ماركس لم يُقرأ بعد (7)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6896 - 2021 / 5 / 12 - 17:41
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

ماركس لم يُقرأ بعد (7)

كنا خلصنا في المقال الأخير إلى أنه لو تأخر ستالين حتى العام 55 في طرح مشروعاته على الحزب لاستعادة دولة دكتاتورية البروليتاريا الإشتراكية لكان قد انتهى إلى النجاح التام حيث سيكون الحزب الشيوعي بقيادته قد تجاوز حالة الخوَر التي انتهى إليها بفعل وقف الصراع الطبقي منذ العام 1938 استعداداً لمواجهة المؤامرة الكبرى على أمن الإتحاد السوفياتي التي حاكها الامبرياليون في بريطانيا وفرنسا بالإشتراك مع النازيين والفاشيين في ألمانيا وإيطاليا في مؤتمر ميونخ في سبتمبر 38.
لكن قادة الحرب السوفييت في العام 51 كانوا أقوى من قادة الحزب باستثناء ستالين بالطبع، كانت قوى الدولة الحربية أقوى من قوى الدولة الإشتراكية فكان الفشل الذريع نصيب مشروعات ستالين . تغولت دولة الحرب السوفياتية على حساب دولة الإشتراكية وهو ما تفاقم مع إنقضاء زهاء سبعين عاما فانتهت روسيا إلى اقتراف جرائم في سوريا تعففت عن مثلها ألمانيا الهتلرية .

في مواجهة مشاريع ستالين، في التحول من دولة حرب إلى دولة اشتراكية، المطروحة على المؤتمر التاسع عشر للحزب في أكتوبر 52 ومنها مشروعه بإحالة كامل قيادة الحزب على التقاعد والذي رفضه المؤتمر، نهضت القوى المضادة للإشتراكية من داخل القيادة التي حذّر منها ستالين .
ففي اجتماع لمجلس الوزراء قبل نهاية فبراير 53 طرح ستالين إقتراحه القاضي بتقاعده كرئيس لمجلس الوزراء ليحل محله رجل دولة وبلشفي عريق من بلاروسيا (Ponomarenko) ولم يوافق على الإقتراح أربعة من الوزراء هم جيورجي مالنكوف، لافرنتي بيريا، نيكيتا خروشتشوف ونيقولاي بولغانين حيث كان ذلك إشارة واضحة على توجه ستالين لإحالة كامل أعضاء القيادة القديمة على التقاعد بدءاً بنفسه كما كان يتوعد .
في 28 فبراير دعا ستالين هؤلاء الأربعة المعترضين إلى العشاء معه في منزله الريفي . أثناء العشاء غافل بيريا ستالين ودس سم (Warfarin) في شراب ستالين كما دلت التحقيقات فيما بعد . ولما قاوم جسم ستالين القوي التسميم لخمسة أيام وخشي بيريا أن يبقى ستالين حيّاً ويحاسبه على ما فعل أمر في مساء 5 مارس بحقن ستالين بحقنة أدرينالين أدت في الحال إلى نهاية ستالين . ما يلزم الكشف عنه في هذا المقام هو أن بيريا كان قد أقنع المتآمرين مالنكوف وخروشتشوف بأنه يقوم باغتيال ستالين دفاعا عنهما كمهددين بالإحالة إلى التقاعد بينما هو في الحقيقة كان منظما لشبكة الأطباء اليهود المتآمرة على صحة القادة السوفييت وكانت التحقيقات في المؤامرة ستكشف دوره الرئيسي فيها وهو ما سيؤدي إلى إعدامه لكنه أعدم في نهاية العام 53 لخشية مالنكوف وخروشتشوف كشف دورهما في اغتيال ستالين .

لم يحتسب المتآمرون الخونة في قيادة الحزب أن الحزب الشيوعي ما كان ليحتفظ بصولجان السلطة في قبضته الحديدية إلا لأن ستالين على رأس قيادته . أما بعد اغتيال ستالين، والحزب كان قد تخلى عن ممارسة العمل الحزبي لأربعة عشر عاماً واعتراه لذلك قدر كبير من الإنحلال والوهن وأن طبقة البروليتاريا كان قد لحق بها النصيب الأكبر من الخسائر على صعيد الأعداد ووسائل الإنتاج، فقد أفضى كل ذلك لأن تستولي قيادة القوات المسلحة على صولجان السلطة وتجعل من الحزب ألعوبة كراكوز بواسطة رجلها في قيادة الحزب نيكيتا خروشتشوف الذي باع كل مبادئه الشيوعية من أجل أن يرسمه الجيش رئيسا محل ستالين العظيم بتقدير مولوتوف . لقد نجح خروشتشوف بمساعدة قوية من الجيش في أن يجمع حوله الأغلبية في اللجنة المركزية للحزب خاصة وأنه كان قد سُمي حال رحيل ستالين أمينا عاما مسؤولاً عن تنظيم الحزب . وهكذا بناءً على تعليمات العسكر دعا خروشتشوف اللجنة المركزية إلى الإنعقاد في سبتمبر 53 واتخاذ قرار بإلغاء الخطة الخمسية التي كان المؤتمر العام للحزب كان قد أقرها في أكتوبر 52 بادعاء أن الخطة الخمسية كانت توهن وسائل الدفاع عن الوطن . كان ذلك القرار المخالف للقوانين العامة والأعراف هو الإنقلاب الفعلي والحاسم على الإشتراكية وقد بات الاتحاد السوفياتي مصنعا للأسلحة – وهو ما زال – بدل أن يكون مصنعاً للإشتراكية – طبعا الأسلحة لا تعود على العمال بأية فائدة – وما يجدر ذكره في هذا المقام هو أن ستالين كان في العام 36 قد رد معترضاً على موازنة الجيش وشرح بقلمه الأحمر يقول .. "كل كبيك يصرف على التسلح هو تأخير للبناء الإشتراكي" وبسبب ذلك نظمت قيادة الجيش برئاسةالمارشال توخاتشوفسكي انقلاباً عسكرياً واسعا في العام 37 كاد يطيح بسلطة الحزب . فشل الإنقلاب العسكري في العام 37 لكنه عاد ينجح في العام 53 بعد اغتيال ستالين .
كانت عبقرية الخطة الخمسية الخامسة من تخطيط ستالين تتمثل في سحب البساط من تحت أقدام العسكر وقد تجاوزت قوتهم قوة الحزب بفعل الإنتصارات الكبرى في الحرب من جهة، والخسائر الكبرى في صفوف الطبقة العاملة من جهة أخرى، وفي استعادة دولة دكتاتورية البروليتاريا قبضتها الحديدية على صولجان السلطة والهدف الآخر الموازي هو الإهتمام بوصول الشعوب السوفياتية إلى رغد العيش لما يفوق مستواه في أغنى الدول .
كان عمري تسعة عشر عاماً في سبتمبر 53 عندما استمعت من راديو موسكو بفرح غامر لقرار إلغاء الخطة الخمسية لأنها توهن وسائل الدفاع عن وطن الإشتراكية وسرعان ما دعوت لاجتماع الخلية الحزبية التي كنت أقودها وشرحت للرفاق أن الشعوب السوفياتية ليست بحاجة للزبدة والبسكويت بمقدار ما تحتاج للمدافع والدبابات – كنت شاباً غرّاً غررته الدعاية الإنجليزية في البلاد التي تكذب بوقاحة فجّة بادعاء أن بريطانيا تغلبت على هتلر في معركة العلمين، علما بأن الدول الغربية الكبرى الثلاث لم تواجه طيلة الحرب غير ايطاليا المتخلفة حربياً على شواطئ المتوسط .


ما يتوجب التأكيد عليه اليوم بصوت عالٍ هو أنني فرحت لذلك القرار لأنني كنت شاباً غِرّاً لكن لماذا يتجاهل فلول الشيوعيين ذلك القرار التاريخي اليوم وهو ما كان قد شكّل الإنقلاب الفعلي والحاسم على الإشتراكية !؟
نحن اليوم لا نحاسبهم على اغتيال ستالين بالسم لأن السفلة الكثيرين منهم يعتقدون أن ستالين كان مجرما يستحق الإغتيال .
ولن نحاسبهم أيضاً على اجتماع الأعضاء السبعة المهددين بالإحالة على التقاعد بعد وفاة ستالين بساعات قليلة في صباح 6 مارس 53 لاتخاذ قرار غير قانوني قضى بإبطال انتخاب مؤتمر الحزب 12 عضواً جديداً في المكتب السياسي !؟ كيف لسبعة أعضاء في المكتب السياسي يقررون ابطال عضوية 12 عضوا نظراءهم في المكتب السياسي !؟


أنا أعلم علم اليقين أن جورجي مالنكوف كان على ثقة بأنه لا يخون الشيوعية بمشاركته بيريا في جريمة اغتيال ستالين لكنه لم يكن يعلم أن اغتيال ستالين إنما هو اغتيال للشيوعية كما تأكد ذلك فيما بعد والدلالة القاطعة في هذا الأمر هو استقالته من منصب الأمين العام للحزب الشيوعي احتجاجاً على قرار اللجنة المركزية بإلغاء الخطة الخمسية .
ولعل لافرنتي بيريا الذي دس السم في شراب ستالين وهو نفسه الذي أعطى الأمر عشية الخامس من مارس بحقن ستالين بحقنة الأدرينالين التي قضت على حياته، لعله كان يثق أيضا من أنه لا يعادي الشيوعية باغتيال ستالين خاصة وأن محاكمة بيريا غير القانونية وإعدامه حال النطق بالحكم بقيت سر الأسرار حتى يومنا هذا .
بخلاف خروشتشوف الشريك في الجريمة الذي خان الحزب عندما قايض الجيش وتخلى عن مبادئ الحزب مقابل حصوله على منصب الأمين العام للحزب ؛ خان الحزب من أجل أن يكون رئيس الحزب !!