العلمانية واللادينية مواطن الالتقاء والافتراق 3/1


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 6834 - 2021 / 3 / 7 - 13:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

ضياء الشكرجي
العلمانية:
العلمانية أو السيكولارية Secularism جاءت في أورپا كمصطلح من الكلمة اللاتينية saeculum ومعناها الزمن، أو العصر، أو العالم المادي المعيش المعبر عنه دينيا بالدنيا، مقابل الآخرة الخالدة في النعيم أو في الجحيم، أي إن العلمانية معنية حصرا بمعالجة قضايا هذه الحياة التي نعيشها وشؤون واحتياجات المجتمع في هذه الحياة وفي هذا العالم، وبشؤون إدارة الدولة، دون اعتماد الفكر الميتافيزيقي والديني فيما ذكر. وتولدت فكرة العلمانية من الشعور بوجوب الفصل بين الدين والدولة، وفك ارتباط الشؤون الحياتية الملموسة ومعالجاتها عن السلطة الدينية. يقال أول من استخدم مصطلح السيكولارية هو فريدرش گوگارتن (١٨٨٧ - ١٩٦٧)، من أجل تحقيق مصالحة بين الكنيسة والعلمانية. في البداية نظرت المؤسسة الدينية إلى العلمانية كإيديولوجيا، كما نظر الناقدون للدين إليه أيضا كإيديولوجيا. ولا أريد في هذه المحاضرة تناول نشوء العلمانية، وأنواعها ومستوياتها، بقدر ما أريد بيان ما إذا كانت العلمانية واللادينية مترادفتين أو متلازمتين، أو كان بينهما مساحات التقاء ومساحات افتراق. ومن أجل أن أوضح أي علمانية أعني، فإني أعني تحديدا العلمانية السياسية.
اللادينية:
وبالنسبة للادينية فهي تنقسم إجمالا إلى ثلاثة أقسام، الإلحاد أو اللاإلهية، واللاأدرية، والإلهية اللادينية، ويسميها البعض بالربوبية، وهي ترجمة غير دقيقة لمصطلح deism والذي هو مشتق من الإله وليس من الرب. والإلحاد أو اللاإلهية أقسمه إلى مستويين، المستوى الأعلى الإيمان بعدم وجود إله، والمستوى الأدنى عدم الإيمان بوجود إله، واللاأدرية agnostic أقسمها إلى ثلاثة أقسام، اللاأدرية الإلهية، واللاأدرية الدينية، واللاأدرية المزدوجة، الأولى بمعنى أن معتمدها غير محسوم عنده وجود الله أو عدمه، فلسان حاله: لا أدري. أما اللاأدرية الدينية فمعتمدها إلهي الاعتقاد، لكنه لا يدري وغير حاسم ما إذا كانت الأديان أو أحدها من الله أو هي كلها صناعة بشرية. أما الإلهية المزدوجة فمعتمدها لا يدري ألله وجود أم لا، وفي حالة وجوده لا يدري ما إذا كان هناك دين هو من الله، في ما لو وجد. وهناك تقسيمات تفصيلية لا عد لها، وأنواع ودرجات من كل ما ذكر.
العلاقة بين العلمانية السياسية واللادينية:
بالتالي يمكن أن أعبر عن العلاقة بين العلمانية السياسية واللادينية بكل أقسامها التي مر ذكرها إجمالا، هي علاقة عموم وخصوص من وجه، فقسم من العلمانيين وليس كلهم لادينيون، كما وقسم من اللادينيين وليس كلهم علمانيون. وإذا تساءل البعض مستغربا، إذا فهمنا بأن ليس كل العلمانيين لادينيين، فكيف لا يكون اللاديني بالضرورة علمانيا، إذا كانت العلمانية هي الفصل بين الدين والسياسة، حيث لا دين للاديني حتى لا يفصل بينه وبين السياسة. هنا أقول إنه لا يكون علمانيا حسب فهمي، إذا لم يفصل في خطابه وأدائه وموقفه السياسي وعقيدته اللادينية، سواء كان ملحدا أو لاأدريا أو إلهيا لادينيا، ناهيك عن إن الكثير من اللادينيين يبقون، لا من حيث الفكر، بل من حيث المشاعر، متحيزين إلى الفرقة الدينية أو المذهبية التي تمثل خلفيتهم الاجتماعية، كصورة من صور الازدواجية التي يقع فيها الكثيرون في مجتمعاتنا الشرقية. ثم إذا قررنا إن العلمانية هي قرينة الديمقراطية، فمن العلمانيين سواء كانوا دينيين أو لادينيين هم ليسوا بديمقراطيين.
هذا لأني بعدما حددت العلمانية بالعلمانية السياسية، أؤكد على أن العلمانية عندي هي علمانية ديمقراطية بالضرورة. وأقول إن العلمانية السياسية تحديدا، أو حسبما أسميها العلمانية الواقعية والمعتدلة في الوقت الذي ليس من مهامها الترويج للادين، أو التعرض للدين، حيث إن هناك علمانيين يؤمنون بدين ما، فإنها أي العلمانية السياسية تؤمن بحرية الدين، وكذلك بحرية اللادين، لكن كلاهما كشأن شخصي لا يقحم في السياسة.
والعلمانية التي أدعو إليها ويدعو إليها المشروع السياسي الذي دعوت إليه وهو في طور التأسيس، ذلك بوصفه كيانا سياسيا في طور التأسيس، وإن قد ينطبق هذا على كل عضو من أعضائه، والتي هي ليست الفصل بين الدين حصرا والسياسة، أعرفها كالآتي، وهو التعريف الذي اعتمد من المشروع السياسي المشار إليه:
العلمانية هي الفصل بين كل موقف فكري شخصي من القضايا الميتافيزيقية، إيجابا أو سلبا، أي إيمانا أو عدم إيمان من جهة، وبين كل من السياسة وشؤون الدولة، بل والشأن العام، من جهة أخرى.
ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني إن المؤمن بالدين يتمتع بالحرية الدينية اعتقادا والتزاما إذا كان ملتزما أي متدينا، وهذا يشمل أتباع دين الأكثرية في مجتمع ما، وجميع ديانات الأقليات، بل حتى الديانة التي لا وجود لأتباع لها في ذلك المجتمع (مثال البوذية عندنا)، ذلك على قدر المساواة التامة. والملحد يتمتع هو الآخر بحرية اعتماد عقيدة الإلحاد أو اللاإلهية، وهكذا بالنسبة للأدري، والإلهي اللاديني. لكن لا يجوز إقحام أي من ذلك، أي لا الدين والتدين، ولا الإلحاد أو اللاأدرية، ولا حتى الإيمان اللاديني، في شؤون الدولة والسياسة، بل حتى في الشؤون العامة التي تمثل ميادين لا علاقة لكل من هذه العقائد بها، كالبحث العلمي والفن والرياضة وعموم النشاطات الاجتماعية ليست ذات الطابع الديني.