تجديد أو تطوير الماركسية كما يزعم المفلسون من الماركسية .

صيحة اليساروية التي تعالت في العالم العربي وأخذت تصيح بها فلول الأحزاب الشيوعية العربية ويظهر بجانبها أحزاب جديدة تسمي نفسها "حزب العمال الشيوعي" وكما لو أن هناك أحزاب شيوعية غير عمالية (!!)، كل هذه الظواهر غير الصحية في الحركة الشيوعية التاريخية إنما هي النتيجة المباشرة لانهيار الاتحاد السوفياتي بافتراض أن القادة السوفييت وعلى رأسهم لينبن وستالين لم يفهموا ماركس كما هو وانحرفوا عن فهمه مما أدى إلى انهيار المشروع اللينيني ؛ وسبق أحد قادة الحزب الشيوعي في لبنان أن طالب بكل وقاحة بمحاكمة لينين باعتباره تسبب بمأساة للبشرية جمعاء – كان اليسار الأوروبي قد حالكم لينين في العام 1912 عندما رفض لينين مشاركة الأحزاب الإشتراكية في الحرب الامبريالية 1914 وسرعان ما انهارت الأممية ااثانية بأحزابها الإشتراكية الديموقراطية في العام 1916 وسرعان ما انتفض البلاشفة في يتروغراد 1917 وقاموا بالثورة الاشتراكية العالمية التي لا يمحوها التاريخ .

نحن لن نتعرض اليوم لعدم شرعية اليساروية من حيث افتقارها لأية مبادئ أو قواعد علمية تقارب الواقع حتى على الصعيد الوطني وأنها ليست في الواقع إلا هروباً من مواجهة الأزمات الصعبة في حياة الشعوب تبعاً لانهيار العوالم الثلاث بفعل تبعات الحرب العالمية الثانية، لن نتعرض لكل هذا اليوم من أجل أن نتساءل عن أية شرعية قد تعزى لليسار .
الفراءة التاريخية لصيحة اليسار الطارئة تقول أن صيحة اليسار انطلقت من اعتبار رفض التاريخ للثورة الاشتراكية البولشفية التي لم تكن الثورة الإشتراكية الدائمة التي استشرفها كارل ماركس . لئن كان هذا صحيحاً فإ انهيارها لا يكفي لإدانتها، فأن يفقد إنسان حياته في حادث سير فذلك لا يعني أنه كان معلول الصحة . على اليساريين أن يثبتوا بالدليل التاريخي أن الثورة البلشفية ليست هي الثورة التي استشرفها ماركس . وبغير ذلك يترتب عليهم أن يبلعوا ألسنتهم وأن لا يلتفتوا إلى اليسار .
قوى الشر في العالم كله جهدت بكل قواها لأن تنال من الثورة البلشفية وكانت هزيمتها نكراء على أيدي البلاشفة .
العدو الذي نال من الثورة البلشفية إلى حين هو العدو الداخلي المتمثل بالبورجوازية الوضيعة السوفياتية التي حذر من خطورتها على مستقبل الثورة كل من لينين وستالين .