اليسار بين الوحدة والانقسام .


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 6802 - 2021 / 1 / 30 - 13:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تشظي اليسار العربي والتونسي كجزء منه لا ينبغي النظر اليه باعتباره مأساة تدعو الى الرثاء ، تلك الحالة ليست غريبة ولا جديدة ، انها حالة موضوعية موجودة في كل البلدان وفي كل مراحل التاريخ تقريبا فالواحد ينقسم الى اثنين وهكذا دواليك في الدين الواحد مئات الفرق في السياسة و الاقتصاد و الفنون أيضا .
لكن مع الانقسام هناك الوحدة وبعد الوحدة هناك الانقسام ، الحال يتعلق بالديالكتيك وهذا أمر موضوعي حتى في عالم النبات والحيوان الخ... يحصل ذلك . في الحالة الجيدة التي توجد فيها قوى المقاومة والثورة على صعيد العمل الجبهوي مثلا ، يتم الانطلاق من الوحدة نحو الصراع ، ثم تكون العودة من الصراع في اتجاه الوحدة ، وقتها يكون التطور من وحدة أدنى الى وحدة أعلى ، ولا يختلف الأمر كثيرا على صعيد الحزب حيث يتطلب الأمر وحدة أعضاء على قاعدة وحدة الفكر والسياسة ، ومن ثمة يكون الصراع أيضا ، وصولا الى الوحدة الأرقى باعتماد سلاح النقد والنقد الذاتي.
وتقتضي الوحدة والصراع مجالات يحصلان فيها ، بما يحيل الي التنظيم ، ومن هنا الحاجة الى تلك الأطر التنظيمية التي تمكن من خوض الصراع فيما هو مختلف بشأنه ، كما اثراء ما هو محل اتفاق، على أن يكون ذلك ضمن الممارسة لا في غرف مغلقة وكراريس تكتب في عزلة عنها.
عدم ادراك هده الحالة يجعلنا نتباكى على وحدة وهمية/ ميتافزيقية ، نقية من كل تناقض وصراع ، بينما الوحدة في السياسة والفكر هي وحدة حية تنوس بين اندماج وانقسام ولا يعني هذا أن الأمر يتعلق بصراع بين أشخاص وزعماء الخ ....وانما هناك صراع بين سياسات وافكار وممارسات ، وحتى داخل الشخص الواحد يمكن أن يتمظهر ذلك الصراع بين نزعتين وسلوكين أو أكثر.
في تونس على سبيل المثال هناك لحظة مهمة الآن ، وهى تفكك الجبهات الوهمية التي لم تكن غير تجمعات انتخابية ، وعندما حلت المواعيد تفرق الشمل ، فكل يريد موقعا ضمن المؤسسات السلطوية، الآن هناك اعادة بناء ، انقسام فوحدة على أسس أخرى ، ربما تم ادراكها أو إن كثيرين في طريقهم الى ادراكها .
الجيهات تستدعي من حيث البناء ادراك التناقضات وخاصة الرئيسي منها، فهو الذي تجد فيه القاعدة التي تقوم عليها ، إن لم يكن اليوم فغدا ...أما الأحزاب فهي كثيرة ، ولا يجب تتفيهها وانما فهمها والانتماء اليها أيضا، فهي سلاح للتغيير عندما تكون ثورية وللتبرير وتكريس الواقع عندما تكون نقيض ذلك ...أما القول أنها كلها متشابهة ومجرد دكاكين فإنه قول يكرر تفاهات الايديولوجيا السائدة ، التي غرضها اخراج الكادحات والكادحين من حلبة المجال السياسي . وفي حال الضرورة يجب تكوين أحزاب جديدة ، وفضلا عن ذلك فإن الاعتقاد في حل يأتي من خلال حزب يساري كبير واحد، جامع ، مانع ، لا يقل ميتافزيقية فذلك الحزب لم يوجد في أي بلد ولن يوجد مطلقا طالما أدركنا ما قلناه فوق والمفارقة أن أصحاب ذلك الاعتقاد هم أنفسهم قادمين من انقسام طرأ على أحزابهم القديمة ، حتى في زمن كارل ماركس وفريد ريك أنجلس كان هناك تعدد في الأحزاب العمالية ، بالنظر الى أن الطبقة العاملة نفسها ليست كتلة متجانسة وانما هناك فئات تكونها ، قد تصل العلاقة بينها حد التنافر.