أهم المسائل في الماركسية المعاصرة (1)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6834 - 2021 / 3 / 7 - 18:03
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

أهم المسائل في الماركسية المعاصرة (1)

يشدّد متثاقفو البورجوازية الوضيعة وهم يسيطرون على وسائل الإعلام المختلفة في كل مكان في العالم على أنه ما كان الإتحاد السوفياتي لينهار بعد أن وصل ليكون الدولة الأعظم في العالم لولا أن هناك خللاً بنيويّاً عارماً في النظرية الماركسية .
ليس أدل على الفقر الفكري لهؤلاء المتثاقفين وتطفلهم على علوم الماركسية من حقيقة أن ماركس كان قد صاغ نظرية في التطور الإجتماعي ولم يكتب حرفاً في التطور الإشتراكي سوى أن البناء الإشتراكي لا يتم إلا في ظل دولة دكتاتورية البروليتاريا . ذلك يعني دون لبس أو إبهام أنه لم يكن هناك لماركس أي شأن في مجريات تطور الإشتراكية السوفياتية، بل إن ماركس ورفيقه إنجلز كانا قد أكدا بصورة قاطعة على أن بناء الإشتراكية يعود لقادة الثورة الإشتراكية في البلاد المعنية وليس لهما أن يتنبآ عما يتوجب أم لا يتوجب فعله لعبور الإشتراكية .
بناء عليه كانت الاشتراكية السوفياتية من تصميم قائد البلاشفة فلاديمير لينين كما أكد ذلك رفيقه النجيب والقائد الأعظم يوسف ستالين . لئن إعتور الإشتراكية السوفياتية أية أخلال فهي إذاً من صنيع لينين وليس ماركس . هذا يكفي بالطبع لفضح إفتراءات متثاقفي البورجوازية الوضيعة وتطفّلهم فيما لا يعلمون .

للنظر في هذه المسألة بالغة الأهمية، مسألة انهيار الإتحاد السوفياتي، دعنا نحتكم للتاريخ وهو أصدق الحكام والذي لا تشوبه شائبة في أحكامه التاريخية .
الأحكام القطعية لمحكمة التاريخ تقول أن الثورة الإشتراكية البولشفية انفجرت في روسيا المتخلفة بسبب تطورات الحرب العالمية الأولى وتعثراتها التدميرية الواسعة لخمس سنوات . وهنا يجدر استذكار إقتراح لينين في اجتماع الأممية الثانية في شتوتغارت 1907 الذي يقول على أحزاب البروليتاريا في بلدان أوروبا النهوض لاستلام السلطة حال إعلان حرب جديدة لإستعادة الحياة السلمية للشعب .. المؤتمر تبنى اقتراح لينين في قرار خاص لكن الأممية عادت في اجتماعها في بازل 1912 وتخلت عنه مما دفع بحزب البلاشفة إلى الخروج من الأممية الثانية .
أربع عشرة دولة رأسمالية أرسلت 19 جيشاً إلى روسيا في العام 1919 لخنق البولشفية في مهدها لكن تلك الجيوش كانت من فلول جيوش الحرب العالمية المنهكة لا تقوى على مخزون العنف الثوري في جيوش العمال والفلاحين البلشفية وتم تطهير كامل الأراضي السوفياتية من رجسها.
الحرب العالمية الأولى التي كانت مسؤولة إلى حد كبير عن نجاح البلاشفة الروس في تفجير الثورة الإشتراكية العالمية الموعودة والمقيّض لها تفكيك النظام الرأسمالي العالمي إنتهت إلى أن تفرض الذئاب الكاسرة في لندن وباريس أسوأ معاهدة استسلام في التاريخ على ألمانيا تحول دون تطور قوى الإنتاج فيها، وكنت تتفوق على نظبرتها في بريطانيا وفي فرنسا، على الطريق الرأسمالية مما سمح لها بمساعدة الحزب الإشتراكي الألماني الخؤون إلى التطور على الطريق النازي وتشكل أعتى قوة عسكرية ظهرت في التارخ في نهاية الثلاثينيات، وتكون بالتالي ذخر الإمبريالية في القضاء على الشيوعية .
الهجوم الهتلري الغادر على الإتحاد السوفياتي الآمن في الساعات الأولى من يوم 22 يونيو 41 منتهكاً اتفاقية عدم الإعتداء الموقعة بين الطرفين كان هو التطبيق الفعلي لمقررات مؤتمر ميونخ في سبتمبر 38 الذي جمع الإمبريالية في بريطانيا وفرنسا مع النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا .
المفاجأة الخارقة للعالم هي أن الدولة السوفياتية الحديثة استغرقها لملمة أطرافها أربعة شهور قبل أن تواجه 3 ملايين جندياً نازياً يحيطون بموسكو وتقطع أوصالهم وتُنزل بهتلر أولى هزائمه المرة ؛ في العام 42 كانت معركة ستالينجراد الشهيرة وفي العام 43 معركة الدبابات في كورسك والتي قصمت العمود الفقري للعسكرية الألمانية ؛ وفي يناير 45 فتح الاتحاد السوفياتي أكبر معركة في تاريخ الحروب اشترك فيها زهاء 3 ملايين جندياً وخمسة آلاف دبابة وخمسة آلاف طائرة امتدت في خط نار يتجاوز الألف ميلا واخترقت شرق اوروبا وصولاً إلى برلين واحتلالها .

ما من كاتب قارب الماركسية إلا ووجد نفسه على مسافة معلومة من المشروع اللينيني في الثورة الاشتراكية السوفياتية سواء كان مؤيداً أم رافضاً أم بين بين .
فضاء العالم يمور اليوم بمقاربات ومناظرات مختلفة للماركسية الأمر الذي يعني أن الماركسية ما زالت الشغل الشاغل للمفكرين وأصحاب الرأي وأنها لم تمت كما يشيع مجندو البورجوازية الوضيعة وشعارهم الأثير "موت الإيديولوجيات" على جهلٍ منهم بأن الماركسية ليست ايديولوجيا . على مختلف مقاربي الماركسية مهما اختلفت منطلقاتهم ومراميهم ألا ينبسوا ببنت شفة قبل مواجهة اللغز الذي لم يتم تفكيكه بعد وهو كيف قامت الدولة السوفياتية بكل تلك المجهودات الحربية الهائلة متجاوزة كل المعايير المعروفة وما النتائج المترتبة على ذلك .

اللغز الذي لم يتم تفكيكه بعد يقول أن الدولة السوفياتية التي كانت وحدها قادرة على سحق ألمانيا الهتلرية ومعها ثلاث عشرة دولة أخرى تبدأ تلك الدولة حال إنتهاء الحرب وإعادة الإعمار في العام 51 بالإنهيار وهو ما يؤكد طلسمة مثل هذا اللغز الأحجية التي تهرّب كافة الشيوعيين من مواجهتها منكرين أن مشروعهم الشيوعي كان قد بدأ بالانهيار في الخمسينيات . ثمكة وقائع تاريخية تؤكد مثل هذا الأمر لا يجوز تجاهلها بحال من الأحوال ...
- ستالين يطالب جهاراً نهاراً في العام 52 بإحالة جميع أعضاء قيادة الحزب إلى التقاعد
- ثلاثة من أبرز أعضاء القيادة يغتالون ستالين بالسم أثناء عشاء 28 فيراير
- يجتمع صبيحة موت ستالين أعضاء القيادة ويقررون خلافاً للقانون إلغاء عضوية 12 عضواُ جديدا في القيادة
- تجتمع اللجنة المركزية للحزب في سبتمبر 53 وتقرر خلافاً للقانون إلغاء الخطة الخمسية التي كان مؤتمر الحزب قد أقرّها
- يتحايل خروشتشوف على أعمال المؤتمر العشرين للحزب ويلقي خطابا شخصيا بعد انتهاء المؤتمر يدين ستالين دون علم الحزب
- في يونيو 57 يقرر مكتب الحزب سحب الثقة من خروشتشوف وكان بدل أن يتنحى أن يستنجد بوزير الدفاع المارشال جوكوف ليقوم بانقلاب عسكري ويطرد سبعة أعضاء من المكتب السياسي صوتوا ضد خروشتشوف
- مؤتمر الحزب العام 22 يقرر في العام 61 إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا واستبدالها بدولة "الشعب كله"

في "نقد برنامج غوتا" كتب ماركس يقول ...
Between capitalist and communist society lies the period of the revolutionary transformation of the one into the other. There corresponds to this also a political transition period in which the state can be nothing but the revolutionary dictatorship of the proletariat.
ثمة عبور ثوري ما بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي . النظام السياسي أثناء ذلك ليس إلا دكتاتورية البروليتاريا الثورية .
كيف يمكن لأي شيوعي أن يدعي تبعاً لماركس أن الاتحاد السوفياتي ظل دولة اشتراكية بعد إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا في العام 1961 !!؟
جميع الذين يتنطحون نقد الإشتراكية السوفياتية ليس نقدهم إلا التغميس من خارج الصحن قبل أن يفككوا اللغز المطروح أعلاه