في عيد الفطر المبارك … مَن يغنّي للعيد؟


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 6900 - 2021 / 5 / 16 - 12:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     


اليومَ عيدُ الفطر المبارك، أعاده اللهُ علينا، العامَ القادم بإذن الله، وقد رفعَ عنّا الوباءَ ومنّ برحمته على العالمين. اللهم تقبّلْ صيامَنا وقيامَنا واستجبْ لدعوات قلوبنا واحمِ مصرَ من أهل الشرّ الذين يكيدون لها ويكرهون نهضتها المشهودة التي صدق بها الرئيسُ السيسي وعدَه؛ حين قال لنا في بداية عهده: (مش عاوزين نجري بس، عاوزين نقفز عشان نعوّض ما فاتنا.) وهذا بالفعل ما نشهده بعيوننا على مدار الساعة في جميع ربوع مصر من عجلة تنمية تقفزُ في جميع مناحي الحياة ولا تتوقف؛ بل تُدهشُ وتملأ قلوبَ المصريين بالثقة في غدٍ وشيك مُشرق يبهر عيونَ الدنيا بإذن الله. كلُّ عامٍ ومصرُ أبهى وأجمل كما يليقُ باسمها العظيم العريق المتجذِّر في أولى صفحات كتاب التاريخ.
يأتي العيدُ مجددًا تحت ظلال كورونا الثقيلة، فلا نخرجُ إلى الحدائق والمتنزهات لكي نحتفل بأيامه المبهجة ونملأ الدنيا فرحًا وألوانًا، بل نمكثُ في بيوتنا لكي نحتمي من الجائحة العمياء. أفتحُ لأطفالي أوبريت "الليلة الكبيرة" للعباقرة صلاح جاهين وسيد مكاوي، حتى تعوضنا عن الاحتفال الحيّ بالعيد. ثم أديرُ أغنية "غنيتُ مكةَ" التي تُلخصُ "رسالة المحبة والتنوير" التي نحاولُ تكريسَها عبر كتاباتنا. تصوروا أغنيةً إسلامية عن مكّة المكرمة والقرآن الكريم وركوعنا وسجودنا وحَجّنا وحجيجنا وأعيادنا الإسلامية، كتبها ولحّنها وعزف موسيقاها وشدا بها... "مسيحيون”! ذاك هو الجمال والتحضر والكود الأخلاقي الرفيع. قصيدةٌ بديعة: كتبها "سعيد عقل"، ولحّنها الأخوان "عاصي ومنصور رحباني"، وعزفها أوركسترا وكورالُ الرحابنة، وغنّتها فيروزةُ الكوكب "نهاد حدّاد" المعروفة باسم "فيروز"، وجميعُ من سبق "مسيحيون".
اقرأوا معي كلماتِ تلك القصيدة الرائقة، وأنصتوا إلى الأغنية بصوت فيروز، واندهشوا: (غنيتُ مكة أهلها الصيدا/ و العيدُ يملأ أضلُعي عيدا/ فرحوا فلألأ تحت كلِّ سمًا/ بيتٌ على بيتِ الهُدى زِيدا/ وعلى اسم ربِّ العالمين/ علا بُنيانُهم كالشَّهبِ ممدودا/ يا قارئَ القرآنِ صَلِّ لهم/ أهلي هناك وطَيِّبِ البِيدا/ مَن راكعٌ ويداه آنستا/ أنْ ليس يبقى البابُ موصودا/ أنا أينما صلّى الأنامُ/ رأتْ عيني السماءَ تفتحت جودا/ لو رملةٌ هتفتْ بمبدعها شجوًا/ لكنتُ لشجوها عودا/ ضجَّ الحجيجُ هناك فاشتبكي بفمي هنا يا وُرْق تغريدا/ وأعزَّ ربّي الناسَ كلَّهمُ/ بيضًا فلا فرّقتَ أو سُودا/ لا قَفرةٌ إلا وتُخصبُها/ إلا ويُعطَى العطرَ لا عودا/ الأرضُ ربي وردةٌ وُعِدَت بكَ أنت تقطفُ/ فاروِ موعودا/ وجمالُ وجهِك لا يزالُ رجًا يُرجى/ وكلُّ سواهُ مردودا.)
حينما أتأملُ تلك الفكرة أتأكدُ أن الفنانَ الحقيقي قادرٌ على صياغة المجتمع على النحو الصحي، النقيّ من الأدران العنصرية، وأن القوى الناعمة إذا أُحسِن توظيفُها قادرةٌ على النهوض بالبشر فكريًّا وأخلاقيًّا. الفنّان "الحقيقي" يجيدُ صناعة الفن مضفورًا بالحق والخير والجمال. تُفرّقنا المصالحُ والسياسات أحزابًا وتكتلاتٍ وشِيعًا وجبهات وأغنياءَ وفقراء ويمينًا ويسارًا وبيضًا وسودًا وصُفرًا وأقرباءَ وغرباء وأكثريات وأقليلات ومواطنين ووافدين ولاجئين، وتُشتتنا الطائفياتُ: طوائفَ ومذاهبَ ونِحلاً ومِللا... ولا يجمعُ شتاتنا تحت مِظلّة الإنسانية، إلا الفنّ والتحضر.
بعد انتهاء شهر الصوم الفضيل، أهديكم في عيد الفطر المبارك أغنيةً شدا بها صوتٌ مسيحي آخر هو عظيمُ الغناء: "وديع الصافي" يغني لشهر رمضان: "شهرنا السمحُ قد بدا/ خيّرًا يغدقُ الندى/ يمنحُ الطِيبَ والسنا/ يرسلُ النورَ والهدى/ يسعدُ المؤمنَ الذي/ نالَ بالصومِ مقصدا".
التوحد على مبدأ الإنسانية والمواطنة هو السُّلَّم المتين الذي ترتقي به الأوطانُ على دَرَج النهوض والتقدم. بينما الشتاتُ والتناحر الطائفي ينخرُ كالسوس في جسد الوطن حتى يتهاوى ويموت. لهذا حرص الرئيس/ عبد الفتاح السيسي منذ توليه الحكم على تكريس مبادئ المواطنة وإخماد نيران الفتن؛ لأنه يدركُ أن تلك هي اللبنةُ الأولى التي بها يُشيّدُ مصرَ الجديدة على أسس حضارية محترمة وراقية. عيد فطر مبارك على مصر والعالم، وكل عام ومصرُ بهيةٌ مشرقة تثبُ نحو النور والرخاء بخطى رشيقة واسعة. “الدينُ لله، والوطن لمن يحبُّ الوطن.”
***