رواية (ماركس العراقي) ح 24


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 6818 - 2021 / 2 / 19 - 20:45
المحور: الادب والفن     

من الدريهمية لتقاطع الزبير لساحة خالد ومن هناك إلى الدير ثم أخيرا منطقة الشافي التي هي بالأصل جزء من منطقة أهوار مجففة وصلت مقر الفوج الثالث، أول محطة وصولي كانت قلم الفوج الثالث وعند النائب ضابط وارد الشاب البصري الأسمر الجميل جدا في كل شيء حتى في أستقباله وكرمه وطيبته التي عرف بها شعب البصرة، أخذ كتاب النقل وسألني عند منطقة سكني فأخبرته أني من كربلاء فزاد ترحيبه بي، نادى على شاب طويل يظهر من ملامحه أنه متعلم وجاد في كل شيء إلا في عشقه للهزار والضحك على أي قفشه أو نكته عابره، قال له خذ الاستاذ عباس معك إلى مقر السرية لحين تنسيبه من قبل أمر الفوج، تعارفنا في الطريق من مكتب قلم الوحدة إلى قلم مقر السرية الثانية وما كانت المسافة ببعيدة بضعة أمتار وأحدنا يعرف الأخر من سنين، كان عباس معلما من مدينة الشامية وسيق للخدمة بعد التخرج ومن مركز التدريب إلى الفوج مباشرة وها هي أربع سنوات في نفس المكان.
معظم الجنود الإداريون في القدمة الخلفية هم من المتعلمين أو من خريجي الإعدادية أو على الأقل المتوسطة، كان هناك أيضا عمران أبو مريم مسئول قلم السرية الثالثة معلم ومن كربلاء وقصته أيضا تشبه قصة عباس، الإندماج السريع مع زملائي الجدد في مقر الفوج الخلفي يبشر بأن الأمور ستكون أقل خطرا ولا تتناسب مع القلق الذي أعتراني بعد نقلي، النقيب داود ضابط الأليات والمسئول عن القدمة الخلفية كان شخصا رائعا وطيبا وهو أيضا خريج أعدادية الصناعة وتدرج في الرتب، ملازم حسن الضابط الإداري هو من أخذ كتاب نقلي وصعد مساء إلى مقر قيادة الفوج لرغبته أن أعمل معه كوني صاحب خبرة في الأمور الإدارية ويمكن الأعتماد عليه في غيابه، وهذا ما حصل حين وردت مطالعة المقدم أمر الفوج بتنسيبي إلى سرية المقر وأقوم بأعمال عريف الإعاشة، هكذا تحولت من جندي بسيط إلى عريف الكل يطلب وداده والكل تترجى منه بدلة أو بسطال أو تعويض بعض التجهيزات لمن يستهلكها أو من تضررت لديه.
بقينا عدة أشهر في منطقة الشافي والفوج يمسك جزء من خط الصد مع القوات الإيرانية، لا علاقة لي بالمتقدم وكل عملي محصور هنا في الخلفيات، مرات قليلة أزور الأمام في حالة طلب الأمر ذلك وأكثرها تتم في الليل دون أن أبقى لوقت طويل، هكذا سارت الأمور حتى منتصف العام 1986 وتحديدا في معارك صد الهجوم الإيراني الواسع على منطقة الفيلق الثالث، أشترك لوائنا بصد التعرض وتكبد خسائر كبيرة لكنه لم يترك الموضع الدفاعي وتم أستبداله بلواء أخر على أن يتم إعادة التنظيم في منطقة الشعيبة، في اليوم التالي تحرك مقر الفوج واللواء إلى منطقة الشعيبة على أن تبقى القدمة الإدارية في مكانها، كان عملا مرهقا بجرد الخسائر المادية من أسلحة وتجهيزات وتعويض النقص الحاصل، بين عينة الفرقة 19 وبين مقر اللواء مرورا في البصرة وضواحيها في ظل قصف عشوائي مكثف يشكل خطر لا نعلم متى يحيط بنا.
في هذه الفترة تحديدا تعرفت على ذياب أو أبو سفيان وهو صديق لزميلي عباس ومن نفس المنطقة، لم يكن لقائي به أول الأمر إيجابيا فقد كنت أظن أنه شخص متعالي ومغرور لذا لم أختلط به ولم أتقرب منه حتى ذهب، لمت صديقي عباس على معرفته وصداقته مع هذا الشخص، كانت المفاجأة أكبر من توقعي... ذياب فنان ورياضي وخريج أكاديمية الفنون الجميلة وله إسهامات أدبية وفنية مميزة وأنه من عائلة شبه برجوازية فأبوه وجده من أعيان الشامية والنجف وأنه متمرد ويخفي كل ذلك بما تراه من تصرف، فهو الأخر تحت عين الرقيب الاستخباراتي كونه شيوعي،.... قالها بهمس خوفا من أن تصل المعلومة لأحد... وأخيرا وبعد أنقطاع ويأس أن أجد شيوعيا أو ماركسيا على درجة من الوعي.
ذياب أو أبو سفيان ليس من الفوج بل من مقر اللواء وتحديدا من سرية مقر اللواء، هذا يعني أن فرصة اللقاء به ممكنة حين يكون الأمر هادئ ومستقر ولا توجد حركات فعلية، الغريب الذي أكتشفته أن غالبية الجنود هنا كانوا محط إشارة أمنية وكلهم من المغضوب عليهم خاصة أولئك الذين يحملون شهادة أو وظيفة تربوية، أغلبهم معلمون ومدرسون أما البقية فهم ممن لا حول ولا قوة لهم لا واسطة ولا قريب ينقذهم من هذا القاع برغم مرور سنوات عديدة عليهم في القطعات المقاتلة، أيضا كان هناك رشيد أبو (جولة) وهو حلاق الفوج والفكه الذي لا يفرط به أحد من كل الأمرين الذين تعاقبوا على إمرة الفوج، حلاق بمواصفات عالية وصاحب دعابة مرة جدا، ألتقي فيه كثيرا عند النزول إلى الإجازة او العودة منها، التجمع يكون هنا دوما، من يعرف رشيد لأول مرة مجبرا على أن يتعلق به، في كل مرة أطلب منه أن يحلق لي شعر رأسي فيقول أخي عيب رجل محامي مثلك أجلسه على (تنكه) لأحلق له، تعال عندي في المحل بالكوفة وسأحلق لك أجمل حلاقة، عند نزولنا أذهل له فيعتذر ويقول الوقت الذي أهدره لحلاقتك ينفعني بدينار، سأحلق لك حين نعود للوحدة، حتى أفتراقنا لاحقا لم يحلق لي لا في الفوج ولا في الكوفة.
معي في الإعاشة مجموعة من سبعة أشخاص هم عرفاء الإعاشة في السرايا الأربعة وعريف سرية المقر وعريف سرية الأسناد وعبد الباسط العريف الحقيقي الذي كان يتولى المهمة قبلي، عبد الباسط شاب بصري ممتلئ ذكي وفنان ومطرب حقيقي لكنه لا يهتم كثيرا بعمله ولا تنظيم يلاحظ على عمله، أوليات الضابط الإداري والكتب والمراسلات لا تعرف أين تجدها أو يمكن العثور عليها، عدت تنظيم كل شيء وجمعت ما أستطعت جمعه وإحصاء المخزن وما فيه والمجالس التحقيقية فوجدت فرقا كبيرا بين ما موجود فعلي وبين الأرقام الثابتة، عرضت الأمر على الملازم حسن لغرض المعالجة وأتفقنا على تنظيم محاضر جديدة وإعادة توزيع النقص على السرايا لتغطية الفرق، وفعلا تم كل شيء وعمل موقف نصف سنوي تم توقيعه أصوليا من أمر الفوج ثم أمر اللواء ومن قائد الفرقة وإرساله إلى حسابات الفيلق في الناصرية، مع إجازة أربعة أيام ذهبت للناصرية وكانت المفاجأة مرة أخرى، صديقي وزميلي طارق كان هو الشخص المسئول عن حسابات الفرقة واللواء تحديدا، يا لها من مفاجأة أنهيت كل شيء سريعا وأستلمت كتاب الإجابة وأنا في ضيافة طارق الذي أسعدني جدا لقائه.
تنقل لوائنا في فترة السنتين التي قضيتها فيه لأكثر من مكان شمالا وجنوبا ووسطا وكلها في معارك محتدمة، من البصرة للنفط خانة للسليمانية إلى رأس العبد، بالرغم من أنه مصنف لواء مشاة أهوار، كل معركة ندخلها نخرج بخسائر حسيمة ويعاد تنظيمه مجددا من خلال الوافدين الجدد من المواليد التي تلتحق حديثا بالجيش، وبقيت علاقتي بغالب زملائي الذين لم ينالوا فرصة الفناء على حالها حتى تطورت لتتحول إلى علاقة أقرب للصداقة الطويلة وتبادل زيارات عائلية، في فترة الإجازة حاولت أن أشغل وقتي فراغي بالعمل في المحاماة وقد نجحت في بعض القضايا التي لا تحتاج متابعات ولا مواقيت محددة، ساهمت تلك الفرص بتدعيم موقفي المالي لا سيما بعد أن تزوجت في أيلول من عام 1986 وأصبحت مسئولا عن عائلة وزوجة وبيت.
لم أكن أتوقع أن أغادر الفوج وقد طالت فترة بقائي فيه لأقل من سنتين وهذا يعني أن ملفي وضع في خانة النسيان، في مساء رمضاني ونحن في طاسلوجة بعد أفطار أعددته لي ولبقية زملائي من الجنود في القدمة الإدارية، وإذا بنائب عريف وليد مساعد نائب ضابط وارد الذي هرب من الخدمة العسكرية وحل محله في إدارة قلم الفوج يخبرني بأن كتاب نقلي هذه المرة إلى حيث أشتهي، إلى المحكمة العسكرية الخاصة الخامسة في البصرة وفي الدير تحديدا، يا لك من سندباد أيها الجندي السعيد... ودعت الجميع ومن السليمانية إلى كربلاء إلى البصرة وطن السندباد الذي لا يفارقه، بالرغم من أن نقلي يجعلني أقرب إلى ممارسة أختصاصي لكني سأفقد أعزة عشنا ومعهم المر والحلو وشاركتنا الحرب تلك اللحظات التي لا تنسى وكم من مرة أقترب الموت منا أو أقتربنا منه ولكن وعد سيد عبد يبقى دوما يزرع الأمل في عقلي أني سأنجو مهما ضاقت الأمور.
على ضفاف شط العرب وقرب جسر الفرقة السادسة في موقع أكثر شاعرية من كونه وحدة عسكرية كان مقر المحكمة العسكرية وحدتي الجديدة، باشرت في العمل فور وصولي بعد أن نسبني نائب ضابط مؤيد إلى قسم التحقيقات، في قاعة كبيرة كنا أربع مكاتب أحدهما إبراهيم وهو شاب من الراشدية من بغداد صوفي وصاحب طريقة دبنيه بقضي أكثر أوقات فراغه أما بالتسبيحات أو غناء الفراقيات، ونائب ضابط مؤيد وزميلي إبراهيم وهو أيضا خريج كلية القانون ولكن قبلي بسنة واحدة، ألتحق بالمحكمة منذ أن تم نقله من مركز التدريب قبل خمس سنوات وها هو يدخل السنة السادسة فيها، أما غرفة التحقيق الرئيسية فيشغلها المحقق الأول محسن أبو جعفر وهو أيضا يسبقني بدورتين، ولكونه رفيق حزبي وله مكانة فهو أيضا مسئول الأستخبارات فقد تعددت امتيازاته كما لم يستطيع أحد الأعتراض على أي تصرف يقوم به.
حاكم المحكمة العسكرية العميد خالد ناجي المبعد من وظيفته ملحق عسكري في السفارة العراقية في لندن وبأمر من الرئيس لسبب لا يعرفه أحد، تارك أمر الأحكام إلى محسن وعليه التوقيع فقط على القرارات المكتوبة سلفا بعد حضور المتهم أمامه، أغلب القضايا التي نظرتها المحكمة هي قضايا هروب من الخدمة أو فقدان سلاح نتيجة سرقات أو ضياعها أثناء المعارك، كل التحقيقات تشبه بعضها وكل الأعذار التي تقدم من المتهمين تشبه بعضها، العوز أو الحاجة إلى العمل لإعالة عوائل للجنود، قليلا من القضايا التي حققت فيها كان العذر خارج أطار الحاجة إلى العمل لتسديد نفقات الأسرة وخاصة للجنود المكلفين الذين وحداتهم بعيدة عن سكنهم وبحاجة لمصاريف لهم ولعوائلهم.
عرفت لاحقا أن أكثر المأمورين يأتون بالمتهمين في الوقت الذي يكون فيه زميلي أبو جعفر مجاز، فهو شديد مع المتهمين وكثيرا ما رمى هؤلاء المساكين بالسجن من ستة إلى تسعة أشهر، أما قضايا الفقدان فكانت الغرامة والحبس إلا من كانت له وسيلة للدفع، العيش على قوت الفقراء والمساكين كان ديدن هذا الرفيق الذي أتخذ من أنتمائه الحزبي مطية لتحقيق ما هو معارض لروح الإنسان، الذي تلفه دوامة الموت والحياة دون أن يدرك أن راحة الضمير بأن تبقى يدك مفتوحة لكل خير في كل وقت ومع أي شخص يستحق أولا يستحق.... هكذا تعلمت من ماركس العراق الأول عبد أبو عيون ومن جدي الحكيم الذي تخرج من جامعة الأرض الطيبة.
أشهر ثمانية كانت كل ما سمحت به محطتي ما قل الأخيرة هنا على ضفاف شط العرب وهو يمر بين أراضي أنعم الله عليها بكل خير فوقها وتحتها وبين جنباتها، في الشهر الرابع من عام 1988 حدث الفيضان الذي جعل ماء الشط يحيط بنا من كل مكان، كانت الأسماك تتقافز في المياه الضحلة، لا تحتاج لأي مجهود حتى تنال يدك رزق الله الذي وهب مع غضبة النهر، حدثت سيد عبد عن هذه الحالة وكيف كان منظر الماء وهو يغزو الأرض ما حول النهر، كان الرجل في أيامه الأخيرة لكنه واعيا للحديث وواعيا لما يقول، إنها بشارة أكتمال الطبق الثاني وسوف تتوقف عجلة عزرائيل المسرعة، ربما بعد أشهر لا تقل عن أربع ولا تزيد عن ست، عندها أذكرني بقراءة سورة الفاتحة لروحي فالقبور بها شبابيك على عالم الأحياء تدخل منها اللعنات والرحمة وتخرج منها إليكم الدعوات....
في يوم 8-8-1988 كنا في كراج النجف نروم الذهاب إلى البصرة، البعض كان متحيرا بعد صدور الكثير من التنبيهات عن خبر مهم جدا، نزلت من السيارة الريم التي كنت قد حجزت فيها مكانا لي بعد أن أمتلئت تماما منتظرا هذا الخبر، في مقهى الكراج سمعنا ضجيجا وأصوات لا نفهمها نحن الواقفون قرب الباصات المتجهة للبصرة، أعقبها أطلاق نار شديد وأصوات منبهات السيارات، البعض يقبل البعض والبعض يهنئ البعض، لقد توقفت الحرب أعتبارا من هذه الليلة وعلى كل فرد أن يعبر عن فرحه على الطريقة التي تعجبه، حملت حقيبتي ورجعت إلى البيت القريب جدا من الكراج، الوضع شبه هستيري في كل مكان، الفرحة طغت حتى على طبيعة المشاعر الإنسانية، كل شيء يوحي أن الحرب فعلا وجدت من يلقي القبض عليها ويودعها السجن ولو مؤقتا.
في اليوم التالي مساء التحقت بوحدتي بعد أن وصلت مبكرا لأجد النائب ضابط مؤيد ومن أول الصباح متحيرا ليس كالعادة، سألته ماذا حدث، قال العميد يطلبك فورا في أي وقت تصل تحضر أمامه، سلت الجندي المراسل الذي كان واقفا بالباب قال أدخل فالسيد الأمر يطلبك على وجه السرعة، حسبت الأمر أن هناك ما هو أخطر مما في بالي، بعد أداء التحية سألني لماذا غبت أمس، ومن باب المزاح الذي تعودت عليه معه ... قلت أن السيد الرئيس طلب منا الأحتفال بوقف الحرب كل على طريقته الخاصة وانا غبت أحتفالا على طريقتي الخاصة، نادى على نائب ضابط مؤيد وقال خذه للسجن سبعة أيام وحلاقة نمرة صفر أحتفالا منه وعلى طريقتي الخاصة، عرفت لاحقا أن المزحة كانت ثقيلة عليه وهو من لا يطيق حتى سماع اسم الرجل.
بعد أن خرجت من السجن وجدت كتاب نقلي هذه المرة إلى قمة الهرم الحزبي العسكري، إلى قيادة فرع الفيلق الثالث للحزب، عجيب أمر هذه المحطات لا تشبه إحداهن الأخرى أبتداء من تجنيد البصرة والأن فرع الحزب مرورا بالعينة والخدمات الشخصية واللواء 419، المهم كانت المسافة قريبة جدا بين المحكمة وبين فرع الحزب، هنا النظام يختلف والتعامل أدق والواجبات محددة وبصرامة، نسبني الرفيق عبد الجبار السوداني أمين سر الفرع بعد أن قبلني أن أتولى الوارد في المكتب وأن أكون ممثل الفرع في المحاكم والدوائر العدلية في البصرة وفي أي مكان يستوجب حضوري، أعددت الوكالة الخاصة ووقعها الرفيق وختمت بالختم الرسمي، نصحني بعض الزملاء في المكتب أن أغير قيافتي العسكرية المعتادة أما بالزيتوني أو بالمرقط، وحيث أني من مدمني كراهية الزيتوني فأخترت المرقط، أول قضية راجعت بها كان حادث أصطدام سيارة من سيارات الفرع بعجلة مدنية، أذهب وأعود وأحيانا أسافر للنجف ثم أعود لا أحد يسأل عني فأنا في مهمة رسمية، أعقبها حادث أخر سجل في منطقة الفضيلية في بغداد، عرفت طريقي وما علي أن أفعله فالحرب شبه ساكنة ولكن لم يتسرح أحد من الخدمة لحد الآن وسط إشاعات عن قرب تسريح مواليد كذا ومواليد كذا ولكن لا خبر بالأفق.
في أخر الشهر الرابع من عام 1989 وردت برقية بتسريح الخريجين من مجموعة من المواليد من الذين قضوا خدمة خمس سنوات وأكثر وكانوا قبلها من غير المسلحين، خملت البرقية وذهبت إلى الرفيق الذي أمر بانفكاكي فورا وتسريحي من الخدمة، أكملت كل شيء وأصبحت حرا من الآن، مباشرة للتجنيد لتأشير ذلك مع كثرة من تسرح من الجيش، قيل لي تعال بعد يومين، كنت مزهوا بأنتصاري على الحرب والموت وتحقق نبوءة سيد عبد لي وعرفت معنى الطبقة والطبقة الثانية وكان يقصد بها نفاذ اربع سنوات من عمر الحرب والباقي اربع أخر، في موعد المراجعة أخبرني النائب ضابط المسئول أن تسريحي مخالف للقانون ولا بد من عودتي لوحدتي لأكمل تسريحي مع أقراني فانا لست ممن يحمل صفة غير مسلح، تركت كتاب التسريح ودفتر الخدمة لديه وذهبت إلى بيت عمي فهو يسكن هناك ولا بد من الضغط عليه لتسريحي بأي حال فلا قرار عندي بالعودة لو كلفني ذلك كثيرا، أربعة أشهر حتى أخبرني أبن عمتي وهو صديق له بأن دفتر الخدمة عنده وأستلمه بعد أن تم تأشير تسريحي من الخدمة.