أشكال الصراع في العراق باعتبارها تمثيلا للصراع الطبقي


جلال الصباغ
الحوار المتمدن - العدد: 6802 - 2021 / 1 / 29 - 23:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ما هو شكل الصراع الجاري الان في العراق، بين الجماهير والسلطة؟ هل هو صراع طبقي أم صراع بين "عملاء الخارج" والوطنيين الباحثين عن وطن؟ كما ظهر ذلك في دعوات ومطالبات الشباب والشابات خلال انتفاضة أكتوبر، ولا يزال ظاهرا لغاية الآن.

على الرغم من تبلور ونضج الوعي الجماهيري الذي يفرضه الواقع، باتجاه تبدد الضباب والغيوم التي كانت تلف أشكال الصراع في المرحلة الماضية، تحوله إلى مفاهيم وتسميات وطنية ومدنية وعلمانية وما إلى ذلك من رؤى يصوغها الخطاب الجماهيري الواقع تحت تأثيرات الإعلام والمثقفين والقوى التي من مصلحتها إبقاء الخطاب الوطني القومي هو المسيطر بعيدا مفهوم الصراع الطبقي الذي جاء به كارل ماركس، باعتباره تعبيرا عن الاعتراض والمظلومية التي يعانيها المجتمع، ورغبة في العمل السياسي والتنظيمي من اجل إسقاط النظام وتحويل السلطة بيد جماهير العمال والكادحين والتحرريين الثوريين، وإنهاء هيمنة الشركات ورؤوس الأموال والوصاية من القوى الرأسمالية ومؤسساتها المالية والمصرفية على مقدرات الدولة.

في الأشهر الأخيرة من عمر انتفاضة أكتوبر، صار واضحا أن من يدفع الجماهير إلى الانتفاض والمشاركة في التظاهرات والاحتجاجات، هو الوضع الاقتصادي السيئ الذي تعيشه هذه الجماهير. فمن البطالة إلى تخفيض الرواتب وهيكلة الشركات التابعة للدولة، إلى تطبيق ما تسميه حكومة الكاظمي بالورقة البيضاء وما تحتويه من كوارث وويلات على الكادحين والمعطلين والموظفين، الى الضرائب التي تنوي فرضها السلطة على غالبية المجتمع؛ عند هذه النقطة بات الصراع الطبقي بين الطبقة الأكبر، من المفقرين والمعطلين والعمال داخل المجتمع، وبين طبقة المالكين من سياسيي الطوائف والقوميات واللصوص ومن معهم من أصحاب رؤوس الأموال، جليا وغير قابل للتغطية، فالصراع الواضح هو صراع بين العمال والمعدمين وساكني العشوائيات وذوي الدخل المحدود؛ المحرومين من ابسط شروط العيش الإنساني، وبين مُستغليهم الساعين لتحويل الصراع إلى صراع طائفي ديني قومي أخلاقي، كما هي عادتهم دائما وخصوصا أثناء الأزمات التي تهدد بقائهم.

إن الصراع السياسي الحاصل بين طغمة اللصوص وقاطعي الطرق وبين الجماهير الساعية لإزالتهم، بدأ ينضج شيئا فشيئا والتجربة الثورية التي مرت بها الجماهير في العراق منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية في 2011، علمت الجماهير وبينت لها من هي القوى الحقيقية التي تقف معها وتمثل طموحاتها في التغيير، ومن هي القوى الإصلاحية التي كانت تشارك في الحركة الاحتجاجية وهي تضع قدما مع الجماهير وأخرى مع السلطة، في موقف انتهازي افتضح أمره بشكل كامل.

هذه القوى المتمثلة ببعض إطراف اليسار والمثقفين والإعلام الانتهازي وغيرهم من القوى الأخرى، التي عزلتها الجماهير وأدركت خطورتها على الحركة الاحتجاجية، هي من تقف بصف النظام في محاولة لتحويل الصراع الطبقي إلى صراعات جانبية وطنية أو قومية أو طائفية، لا تمت إلى الواقع الموضوعي بصلة.

إن الصراع السياسي بين الطامحين للتغير وبين النظام الحالي ما هو إلا التعبير السياسي الصريح عن الصراع الطبقي، المستعر داخل المجتمع، وما الاستغلال البشع الذي مارسته الحكومات المتعاقبة، وتطبيقها لنظام الليبرالية الجديدة والإجراءات المتخذة بخفض قيمة الدينار وفرض الضرائب على رواتب الموظفين، إلا الإيذان ببدء مرحلة جديدة من الصراع الطبقي بين سلطة متهالكة تنخرها الصراعات الداخلية والخارجية ويتحكم في مقدراتها أطراف إقليمية ودولية، وبين الجماهير التي تزداد فقرا وبؤسا يوما بعد أخر.

مهما لبس الصراع بين جماهير الكادحين والعمال والموظفين من أثواب وسمي بمسميات، يبقى في جوهرة صراعا طبقيا معبرا عن رغبة إنسانية بالعدالة والمساواة والحياة الحرة الكريمة، وسعيا لتطبيق الاشتراكية والعدالة، التي تعني توفير حياة مرفهة للجميع ومجتمع صحي تسوده الإنسانية والكرامة بعيدا عن الاستغلال والقهر والحروب، التي تخدم فئات صغيرة من التجار والسماسرة الذين يعملون لحساب مصالحهم ومصالح أسيادهم الإقليميين والدوليين.

إن سيطرة القوى الرأسمالية العالمية ومؤسساتها وأدواتها على ثروات شعوب المعمورة وماكينتها الإعلامية الهائلة، بالإضافة لمراكزها البحثية واذرعها العسكرية والسياسية التي تروج ليل نهار لنمط الإنتاج الرأسمالي والليبرالية الجديدة، يعملون دون كلل لتصوير الصراعات الطبقية في مختلف بلدان الأرض، ونضال الجماهير في كل مكان، على أسس ثقافية تتعلق بالدين أو الطائفة أو القومية، من اجل ضمان هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي، والعراق ليس استثناء خصوصا وان الجماهير، وعقب تجربة مريرة صارت مدركة لكل ألاعيب النظام ومن يقف خلفه.