لبنانيات ...


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 6877 - 2021 / 4 / 23 - 15:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

رئيسان لبلدِ الفينيق الجميل لبنان عرفتُهما بشكلٍ شخصيّ وإلتقيتُ بهما وكانت لي معهما جلسات وحوارات ممتدة.

الأول هو إيميل لحود الذى ولد يوم 16 يناير 1936 ولا يزال على قيدِ الحياة. وكان رئيساً للبنان لتسعِ سنواتٍ من 1998 الى 2007 ... وهو ابن العماد جميل لحود أحد قادة الحركةِ التحرريةِ.


والثاني هو ميشيل عون المولود يوم 15 فبراير 1935 والذى يشغلَ منذ 31 يناير 2016 وللآن منصبَ رئيسِ جمهوريةِ لبنان.

وكلٌ منهما كان قائداً للجيشِ اللبناني.

وبديهي أنهما مسيحيان مارونيان. فرئيسُ جمهورية لبنان لابد وأن يكون مسيحياً مارونياً.

وقد أكملتُ اليوم كتابةَ مذكراتي عن حواراتي معهما :
مع لحود فى لبنان ومع عون فى پاريس.

وهذه هى خاتمة هذه المذكرات التى جاءت فى عشرة آلاف كلمة :

كان حكمي على الرئيسِ لحود قبل أن نلتقي ونتحاور وأسمعُ منه الكثير حُكماً يميل للسلبيةِ. وبعد أن عرفتُه وسمعتُ منه تحوّل حكمي عليه للإيجابيةِ.

أما حكمي على الرئيس عون فكان خلال سني منفاه الپاريسي يميل للإيجابيةِ. وبعد آخر لقاءاتِنا فى فرنسا رجع للبنان وبدأت مواقفُه وأقواله تحرك حكمي عليه من الإيجابيةِ المتحفظةِ للسلبيةِ المفرطةِ.

ومن الأشياءِ التى سمعتُها من لحود وأوجعت قلبي ما ذكرَه لي عن التكبرِ الذى لمسَه طيلة سني رئاستِه من حكّام الولايات المتحدة. ومن الأمثلة الكثيرة التى ضربها عن هذا التكبر أن مادلين أولبرايت والتى كانت إبان رئاسته هى وزيرة خارجية الولايات المتحدة والمنوط بها التعامل معه لا تتصل به تليفونياً إلاّ ما بين الساعة الثانية والرابعة صباحاً !

وقد دلتني لقاءاتي بلحودٍ على حقيقةِ أكاد أن أكون متيقناً منها وهى أن لحود لم تجعله رئاسةُ لبنان ثرياً. وهى ظاهرة إستثائية فى لبنان.

ولحود لم يجعله منصب رئاسة الجمهورية طاووساً كما يحدث عادة فى منطقة الشرق الأوسط.

أما ميشيل عون فهو رجل مثَّل واحدةً من أكبر صدمات حياتي مع البشر.

ففى بيته الپاريسي إستمعتُ له لساعاتٍ وهو يردد :

* أن سوريا-الأسد وحزبَ الله وإيران هم على رأسِ قائمةِ أعداء لبنان وليس إسرائيل.

** أنه إن أصبح رئيساً للبنان فإن أولَ و أكبرَ أهدافِه سيكون تحقيق "دولة واحدة وسلاح واحد فى لبنان".

*** أن محاربةَ فساد زعماءِ الطوائفِ والساسة سيكون ضمن أول أولوياتِه.

وقد عاد عون من المنفى الفرنسي للبنان ثم أصبح (بعون حزب الله) رئيس جمهورية لبنان ، وقال وفعل عكس ونقيض ما سمعتُه منه فى پاريس بحضورِ صديق مشترك هو الصحفي اللبناني پيار عقل.

و عون كان قبل الرئاسةِ طاووساً صغيراً نصف منفوش وصار مع صيرورته رئيسَ لبنان طاووساً كبيراً منفوشاً لأقصي درجة.

فى مستهلِ حياتي الثقافية ولِد حبي للبنان الذى كان يضم نصفَ عدد دور النشر الموجودة فى كل البلادِ الناطقة بالعربية. وكان أكثر من نصفِ ما قرأتُه مطبوعاً فى لبنان. وكنت شغوفاً بمتابعةِ الحياةِ السياسيةِ والثقافيةِ اللبنانية. فكنت أعرفُ وأُتابعُ عشرات الزعماء والساسة والأدباء والشعراء اللبنانيين والمقيمين فى لبنان.

واليوم ، وبمحاذاة أسفي على حال لبنان ، فإنني على يقينٍ أنه لا ترياق لهذه الحال إلاّ بعد حدوثِ أمرين :

أولهما ، أن يحكم اللبنانيون فقط لبنان.

وثانيهما ، إيجاد حياة سياسية عصرية عوضاً عن الصيغة الطائفية/العائلية/القروسطية (قرون أوسطية) التى سادت فى لبنان منذ إستقلاله والتى تكاد تكون بلا نظير على سطح الكرة الأرضية.


ومما يوجع القلب أن إحتمالات تحقق هذين الأمرين غير كبيرة.

بقى أن أقول أن عشقي للبنان له صلة بمصريتي. فلبنان متعدد الأعراق والأديان والطوائف والثقافات ، لبنان البحر المتوسط كان تجسيداً لما أُحبه لبلدي مصر.