لا شيوعية و لا ماركسية بدون الديمقراطية الحقيقة 4-5


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 6891 - 2021 / 5 / 7 - 23:15
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

معاداة البرجوازية للديمقراطية و للحرية الحقيقة
للوهلة الأولى ، تبدو العلاقة بين الحرية (وعي الضرورة من طرف الفرد و المجموعة) و الديمقراطية (حكم الأكثرية في المجموعة) هي علاقة تناحرية ظاهرياً على الأقل : الحرية تعني غياب القيود ، في حين أن الديمقراطية مصممة لفرض القيود عن طريق تشريع القوانين . هذا التناقض ليس نظرياً و ظاهرياً فحسب ، بل هو ما يحصل على أرض الواقع الرأسمالي طوال قرنين من الزمان . لقد بات ضرب الحرية الحقيقية بالديمقراطية المزيفة و بالعكس هو شكل و محتوى ديالكتيك اشتغالهما بالمقلوب في كل دكتاتوريات الأنظمة الرأسمالية السابقة و اللاحقة عن طريق تكبيل الديمقراطية بالقيود التي تفرضها حرية تحرك قوة السلطة التشريعية الرهيبة لرأس المال عبر تعليب الرزم المتكاملة مع بعضها لمختلف القوانين التحكمية التي لا تحصى و لا تعد ضد الديمقراطية : فرض العتبات الاعتباطية بنسب للحد أدنى من العدد الكلي للمصوتين الذي يجب الحصول عليه كشرط للدخول للبرلمان بغية سرط أصوات ناخبي الأحزاب الصغيرة (النسب الاعتباطية لقانون "سانت ليغو" مثلاً) ، زائدا تطبيق قانون "الغالب هو الذي يستحوذ على كل الأصوات" ، زائداً التزوير بمختلف أشكاله ، زائداً تنصيب ارادة مؤسسات غير منتخبة فوق إرادة الناخبين (الكلية الانتخابية في أمريكا و مجلسي صيانة الدستور و تشخيص مصلحة النظام في دكتاتورية ولاية الفقيه الايرانية) ، و/ أو تقطيع الدوائر الانتخابية أفعوانياً على نحو يلغي ارادة سكان المناطق المعارِضة ، زائداً شراء الأصوات بهذا الشكل أو ذاك ، زائدا منع الناخبين غير المرغوب فيهم من الإدلاء بأصواتهم ، زائدا شن الحملات الشعواء لنشر الأكاذيب و الأراجيف لتشويه الآخر ، زائداً الترهيب المليشياوي للناخبين... بمثل هذه القوانين و التسلكات و غيرها الكثير ، ادعت و تدعي دكتاتوريات الأنظمة الرأسمالية كلها الحرية و الديمقراطية لنفسها للتغطية على حقيقتها الفعلية : حرية دكتاتورية زمرة الحاكمين الراعين للمصالح العليا لرأس المال على سواد المحكومين المظلومين ممن لا صوت لهم في تقرير مصائرهم . و لقد بلغ احتقار ذئاب رأس المال الوطني الذين كتبوا الدستور الأمريكي عام 1787 للديمقراطية حد تعمدهم رفض ذكرها تماماً في كل نصوص دستورهم المسخ ذاك الذي عملوا فيه كل شيء ممكن لتعطيل اشتغال الديمقراطية لغير الاوربيين البيض في الانتخابات التشريعية . دكتاتورية رأس المال للجنس الأبيض هي العدو اللدود للديمقراطية الماركسية الحقيقة على طول الخط .
و لهذا لا يجب على القارئ أن يستغرب أبداً من قول الدكتور البرجوازي توما حميد المحترم :"ليس للديمقراطية مكان في منظومتنا الشيوعية" لكونه مروِّجاً برجوازياً أميناً على خدمة مصالح سيده رأس المال العالمي باعتباره ينتمي للحزب اللاشيوعي اللاعمالي العراقي لصاحبه الحزب اللاشيوعي اللاعمالي الإيراني الممول – باعتراف زعيمه البرجوازي منصور حكمت سابقا و زوجته لاحقاً بكل صراحة و حرية – من طرف كل خدم الامبريالية في المنطقة : صدام و نتنياهو و آل سعود و آل نهيان وووو و أسيادهم في واشنطن . من الواضح أن هذين الحزبين المعاديين للماركسية و للشيوعية فكراً و ممارسة هما حزبان برجوازيان للإيجار لمصلحة دكتاتوريات رأس المال التابع في المنطقة بغية تدمير الحركة الشيوعية العمالية فقط لا غير . لذا نجدهما لا شغل و لا مشغلة لهما سوى تزوير و تزييف أركان النظرية الماركسية و تشويه سمعة الاحزاب الشيوعية المناضلة في المنطقة بمناسبة و بدون مناسبة . و بُعيد الانتخابات التشريعية المصيرية في العراق حصراً حصراً حصراً - و ليس في أي وقت آخر - يحرصون كل الحرص على البث الموجه عبر أشهر الفضائيات العربية الرجعية بمن يفتي منهم بفرية : "الشيوعيون يؤمنون بالحق التام لكل امرأة بالحرية الجنسية الكاملة" لكي يسجِّل الدينجية الواقفين للشيوعية بالمرصاد هذا البث الفيديوي و يوصلوه لكل بيت و حارة و شارع في العراق لمنع الناخبين من التصويت للشيوعيين بالقول لهم : "هل تقبلون لأمهاتكم و لزوجاتكم و لأخواتكم و لبناتكم أن يفعلن كذا ؟" ! كما أن أعداء الشيوعية هؤلاء يحرصون اليوم بكل اندفاع على مهاجمة كل قوى اليسار ومعهم موقع الحوار المتمدن التقدمي الناجح الذي وفَّر و يوفِّر لخزعبلاتهم البرجوازية الرثة منبراً جماهيرياً معتبراً و ذلك جزاءً منهم لسنمّار و تنفيذاً لأجندات أسيادهم الإمبرياليين .. و الحبل على الجرار في مساعيهم المحمومة في تنفيذ المهمة الملقاة على عاتقهم لتدمير الحركة الشيوعية في الشرق الأوسط على الأقل بشتى الأحابيل و التي يؤمن كل واحد منهم أنها مهمته المقدسة الأسمى التي تعلو لا يُعلى عليها .
بدون إدراك هذه الحقيقة لا يمكن فهم الواقع المخزي لمهاجمة الدكتور توما حميد المحترم للرفيق رزگار عقراوي المحترم لمجرد أن الأخير قد طالب عن صدق و اخلاص بالمزيد من الديمقراطية في حشع . الدكتور توما حميد المحترم هو و ليدرييه العراقيين و رهبرييه الايرانيين لا يريدون لأي حزب شيوعي حقيقي أن يصبح حزباً جماهيرياً قوياً في العراق و لا في ايران و لا في أي دولة شرقأوسطية . و إلا هل يمكن تصور وجود أي شيوعي حقيقي مؤمن بالماركسية فعلاً - لا زعماً كاذباً - و هو يهاجم مثل هذا الطلب المشروع مائة المائة لتطوير الممارسة الديمقراطية في الحركة الشيوعية في ضوء هذه الأقوال لماركس عن الديمقراطية في "نقد فلسفة الحق لهيجل" ؟ :
"الديمقراطية هي لغز جميع الدساتير . هنا يعود الدستور ، ليس فقط في حد ذاته ، وفقًا للجوهر ، ولكن وفقًا للوجود والواقع إلى أرضيته الحقيقية ، إلى الإنسان الفعلي ، الشعب الفعلي ، ويؤسَّس كعمل خاص بالشعب . يظهر الدستور كما هو ، المنتَج الحر للإنسان . "
"الديمقراطية هي الوجود البشري ، بينما في الأشكال السياسية الأخرى ليس للإنسان سوى وجود قانوني فقط . هذا هو الاختلاف الأساسي للديمقراطية ."
و كيف يمكن لمن يقول "ليس للديمقراطية مكان في منظومتنا الشيوعية " أن يطبق هذا المبدأ من مبادئ الشيوعية الحقيقية الذي اعتبره إنجلز أنه "فوق كل شيء" ؟ :
"وفوق كل شيء ، ستؤسس البروليتاريا دستورًا ديمقراطيًا ، و (تؤسس) من خلاله لهيمنة البروليتاريا المباشرة وغير المباشرة . " فريدريك إنجلز ، مبادئ الشيوعية ، 1847 .
و من المعلوم أن هذا المبدأ بدون تطبيقه دستورياً في المنظومة الشيوعية الحقيقية تنتفي كل و أي إمكانية لـ "أؤكد على ما سبق حول ان الشيوعية تعني الحرية بالمعنى الكامل للكلمة" التي يبربر بها الدكتور البرجوازي توما حميد المحترم طالما كانت الحرية الحقيقية حسب الماركسية لا تتحقق بالضبط إلا بإخضاع المجتمع للدولة ديمقراطياً :
" الحرية تتمثل بتحويل الدولة من جهاز مفروض على المجتمع إلى جهاز خاضع له تمامًا".
كارل ماركس نقد برنامج غوتا ، الفصل 4" .
و كيف يمكن لمن يقول "ليس للديمقراطية مكان في منظومتنا الشيوعية " السير قدماً في الطريق البروليتاري الثوري لماركس و انجلز الذي يعتبر أن الديمقراطية هي الطريق المؤدي للشيوعية ؟ :
"إن الخطوة الأولى في ثورة الطبقة العاملة ، هي رفع البروليتاريا إلى موقع الطبقة الحاكمة ، لكسب المعركة من أجل الديمقراطية"
- البيان الشيوعي ، 1848 .
و من نافلة القول بالنسبة للشيوعيين البروليتاريين الحقيقيين فإن الديمقراطية تعني الهيمنة السياسية للطبقة العاملة :
"... في إنجلترا ، حيث تشكل الطبقة العاملة الصناعية والزراعية الغالبية العظمى من الناس ، الديمقراطية تعني هيمنة الطبقة العاملة ، لا أكثر و لا أقل . إذن ، هذه الطبقة العاملة تعد نفسها للمهمة المخزَّنة لها ، و هي حكم هذه الإمبراطورية العظيمة ؛ دعهم يفهمون المسؤوليات التي ستقع حتماً على عاتقهم . المشاركة . و أفضل طريقة للقيام بذلك هي استخدام القوة الموجودة بالفعل في أيديهم : الأغلبية الفعلية التي يمتلكونها في كل مدينة كبيرة في المملكة ، لإرسال رجال من صفوفهم إلى البرلمان. [...] علاوة على ذلك ، يستحيل أن يوجد في إنجلترا حزب ديمقراطي حقيقي ما لم يكن حزباً للعمال ".
مقال فريدريك إنجلز 1881 في "معيار العمل" .
اما بالنسبة لأعداء الطبقة العاملة من مدمري الشيوعية فـ "ليس للديمقراطية مكان في منظومتهم اللاشيوعية" مثلما يتبجحون علناً بمعاداتهم الفجة لأبسط و أوضح أسس الماركسية . هذه هي بعض الأوجه القبيحة الظاهرة لمعاداتهم للشيوعية العمالية الحقيقية في العمل ، أما الغاطس منها فسيتكفل التاريخ بفضحه .

يتبع ، لطفاً .