ماركس لم يُقرأ بعد (1)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6867 - 2021 / 4 / 12 - 16:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

ماركس لم يُقرأ بعد

في مايو أيار 1965 أكدت للأمين العام المساعد للحزب الشيوعي الأردني أن حزبهم بات حزباً معادياً للشيوعية باصطفافه وراء عصابة خروشتشوف في الكرملن، وعليه فلن أستأنف عضويتي في الحزب ما لم يتخذ الحزب خطوة للخلف إلى خارج صف خروشتشوف . رفض الأمين العام المساعد طلبي مؤكدا أن الحزب الشيوعي الأردني كان قد نشكًل كجمعية صداقة للإتحاد السوفياتي وسيبقى كذلك بغض النظر عن السياسات العامة للإتحاد السوفياتي . إذّاك تركت الحزب خاصة وأنني كنت قد أكدت لرفاقي في معتقل الجفر الصحراوي في صيف العام 1963 حالما تيسّر لي دراسة تقرير خروشتشوف "الليبرالي!" لمؤتمر الحزب العام الثاني والعشرين في العام 61، أكدت لهم أن الإتحاد السوفياتي سينهار في العام 1990 وكتبت مذكرة بهذا المعنى لقيادة الحزب . تركت الحزب وحيداً دون أن أجد شيوعياً واحداً يشدّعلى يدي وما لقيت بعدئذٍ من الحزب وسائر أعضائه سوى العزل والكراهية الشديدة ؛ وقد عانيت وعائلتي الصغيرة جرّاء ذلك ما بين مطرقة الحزب وسدّان الحكومة كل عذابات المهانة والجوع ومنها العودة إلى السجن ما بين حزيران 66 وحزيران 67 عندما أعلن الملك حسين مصالحته مع الحزب بعد أن احتلت اسرائيل الضفة الغربية من المملكة بتأييد كبير من الولايات المتحدة الأميركية .

بعد خروجي من السجن للمرة الثاتية وتدبر الخبز للعائلة بمساعدة من إرسالية كاثوليكية تركزت اهتماماتي في البحث لتبرير موقفي الماركسي اللينيني من الإتحاد السوفياتي ومن الحزب الشيوعي المعاديين للثورة الشيوعية "المستمرة" فكان أول من صدمني من خارج الأحزاب الشيوعية المتمركس المنحرف الدكتور سمير أمين في كتابه "الأمة العربية" الصادر في العام 1978 . سمير أمين المتأثر بمقدار أو بآخر بـ "مدرسة لندن الإقتصادية" وثيفة الصلة بدائرة المخابرات البريطانية “MI6” وبمدرسة فرامكفورت الماركسية المعادية للقراءة اللينينية لماركس، هذا السمير بزّ مدرستي لندن وفرانكفورت ليس في تحريف الماركسية فقط بل وفي تشويهها ومن ذلك نفيه في كتابه المشار إليه للعلاقة الجدلية بين البناء التحتي والبناء الفوقي وهي القانون الأساس الذي تستند عليه فلسفة ماركس في المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية، وزاد أن أهاب بالتمأسلمين في بيروت أن بحاربوا معه حيث هو يقاتل من نفس خندقهم (!!) . وكنت قد كتبت في مطالع الثمانبنيات عدة مقالات في الصحف المحلية، في "الرأي" وفي "العرب اليوم" ، تهاجم انحرافات سمير أمين . ليس من متمركس آخر شوّه الماركسية بمفدار ما فعل سمير أمين كأن ينادي في أوآخر تنظيراته بثورة معاكسة للثورة الشيوعية ال
دائمة التي نادى بها ماركس فرأى أن تبدأ الثورة في الأطراف لتحاصر المراكز وتنتقل إليها ؛ بقول هذا بعد أن انتشرت العولمة في كل أطراف الأرض ولم يعد هناك من مرأكز أو أطراف ؛ أضف إلى ذلك أن القوى الثورية المتنامية في الأطراف ليست قوى اشتراكية بحال من الأحوال وبغياب ثورة اشتراكية عالمية فإن ثورة الأطراف لن تكون ذات معنى .
نادى سمير أمين في آخر ما كتب بتشكيل أممية خامسةتحت شعار "يا مال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا" مقتبساً شعار لينين متناسياً أن الشرعية الوحيدة التي يمكن أن تستند إليها أمميته الخامسة هي الأسباب الحقيقية لانهيار الاتحاد السوفياتي وفشل الأممية الثالثة بالتالي . أمين كتب في مختلف مناحي الإقتصاد والسياسة لكنه لم يتوقف للحظة عند أهم حدث في تاريخ الشيةعية ألا وهو انهيار الاتحاد السوفياتي وهو ما يقطع على أنه لم يكن يعرف الأسباب الحقيقية للإنهيار . لما كان الإتحاد السوفياتي قد قام كأول دولى اشتراكية في التاريخ من أصول الماركسية فإن انهياره لا بدّ أن يكون بسبب تقطيع تلك الأصول . من لا يدرك ذلك مثل جميع الشيوعيين الذين انتهوا إلى الإفلاس وسمير أمين أولهم لا يمتون لأصول الماركسية بأدنى صلة .

كان القائد الثوري الأعظم لبروليتاريا العالم فلاديمير لينين بقراءته الفذذة للماركسية هو ماركس عصر الإمبريالية كما وصفه رفيقه الأمين ستالين . منذ خمسين عاماً وأنا أبحث عن قراءة لينينية لماركس فيما بعد انهيار العوالم الثلاث اللواتي ورثتها البشرية عن الحرب العالمية الثانية المتوحشة وحشية النازية الهتلرية وعبثاً بحثت . درست كل تحريفات ىسمير أمين وتشويهه المفضوح للماركسية ونقبت في كتابات مختلف الشيوعيين العرب وغير العرب، وتابعت كل الندوات التي عقدت للبحث في القراءة الماركسية فيما بعد انهيار العوالم الثلاث وفي نقد الإشتراكية السوفياتية وآثار ثورة أكتوبر في مسار التاريخ فما وجدت شيئاً من لينين في مختلف هذه القراءات . لم أجد غير شيوعيين ومتمركسين لم يقرأوا ماركس على الإطلاق .

ما يصدم المرء حقاً هو أن الشيوعيين، وقد واجهوا فجأة إنهيار مشروعهم دون سابق إنذار بحدود رؤياهم، وجمهرة واسعة من أدعياء الماركسية ليس فقط أنهم لا يقرؤون التاريخ فقط بل أنهم ولما يثير الإشتباه يتهربون من قراءة التاريخ . قراءة التاريخ كما هو شرط أولي لاكتشاف الماركسية بمختلف أعماقها، بل إن الماركسية ليست أكثر من قراءة التاريخ كما هو ولو لم ينجح كارل ماركس في قراءة التاريخ كما هو بالإعتماد على إكتشافه القانون العام للحركة في الطبيعة (المادية الديالكتيكية) لما استطاع أن يبني نظرية علمية تحكم التطور الإجتماعي في مختلف مراحل التاريخ .

عندما يعجز بعض السفهاء في قراءة التاريخ كما هو منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين وحتى اليوم لا يجدون حجة تخفي سفههم غير الإدعاء أن الماركسية ليست إلا أفكارا من بنات عصرها انتصرت للحرية وللعدالة والمساواة متمثلة بشعارات الثورة الفرنسية، دون أن يدرك مثل هؤلاء السفهاء أن النظرية الماركسية هي تحقيقاً نفاذ القانون العام للحركة في الطبيعة (المادية الديالكتيكية) في حركة تطور المجتمع ؛ إنها مجموع قوانين نافذة رغم أية قوى معاكسة . المجتمعات البشرية منذ ظهورها على وجه الأرض بما في ذلك حركة تطورها إنما هي من أشئياء الطبيعة تخضع لنفاذ قانونها العام بكل عناصرها المادية والروحية .