اخذت الجرعة دون تردد


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 6810 - 2021 / 2 / 9 - 14:50
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات     

كثر الحديث عن لقاحات فايروس الكورونا، شركاتها وصناعتها وتجارتها، مثل الحديث عن الفايروس وانتشاره وضحاياه، المصابين والوفيات اليومية، واخبار مثل هذه تصنع تشوشا لا اختياريا وتربك في اتخاذ القرارات المناسبة، بشانها، فرديا وجماعيا، شخصيا ومسؤولية السلطات في أي بلد أو ركن من المعمورة التي ابتليت بهذه الجائحة التي لم تفرق بين سكانها، رغم التفاوت الطبقي والاجتماعي المتفشي بينهم. وتلك مسألة أخرى تكشف ما بعد الجائحة.
كغيري بالتأكيد اتابع على امتداد الوقت والاخبار اخر ما ينشر عن الجائحة وتطورات سلالات فايروس الكورونا، كوفيد-19 وأعداد الإصابات والوفيات، في بريطانيا اولا بحكم المكان، وفي الوطن العربي وخارجه بالتتابع، ولاسيما في البلدان التي تسمي نفسها بالغنية والمتطورة اقتصاديا وعلميا وغيرها، وما يحصل فيها وينعكس على الإجراءات والقرارات التي تتلي ذلك. فالاغلاق والحظر الصحي والعزل الاجتماعي وملحقاتها تطيل من المعاناة وتزيد من الترقب والانتظار وتكثر من الملل والابتعاد الاجتماعي وما يرافقها من تداعيات واحداث ليست كلها إيجابية أو نافعة. وصولا إلى انعكاسها في الخلافات السياسية داخل كل مجتمع واحيانا داخل الحزب الواحد، كما هو الحال في الأحزاب البريطانية وصراعات القيادات السياسية فيها، وتعكزها على الجائحة ومعالجتها الرسمية وما تلاها، فضلا عن الأزمات على مختلف الأصعدة وتطوراتها وتأثيراتهاالمباشرة على الحياة اليومية للمجتمع وقرارات السلطات.
ما يثير السجال هو ما يصل أو ينشر او يوزع عموما من تحليلات أو تصريحات متناقضة عن سلالات الفايروس وفعالية اللقاحات. وهذا يخلق ترددا لا شعوريا في قرار المشاركة في الاهتمام أو المتابعة. ومنها طبعا تصريحات مسؤولي منظمة الصحة العالمية، وجهودها في أداء مهماتها ووظيفتها القائمة عليها. وبين ما تقوم به المنظمة وما يقوم به الإعلام عموما يستطيع المتابع الوصول إلى مقاربات ومقارنات قد تسهم في الحد من انتشار الجائحة بالاستفادة من تطور صناعات اللقاحات وتاثيرها العلمي والصحي وتوزيعها بشكل يخدم البشرية ويضع صفحات جديدة من التعاون والتنسيق في مقابل الجائحة وتاثيرها غير المحدود، وفي اتخاذ القرارات الإيجابية بشأنها.
مثلا نجحت لندن في صناعة وتطوير مجموعة من اللقاحات. وتوسعت في انتاجها بما يوفر خدمات علاج المواطنين، والارقام الأخيرة تتحدث عن تقديم الجرعة الأولى من اللقاح لأكثر من عشرة ملايين مواطن، حسب الأولويات التي أقرتها الحكومة واللجان العلمية التابعة لها، بحلول نهاية الشهر الاول من هذا العام، وهي مستمرة في تنفيذ برامج اللقاح، على أساس أو هدف تطعيم ما يقابب 70% من السكان. واضافة لهذه الجهود خصصت الحكومة أموالاً طائلة؛ وفق تقاريرها وتصريحات مسؤوليها، اكثر من 12 مليار جنيه إسترليني (16.4 مليار دولار) في شراء اللقاحات المنتجة. وكانت الخدمة الصحية الوطنية المركزية في بريطانيا NHS مهتمة في اداء وظيفتها الصحية والطبية والمختبرية، واستكمال اللقاحات التجريبية، وتنفيذ خطط اللقاح ومعالجة المصابين بأكبر قدر لديها، وقدمت من جيشها الابيض وعلى الخطوط الأمامية عشرات الضحايا من الأطباء والعاملين في دوائرها.
ورغم هذه النجاحات أو التدابير فهناك اخفاقات، وفق ما تراه بعض وسائل الإعلام وكتابها، ظهرت في زوايا أخرى؛ أهمها: تداخل دوائر صنع القرار والأهداف المشوشة والتسييس والفشل في ربط المشورة العلمية بالقرار السياسي. وقد عثر على العديد من الأمثلة على تلك الإخفاقات في سجلات الأخطاء التي رصدت في برنامج الاختبار والتتبع، التابعة لوزارة الصحة البريطانية، مثالا. كما كشفت قصورا غير قليل في الخدمات العامة، وكذلك في توفير ما كان يجب أن يكون متوفرا وكاملا، في الإعداد والمواد والتجهيزات وغيرها مما يتعلق بها جميعا. وهذه فضيحة بجلاجل للنظم الرأسمالية التي لم تكن بمستوى المسؤولية أمام القطاع الصحي والخدمات الطبية العامة.وكذلك في التاخر أو التخلف في الحسم منذ معرفة الفايروس وانتشاره، وهو ما تعكسه الارقام المفزعة، لحد الآن، في الإصابات والوفيات.
جاءت المؤتمرات الإعلامية اليومية للمسؤولين الحكوميين والصحيين ومستشاريهم بأخبار قاتمة، حيث تشير الوقائع الى اخطار مستمرة. ولم يستطع المسؤول الطبي أن يرجح عدد الوفيات المرتقبة، قائلا إن هذا التقدير لن يكون مفيدا لأحد، ثم أكد ضرورة القيام بأي شيء ممكن لتفادي هذا الأمر، فبريطانيا في عين عاصفة جائحة كورونا.. وأردف أن جهود تفادي هذا السيناريو، تجري من خلال أمرين هما التلقيح ضد الفايروس ومواصلة الالتزام بالتباعد الاجتماعي والبقاء في البيت. وقد تجاوز عدد الوفيات في المملكة المتحدة، مئة ألف حالة، نهاية الشهر الاول من هذا العام، وعدادها يتسابق مع دقات الساعة بارقام مخيفة، معلنا انها أول بلد أوروبي يبلغ هذه الحالة، رغم كل الإجراءات والاستعدادات وتحمل المسؤوليات..
في آذار/ مارس 2020، كانت الحكومة البريطانية تراهن على عدم تجاوز ضحايا جائحة الكورونا حاجز 20 الفا. ولكن الوقائع خيبت صحة هذا الرهان، ومثله في أوروبا ايضا وفي العالم عموما. ودعا هذا الارتفاع إلى الإنتباه إلى قسوة التحديات للجميع.
وصلتني رسالة نصية على هاتفي المحمول تدعوني للاتصال او الدخول لرابط الكتروني لتحديد موعد لأخذ الجرعة الأولى من اللقاح المتوفر حاليا في المستشفيات والمراكز الصحية في أنحاء المملكة، وقمت فعلا بذلك دون تردد، وذهبت حسب الموعد المقرر واخذت جرعة اللقاح.. وكما وصلتني دعوات من طبيب العائلة ومن طبيب المنطقة ومن البلدية واخبرتهم جميعا بشكري لهم فقد أخذت الجرعة الأولى.. وشكرا لهذا الاهتمام والتطبيق الصحي وكل الجهود لإنقاذ البشرية من هذه الجائحة، البلاء العام. وكنت قد سألت عددا من ألاصدقاء وتناقشنا حول الموضوع، وكالعادة وكما هو حال المجتمع فهناك انقسامات في الآراء وفي القرارات، وهناك من لا يصدق بعد ما يحصل في المستشفيات يوميا. ولم يبق إلا الدعاء بالخلاص من هذه الجائحة وسلالاتها، والالتزام بالقواعد والقرارات وعدم التردد بأخذ العلاجات.