اليسار على حقيقته


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6862 - 2021 / 4 / 7 - 18:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

رحل الرفيق الماركسي العتيد حسقيل قوجمان قبل ثلاث سنوات وفوجئت بموقع الحوار المتمدن ينعية ككاتب "يساري" فسرعان ما خطرلي بأن الحوار المتمدن سينعيني حال رحيلي بعد سنوات قليلة ككاتب يساري أيضاً وهو ما يسيء إلي بمثل ما أساءوا للرفيق طيب الذكر بولشفي اللحمة حسقيل قوجمان .
إذّاك بادرت في الحال للإتصال بالرفيق رزكار عقراوي كي يقطع لي وعداً بأن ينعيني كماركسي بلشفي - وليس يسارياً باعتبار اليسار معادٍ للشيوعية - وأكدت عليه ألا ينسى وعده لي .
فوجئت مؤخرا بالسيدة الكريمة بيان بدل من قناة الحوار المتمدن تقدمني على الفناة ككاتب يساري ؛ ونظراً لضيق الوقت وأن السيدة بيان لا تعلم طبيعة موقفي من اليسار آثرت السكوت دون تنبيه أو إعتراض إلا أن بعضاً من رفاقي النبهاء لم يسكتوا على "الإساءة" وسجلوا احتجاجهم .

من الملاحظ بصورة لافتة أن صيحة اليسار (Out Cry) قد أصبحت عامة والصيحة الأعلى في الأنشطة السياسية بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وليس من سبب لذلك سوى التبرؤ الضمني من الثورة الإشتراكية السوفياتية . يُسأل البساريون عن أسباب تبرئهم وإذ بهم صمّ بكمٍ لا ينبسون بحرف ؛ وإن جازف أحدهم بالنطق فلا ينطق بغير "غياب الديموقرطية" في الإتحاد السوفياتي الأمر الذي يؤكد أن اليساريين بجملتهم لم يكن لهم يوماً أدنى علاقة بالإشتراكية السوفياتية فالديموقراطية السوفياتية كانت أعمق ديموقراطية عرفتها البشرية في تاريخها الطويل . كان الفرد السوفياتي هو من يقرر مختلف الأمور في حياته . كان الشغيلة في مؤسساتهم هم من يقرر برنامج العمل وأشخاص الإدارة ومنهم المدير العام . من المعلوم تماما أن أوامر العمليات الحربية الصادرة عن القيادة مستوجبة التنفيذ دون مساءلة. ذلك لم يتوفر في أول سنتين من الحرب السوفياتية ضد النازية . كان أمر القيادة يخضع للتصويت من قبل قادة الوحدات ذات العلاقة، وأن أمر ستالين بمنع التصويت لم يحترم حتى في العام 43 حين نظم الماريشال فورشيلوف وهو عضو المكتب السياسي الهجوم على قوات النازي عل شواطئ البحر الأسود أمر باستدعاء قادة الوحدات للتصويت على الخطة ولم يستجب لأوامر ستالين بمنع التصويت . الخطط الخمسية التي تحكم القيادة بتنفيذها بالتفصيل الدقيق يقرر تفاصيلها الدقيقة العمال والشغيلة في مؤسسات الإنتاج المختلفة . فأي ديموقراطية مثل هذه الديموقراطية في كل أرجاء التاريخ !؟
وفي مثل هذا المقام يتطفل بعضهم ليدعي أن النظام السوفياتي لم يكن اشتراكياً بل كان رأسمالية الدولة !!


الحقيقة الصلدة التي تكشف المحتوى الرجعي لجمهرة اليسار، وأن اليساريين ليسوا إلا أفاقين لا مبادئ لهم، هي أن أحداً منهم لا يستطيع أن يفصح عن مبدأ واحد يجمع عليه جمهرة اليساريين . إنهم بلا مبادئ على الإطلاق . يجمعون على صرخة الديموقراطية لكن الديموقراطية موضوع صرختهم تقر بتساكن طبقة العمال مع طبقة البورجوازية، وهي بذلك تتجاوز التناقض التاريخي بين الطبقتين . كيف يمكن تجاوز مثل هذا التناقض التاريخي الحاد بغير قوى القمع !؟ اليساريون يسكتون عن كبرى القضايا في المجتمع الرأسمالي . تلك هي بيضة الرجعية التي يبيضها اليسار .

الحزب الشيوعي البولشفي واجه مبكرا بقيادة فلاديمير لينين الحازمة مسألة الإنحراف في الحزب سواء إلى اليسار كما مجموعة تروتسكي أم إلى اليمين كما مجموعة بوخارين، فكان أن اتخذ المؤتمر التأسيسي للإتحاد السوفياتي المؤتمر العاشر للحزب في مارس 1921 قراراً يقضي بمنع التشظي والانحراف داخل الحزب (Ban on Factionalism) وكان من تداعيات ذلك القرار التأسيسي للإتحاد السوفياتي طر د تروتسكي من الحزب في العام 1927 وإعدام بوخارين في العام 1937 . حكومة خروشتشوف أعادت تأهيل جميع الذين اقترفوا جرائم ضد السلطة السوفياتية باستثناء ترونسكي وبوخارين .

ما يستوجب التأكيد عليه في الخاتمة هو أن جميع المتحلقين تحت راية اليسار إنما هم منحرفون إلى اليمين وليس إلى اليسار كما يتوهمون . منحرفون إلى اليمين ينادون بالمساكنة السلمية بين الروليتاريا والبورجوازية ولا يترددون في إعلا ن رفضهم للمبدأ الأساس في الماركسية ألا وهو دكتاتورية البروليتاريا .
وعليه فأول الواجبات الذي على الشيوعيين البلاشفة الجدد أن يقوموا به دون تردد أو تهاون هو تهديم أعمدة هيكل اليسار على رؤوس اليساريين من كل عرق ولون .