وفاة الشخصية الوطنية والعلمية الأستاذ الدكتور راجح عبد الصاحب البدراوي


كاظم حبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6779 - 2021 / 1 / 5 - 14:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



على الساعة الحادية عشرة قبل ظهر يوم السبت المصادف 02/01/2021 توقف قلب صديقنا العزيز الأستاذ الدكتور راجح عبد الصاحب البدراوي بعد معاناة مديدة مع المرض وبعد عملية جراحية معقدة أجريت له في الفقرات انتهت به الى الشلل منذ عام2017، ثم اصيب بوباء كورونا اثناء وجوده في دار لكبار السن.
ولد الدكتور راجح البدراوي بتاريخ 17/11/1934 في مدينة بدرة التابعة لمحافظة واسط (لواء الكوت سابقاً)، وهو ابن الحاج عبد الصاحب البدراوي، الشخصية الوطنية والديمقراطية، التي شاركت في المؤتمر الوطني الأول لمجلس السلم العراقي الذي عقد ببغداد عام 1954 وتعرض للاعتقال أكثر من مرة بسبب نشاطه لصالح الديمقراطية والسلام العالمي.
أنهى راجح البدراوي دراسته الابتدائية في بدرة، وانتقل منها إلى بغداد وأكمل دراسته في اعدادية الزراعة. في عام 1957 غادر العراق للدراسة في ألمانيا. درس في كلية الزراعة فاينشتيفان في مدينة فرايزنگ التابعة لمقاطعة باير، وحاز فيها على شهادتي البكالوريوس والماجستير، ثم انتقل بعدها للدراسة في مدينة برلين الغربية وحاز على شهادة الدكتوراه في كلية الزراعة في علوم التربة والأسمدة الكيماوية عام 1964. في عام 1963 تزوج من السيدة ريناته كروگ وانجبت له ابناً هو الدكتور سنان البدراوي، الذي يعيش ويعمل منذ سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية.
عاد الدكتور راجح البدراوي في عام 1964 إلى العراق وتعين في مؤسسة البحث العلمي، رئيسا لأحد مراكزها الزراعية. في عام 1980 تعرض لضغوط شديدة من جانب رئيس مؤسسة البحث العلمي نزار نظيف الشاوي في محاولة يائسة لكسبه للعمل في صفوف حزب البعث. رفض ذلك محتجاً على نزار لمحاولته تلك وقال له تركت الحزب الشيوعي لا لأنتمي إلى حزب نجس، فحذره الشاوي وقال له إياك أن تكرر ذلك مرة أخرى وكانا منفردين. كان الدكتور راجح يحتفظ بعلاقة شخصية ودية طيبة مع رئيس المؤسسة، لاسيما وأن عمله في المؤسسة كان ناجحاً كما كان محبوبا من جميع العاملين معه في المؤسسة.
وحين اشتدت عليه الضغوط من أطراف أخرى، لاسيما جهاز الأمن في المؤسسة، شعر بمخاطر زيادة الضغط وربما الاعتقال أو أي إجراء أخر بسبب استمرار رفضه الاستجابة لمحاولة ضمه لحزب البعث، فقرر مغادرة العراق في إجازة صيفية عام 1981 ولم يعد. صدر قرار بفصله من وظيفته لأسباب سياسية.
حصل الدكتور راجح البدراوي في برلين الغربية على عمل لعدة سنوات في المعهد الذي تخرج منه. وبعد انتهاء مشروع البحث الذي عين من أجله وعمل عليه أنهي عقده. بعدها اضطر إلى العمل خارج نطاق اختصاصه العلمي، وكان مجبراً على ذلك لتأمين العيش الكريم له ولعائلته في برلين.
حين أُسقط النظام البعثي بحرب خارجية كان الدكتور راجح البدراوي ضمن العائدين، إذ توقع إمكانية العودة لعمله لخدمة وطنه في اختصاصه المهم، أو إحالته على التقاعد. ولكن رفضت وزارة التعليم العالي طلبه للعودة الى عمله السابق في مركز البحوث الزراعية، كما رفضت اللجنة الحكومية المكونة من اعضاء "شيعة طائفيين وفاسدين" بامتياز، وهي لجنة مشكلة على أساس المحاصصة الطائفية الشيعية-الشيعية فقط، طلب إحالته على التقاعد واعتبرته مفصولا وظيفيا لرفضه "العودة إلى الوطن!!!"، وليس فصلا سياسياً. هكذا كان نصيب جمهرة كبيرة من المفصولين السياسيين من شيوعيين ويساريين وديمقراطيين بسب عدم انتمائهم للأحزاب الشيعية الحاكمة والمهيمنة على لجنة النظر في طلبات المفصولين الراغبين في العودة إلى وظائفهم، أو الاحالة على التقاعد. ومن المعروف أن هذه اللجنة كانت ومازالت مرتبطة بمجلس الوزراء في النظام الطائفي المحاصصي الفاسد.
لقد حُرم الدكتور راجح البدراوي من العمل لوخدمة الوطن من خلال اختصاصه، كما حُرم من حقه في التقاعد وحصوله على راتبه التقاعدي بذريعة كيدية هي مغادرته العراق بإجازة رسمية ولم يعد بعدها للعراق وللوظيفة التي كان يشغلها!
لم تول هذه اللجنة الطائفية "الشيعية" الفاسدة أي اهتمام للكتب التي صدرت من جهات ديمقراطية عديدة تشير إلى أن الدكتور راجح البدراوي كان سياسيا مناهضا للنظام ورفض الانخراط بصفوف البعث وفصل لهذا السبب من جانب نظام البعث الفاشي. كما أشير إلى أنه كان من معارضي نظام حزب البعث في العراق بعد عام 1963 ومن المشاركين في التظاهرات التي حصلت ضد الانقلاب الفاشي واعتقاله مع آخرين أمام السفارة العراقية في مدينة بون الألمانية بسبب احتجاج جمهرة كبيرة من العراقيات والعراقيين أمام مدخل السفارة العراقية في بون، عاصمة المانيا الاتحادية حينذاك، اولاً، ورفضه الانتماء لحزب البعث رغم الضغوط التي مورست ضده ثانياً، ومشاركته في اجتماعات ديمقراطية مناهضة لحزب وحكم البعث في الخارج بعد مغادرته العراق منذ العام 1981 ثالثا. وبالتالي حُرم طيلة السنوات المنصرمة حتى وفاته من حقوقه التقاعدية التي يستحقها قانوناً.
لقد فقدنا نحن الموقعين أدناه، وفقدت جمهرة كبيرة من أصدقاء ومعارف الدكتور راجح البدراوي، صديقاً وفياً وإنساناً نبيلاً حلو المعشر، وديمقراطياً تقدمياً وعلمانيا أمينا لأفكاره والمبادئ التي تشبع بها من خلال والده والحركة الديمقراطية العراقية التي اقتنع بها وعمل من أجلها سنوات طويلة ضمن اتحاد الطلبة العام وجمعية العراقيين في المانيا الاتحادية وبرلين الغربية، وكذلك في تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي في المانيا الاتحادية منذ وصوله إلى ألمانيا منذ عام 1957 حتى مغادرته لها عام 1965. ترك النشاط السياسي منذ عودته إلى العراق، ولكنه لم يتخل عن المبادئ الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة ورفاقه القدامى واصدقاءه التقدميين واليساريين.
سؤل الدكتور راجح مرة: كيف حالك ومزاجك يا راجح؟ فأجاب بألم دفين: كيف تريد أن يكون حالي ومزاجي وأنا أعيش طيلة السنوات المنصرمة بعيداً عن الأهل والوطن، الم تسمع بالقول الصادق والمُعبّر: "الوطن أم، والغربة مرة الأب!
العزاء الحار والمواساة القلبية لزوجته ريناته البدراوي وابنه الدكتور سنان وحفيدتيه ولأخوته في العراق ولأولاد شقيقه الفقيد علوان وشقيقه قصي وشقيقته بدرية، العزاء لأصدقاء ومحبي ومعارف العزيز الفقيد الدكتور راجح البدراوي.
أصدقاء الفقيد
الدكتور غالب العاني الدكتور صباح تقي الدكتور كاظم حبيب
برلين في 02/01/2021