لا انتخابات ولا برلمان، الخيار هو رحيل النظام


جلال الصباغ
الحوار المتمدن - العدد: 6798 - 2021 / 1 / 25 - 22:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تعمل السلطة منذ انطلاق انتفاضة أكتوبر في العام الماضي على خطين متوازيين من أجل إنهاء الحراك الثوري، فعلى الخط الاول عملت اجهزة النظام الامنية من جيش وشرطة ومليشيات ومخابرات بمساعدة قوى اقليمية ودولية على قمع الانتفاضة بشتى الطرق عن طريق القتل والخطف والارهاب والملاحقة، وهو ما خلف الآلاف من القتلى والجرحى والمخطوفين، ولا يزال هذا النهج مستمرا حتى يومنا هذا.

على الخط الثاني عملت قوى وأحزاب النظام على الدعوة لمشاركة قوى الانتفاضة، او جزء منها، على الأقل في عمليتهم السياسية، حيث أخذ اعلام السلطة يروج ليل نهار زاعما بان " الرغبة في التغيير يجب أن تمر عبر البرلمان"، خصوصا بعد طرح ما يسمى بقانون الانتخابات الجديد، الذي يعتمد نظام الدوائر الانتخابية المتعددة . ان المسألة لا تتعلق بنوع وماهية قانون الانتخاب بقدر تعلق الامر بالانتخابات نفسها وما ينجم عنها من برلمان في عملية محسومة النتائج مسبقا لصالح القوى البرجوازية الطائفية والقومية، وما نراه اليوم من ترحيب بمشاركة البعض من "قوى تشرين" في الانتخابات، ما هو الا تعبير عن الشكر والعرفان لطوق النجاة الذي رُمي لهذا النظام الغارق في أزماته.

حتى المؤسسات المؤيدة لهذا النظام، فان استطلاعاتها للرأي تشيرعكس توقعاتها، ففي إحدى هذه الاستطلاعات تشير النتائج إلى (( أن أكثر من 60 في المائة من العراقيين عموماً (وفي بعض المناطق أكثر من ذلك بكثير) لا يثقون بنزاهة الإنتخابات، وتبلغ نسبة الذين يثقون بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات أقل من 30 في المائة. ومن جانب، آخر فإن أقل من 15 في المائة من العراقيين يعتقدون أن تصويتهم في الإنتخابات المقبلة سيؤدي إلى تغيير المشهد السياسي والخريطة السياسية الحالية للقوى المؤثرة في القرار ! لا يزال أكثرية العراقيين لا يثقون بالحكومة. كما أن أكثر من النصف أيضاً لا يثقون بالقضاء، في حين لا يثق بالبرلمان العراقي أكثر من 15 في المائة ولا بالأحزاب السياسية أكثر من 10 % ولا ينتمي لتلك الأحزاب أكثر من 2 في المائة من شباب العراق- مؤسسة غالوب - معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 22/10/2020 )).

ان فجوة الثقة بين الحكم الطائفي القومي المتسلط عبر ميليشياته واجهزته القمعية في العراق تزداد يوما بعد يوم وان سيطرة الميليشيات الطائفية المدعومة من القوى الإقليمية، وبالأخص من ايران، على الدولة الرسمية وفرض اجندتها في صناعة القرار السياسي بات حقيقة مكشوفة يشهد لها القاصي والداني، فلا الانتخابات ولا البرلمان ولا السلطة الناجمة عن مجمل تلك العملية قادرة على وقف الانهيار الذي أصاب هيكل هذا النظام المتهريء.

إن الضعف في الخط السياسي الثوري الذي يحمل تصورات واضحة حول الأوضاع داخل البلاد، سمح لقوى انتهازية واخرى لا تمتلك الرؤية السياسية الصائبة، من الانخراط في دعوات النظام، وقد تشكلت العديد من الأحزاب والتيارات التي تحسب نفسها على انتفاضة اكتوبر،والتي يُمكن تسميتها بـ"أحزاب الظل " في محاولة لاستقطاب اكبر عدد من الناخبين وغالبية هذه القوى مدعومة اساسا من اقطاب داخل النظام، او انها تعمل وفق تصور النظام الحالي حول انتقال السلطة، وجميعها تعمل بطريقة مخطط لها مسبقا، فهي تعمل وفق قوانين وقواعد واشراف اجهزة السلطة وقضائها ومفوضيتها، التي خدمت ولا تزال اجندات المشروع الأمريكي الإيراني المحاصصاتي.

بغض النظر عن موعد اجراء الانتخابات المبكرة، وقد تأجل موعدها بالفعل، اثر الخلافات بين الرئاسات الثلاث وبين ما يسمى بالمفوضية المستقلة للانتخابات، فأن الاحزاب الطائفية والقومية تعمل بكل طاقتها من اجل المحافظة على النظام بأي ثمن، ولا يمكن بقاؤه دون انتخابات شكلية يحصل فيه كل طرف على حصته، مع تغيير طفيف في بعض الشخصيات هنا او هناك، فبدل المالكي يأتي العبادي وبدل العبادي ياتي عبد المهدي وبدل الأخير يأتي الكاظمي ومن سيأتي بعد الكاظمي لا يختلف عن سابقيه بشيء، فالمهم بالنسبة لهم هو ديمومة التقاسم وضمان بقاء الدولة ضعيفة ومفككة وتسيطر عليها المليشيات والعصابات من أجل تمرير مشاريع القوى الإقليمية والدولية التي ترعى العملية السياسية منذ 2003 ولغاية الان.

يتسائل الكثيرون حول بديل القوى الثورية داخل الانتفاضة، والتي ترفض رفضا قاطعا المشاركة في الانتخابات وعن كيفية السبيل للتغيير والخلاص. قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد لنا ان نسأل نحن بدورنا عن الجدوى من مشاركة القتلة والمليشيات بمشروعهم؟ وما هي نتيجة قوى مدنية واخرى محسوبة على اليسار مثل الشيوعي العراقي من المشاركة الدائمة في الانتخابات منذ الاحتلال؟ وما الذي حققوه بمشاركتهم؟ غير اعطائهم الشرعية المزيفة للقتلة واللصوص في الاستمرار بالقتل والحروب والإفقار.

كيف يمكن لمفوضية انتخابات مقسمة بحسب الطوائف والقوميات ولقضاء لم يحاسب ولا لص واحد او يحاكم قاتل او مليشياوي واحد ان يجري انتخابات قادرة على التغيير المطلوب؟ وكيف لجيش او شرطة متهمة بقتل واختطاف المنتفضين ان تؤمّن انتخابات من شأنها تغيير الوجوه الحالية؟

ان اكثر ما تسعى اليه القوى الرئيسية في النظام هو مشاركة قوى من الانتفاضة في الانتخابات المقبلة، فخير طريقة للسيطرة على هذه القوى هو جعلها تحت الوصاية، وحتى لو افترضنا جدلا ان بعضا من "قوى الانتفاضة "حصلت على مقاعد لا بأس بها داخل البرلمان، تبقى خاضعة لنفس القوانين والقواعد التي شكل على اساسها النظام، اذ يجب وحسب العرف المعمول به، منذ الاحتلال الانخراط في التقسيم الطائفي والقومي والمناطقي لكل عضو من اعضاء البرلمان، والعمل وفق اجندات هذه القوى ومصالحها ومصالح رعاتها الإقليميين والدوليين، والخضوع لشروط القوى المسلحة والمليشيات التي تمثل أجندات معينة.

ما حققته انتفاضة أكتوبر من هز لاركان النظام ودفن لمفاهيمه الطائفية والقومية والسعي لتغييره بشكل جذري، هو الذي يشكل البناء الأساسي الذي يجب الاستمرار فيه، من اجل انهاء هذا النظام الذي أذاق الجماهير مختلف صنوف الافقار والبطالة وانعدام للامن والخدمات ونهب للثروات، ولا خلاص الا بتقوية صفوف الجماهير وتنظيمها من أجل تقوية الانتفاضة والمضي بها الى الامام، ذلك هوبديل القوى الثورية داخل الانتفاضة .

ان مشروع الجماهير الذي دفعت من اجله الآلاف من الضحايا ليس هو المشاركة مع القتلة واللصوص في انتخاباتهم الشكلية، انما العمل من اجل التغيير الكلي لهذه المنظومة بشكل نهائي، عن طريق دعم الانتفاضة والحراك الجماهيري الثوري وان الميدان الرئيسي لحسم المعركة هوساحات التظاهر وليس قبة البرلمان .