البورجوازية الوضيعة جماعات طفيلية (تابع)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6827 - 2021 / 2 / 28 - 20:45
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

البورجوازية الوضيعة جماعات طفيلية (تابع)

إنتظرنا عبقرياً من علماء الإقتصاد السياسي لينفي تهمة الخيانة عنهم جميعاً وليؤكد أن لا مؤتمر الخمسة الكبار في رامبوييه في نوفمبر 75 ولا مؤتمر الصندوق الدولي في جمايكا في يناير 76 غيّرا أي خصيصة من خصائص النظام الرأسمالي وعبثاً إنتظرنا إذ تنعدم العبقرية في مباءة الخيانة .
المؤتمر التاسيسي للرـسماليين الخمسة الكبار، أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان قرروا متكافلين متضامنين وهم يملكون كل النقود الصعبة القابلة للتداول في العالم، قرروا إستخدام كل قدراتهم النقدية في الحفاظ على أسعار عملاتهم في أسواق الصرف حيث عملات تلك الدول لم تعد صعبة مع بداية السنوات الأولى من سبعينيات القرن الماضي وفقدت حوالي 40% من قيمتها.
لا يسكت علماء الإقتصاد السياسي على مثل هذا القرار ودواعيه إلا إذا كانوا من الخونة، وهم سكتوا وهم خونة .
نحن نسأل هؤلاء الخونة .. لماذا كانت نقود تلك الدول الخمسة نقوداً صعبة في الستينيات ولم تعد صعبة في السبعينيات حتى فقدت حوالي 40% من قيمتها في أسواق الصرف الأمر الذي استدعى قرار رامبوييه ؟
طبعاً الخونة طمسوا حقيقة أولية في علم الإقتصاد ألا وهي أن قوة نقود الدولةإنما هي انعكاس لقوة اقتصاد تلك الدولة وسعة ثروتها . الترجمة العلمية لسعة الثروة هي التراكم المتعاظم لفائض القيمة الذي لم يستهلك . وهكذا يتبيّن أن صعوبة النقود هب متأصلة من صعوبة عمل العمال والجهد الجهيد الذي بذلوه في صناعة الثروة .

طبعاً ما كان رؤساء الدول الرأسمالية الكبرى الخمسة ليجتمعوا في نوفمبر 75 من أجل إعلان تكافلهم في حماية أسعار صرف عملاتهم لو لم تنهر أسعارها مع بداية السبعينيات . انهارت أسعارها لأن عمال تلك الدول لم يعودوا يبذلون الجهود الصعبة الجهيدة في إنتاج البضائع وتعظيم الثروة . والسبب المباشر لكل ذلك هو أن حركة التحرر الوطني العالمية والتي مثّلت امتداداً لبروز الاتحاد السوفياتي كأقوى قوة في الأرض قد نجحت فيما بين العام 1946 والعام 1972 في الحصول على الاستقلال لكافة المستعمرات والدول التابعة وبذلك لم تعد هذه الدول تستقبل فائض الإنتاج من مراكز الرأسمالية بالإضافة إلى أن كل مقدرات أميركا كانت قد استهلكت في مقاومة الشيوعية تبعاً لسياسة ترومان المعادية للإنسانية .
منذ ستينيات القرن الماضي بدأت الطبقات العاملة في مراكز الرأسمالية بالضمور والإنكماش . ففي الولايلت المتحدة وهي المركز الرأسمالي الأكبر كانت البروليتاريا في خمسينيات القرن الممنصرم تشكل زهاء 30% من قوى العمل أما اليوم فهي بحدود 7% فقط والفرق بين الحالتين ويتجاوز 20% هم العمال الذين تحولوا من بروليتاريا إلى عمال يعملون في إنتاج الخدمات . في نظام الإنتاج الأميركي اليوم هناك 80 عاملاً يعملون في الخدمات مقابل كل 17 بروليتاري يعملون في الإنتاج البضاعي .
الخيانة المجلجلة التي يقارفها اليوم أخصائيو الاقتصاد لسياسي هي سكوتهم على عدم التمييز بين إنتاج البضائع من جهة وإنتاج تاخدمات من جهة أخرى، فنظام الإنتاج الرأسمالي يقتصر على إنتاج البضائع دون أن يشمل إنتاج الخدمات .
أحداً من أخصائيي الإقتصاد السياسي الخونة لم يعلن أن الخدمات لا قيمة تبادلية لها وهي تُستهلك تماما حال إنتاجها وهي لذلك لا تضيف للثروة الوطنية نقيرا .
أحداً منهم لم يقل أن عمال الخدمات لا يخلقون نقوداً جديدة كما العمال .
أحداً منهملم لم يؤكد أن تكاليف إنتاج الخدمات يقع على كاهل العمال كما أكد ماركس في "نقد برنامج غوتا" .
أحداً من هؤلاء الخونة لم يعلن أن الولايات المتحدة لم تعد دولة رأسمالية منذ ثمانينات القرن الأخير بعد أن احتلت الخدمات 80% من حجم الاقتصاد الأميركي .
أحداً منهم لم يشر إلى أن 17 عاملاً بروليتارياً في أميركا لا يمكنهم توفير تكاليف الإنتاج لثمانين عاملاً في الخدمات .
السؤال الحدّي الذي يستوجب الإجابة عليه من قبل أخصائيي الإقتصاد السياسي كيما يُستأنف حكم التاريخ بخيانتهم.. في العام المنصرم وصلت كلفة إنتاج الخدمات في الولايلت المتحدة 15 ترليون دولار مقابل 5 ترليون لإنتاج البضاعة فكيف تتدبّر الإدارة الأميركية توفير 15 ترليون جديدة لتعيد إنتاج الخدمات إياها !؟
أحداً من اخصائيي الإقتصاد السياسي الخونة لم يجب على هذا السؤال الحدي ويغلق النافذة التي يأتيهم منها ريح صرصر هو ريح الخيانة .

في الحقيقة أن النظام الرأسمالي في أميركا واجه الإفلاس التام في وقت مبكر، حال وصول ريتشارد نكسون إلى كرسي الرئاسة في العام 1969 وكان ذلك بسبب السياسات الفاشية الحمقاء التي أسس لها مجرم الحرب وعدو الإنسانية هاري ترومان في العام 45 خلفاً للرئيس الأميركي الأعظم فرانكلن روزفلت ؛ تلك السياسة التي قضت بتكريس كل مقدرات أميركا وكامل عوائد النظام الرأسمالي لمقاومة الشيوعية وهو ما أدى بالمقابل إلى حرمان النظام الرأسمالي من نوازع التطور وخاصة في التمدد (Expansion) وهو خصيصة بنيوية للنظام الرأسمالي . تلك السياسات الفاشية التي أخذت بها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ العام 45 وأدت إلى الإفلاس التام في العام 69 . وفي هذا السياق كان اغتيال جون كندي في العام 62 بسبب تساؤلاته الجادة حول جدوى سياسات ترومان الفاشية، والإطاحة بريتشارد نكسون في العام 74 لأنه استبدل سياسة مقاومة الشيوعية بسياسة مد جسور الصداقة مع الصين الشعبية والاتحاد السوفياتي .
إدارة نكسون اضطرت إلى الخروج من معاهدة بريتون وودز وطباعة الدولارات بغير حساب قبل تغوّل الخدمات في أميركا . لحماية الدولار من الانهيار التام قام نكسون بزيارة الصين وعقد اتفاقية من عدو ماو دينغ هيساو بنغ تقضي بأن تستورد اميركا كل ما تنتجه الصين وهو ما شكل غطاء للدولار ما زال نافذاً حتى اليوم وفي العام 75 عقد أول مؤتمر للرأسماليين الخمسة الكبار وقرروا استخدام مختلف أدواتهم في الحفاظ على أسعار صرف عملاتهم – كان ذلك بالطبع لأنهم لم يعودول منتجين للبضائع .
تغول الخدمات في العقود الأخيرة حتى وصلت نفقاتها 15 ترليون دولارا سنوياً في الولايات المتحدة من شأنه أن يسارع في انهيار ليس أميركا فقط بل ومجمل "النظام" العالمي الماثل اليوم . قيام أميركا بطباعة ما يزيد على 10 ترليون دولاراً زائفة أو أكثرسنوياً سينزل بالعالم كارثة كونية طالما أن قيمة الدولارات المطبوعة تتحقق على حساب كتلة الدولار الهائلة التي تغطي سطح العالم وتمسك برقابه في مسار خارج التاريخ . طبعاً هذا لن يستمر لسنين أخرى عديدة وستكون الكارثة الكونية خلال سنوات قليلة .

كانت المبادلات في أسواق العالم قاطبة قبل سبعينيات القرن الماضي تجري بضمانة الذهب ملك البضاعة والصنم الأوثق لقوى العمل، أما اليوم فيما بعد مؤتمر رامبوييه 75 وقرار صندوق النقد الدولي 76 فجميع المبادلات على الإطلاق تجري بضمانة الدولار الذي يتدحرج يومياً في هبوط نحو الهاوية كما يعلم مختلف أخصائيي علم الإقتصاد السياسي . فهل لهؤلاء العلماء أن يعللوا مثل هذه الحالة غير المألوفة !؟ هل لهؤلاء العلماء أن يجرأوا على الزعم أن البضاعة الصينية هي بضاعة رأسمالية وهي تستبدل بأضعاف قيمتها خارج الحدود وفي أميركا تخصيصاً أو أن الدولار الأميركي هو نقد رأسمالي بينما هو في هبوط لا يتوقف نحو الهاوية . البضاعة الصينية والدولار الأميركي هما العمودان الأساسيان اللذان يقوم عليهما "النظام" الدولي الماثل اليوم .