بَرزَ الثعلب


صادق إطيمش
الحوار المتمدن - العدد: 6816 - 2021 / 2 / 17 - 15:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

هذا النشيد المدرسي ( او المحفوظة ) الذي كنا نردده في المدرسة الإبتدائية ويجب ان نحفظه :
برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا
الى جانب القطعة النثرية او المسماة " توبة ابن آوى "، التي تتحدث عن نفس موضوع قصيدة احمد شوقي اعلاه والذي يتناول فيها الثعلب او ما يسمى بالعامية العراقية " الواوي " او بالطبعة الجنوبية المُنقحة من العامية العراقية الذي تسميه " ابو الحُصّين ".
ابو الحصين هذا ضاقت به السبل ونفذت لديه الحيَل والأكاذيب التي اشتهر بها بين كل ابناء جنسه والتي استطاع بواسطتها ان يتحايل على الحيوانات التي تصبح نهايتها بين اسنانه ، خاصة تلك الحيوانات البسيطة التفكير ، او كما يقول المثل العراقي "على نيتها ". ولم يجد اية وسيلة نافعة تضمن له استمراره على الحصول على ما يريده من الطعام ، إذ ان كل حيله وأكاذيبه اصبحت معروفة ولا تنطلي على احد ، حتى ان اضعف افراخ الدجاج كان يؤنبه عنما يسمع احاديثه المغرية ويصيح به " إمشي ولي هاي اكلاواتك بعد ما تعبر علينه ".
وبما ان " ابو الحصين " معروف بين الحيوانات الأخرى بأنه " اخو اخيته " في التلفيق والإحتيال ، فقد قرر ان يسلك طريقاً آخر للحصول على لحم الدجاج الطازج ، حتى وإن كان بما يساوي " ربع دجاجة " والأحسن على تمن ، يسد به رمقه ولو لفترة قصيرة . فأوصله ذكاؤه وتفكيره الى الدين كوسيلة ناجحة وناجعة يستطيع من خلالها ان يحقق من خلالها ما يريد ، إذ طرق سمعه مرة ان جده حدثه عن قول الفيلسوف الروماني لوكيوس سينيكا " الدين يعتبر حقيقة بالنسبة للعامة وأكذوبة بالنسبة للمفكرين ومفيد بالنسبة للحكام " واعتبر هذا القول الطريق الجديد لإستمراره على الحياة الرغيدة السعيدة الهانئة وربما حتى الحكم والسلطة والخلاص من حياة الفقر التي يمر بها.
ومن هنا جاءت قصيدة احمد شوقي هذه ، وعلى نفس المنوال جاء نص القصة المعنونة " توبة ابن آوى " التي تتحدث عن الخطاب الديني الذي كان " ابو الحصين " يوجهه لضحاياه بعد ان تجعلهم اقواله في غياب عن الوعي وهيام في دنيا الأحلام الدينية الوردية .
رباط السالفة يتجه نحو خطاب واوية الإسلام السياسي في عراق اليوم الذين إنكشفت كل اكاذيبهم وحيلهم وطرق لصوصيتهم وجرائم عصاباتهم وكل خطابهم الذي واجهوا به الناس خلال الثمانية عشر سنة الماضية من تسلطهم على امور وطننا العراق وتحكمهم بموارد وخيرات اهله الذين ازداد فقرهم وتدنت مستويات حياتهم وكثر زوار مزابلهم واقفرت اراضي مدارسهم وانتشر فقدان امنهم واختفت كل المؤهلات الخدمية لأبسط متطلبات حياتهم وازدادت امراضهم التي لا تجد في اماكن علاجها إلا كل ما تشمئز منه الأنفس وتعافه الطبيعة البشرية ، وغير ذلك الكثير والأكثر من جرائم رواد الإسلام السياسي معممين كانوا ام افندية .
واقعهم المخزي هذا ، والذي لا يعنيهم وصفه باي صفة مهما كانت قبيحة ، إذ انهم فقدوا كل ما يربطهم بالإنسان المستقيم وعلاقته بمشاعر الشرف والغيرة والحمية ولإنسانية على العموم ، واقعهم غير المُشرف هذا جعلهم يخططون للإلتفاف على خطابهم الديني بخطاب جعلوه ديني وسياسي بنفس الوقت وربطوه باهداف ومطالب الشباب الثوار الذين انجبتهم ثورة تشرين بكل امتداداتها عمودياً وافقياً منذ ان بدأت ارهاصاتها قيبل عدة سنين لتتجلى على اوسع مدى على سوح النضال الوطني المختلفة في كل محافظات العراق الوسطى والجنوبية التي تعتبرها احزاب الإسلام السياسي معاقل قواعدها الجماهيرية التي حاول خطابها الديني المقيت ان يجذر فيها انتماءها الطائفي قبل انحيازها الوطني للعراق واهل العراق .
لقد لجأت احزاب الإسلام السياسي ، خاصة الشيعي منه ، وتبارى خطباؤه هذه الأيام بتبني شعارات واهداف ثورة تشرين ، فبدء حديث الغزل مع شبابها والإشادة بتوجهاتها والإستعداد التام للعمل مع ثوارها والإنخراط في كل نشاطاتها واخيراً إمكانية التحالف معها ، وهذا هو بيت القصيد الذي يخطط للإنتخابات حسب المقاسات التي يريدها لصوص الأمس واليوم والذين يخططون لأن يظلوا لصوص الغد ايضاً .
لا ادري إن كان هؤلاء الخطباء الأدعياء يفقهون ما يقولون او ان الغباء وصل بهم موقعاً لا يستطيعون من خلاله العودة بذاكرتهم ولو الى ايام الى الوراء . فبالأمس القريب برز مختار عصرهم ليقول بانه وكل رهطه يجب ان لا يكون لهم موقع في العملية السياسية في العراق لأنهم فشلوا فشلاً ذريعاً . ثم تلاه زعيم منظمته العسكرية سابقاً ، ليسكب الدموع بسبب الجرائم التي اقترفوها بحق الوطن والشعب والتي لابد من الإعتذار عنها وقد تطوع لأن يكون اول المعتذرين " انظر الرابط ادناه :

https://www.facebook.com/100016460071084/videos/871137640111564


ثم تلى ذلك حادث المهوال الشهير الذي قال فيه ذلك الفلاح المسكين قولته المشهورة امام جناب السيد " عدنه الخير امكوم والأحزاب تفرهد بيه " والتي رفضها جنابه بان ادار وجهه عنه قائلاً قولته المشهورة ايضاَ : لأ هذا مو صحيح ، وانصرف غاضباً لتتجلى نتيجة غضبه بأن يؤتى بهذا المهوال المسكين ( وعكاله بركبته ) ليعتذر عن قولته هذه التي اغاض بها جناب السيد الذي يريد اليوم ان يجعل من احزاب الحرامية التي يدافع عنها شريكاً لثوار تشرين، أنظر:
https://www.youtube.com/watch?v=KhRDlQsiGLo

إن الذي يتبنى اهداف الشباب يجب ان يتحلى على الأقل باخلاق هؤلاء الشباب ويحمل هموم اهلهم ويشعر بما هم فيه يشعرون ، لا ان يخاف ان تصيبه الجراثيم فيما اذا اقتربوا منه او لامسوا يده التي يسعى الى تعقيمها بالمعقمات الكيمياوية في حالة اقترابها من اجسام من يريد ان يتبنى مطايبهم ، هذا التبني المليئ بالزور والبهتان والضحك على الذقون واستعمال نفس الأساليب التي توصل بها رواد الإسلام السياسي الى التسلط على مقدرات الشعب والوطن فنهبوا البلاد والعباد والجمل بما حمل .انظر:
https://www.youtube.com/watch?v=dKzptUFc67U

إن هذه الظاهرة التي تتجلى يوماً بعد يوم بين احزاب ورواد وقادة الإسلام السياسي في العراق بزعمهم تبني نظام الدولة المدنية يوماً ، وعملهم لتحقيق الديمقراطية التي يضمرون لها اشد العداء يوماً آخر، وهذيانهم عن العدالة والحرية وكثير من الأمور التي يحاولون من خلالها إعادة تسويقهم حتى بوجوه اخرى لا تختلف عن معدنهم الصدئ ، واخيراً تبنيهم لمطالب واهداف ثورة تشرين الشبابية التي قتلوا فيها المئات من الثائرين واختطفوا وغيبوا وجرحوا الآلالف منهم ، إن كل هذا الزيف والدجل الذي يمارسه هؤلاء اللصوص يشير الى كثير من المعطيات التي استجدت في اوكار جرائمهم والتي اخذت تنغص عليهم يقظتهم ومنامهم في آن واحد. واهم هذه المعطيات هي:
اولاً فشلهم جماهيرياً على كل ارض العراق خاصة في تلك المناطق التي ارادت لها الأحزاب الدينية ان تكون بؤراً للصراع الطائفي والإحتراب الإجتماعي . لقد نجحوا في وقت ما لتسخير الدين عبر خطابهم الطائفي الأهوج ليكون عامل اقتتال بين اهل البلد الواحد ، وسبباً لفقدان الأمن وانتشار عصاباتهم من مختلف الطوائف وكل في منطقته لتاجيج هذا الصراع ومن ثم حصد ثماره بتربعهم على كراسي السلطة وتنظيم لصوصيتهم وتكريس عسكرة المجتمع وانقسامه طائفياً . ولم تكن مثل هذه الممارسات الدينية العنفية خالية من التضحيات الجسام التي قدمها فقراء الناس بارواحهم وممتلكاتهم وارزاقهم وحرمانهم من كل مرافق الحياة الإنسانية المحترمة ، في الوقت الذي ظل فيه هؤلاء الواوية وعوائلهم واقاربهم وحتى اصدقاء اقاربهم يتمتعون بالعيش الرغيد خارج الوطن ويتصرفون بمليارات الدولارات المسروقة من قوت الشعب العراقي ، يعني ينطبق على بعض هذه السرقات قول المهوال الذي زعل منه السيد:
عدنه الخير امكوم والأحزاب اتفرهد بيه
لقد سقطت هذه الأقنعة اجتماعياً على الشارع العراقي ، كما اسرعت في هذا الإنهيار شعارات ثورة تشرين التي ظلت ترددها الجماهير في ساحات نضالها ومعاقل ثورتها المستمرة حتى تحقيق النصر ولو بوساءل وطرق اخرى ، والتي سوف لن تجعل ثعالب العراق يهنئون بما يسرقون حتى بالطرق الملتوية التي يتبعونها اليوم . الشارع العراقي يضج بالكره لهم وباحتقارهم واحتقار خطابهم حتى الجديد منه الذي يريدون به التشبث بقشة الغريق.
ثانياً لقد فشلوا فشلاً ذريعاً بتقديم البديل المقبول والمعقول لدولة ذات سيادة وطنية فعلية وعدالة اجتماعية وسلام اهلي ورفاه اجتماعي وحياة اجتماعية انسانية . ففي خلال الثمانية عشر عاماً من تسلطهم السياسي الذي واصلوا فيه ذلك التسلط الأهوج للبعثفاشية المقيتة وجلاوزتها ، قدموا ما اصبح الشعب العراقي يقتنع به كل يوم بعمالتهم وبيعهم للوطن والتنكر لهويته . إضافة الى ان كل نماذجهم التي قدموها سواءً في نموذج الدولة الإسلامية الذي قدمته داعش او الدولة الإسلامية في افغانستان او في السعودية او في ايران او في فترة حكم اصنافهم في مصر او في تونس او في العراق او غيرها ، وخاصة في الدولة التركية التي يفخرون بها والتي اتضح اتجاهها اليوم نحو إعادة السيطرة العثمانية على سابق اراضيها والتي اصبح وطننا العراق واحداً من اهدافها التسلطية ، كل هذه النماذج لم تعد تتماشى ونموذج الدولة الحديثة ، الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية، إذ ان دولتهم بعيدة كل البعد عن التطور والحداثة والحرية والعدالة والسلام الإجتماعي .
ثالثاً لقد فشلت كل شعاراتهم بدءً بشعار " الإسلام هو الحل " ومروراً بشعار " الإسلام دين ودولة " وانتهاءً بشعار " الحاكمية لله " حيث لم يستطيعوا ان يبينوا للناس ماذا يعنيه " الإسلام هو الحل " ؟ اي اسلام يعنون : السني او الشيعي ، وإن كان السني فهل هو الحنفي او المالكي او الشافعي او الحنبلي ؟ وإن كان الشيعي فهل هو الجعفري او الإسماعيلي او العلوي او الزيدي؟ وكل هذه النماذج موجودة بهذا الشكل او ذاك في كثير من المجتمعات الإسلامية والتي لم تساعد هذه المجتمعات على النهوض الحضاري واللحاق بركب الأمم المتقدمة.
وما يعنيه شعار " الإسلام دين ودولة " في الوقت الذي يرفض فيه حتى بعض شيوخهم ذلك مصرين على ان الإسلام دين وامة وليس دين ودولة ( انظر كتاب الشيخ الأزهري جمال البنا بهذا العنوان).
اما شعار الحاكمية لله فلم يستطيعوا التوضيح للناس اية حاكمية يعني النص القرآني . هل هي الحاكمية السياسية اي الحكم والسلطة ، ام الحاكمية القضائية اي الفصل بين الناس في قضاياهم اليومية ؟ فمفردة الحكم التي جاء بها النص القرآني وضع فيها الظرف ( بين ) لينص على الحكم القضائي الذي يعنيه هذا النص ( الآية 58 من سورة النساء)، ولم يقل احكموا الناس ، بل احكموا بين الناس. اما الحكم بمفهومه السياسي فقد جاء به مصطلح الأمر القرآني ( وشاورهم في الأمر ، وامرهم شورى بينهم ) هذه المشورة السياسية الغير ملزمة اصلاً والتي بنى عليها الإسلام السياسي كل مفهومه حول الديمقراطية ( انظر كتاب القاضي محمد سعيد العشماوي المعنون : الإسلام السياسي ).
ورابعاً فشل هذه الاحزاب حتى في خطابها لمن تعتبرهم جمهورها او قاعدة تحركها على الساحة السياسية العراقية . فقد سادت الأطماع بين افرادها وانتشرت العصابات بين منتسبيها واتخذ العنف طابعاً واضحاً بين الرؤوس المتنافسة على المال والسلطة بين زعماءها ، مما ادى الى إتساع الهوة بينها وبروز هذا التناحر على الملأ الذي بدأ ينظر لها باحتقار واشمئزاز . ولم تجد كل محاولات ترميم البيت الواحد او حتى اللجوء للسقف الطائفي الواحد ، إذ ان الأطماع والثراء والسلطة شكلت عوامل اساسية في بنية هذه الأحزاب ولا يمكن التنازل عنها لحزب آخر حتى وان كان من نفس الطائفة .
هذا الفشل الفكري والسياسي والتنظيمي الذي واجهته احزاب المحاصصة واللصوصية في حكمها للعراق طيلة الثمانية عشر سنة الماضية اجبرها على ان تغير من جلودها وتتصرف كما تتصرف الثعالب النهمة.
لقد حاولت ان تظهر بمظهر القوة والسيطرة التي لا يمكن التفريط بها او تجاهلها من قِبَل اية قوة صديقة او عدوة . فتوغلت في تشديد عسكرة عصاباتها لتقتل وترعب وتنشر الإرهاب في مناطق تواجدها معلنة ، وبشكل غير مباشر ، ان قوتها العسكرية هي التي ستعتمد عليها في تحقيق ما تصبوا اليه .
وحاولت ايضاً ان تجعل من تبنيها الماكر لأهداف وتطلعات ثوار تشرين باباً يوصلها الى الجماهير التي فقدتها تدريجياً خلال الثمانية عشر سنة الماضية.
فهل هناك عاقل يسمح له عقله بتصديق ورع الثعالب وتدين الواوية. امير الشعراء احمد شوقي يقول لنا في نفس قصيدته هذه :
مُخطِئٌ مَن ظَنَّ يوماً إن للثعلب دينا