أربعاء السقوط الكبير لترامب ، والترامبية ..


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 6784 - 2021 / 1 / 10 - 13:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ربما دخلت أحداث يوم الأربعاء السادس من يناير 2021 التاريخ الأمريكي كعلامة فارقة .
وربما سيذكر التاريخ أن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته (دونالد ترامب) قد ذهب بقدميه إلي حيث فشله وسقوطه الذريع أمس حين وقع في غلطة عمره بإطلاقه العنان لجماعة (براود بويز Proud Boys) اليمينية العنصرية المؤيدة له ، وذلك لقيادة عملية اقتحام الكونجرس .
وهذا ماأدي إلي انتفاض المؤسسة السياسية الأمريكية التقليدية بشقيها الديمقراطي والجمهوري في وجه ترامب دفاعاً عن النظام السياسي الأمريكي الذي تلقي صدمة كبري وعاش لحظة تهديد حقيقية علي أثر اقتحام مبني الكونجرس ، وإسالة الدماء بين جدران الكابيتول .
هذا الخطأ جرد ترامب من أهم مساعديه وحلفائه مثل نائب الرئيس مايك بينز الذي خذل رئيسه الذي خذلاناً مبيناً بعدم موافقته علي نداء ترامب العلني له بأن يقرر كرئيس لمجلس الشيوخ إلغاء نتائج التصويت ، ثم جاء تصميمه واصراره علي استكمال عملية التصديق علي نتائج الانتخابات بعد انتهاء عملية الاقتحام ليضع حداً لرهانات ترامب علي دوره في هذا اليوم ، وكذلك كان موقف مايك بمبيو وزير خارجيته الذي آدان الإقتحام ..
فضلاً عن هذا ماترتب عنه من مواقف لأعمدة ورموز المعسكر الجمهوري ووقوفهم ضد ترامب ، وإداناتهم التي تتوالي له بداية من جورج بوش الأبن إلي ميت رومني مروراً بميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ ..
عملية اقتحام الكونجرس التي لم يكن لدي ترامب أي حساب أو تقدير لعواقبها قد استنفرت النخب السياسية الأمريكية وكافة أعمدة الدولة الأمريكية بأجهزتها ومؤسساتها لمواجهة خطر الترامبية بطابعها الشعبوي الذي يشكل تهديداً حقيقياً للنخب السياسية الأمريكية المهيمنة .
، وهو مادفع أيضاً الكثير من انصار ترامب من السياسيين إلي القفز من سفينته المتجهة لامحالة إلي قاع ستواجه فيها المسائلات والمحاسبات السياسية والقضائية .
بل ودفع ذلك الترامبيين أنفسهم إلي التراجع بعيداً عن ترامب لانقاذ الترامبية داخل الحزب الجمهوري الذي ربما سيتجه لامحالة إلي محاولة تطهير صفوفه من الترامبية بعد أن قويت شوكة جناح اليمين الليبرالي التقليدي بقيادة ميت رومني بالإضافة إلي زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ ..
هذا ما وضع ترامب في عزلة سياسية اسقطت من يده جميع عناصر المبادرة والتحرك السياسي الفاعل ، فضلاً عن قطع جميع وسائل التواصل عنه أثناء وبعد عملية الإقتحام مباشرة ..
حتي هذه اللحظة ترامب لم يعد يملك من الأسلحة السياسية التي يمكن ان تمكنه من العودة إلي أرض معركة الإستمرار في السلطة ، وربما قد يواجه الإقالة أو تجمد عزلته الحالية حتي يوم انتهاء مدته الرئاسية رسمياً ..
ترامب -أيضاً - لم يعد لديه الكثير من الوقت أو يمتلك القبضة التي تمكنه من القيام بأية مغامرة عسكرية تبرر بقائه في السلطة وتفسد عملية تنصيب الرئيس الجديد ..
بغض النظر عن كل هذا سيكون يوم السادس من يناير 2021 يوماً فاصلاً في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ، وسيلقي بظلاله وتداعياته علي الحياة السياسية الأمريكية بشكل خاص ، وعلي المجتمع الأمريكي بشكل عام .

وغالب الظن أن ترامب - وإن بدا - وهو في الأمتار الأخيرة من سقوطه المدوي أنه يقف في مواجهة النخب والمؤسسات السياسية التقليدية الأمريكية .. إلا أن تموضعه الذي لم يكن في الحقيقة سوي عملية ابتزاز لهذه المؤسسات من قبل أكثر عناصرها يمينية ..
وأن ترامب المبتز كان يقود مغامرة تتسم بالعشوائية ، وأنه في سياق ذلك غامر بكل مايتعلق بوزنه السياسي ومسئوليته تجاه أكثر من سبعين مليون أمريكي صوتوا له ..
بالطبع ترامب ليس مناضلاً سياسياً ولاهو ثوري ، ولاعلاقة له بالعمل الثوري او تكتيكاته من بعيد أو قريب ليتحدث البعض عن أن تردده في الزحف علي الكونجرس كان سبباً هزيمته ، وأن انتصاره في هذه المغامرة كان سيعني بالضرورة سقوط الإمبريالية الأمريكية ..
ترامب الأكثر يمينية ، والذي يقترب كثيراً من العنصرية ومن الفاشية السياسية والمبتز البائس تصور أنه بعد أن حصل علي أصوات 70 مليون مواطن أمريكي عبر صناديق الديمقراطية الأمريكية فإن هذا يعني بالتبعية أنه يستطيع حشدهم بشكل فعلي في مواجهة المؤسسة السياسية الأمريكية التقليدية العتيقة ..
البائس دعا لحشد أنصاره يوم الأربعاء الدامي ، وبالرغم من ذلك لم يحضر سوي مايمكن تقديره علي نحو أقصي من التقدير ببضعة الالاف ..
شاهدنا جميعاً الحشد الذي كان يخطب فيه ساعتها ويدعوه إلي الزحف إلي مبني الكابيتول ، ورأينا إلي أي مدي أنه ليس بالحشد الضخم لشخص صوت له سبعون مليون أمريكي ..
لم يتلق هذا الترامب البائس تلك الإشارة كدليل علي أن هناك فارق كبير بين صندوق الإقتراع وبين الواقع البشري الحي ..
، لم يري هذا البائس ذو الخيال الجامح لدرجة المرض أن الملايين لم تأت إلي حشده الذي مولته حملته بسخاء ، ولم يقرأ دلالة ذلك في تلك اللحظة الشديدة الحرج والحساسية والتي تشترط حضور حد معقول من الذكاء السياسي لدي من يتصدي لإدارتها أو تزعمها ..
ركب الرجل البائس خياله المريض ودعا المحتشدين للزحف نحو الكونجرس ، فلم يزحف إلي هناك في الحقيقة سوي أعضاء جماعة البراود بويز (Proud Boys) وهي جماعة يمنية فاشية عنصرية تتلاقي مع افكار ترامب اليمينية العنصرية
وهم احتشدوا ضمن أنصاره أنصاره ومؤيدوه ، ولكنه لايستطيع السيطرة عليهم فهم في النهاية أعضاء لجماعة لها اهدافها ووسائلها وتكتيكاتها الخاصة ، وكونهم يرون أن ترامب أقرب إليهم سياسياً وأنه الشخص الذي يجسد الكثير من افكارهم العنصرية والفاشية إلا أن ذلك لايعني أنهم سيأتمرون بأمره وسيسلمون قيادهم له ..
لذا كان منطقياً تصور انطلاق هؤلاء نحو الأسقف الأكثر ارتفاعاً في تجاوزهم لحدود تكتيكات ترامب الذي كان يدعو لحصار الكونجرس أثناء انعقاد جلسة التصويت علي اعتماد نتيجة الانتخابات لمعاضدة مؤيديه وإرهاب مناهضيه من النواب والشيوخ ، ولكن أعضاء الجماعة قاموا باقتحام الكونجرس واسقطوا قتلي جرحي وقتلي داخله في مشهد صادم للحياة السياسية ونخبها الأمريكية بما في ذلك قادة الحزب الجمهوري وكل من كانوا يناصرون ترامب سياسياً ، وغالبية مساعديه وأعوانه ، ممااسقط في يد ترامب نفسه ووضعه في موضع الشلل وافتقاد القدرة علي فعل أي شئ ينقذه من الهزيمة الساحقة ومن السقوط المدوي ..
ترامب المهزوم البائس يواجه الآن سيناريوهات مريرة ..
أقلها مرارة
ربما الفقدان النهائي لمستقبله السياسي .

، حتي وإن افلتت الترامبية السياسية من العقاب والمحاكمة وبقيت كحقيقة سياسية داخل الحزب الجمهوري أو خارجه ..
فلربما كان من الأفضل لها بالنسبة لأشد المخلصين الترامبية أن تسير بغير ترامب .
، وألا ترتبط مشاريعها المستقبلية بوجود ترامب علي رأسها ..