مقاربة الاتجاه البلشفي لبناء الدولة القومية (5)


عبدالله تركماني
الحوار المتمدن - العدد: 6806 - 2021 / 2 / 4 - 14:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

إنّ أهمية أفكار لينين في المسألة القومية أنه وضع الفكرة القائلة بأنّ شعوب الشرق تستطيع، في بعض الظروف، أن تتجنب المرحلة الرأسمالية من التطور، وسوّغ الشعار القائل " يا عمال جميع الأقطار وأيتها الأمم المضطهَدة اتحدوا ".
وما أن توفي لينين حتى بدأ شطط ستالين في المسألة القومية، ففي المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي الروسي، الذي انعقد في الفترة ما بين 15-27 أبريل/نيسان1923، دارت نقاشات هامة حول المسألة القومية، وحول وسائل العمل ضد التيارات القومية المحلية بصورة أساسية. وقد قدم ستالين تقريراً إلى المؤتمر تحت عنوان " العوامل القومية في بناء الحزب والدولة "، أكد فيه على أنّ النزعات القومية ظاهرة داخلية بالغة الخطورة، في حين أنّ لينين كان ينظر إليها على أنها ردُّ فعل ضد شوفينية روسيا العظمى.
ومما قاله ستالين في تقريره "...إنّ رهطاً من الرفاق، وعلى رأسهم بوخارين وراكوفسكي، قد ضخَّمَ حتى الشطط أهمية المسألة القومية. لقد بالغوا، ولم يروا وراء المسألة القومية المسألة الاجتماعية، مسألة سلطة الطبقة العاملة ". وتابع ".. إنّ أساس حركتنا يقوم على تدعيم سلطة العمال، وبعد ذلك فقط تطرح علينا المشكلة الأخرى، المشكلة القومية، وهي مشكلة هامة جداً، ولكنها تابعة للأولى ". إلى أن وصل إلى القول " ويُستحسن أن نذكر، بالإضافة إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها، حق الطبقة العاملة أيضاً في تعزيز سلطتها، وبهذا الحــــــق يُلحَق ويُربَط حق تقرير المصير" (35).
وفي المحاضرة التي ألقاها في جامعة سفيردلوف، في أوائل شهر أبريل/ نيسان1924، حول " مبادئ اللينينية "، قال "...اللينينية تعترف بوجود طاقات ثورية كامنة في حركة التحرر القومي للشعوب المضطهَدة ... بيد أنّ هذا لا يعني أن تدعم كل حركة قومية.. إنما المقصود هو تأييد تلك الحركات القومية المتجهة إلى إضعاف الإمبريالية والقضاء عليها، لا إلى الحفاظ على مواقعها وتدعيمها ".
وتابع قائلاً " إنّ الطبيعة الثورية، التي لا جدال حولها، للأكثرية العظمى من الحركات القومية، هي نسبية ومتفردة، مثلها مثل الطبيعة الرجعية المحتملة لبعض الحركات القومية الأخرى. ففي ظروف الاضطهاد الإمبريالي، فإنّ الصفة الثورية للحركة القومية لا تقتضي بالضرورة وجود عناصر بروليتارية في الحركة، لا تستلزم أن يكون للحركة برنامج ثوري أو جمهوري، لا تستلزم أن يكون لها أساس ديمقراطي " (36).
لقد مثّلت الستالينية ظاهرة انحطاط وابتذال في الماركسية بشكل عام، وفي موقفها من المسألة القومية بشكل خاص. فإذا عدنا إلى تعريف ستالين للأمة، نجد أنه يقول " أنها تكونت تاريخياً "، وفي الوقت نفسه يقول " الأمة ليست مجرد مقولة تاريخية، ولكنها مقولة تاريخية تنتمي إلى عصر محدد، عصر الرأسمالية الصاعدة ". ففي التعريف يقول إنها تكونت تاريخياً، أي تشكلت عبر التاريخ، وبهذا المعنى، من الممكن ألاّ يرتبط تشكلها بمرحلة الرأسمالية الصاعدة. وقد عرفت القارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، أمماً تكونت قبل عصر الرأسمالية الصاعدة، ولكنها لم تستطع بناء دولها القومية بسبب عوامل عديدة، من أهمها السيطرة الاستعمارية على مقدراتها.
أما عن اشتراطه وحدة الحياة الاقتصادية، فإنّ اقتصاد المستعمرات كان جزءاً من اقتصاد دول المتروبول، فكيف يمكن أن تتحقق وحدة الحياة الاقتصادية؟
إنّ ستالين وضع تعريفاً إجرائياً اعتباطياً كان يخدم السياسة العملية للبلاشفة في ذلك الوقت، ولكنّه أوقع الشيوعيين في العالم العربي بأخطاء كثيرة في المسألة القومية العربية.
وفي النهاية تغلبت مصالح الدولة السوفياتية على مصالح الثورة العالمية، التي قلّل ستالين من شانها، وجعل منها أداة للدولة السوفياتية، ليقوم بأعمال التطهير والتفكيك والإصلاح على هواه، فإذا ما انسجمت الحركات الثورية مع هذا الهوى، وكانت تحــــــت السيطرة السوفياتية، فإنها تتمتع بالدعم والتأييد، وإلا فهي " منحرفة " و" عميلة " للإمبريالية!!
الهوامش
35 - نقلاً عن: شرام، ستيوارت ودنكوس، هيلين كارير الماركسية-اللينينية...، المرجع السابق، ص 223-224.
36 - نقلاً عن: شرام، ستيوارت ودنكوس، هيلين كارير الماركسية-اللينينية...، المرجع السابق، ص 227-228.