بوب مارلي: اكسير مضاد لمعاداة الشيوعية!


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6802 - 2021 / 1 / 29 - 09:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

المدافعون عن الرأسمالية والمعادون للشيوعية في عصرنا انواع واشكال. وحتى إن بعضهم يتلبس لباس الماركسية. ولكن يمكن تصنيفهم عموما الى نوعين رئيسيين: الاسفنجيين والعصابيين!

الاسفنجيون قد امتص عقولهم, كالإسفنجة, منطق الرأسمالية ورغبتها (العصابية) اللامحدودة (كما سيتبين ادناه), بحيث إن البعض يتساءل بسذاجة لا نظير لها بخصوص إمكانية تطبيق الشعار الشيوعي (من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته!) او جدواه ويسمونه طوباوية. فيتسائلون بإلحاح الموت (الموتى السائرون - زومبيات الرأسمالية): "كيف يمكن تطبيق الشعار؟ من سيحدد حاجاتي وكيف؟ من سيحدد قابلياتي وقدراتي وكيف؟" وكل هذه الاسألة يمكن الاجابة عليها علميا اذا كانت حاجاتهم هي حاجات البشر, وليس اشباه البشر او من هم فوق البشر, السوبرمان!

هم يتساءلون غالبا حول الشطر الثاني من الشعار (لكل حسب حاجته), لأن الاول (حسب طاقته) يمكن تعريفه بكل سهولة من خلال كفاءات وقدرات الشخص الجسمية والفكرية والاكاديمية. فالطبيب يعمل كطبيب وليس كمهندس او رجل بوليس, مثلا!

وتساؤلات هؤلاء تدلل على ان عصر الحداثة في عصرنا قد الغى عنصر التنوير واصبح نقيضه. واصبح التشكيك (الديكارتي-ديكارت رائد العلم الحديث وقرينه عصر الانوار) نقيضا لعصر حداثة يصبح فيه التنوير والحداثة قطبان متضادان, ويصبح التساؤل بخصوص الشعار مستقبليا يستمد تبريره بحجة عدم امكانية تطبيقه من قبل محترفي لوي السنتهم لاخراج اصوات لا تكون سوى اصداء لضجيج الغابة, غابة الرأسمالية, التي أُهلت الآن خطابيا وفتحت لها صالونات الديلوماسية اوسع ابوابها لتدخل متوجة بتاج الجهل لتنعق كالغربان. ونعيقها يذكرنا بغربان المقابر او غربان البين.
(الانتروبي يصل اعلى حد له في الموت- كما ادناه!)

والعقول الاسفنجية, كالاسفنجة التي لا تقرر ما تمتصه ولا قدرة لها على التمييز بين السموم ومضاداتها, تمتص كل سموم وقذارات الرأسمالية المعاصرة, فتميت عقولها وتصبح هي الاخرى دليلا شاهدا على حداثة مظلمة, حداثة اطفأت شعلة التنوير. انهم اعراض حداثة الظلمة, ولكنهم سببها ايضا. وهؤلاء يرحلْون علاقاتهم مع الواقع وتعاملهم نقديا معه, كاجراء نفسي دفاعي بدائي, الى عصر الشيوعية فيسمون ما هو واقع في واقع الحال فنطازيا او طوباوية عصر شيوعي يرفع شعار الحاجة والطاقة.

ولكن سيداتي وسادتي, الشعار مطبق حاليا في عصر الرأسمالية ولكن بشكل مشوه يحيل البشر الى كلونات صنوا لبعضها البعض. فمستلمو الاعانات الاجتماعية في الدول الرأسمالية يستلمون ما يشبع, الى حد ما, حاجاتهم الاساسية لابقائهم على قيد الحياة كجنود احتياطيين للشغيلة والعمال. واعاناتهم هي صنو, الى حد بعيد, لأجر العامل الذي يتقاضيه لابقاءه على قيد الحياة فقط لاعتصار فائض قيمة عمله. الرأسمالية قادرة على تحديد حاجات مواطنيها الاساسية, واصحاب العقول الاسفنجية لا يحتجون على نظام رأسمالي يحدد حاجات البشر, ولكنهم بقدرة قادر يتحولون الى اسود ضارية لنهش لحم شيوعية تتحدث عن اشباع الحاجات الفردية, لكل حسب حاجته, وليس لحاجات البشر , كتجريد, ككلونات (رأسمالية)!

ونحن نعلم من هرمية عالم النفس ماسلو ان حاجات البشر الرئيسية معروفة من غذاء وسكن وعمل وصحة.
Maslow s Hierarchy of Needs
https://www.simplypsychology.org/maslow.html
واشباع هذه الحاجات هو هدف الشيوعية, هذا في حين تعجز العديد من اهم رأسماليات العالم عن توفير كل او اغلب هذه الاحتياجات.

اذن سيداتي وسادتي, نكرر السؤال: اين هو الخطأ في شعار (من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته!), ونحن لا نناقش هنا جذوره التاريخية التي لا تعنينا بشكل مباشر. هنا قد يرفع احدهم من اعداء الشيوعية يده ويصرخ بصوت وكأنه فحيح الافاعي بعد ان نفخ صدره كالطاووس, معتقدا انه وجدها, كما وجد ارخميدس قاعدته, لينظر حواليه مستدعيا تشجيع قطيعه الاسفنجي ودعمهم المعنوي, حركات بهلوانية, نظرات شماتة. ثم يجهر بالكلام ويعبر عن اعتراضه بسؤال: "ولكن ماذا لو قررت الشيوعية اني استحق بنطلونين كل سنة, واحد شتوي وآخر صيفي. واني ارغب اربعة بنطلونات او لربما اكثر كل سنة؟" اذن باعتباره, الشيوعية فاشلة لأنها لا تحقق رغبته بتوفير اربعة بتطلونات سنويا او اكثر وتقتصرها على اثنين فقط! اني اختار هذا المثل, واني متأكد ان هنالك امثلة اخرى كثيرة لا تعد ولا تحصى .اذن انها شيوعية فاشلة لانها وفرت 50% او اقل من احتياجاته (رغبته!) من البنطلونات. طبعا هو يهمل حقيقة ان مصادر الطبيعة محدودة وعدالة التوزيع تحقق حاجته ولكن ليس رغبته.

اصحاب العقول الاسفنجية هم اعداء المنطق اللدودين والسعي الى حقن عقولهم بالمنطق غير مجدي, لأن المنطق سيتسرب خارج الاسفنجة حال تسربه اليها. انهم لا يستطيعون ايداع المنطق في عقولهم للحظة واحدة. وحرمان انفسهم من المنطق هو ليس عملة اختيارية من قبلهم, ليست اختيارية لانهم لا يستطيعون الاختيار, فالاسفنجة لا تقرر السوائل التي تمتصها. ان سلبيتها هي عنصر لا غنى عنه لاسفنجيتها. انها احد شروط تعريفها فيزياويا ووظيفيا. واذا افتقدت الاسفنجة سلبيتها لكفت عن ان تكون اسفنجة. قد تكون اي شيئ آخر, ولكن ليس اسفنجة. الاسفنجة عاجزة عن التفكير واتخاذ القرار بخصوص نوعية المواد التي تمتصها. الغاء سلبيتها سيعني انها ستكف عن ان تكون اسفنجة ولا تستطيع ان تفعل فعل الاسفنجة. انها لا شيئ وينبغي رميها في القمامة.

اصحاب العقول الاسفنجية قد طلقوا المنطق واحكامه. العقول الاسفنجية مصطلح يناقض نفسه, فهو يفترض, ضمن حدود, عقولا اولا واسفنجية ثانية. ولكن التناقض الظاهر هو تناقض شكلي. فليس هنالك لحظة زمنية, قابلة للقياس, بين المرحلتين: العقل اولا, والاسفنجية ثانيا. الفترة الزمنية بين المرحلتين هي صفر. العقول الاسفنجية تلغي الزمن بالغائها الفاصلة بين المرحلتين. الزمن عندها لا معنى له. الزمن هو ملازمة الكائن الحي وليس الكائن الاسنفجي.

و الاسفنجي حتى لو سعى الى امتلاك عقله ومنطقه الخاص به, الا ان ان الاسفنجيين المحيطين به سرعان ما سيدركون ذلك بلمحة البصر, وسيبلغون عنه حال اغفائته فيختطف جسده ويرمى في القمامة, ان لم يسترجع اسفنجيته. انه لم يعد مفيدا وظيفيا للمجتمع الاسفنجي ووجوه سيكون خطرا ويهدد بعدوى العقل وتحوله الى جائحة لتحل محل جائحة الاسفنجية. القمامة لا تأبه للزمن ولا تقاومه. انها ضحية الزمن, فهو فقط يزيد من قماميتها وتفسخها. الزمن يتوقف واذا تحرك فسيكون بمعنى تفسخ الجثث وتحللها. انه ليس الزمن البشري, زمن التجربة, الزمن الوجودي بعرف هنري بيرجسون. انه الزمن الطببعي-الميكانيكي, زمن الفيزياء, القادر فقط على تفسيخ الجثث وتحللها. وظيفة الزمن الفيزياوي هو التحلل وانعاث الروائح الكريهة والسموم التي تلوث التربة والبيئة. الزمن الفيزياوي, زمن الجثث وتفسخها, هو علامة اكيدة على تحقق قانون تزايد اتتروبية الكون.
Cosmic entropy could be 100 times greater than previously thought
by Lin Edwards , Phys.org
https://phys.org/news/2009-10-cosmic-entropy-greater-previously-thought.html
استهلاكية الرأسمالية تزيد من تلوث البيئة وانتروبية كوكبنا الارضي واحتمال دماره.
الجهد المضاد للرأسمالية هو فعل متواصل للتعطيل الموقت للتزايد الانتروبي لكوكبنا.
"كانت أطروحة الدكتوراه الخاصة ب (هنري بيرجسون) عن الزمن والإرادة الحرة: مقال عن البيانات الفورية للوعي (1889). هنا ميز بيرجسون بين الزمن كما نعيشه بالفعل، الزمن الذي نعيشه - والذي سماه "المدة الحقيقية" (durée réelle) - والزمن الآلي للعلم. وجادل بأن هذا يستند إلى تصور خاطئ: فهو يتألف من تراكب المفاهيم المكانية على الوقت، والذي يصبح بعد ذلك نسخة مشوهة من الشيء الحقيقي. لذا يُنظر إلى الوقت من خلال سلسلة من التركيبات المكانية المنفصلة والمنفصلة - تمامًا مثل مشاهدة فيلم. نعتقد أننا نشهد تدفقًا مستمرًا للحركة ، ولكن في الواقع ما نراه هو سلسلة من الإطارات الثابتة أو اللقطات. إن الادعاء بأنه يمكن للمرء قياس المدة الحقيقية من خلال حساب البنى المكانية المنفصلة هو وهم: "نحن نقدم تفسيرًا ميكانيكيًا للحقيقة ثم نستبدل التفسير بالحقيقة نفسها."
Henri Bergson and the Perception of Time
https://philosophynow.org/issues/48/Henri_Bergson_and_the_Perception_of_Time

ولكن موضوعة التزايد الاتتروبي سوف لن تقنع من يعتقد ان الشيوعية ستفشل في تحقيق احتياجات البشر لأنها لن تكون قادرة على توفير اربعة بنطلونات سنوية بدل اثنين.

ومع ان اصحاب العقول الاسفنجية لن يتعاملوا بالمنطق ولذا ان اية حجج منطقية نسوقها لدحض زعمهم بالفشل الحتمي للشيوعية ستكون جهدا لا طائل منه. ونحن لن نحاول!

ولكن هذا لا يعني ان نستسلم الى اجندتهم ونتخلى عن المنطق لأننا لا نريد هذا, ولأننا اذا فعلنا هذا سيكون حالنا حالهم, ونصبح كلنا صورة طبق الاصل لأحدنا الآخر كما يذكرّنا ذلك فيلم Invasion of the Body Snatchers.
"دعونا لا نغفل حقيقة أن هذا فيلم رعب أمريكي قديم جيد. الأخيار يجب أن يفوزوا في النسخة الأصلية، والنسخة الخاضعة للرقابة لاحقًا، كان يُنظر إلى شخص مايلز في الفيلم على أنه شخص مجنون يخبر الجميع بلا جدوى بهذه القصص السخيفة عن الغزاة من الفضاء الخارجي، تمامًا كما كان يُنظر أحيانًا إلى مطاردي الشيوعيين في ذلك الوقت. ولكن فقط عندما يجعل مايلز الجميع يصدقه أخيرًا (في النسخة الثانية المعدلة والصحيحة سياسيًا)، تصبح الدولة مدركة للتهديد الذي يتهدد حريتها وتكون قادرة على الدفاع عن نفسها. كثيرًا ما يُنتقد الليبراليون مجازيًا لأنهم تركوا (كبسولة) الشيوعية تفوز. ولذا إلى الأبد، فإن المكارثية لها ما يبررها."
Pod People From Russia
http://www.perno.com/extras/projects/invasion/metaphor.htm

التساؤل, وهو تساؤلنا الآن: الا تفشل الرأسمالية نفسها حاليا, وفي مكانات عديدة ومع مجموعات هائلة من البشر, ليس فقط في توفير بنطلونين/فستانين (اضافيين) لكل شخص, بل ايضا في توفير حاجات اكثر اساسية بما لا يقاس, توفير البنطلونين او الفستانين الاضافيين ليس ضمنها, ولمئات الملايين من البشر من سكن, وعلاج طبي, وعمل, او حتى الحق في الحياة؟ الشيوعية قد لا تستطيع او لا تريد توفير بنطلونين او فستانين اضافيين, لكنها توفر ليس الحاجات الاساسية فقط, كما هي محددة علميا وبعرف هرمية عالم النفس ماسلو, بل ان هدفها ايضا اشباع الحاجات الروحية ايضا. والتاريخ يوفر لنا الحقائق الامبريقية للتدليل على ما نقول. النظام الرأسمالي يحيل الانسان الى حيوان. الشيوعية لا تسعى فقط الى اشباع الحاجات الاساسية-الحيوانية, ولكن ايضا الاحتياجات الروحية وكل ما يحيل الفرد-الحيوان الى انسان.

اصحاب العقول الاسفنجية هم اعوان للعصابببن, برغم من ان الاسفنجيين ليسوا عصابيين, فالعصاب يقتضي الصراع, والاسفنجية سلبية ولا تعرف الصراع. قرابتهم هي في هدفهم. تيلولوجيا, محاربتهم للشيوعية.

العصابيون, على عكس الاسفنجيين, يستخدمون المنطق ولكن منطقهم هو المنطق الاعوج: في الرأسمالية, البضاعة تخلق الحاجة (الاصطناعية), في حين ان الشيوعية, على النقيض, تنتج البضاعة لتشبع الحاجة. الرأسمالية, على عكس الشيوعية, لا تشبع الحاجة, ولكنها تخلق الرغبة التي تمثلها رمزيا, الرغبة في الاستهلاك.

الاستهلاكية الرأسمالية تغذي وهم امكانية اشباع الرغبة وتساهم في تفاقم الاضطرابات النفسية كالوباء. والرابح الاكبر هو شركات الادوية:
"الواضح تمامًا لأي مراقب للمشهد النفسي أن شركات الأدوية الادوية متنفذة جدا الآن. في الفترة ما بين عامي 1993 و 2001، تضاعف الإنفاق على وصف الأدوية النفسية ثلاث مرات في الولايات المتحدة من 50 مليار دولار إلى 150 مليار دولار أمريكي. في عام 2000 ، بلغت مبيعات العقاقير النفسية في الولايات المتحدة 23 مليار دولار. بين عامي 1999 و 2000 ارتفع الإنفاق على مضادات الاكتئاب 800٪----------------------------------- . خلال نفس الفترة ارتفع الإنفاق على ما يسمى -مضادات الذهان غير التقليدية- بنسبة 600٪----------------------------------- إلى 4 مليارات دولار في عام 2001. وقد ارتفع عدد الشباب دون ال 18 الذين يتلقون هذه الأدوية من 50.000 في عام 1991 إلى 530.000 في عام 2002." ص. 125
unbridled capitalism meets with madness
- الرأسمالية المنفلتة تلتقي بالجنون-
https://books.google.at/books?hl=en&lr=&id=1dyB9hgGvkwC&oi=fnd&pg=PA125&dq=increase+psychiatric+disorders+worldwide+capitalism&ots=S2myzDITg5&sig=9JLk-UdOJgTksMc2JBNf1Ra1ZSE#v=onepage&q&f=false
ويمكن معرفة المزيد في مقالتي
-الطب النفسي النيوليبرالي-
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=505656

والعصابيون هم ارباب المنطق الاعوج, وذلك بخلطهم او مساواتهم بين الحاجة (المحدودة) والرغبة اللامحدودة والغير ممكن اشباعها نهائيا.
Desire is Insatiable
https://inspiredattention.com/it-starts-with-us/desire-is-insatiable/

والعصابيون لربما يستطيعون ان يشفوا انفسهم من عصابهم بتخليصها من منطقها الاعوج بقراءة كتاب Isaiah Berlin, الذي هو بعرف البعض اكبر عقل عرفه القرن العشرين:
The Crooked Timber of Humanity: Chapters in the History of Ideas
https://www.theguardian.com/books/2013/jul/23/isaiah-berlin-crooked-timber-review
او باجراءات نفسية تقتضي منهم الفعل الجماعي الثوري, التأمل الذاتي, او العلاج النفسي, لتحديد احتياجاتهم (المحدودة) وتمييزها عن رغباتهم (اللامحدودة, فحالما يتم اشباغ رغبة تحل محلها رغبة اخرى). لا نهائية الرغبة هي معادل نفسي لفتشية النقود رأسماليا, والنقود اعداد لا نهاية لها ولذا ان السعادة مشروع مؤجل دوما لأن الرغبة, حال ممثلها الفتشي: النقود, لا نهاية لها, وكما يقول بوب مارلي:
“Money is numbers and numbers never end. If it takes money to be happy, your search for happiness will never end.”
— Bob Marley
https://quotefancy.com/quote/431916/Bob-Marley-Money-is-numbers-and-numbers-never-end-If-it-ta
kes-money-to-be-happy-your

وبوب مارلي يمكن ان يكون العقار الشافي لفتشية النقود وعصابها, وايضا كاكسير مضاد لمعاداة الشيوعية!