ماركس لم يُقرأ بعد (3)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6878 - 2021 / 4 / 24 - 19:25
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

ماركس لم يُقرأ بعد (3)

لم يعترف حتى اليوم أيتام خروشتشوف من أدعياء الشيوعية أن الحزب الشيوعي السوفياتي خان الثورة الإشتراكية بدءاً باغتيال ستالين بالسم على أيدي ثلة من قادته في المكتب السياسي في 28 فبراير 53 والأحداث الخيانية التي استتبعت ذلك . كافة الأحزاب الشيوعية في العالم باستثناء الصين وألبانيا ورومانيا، وهي أصلاً أطراف للثورة البلشفية المركزية في موسكو اصطفت مع الخونة في موسكو . لم يكن هناك مبرر لتلك الخيانة سوى "خطاب خروشتشوف السرّي" الذي استعار خطاب المخابرات الغربية (CIA) في أميركا و(MI6) في بريطانيا الذي يدين الدولة السوفياتية بقيادة ستالين كدولة إرهابية تمارس العنف والقهر بحق شعبها وتنافي الديموقراطية وحقوق الإنسان . تبيّن فيما بعد أن الخطاب وصف بالسريّ لأن قيادة الحزب لم تكن تعلم به وألقي كخطاب شخصي بعد إنتهاء أعمال المؤتمرالعشرين للحزب بل وأن الخطاب ليس من بنات أفكار خروشتشوف بل من إنشاء الدوائر العليا في الجيش وهو الفريق الطليعي بين فرق البورجوازية الوضيعة السوفياتية التي كان لينين في العام 1922 قد وصفها بـ "العدو الرئيسي" للثورة الإشتراكية .
حقائق الحرب العالمية الثانية التي نجح الإعلام الرأسمالي الإمبريالي بالتعاون مع الخونة السوفييت في طمسها وهي الحقائق القاطعة المانعة التي أكدت دون أدنى لبس أو إبهام أن الدولة السوفياتية وعلى رأسها ستالين كانت دولة دكتاتورية البروليتاريا وهي الأكثر عمقاً في مناحي الديموقراطية وحقوق الإنسان . حقائق الحرب القاطعة المانعة أكدت أن الدول الرأسمالية الكبرى الثلاث الولايات المتحدة وبريطاميا وفرنسا استظلت تحت جناح الدولة السوفياتية لحمايتها من النازية الهتلرية والعسكرية الكميكازية في اليابان . لا يمكن للدولة السوفياتية أن تسحق النازية الهتلرية والكميكازا اليايانية بعد أن تخسر 27 مليون من مواطنيها و 106400 طائرة و 83500 دبابة لو كانت تعاني من أي عيب في الديمومقراطية وحقوق الإنسان .

من أحكام لينين الحكيمة هي أن الحزب الشيوعي يخون قضية الشيوعية مرة واحدة فقط، وهو ما يعني أن الحزب الشيوعي لا يعود شيوعيا بعد اقتراف فعل الخيانة . الأحزاب الشيوعية في العالم وقد اقترفت الخيانة باصطفافها وراء عصابة خروشتشوف الخؤون لم تعد شيوعية بحال من الأحوال تبعاً للحكمة اللينينية ؛ والأحزاب "الشيوعية" بعد أن لم تعد شيوعية لا تستطيع عندئذٍ ممارسة مبدأ النقد الذاتي الذي تنفرد به الأحزاب الشيوعية .

هذه الأحزاب التي خانت الطبقة العاملة باتت فلولاً لا تمثل أي طبقة ذات مصالح حقيقية في المجتمع، وليست أكثر من فرقة هامشية من فرق البورجوازية الوضيعة التي لا تشكل بمجموعها طبقة اجتماعية راسخة بحكم شروط إنتاجها المقتصر على الخدمات . لم تعد أحزاباً بل فلولاً هامشية متحللة .
مثل هذه الفلول لا تجد سنداً لانحطاطها الفكري والطبقي سوى تجاهل التاريخ ؛ فهي ترفض قراءة التاريخ كما هو رغم وقائعه الصارخة . كيف لفلول رغم انحطاطها الفكري والطبقي ما زالت تدعي الشيوعية ومع ذلك ترفض قراءة التاريخ كما هو، تاريخ انقلاب فصائل البورجوازية الوضيعة بقيادة الجيش الأحمر – بل الأصفر – على دولة دكتاتورية البروليتاريا بقيادة ستالين .

الدولة السوفياتية كانت دولة دكتاتورية البروليتاريا منذ المؤتمر العام العاشر للحزب الشيوعي البولشفي في العام 1921 بوصف لينين . إدارة ستالين للدولة منذ العام 1922 حين أوكل لينين إدارة الدولة لرفيقه الأثير ستالين وحتى 22 يونيو 41 يوم بدء الحرب كانت دولة دكتاتورية البروليتاريا دون أن تشوبها أية شوائب . إدارة الحرب كانت تطبيقاً لوصية لينين التضحية بكل شيء دفاعاً عن مشروع لينين في الثورة الإشتراكية العالمية بانطلاقها من روسيا بقيادة لينين والبلاشفة . مع بداية الحرب لا بل في الحقيقة منذ مطالع العام 39 حين انعقد مؤتمر الحزب العام الثامن عشر حيث كان التوجه العام للحزب وقف الصراع الطبقي من أجل مؤاجهة المؤامرة الكبرى التي حاكها مؤتمر ميونخ في سبتمبر 1938 بمشاركة الإمبرياليين تشامبرلين ودالاديية والفاشيين هتلر وموسوليني لم تعد الدولة دولة دكتاتورية البروليتاريا بالرغم من وجود ستالين على رأسها . كانت القوى التي تواجه قطعان النازية هي قوى وطنية . صحيح أن البروليتاريا كانت في طليعة المواجهة في عامي 41 و 42 مما تسبب باستنزافها كماً ونوعاً وسمح لقوى البورجوازية الوضيعة أن تتقدم الصفوف في سنوات الحرب التالية حتى النصر . بعد برنامج إعادة الإعمار 1946 – 51 الذي كان برنامجاً واسعاً بكل المقاييس واعتبر نصراً موازياً للنصر على النازية فقد برز إذّاك واجب ملح على أشتات الشيوعيين بقيادة ستالين القيام به دون إبطاء . فالدولة خلال سني الإعداد للحرب والحرب وإعادة إعمار ما دمرته الحرب 1938 – 51 كانت على الصعيد العملي دولة وطنية – دولة الشعب كله كما سماها خروشتشوف في العام 61 – وليست دولة دكتاتورية البروليتاريا، والدولة الوطنية هي على الصعيد العملي نقيض لدولة البروليتاريا الإشتراكية . ،. كان الواجب الملح لأشتات الشيوعيين بقيادة ستالين التفكيك "السلمي" للدولة الوطنية المعاكسة بطبيعتها للإشتراكية وصولاً إلى استعادة دولة دكتاتورية البروليتاريا الإشتراكية . تلك المهمة الخطيرة والصعبة كانت تتطلب القيام بـ "ثورة سلمية" تتجاوز خطورتها وصعوبتها خطورة وصعوبة ثورة أكتوبر التي أقامت دولة دكتاتورية البروليتاريا . أحد من أشتات الشيوعيين بمن في ذلك أعضاء المكتب السياسي للحزب لم يدرك ذلك سوى ستالين وهو الرائد التاريخي للثورة الإشتراكية . في مواجهة تلك المهمة الصعبة والخطرة في آن طلب ستالين عقد ندوة تبحث في "المسائل الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي" وضمت مختلف الأخصائيين الشيوعيين وغير الشيوعيين في الإقتصاد . تابع ستالين ىتلك الندوة باهتمام شديد مما دعاه إلى إجمال مناقشاتها في كتاب طبع في العام 52 وأعلن ستالين استعدادة لاستقبال أي نقد لمحتويات الكتاب . تبيّن لستالين أن عامة المنتدين لم يكونوا في مستوى الأزمة القائمة التي تستبطن أخطاراً حقيقية على الثورة الإشتراكية التي كلفت الشيوعيين البلاشفة ملايين الضحايا .
مواجهة تلك الأزمة الخطيرة كانت تتطلب القيام بـ "ثورة سلمية" حيث كان استئناف سياسة الصراع الطبقي يشكل مغامرة بمستقبل الثورة الإشتراكية غير محسوبة العواقب، خليك عن الثورة العنفية . ذلك كان ال "حيص بيص" الذي أشكل عبقرية ستالين وهو لينين الذي لم يمت .

"الثورة السلمية" التي عكست عبقرية ستالين تمثلت بسياستين سلميتين ظاهرياً : الأولى تقضي يتحويل الصناعات الثقيلة إلى الصناعات الخفيفة، وتقضي الثانية باستبدال قيادة الحزب الشائخة بقيادات فتية قادرة على العمل الصعب .
في الحقيقة ليس لدي أدنى اشتباه في أن التطبيق التام للسياستين بقيادة ستالين بما له من نفوذ أدبي وشعبي لم يبلغهما أي قائد آخر عبر التاريخ كان كفيلاً آمناً لاستئناف العبور الإشتراكي الذي قطعته الحرب . فالإنتفال إلى الصناعات الخفيفة لم يعنِ فقط رفع مستوى حياة الجماهير كما أعلن ستالين، بل كان يعني أساساً وقف صناعة الحرب المنافية للإشتراكية إلى الصناعات الإشتراكية التي تهتم برغد العيش وتحول ملايين الجنود في الجيش إلى ىبروليتاريا تحيي دولة دكتاتورية البروليتاريا من جديد . إنجاز تلك الثورة "السلمية" كان يتطلب قيادة حزبية شابة لم يقتلها الروتين كالقيادة القديمة .
بدأ اغتيال تلك الثورة السلمية باغتيال ستالين بالسم على عشاء 28 فبراير المشؤوم من العام 53 بأيدي القيادة القديمة للحزب وانتقال صولجان السلطة حالتئذٍ من الحزب إلى الجيش الذي أرغم الحزب بمساعدة من خروشتشوف على إلغاء الخطة الخمسية من أجل تكريس موارد البلاد للتسلح كما أفصح بيان الحزب من راديو موسكو . كنت أقود آنذاك خلية حزبية وكان أن رحبت بالقرار وقلت في اجتماع الخلية .. أن الشعوب السوفياتية ليست بحاجة للزبد والبسكويت بقدر حاجتها للمدافع والدبابات . وهكذا كنت عدواً للشيوعية دون أن أعلم كما هي فلول الأحزاب الشيوعية فيما بعد الخمسينيات .