حول هوية موقع الحوار المتمدن

محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 6837 - 2021 / 3 / 11 - 22:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

قبل أن ‏أدخل في موضوع هوية موقع الحوار وإبداء بعض الملاحظات الأخرى للإخوة الماركسيين أود أن أؤكد على بعض الحقائق وهي ‏أن موقع الحوار المتمدن جاء ليملأ فراغًا ثقافيا كبيرا بما أتاحه من ساحة إعلامية مفتوحة للجميع للحوار الحر في كل شيء وفي كل القضايا وفي كافة المجالات المعرفية والثقافية وهو شيء لم نألفه في عالمنا العربي المبتلى بالقهر والاستبداد ‏والصوت الواحد للزعيم ذو الحكمة والحنكة والذي يفهم في كل شيء ويرى ما لا نراه وما علينا إلا أن نتبعه كالقطيع دون أن نفتح أفواهنا إلا بهتافات الحمد والتمجيد له.
ولأن ‏مؤسسي الموقع من اليساريين العلمانيين التقدميين فقد فتحوا ساحة الحوار للجميع بما فيهم التيارات الدينية المحافظة والمتطرفة واليسار المعتدل والمتطرف والعلمانيين والديمقراطيين ولكل العرب عبر العالم. وعلى مر السنين كون الموقع مكتبة هائلة لا تقدر بثمن من المقالات والأبحاث والحوارات ‏في كل المجالات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والثقافية والفنية والأدبية والعلمية، كما أصبح الموقع صوتا لكل من لا صوت لهم مدافعا عن حقوق المرأة العربية المظلومة وكل الأقليات والمعتقلين والمضطهدين في بلادنا. ‏وبالإضافة إلى هذا فإن المشرفين على الموقع لا يتوقفون عن تطويره وآخر هذه التطويرات كان إضافة قناة للحوار على موقع YouTube. وأقل ما يستحقه المؤسسين والعاملين في هذا الموقع الضخم هو الشكر والتقدير على هذا الجهد والوقت الثمين الذي يخصصونه ‏من حياتهم لهذه المهمة الثقافية الجليلة. أود هنا أن أذكر أنني تواصلت في مرات قليلة مع الاستاذ رز كار عقراوي لإبداء بعض الملاحظات والمقترحات وأشهد أن الرجل كان في غاية المودة والاحترام ولم يتأخر أبدا في الرد. فله مني ولكل زملائه أخلص التمنيات ‏بالمزيد من التوفيق، والنجاح ودوام الصحة والسعادة.
بعد ‏هذه المقدمة القصيرة أود أن أطرح القضايا التالية:

أولا، ‏بدأت تظهر في الآونة الأخيرة ‏تعليقات من بعض الأخوة الماركسيين والشيوعيين تعبر عن استيائهم من السماح لكل من يخالفهم الرأي بالكتابة او حتى التعليق على هذا الموقع بحجة أن الحوار المتمدن ‫موقع يساري ماركسي فقط ولا يحق لليبراليين او المتدينين او حتى الاشتراكيين الديمقراطيين مثلنا بالمشاركة فيه، هذا ‏ناهيك عن ردود الفعل العنيفة والشتائم للمعارضين لهم والاتهامات بالعمالة لا أدري لمن والطعن في سلامة عقولنا وجدارتنا العلمية فقط لمجرد التعبير عن رأينا دون شتائم مثلما يفعلون. ‏ولهؤلاء نقول أن موقع الحوار موقع ‫يساري علماني تقدمي وليس موقعا ماركسي فقط والدليل على هذا أن الموقع مفتوح للجميع برغبة مؤسسيه وسوف يظل هكذا وسوف نظل نعبر عن آرائنا ونمارس حقنا في النقد البناء و إظهار الحقائق وتصحيح الأخطاء وفضح العقول الأيديولوجية السياسية والدينية أسيرة الماضي والعائشة في وهم أنه ‏يمكن إصلاح مشاكل الحاضر المعقدة بحلول قديمة نفذت صلاحيتها منذ مئات السنين. ‏ولو أننا مخطئين في ظننا بأن مؤسسي الحوار يريدونه ساحة حرة لجميع الآراء والتوجهات فإننا سوف نحترم هذا الخيار بالتأكيد ونتصرف على أساسه.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ثانيا، ‏أحد الكتاب الشيوعيين - وأنا أشهد انه رجل واسع الاطلاع إلا أنه يتسم بشراسة الطبع ومن الصعوبة أن تجد شيئا يعجبه- كرر في كتاباته مؤخرا أن الكتابة في الموقع لابد أن تكون موثقة بمصادر معتمدة. ‏وتعقيبًا على هذا ومن واقع خبرتي مع الصحافة العالمية يمكنني القول بأن هذا المطلب غير ضروري بالمرة وغير مفيد - كما سوف أوضح حالا -في عالم الصحافة ‘والحوار المتمدن واحد منها بالطبع. ‏ولو أنك طالعت كبار الصحف والمجلات العالمية مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست والجارديان والإكونومست وكل الصحف العربية فلن تجد أي مقالات تقوم بعملية التوثيق هذه وذكر المصادر في الهوامش لأنها صحافة رأي بالأساس، ‏هذا يحدث عادة في الجورنال الأكاديمية التي تضع معايير صارمة في النشر للحصول على تقييم مرتفع للجامعة من خلال عمليات ال Citation من أبحاثها والتي كلما زاد عددها من خلال دخول الباحثين على البورتال الخاص بجورنال الأبحاث لكل جامعة، كلما ارتفع التقييم الخاص بها وهو ما يساعد على زيادة إيرادات الجامعات بطرق عديدة، ويحدث هذا بالطبع في إطار المنافسة الشرسة بين كل الجامعات العالمية. ‏وغير مسموح لنا كأساتذة أن نرسل أي بحث نشرف عليه لأي من الباحثين أو زملائنا في الجامعات الأخرى بشكل مباشر، وعندما نريد أن نفعل هذا فإننا نعطيهم اللينك الخاص بنا للدخول على البحث عن طريق البورتال الخاص بالجامعة والذي يقوم بتسجيل عدد مرات الدخول.
وما ‏أقوله لا يعني بأي حال ان ذكر المصادر في المقالات الصحفية غير مسموح به وإنما ما أقوله إنها غير إلزامية ولا تحدث في أي من صحف ومجلات العالم ولا حتى في المواقع المعرفية المفتوحة للجمهور على النت. وينبغي أن نلاحظ هنا أن القارئ لا يهتم بالمصادر بقدر اهتمامه بموضوعية الأفكار وفائدتها له ولو انه أعجب بفكرة فإنه لا يحتاج إلى مصادر لتأكيد قناعته والعكس صحيح أيضا ولذلك فإن أغلبية القراء لا تهتم بفتح وصلات المصادر. والأكثر من هذا أنه حتى في الجورنال الأكاديمية يسمح بنشر بعض مقالات الرأي التي لا تصنف كأبحاث ‏والسبب في ذلك أن الكثير من هذه الآراء تتضمن أفكارا جديدة لم تنشر من قبل وغير موثقة، ولكنها قد تكون ملهمة لأبحاث جديدة.
‏أضيف إلى ما سبق أيضا أن هذا الكاتب الموقر لا يذكر في مقالاته عادة سوى مصادر لمقالات عادية مؤيده لرأيه ولا يشير لأي مصادر معارضة له وهذا النوع من النقل او الاقتباس دون أي نقد لا يضيف أي جديد وغير مستحب في الأكاديميا كما هو معروف لكل الأكاديميين، ‏ ‏وهذا ما كنت أؤكد عليه دائما لطلاب الدراسات العليا الذين يلجؤون لهذا النوع من النقل المتحيز في أبحاثهم لأنه لا يزيد عن كونه عملية لنقل رفات ميت من مقبرة قديمة إلى مقبرة جديدة.
‏والخلاصة أنني أشجع كل الكتاب والمعلقين في موقع الحوار على التعبير عن رأيهم بحرية ودون التقيد بذكر أي مصادر الا عندما يتم النقل بشكل حرفي لأن الأمانة العلمية هنا تقتضي ذكر المصدر.
‏ومن باب الفكاهة هنا فإن بعض الكتاب الماركسيين ينقلون نصوصا عن ماركس نفسه لإثبات أن ما قاله ماركس ‏صحيح وغير قابل للنقد أو النقاش!

ثالثا، بالنسبة ‏لمسألة العنف اللفظي للماركسيين من منتسبي ما أسميه بمدرسة إما أن اقنعك برأيي أو أشتمك فإن ألفاظهم العنيفة والمهينة وشخصنة المواضيع ومحاولة إسكات المختلفين معهم في الرأي قد تكون أضاعت سمة جميلة من سمات موقع الحوار وهي سمة التمدن، ولكن مؤسسي الموقع غير مسؤولين عن هذا ‏لأنه لا يمكن أن يتوقع أحد منهم أن يتبعوا كل كلمة في هذا الكم الهائل من المقالات، وقد سبق أن فشلت مواقع فيسبوك وتويتر وجوجل في هذا ولديهم جيوش من الموظفين.
‏إذن فلندعهم يشتمون لأن هذا دليل على الإفلاس وغياب ثقافة الحوار المتحضر لديهم وما علينا إلا أن نتجاهل هذه الشتائم والإرهاب الفكري الذي غرضه الأساسي هو السطو على الموقع وتكميم الأفواه المعارضة وهو نفس نهجهم الفكري قي نظرية ديكتاتورية البروليتاريا والقائمة على هدم بنيان الدول والسطو على كل الاصول ووسائل الإنتاج وهو نهج يستلزم بالضرورة تكميم كل الأفواه. وينسى ‏هؤلاء أنهم يسعون من خلال إقامة هذا النظام الديكتاتوري إلى هدم دولهم ذاتها وليس الغرب وحده لأن دولهم رأسمالية وهم أنفسهم رأسماليون وسوف يكون هذا هو موضوع مقالي القادم لبيان الفارق بين النهج الديموقراطي الاشتراكي في التعامل مع مساوئ الرأسمالية وبين نهجهم التدميري.

رابعا وأخيرا، ‏وهذا اقتراح لإدارة الحوار المتمدن بأن تخصص مساحة أكبر للشباب من كتاب الحوار من الموهوبين في القسم العلوي من صفحة الصدارة للموقع حتى نتعرف عليهم أكثر وندفهم إلى الأمام. ولن يتحقق هذا إلا من خلال السماح لكبار الكتاب بنشر مقالتين كل شهر بحد أقصى وليس مقالا كل أسبوع كما يفعل البعض وغالبا ما يكون المقال نسخة معدلة من مقالات سابقة.
مرة أخرى كل الشكر والتقدير لإدارة الحوار.
مستشار اقتصادي