رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (86) القانون العام للتراكم الرأسمالي


كارل ماركس
الحوار المتمدن - العدد: 6771 - 2020 / 12 / 26 - 11:30
المحور: الارشيف الماركسي     


4) الأشكال المختلفة لوجود فيض السكان النسبي. القانون العام للتراكم الرأسمالي

إن فيض السكان النسبي يظهر بكل الظلال الممكنة. فهو يضم كل عامل يمر بفترة استخدام جزئي، أو بطالة تامة. وإذا اسقطنا من الاعتبار الأشكال الكبرى المتكررة دورياً والتي يضفيها تغيير أطوار الدورة الصناعية الكبرى – يأخذ فيض السكان شكلا حاداً خلال الأزمة، ثم شكلا مزمناً خلال أوقات الكساد، – فإن لفيض السكان النسبي دوماً ثلاثة أشكال هي: الجاري، المستر والراكد.

ففي مراكز الصناعة الحديثة – المصانع، المانيفاکتورات، مصانع الحديد والصلب، المناجم، إلخ – نبذ العمال تارة، ويجذبون تارة أخرى، بأعداد متعاظمة، فيزداد عدد العاملين بوجه عام، رغم أن نسبة هذه الزيادة تتضاءل قياسا إلى نطاق الإنتاج. هنا يظهر فيض السكان في الشكل الجاري.

وفي المصانع بمعناها الدقيق، كما هو الحال في جميع الورش الكبيرة، حيث تدخل الآلة كعنصر في الإنتاج، أو حيث يوجد على الأقل، تقسيم حديث للعمل، ستخدم أعداد كبيرة من الأحداث اليافعين قبل بلوغ سن الرشد. وعند بلوغ هذا الحد، فإن عددا قليلا تماما من هؤلاء يجد العمل في الفروع الصناعية نفسها، بينما تسرح الغالبية بانتظام. ويؤلف هؤلاء عنصرا من فيض السكان الجاري، بنمو باتساع نطاق الصناعة. ويهاجر قسم من هؤلاء، مقتفياً أثر رأس المال في هجرته ليس إلا. ومن عواقب ذلك نمو أعداد الإناث بسرعة أكبر من الذكور، والشاهد على ذلك إنكلترا. إن كون التزايد الطبيعي في عدد العمال لا يلبي حاجات التراكم الرأسمالي، وكون هذا العدد في الوقت نفسه فائضاً عن هذه الحاجات، إنما هو تناقض حركة رأس المال نفسها. فرأس المال يحتاج إلى كتل کبری من الأعمار اليافعة، وكتلة أصغر من الكبار. وليس هذا التناقض أصرخ من ذلك التناقض الآخر المتمثل بالشكوى من شح الأيدي العاملة، بينما توجد في الوقت ذاته آلاف عديدة ملقاة على الأرصفة، بسبب أن تقسيم العمل يقيدهم بفرع معين من الإنتاج(1). زد على ذلك أن استهلاك رأس المال لقوة العمل هو من السرعة بحيث أن حياة العامل تهتلك، بهذا القدر أو ذاك، في منتصف العمر. فيسقط في صفوف الفائضين عن الحاجة، أو يتدهور من مرتبة أعلى إلى مرتبة أدني في السلم. وإن أقصر آماد الحياة إنما نجدها، على وجه الدقة، بين عمال الصناعة الكبری.

“أشار الدكتور لي Lee مفتش الصحة في مانشستر إلى أن متوسط الأعمار في مانشستر هو 38 عاما عند الطبقة الموسرة، أما متوسط الأعمار عند الطبقة العاملة فهو 17 عاما فقط؛ وفي ليفربول كان الرقمان 35 عاماً مقابل 15 عاماً. يتضح من ذلك أن للطبقات الموسرة فرص عیش (had a lease of life) تزید عن ضعف فرص المواطنين الأقل حظاً” (2).
وفي ظل هذه الأوضاع، ينبغي للزيادة المطلقة في هذا القطاع من البروليتاريا أن تجري بصورة تنمي أعدادها، على الرغم من اهتلاك عناصرها سريعاً. من هنا منبع التعاقب السريع لأجيال العمال. (ولا يصح هذا القانون على الطبقات الأخرى من السكان). وتُلبّى هذه الحاجة الاجتماعية بالزيجات المبكرة، وهي عاقبة محتومة لظروف عيش عمال الصناعة الكبرى، كما تُلبّى بإنجاب الأطفال طلبا للعلاوة المغرية التي يدرها استغلالهم.
وما إن يستولي الإنتاج الرأسمالي على الزراعة، أو بقدر ما يجري هذا الاستيلاء، حتى يهبط الطلب على العمال الزراعيين هبوطاً مطلقاً مع تقدم تراكم رأس المال المستخدم في الزراعة، من دون أن يتعرض هذا الطرد للعمال، كما هو الحال في الصناعات غير الزراعية، بجذب اعداد أكبر منهم. لذا فإن جزءا من السكان الزراعيين يكون، باستمرار، على حافة التحول إلى بروليتاريا في المدن أو بروليتاريا مانيفاکتورية، وينتظر ظروفا مواتية لهذا التحول. (نستخدم تعبير المانيفاکتورة هنا قاصدين كل الصناعات غير الزراعية)(3). إن معين فيض السكان النسبي هذا يتدفق باستمرار. بيد أن تدفقه الدائم إلى المدن يفترض سلفا أنه يوجد في الريف نفسه فیض سكاني مستتر دائم، لا يظهر مداه بجلاء إلا عندما تنفتح قنوات التصريف على نحو استثنائي. وعليه يتلقی العامل الزراعي أدنى الأجور، ويقف دوماً وإحدى قدميه في لُجّة الفاقة.

أما الصنف الثالث من فيض السكان النسبي، وهو فيض السكان الراكد، فيؤلف جزءا من جیش العمل قيد الخدمة، ولكن استخدامه متقطع إلى أقصى حد. من هنا، فإنه يتيح لرأس المال مستودعاً لا ينضب من قوة العمل المتاحة رهن التصرف. إن عيش هذه الفئة، هو دون المستوى العادي الوسطي لعيش الطبقة العاملة، وهذا بالذات ما يجعلها قاعدة عريضة لفروع الاستغلال الخاص من جانب رأس المال. وهي تتميز باشتغال الحد الأقصى من وقت العمل، وبتلقي الحد الأدنى من الأجور. ولقد عرفنا من هذه الفئة شكلها الرئيسي مندرجة تحت عنوان «العمل المنزلي». وينضوي في هذه الفئة باستمرار الفائضون عن حاجة الصناعة الكبرى والزراعة، وبخاصة تلك الفروع التي يصيبها الخراب بفعل هزيمة الحرفة اليدوية أمام المانيفاکتورة، والمانيفاکتورة أمام الإنتاج الآلي. وهي توسع الصفوف، بمدى اتساع التراكم وطاقته، فتخلق فيضأ سكانياً إضافياً. إلا أنها تؤلف في الوقت نفسه عنصر يجدد إنتاج نفسه ويخلد نفسه ذاتياً، من عناصر الطبقة العاملة، ويحتل مكانة أعظم نسبياً من مكانة العناصر الأخرى في الزيادة العامة التي تطرأ على هذه الطبقة. والواقع ليس فقط عدد الولادات والوفيات، بل الحجم المطلق للأسر أيضا يقف في تناسب عكسي مع ارتفاع الأجور، وبالتالي مع كتلة وسائل العيش التي تحصل عليها شتى فئات العمال. وقد يبدو قانون المجتمع الرأسمالي هذا هراء بنظر المتوحشين، بل حتى بنظر المستوطنين المتمدنين. فهو يعيد إلى الذهن التكاثر اللامحدود لأصناف الحيوانات، الضعيفة فرادی، والتي تطارد دوما كي تُقنص(4).

وأخيرا فإن أدنى فئات فيض السكان النسبي، تقطن في دائرة الفاقة. وعدا عن المتشردين، والمجرمين، والبغايا، وباختصار عدا عن حثالة البروليتاريا، بالمعنى الدقيق للتعبير، فإن هذه الفئة الاجتماعية تتألف من ثلاثة أصناف. أولا – القادرون على العمل. وتكفي المرء مجرد نظرة سطحية إلى إحصائيات الفقر في إنكلترا ليكتشف أن عدد الفقراء يزداد في كل أزمة، ويتقلص مع كل انتعاش في الأعمال. ثانياً – الأيتام وأبناء الفقراء. وهؤلاء مرشحون للجيش الصناعي الاحتياطي، وهم يدخلون، بسرعة وبأعداد غفيرة، إلى الخدمة الفعلية في جیش العاملين في أوقات الازدهار العظيم في الصناعة، كما حصل في عام 1860. ثالثا – الضعيف، والرث والعاجز عن العمل. وهم أساسا أفراد يهلكون نتيجة لضعف حركتهم، بسبب تقسيم العمل، وأولئك الذين تجاوزوا السن العادية للعامل، ثم، أخيراً، ضحايا الصناعة، الذين يتنامى عددهم بتزايد الآلات الخطرة، والمناجم والمصانع الكيميائية، إلخ، ومن المعوقين والمرضى، والأرامل، إلخ. إن الفاقة هي دار العجزة لجيش العمال الفعلي، والوزن الميت في الجيش الصناعي الاحتياطي. وإنتاج فيض السكان النسبي ينطوي ضمنا على إنتاج الفاقة، وضرورتها تنبع من ضرورته؛ وتشكل الفاقة، يدا بيد مع فيض السكان، شرطا لوجود الإنتاج الرأسمالي، ولنمو الثروة. وهي تدخل في باب المصاريف غير المثمرة (faux frais) للإنتاج الرأسمالي، لكن رأس المال يعرف كيف يتدبر إزاحة القسم الأكبر من هذه النفقات عن كاهله، وإلقاء العبء على الطبقة العاملة والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى (Kleinen Mittelklasse).
وكلما تعاظمت الثروة الاجتماعية، ورأس المال الناشط، وتعاظم نطاقه وطاقته على النمو، وتعاظم بالتالي المقدار المطلق للبروليتاريا والقدرة الإنتاجية لعملها، تعاظم جيش الصناعة الاحتياطي. إن الأسباب نفسها التي تنمي القدرة التوسعية لرأس المال، إنما توسع قوة العمل المتاحة رهن التصرف. وبالتالي فإن الحجم النسبي للجيش الصناعي الاحتياطي يزداد بازدياد الطاقة الكامنة للثروة. ولكن، كلما كان هذا الجيش الاحتياطي أكبر بالمقارنة مع جيش العمال الفعلي، تعاظم فيض السكان الدائم الذي يتناسب بؤسه تناسب عكسيا مع عذابات عمل جيش العمال الفعلي. وأخيراً كلما اتسعت الفئات المعدمة من الطبقة العاملة، واتسع الجيش الصناعي الاحتياطي، تعاظمت الفاقة الرسمية.

وهذا هو القانون العام المطلق للتراكم الرأسمالي. وهو ينعدل، شأن كل القوانين الأخرى، بفعل ظروف عديدة، لا يعنينا أمر تحليلها هنا.

وتتجلى الآن حماقة الحكمة الاقتصادية التي تعظ العمال بتكييف عددهم وفقا لحاجات إنماء القيمة. فآلية الإنتاج والتراكم الرأسماليين ذاتها تحقق دوما هذا التكيف لحاجات إنماء القيمة هذا. والشعار الأول لهذا التكيف هو خلق فیض سكان نسبي، أي جيش صناعي احتياطي. وشعاره الأخير هو نشر البؤس وسط فئات متنامية أبدأ من جيش العمال الفعلي، والوزن الميت للفاقة.

إن القانون الذي يقضي بإمكان تشغيل كتلة متزايدة باستمرار من وسائل الإنتاج، بفضل تقدم إنتاجية العمل الاجتماعي، وبإنفاق قدر من القوة البشرية متضائل باطراد، إن هذا القانون إذ يسري مفعوله على أساس رأسمالي – حيث لا يستخدم العامل وسائل الإنتاج، بل حيث وسائل الإنتاج تستخدم العامل – إنما ينقلب انقلاباً تاماً ويتجلى بالصورة التالية: كلما تزايدت قدرة إنتاجية العمل وتعاظم ضغط العمال على وسائل استخدامهم، اشتدت زعزعة الشرط الضروري لوجودهم، ونعني به بيع قوة عملهم الخاصة لأجل زيادة ثروة غريبة عنهم، أي لأجل النمو الذاتي لقيمة رأس المال. الواقع، إن وسائل الإنتاج، وإنتاجية العمل، تتزايد بسرعة أكبر من تزايد السكان المنتجين، وينعكس هذا الواقع، رأسمالية، بشكل مقلوب، وهو أن نمو السكان العاملين أسرع دومة من حاجة نمو قيمة رأس المال.

عند تحليل إنتاج فائض القيمة النسبي في الجزء الرابع من هذا الكتاب، رأينا ما يلي: إن جميع طرائق رفع قدرة الإنتاجية الاجتماعية للعمل تتحقق، في النظام الرأسمالي، على حساب العامل الفرد؛ وإن جميع وسائل تطوير الإنتاج تتحول إلى وسائل للهيمنة على المنتجين واستغلالهم، وهي تشوه العامل وتحيله إلى كسرة من حطام إنسان، وتنزل به إلى درك ملحق تابع للآلة، وتدمر المضمون الإيجابي لعمله بما تضفي عليه من عذاب، وتستلب منه الطاقات الذهنية الكامنة في عملية العمل، وذلك بقدر ما يدخل العلم في هذه العملية كقوة مستقلة؛ إنها تجعل شروط عمله فظيعة، وتملي عليه، أثناء عملية العمل، استبداداً وضيعاً، ممقوتاً؛ وتحول أيام حياته كافة إلى وقت عمل، وتقذف امرأته وأطفاله تحت عجلات جاغرنات(*) رأس المال. بيد أن جميع طرائق إنتاج فائض القيمة هي في الوقت عينه طرائق لتحقيق التراكم؛ وكل اتساع في التراكم يصبح، بالمقابل، وسيلة لتطوير هذه الطرائق. يترتب على ذلك أن حال العامل لا بد من أن تزداد سوءا، كلما تقدم تراكم رأس المال، سواء كان مستوى الأجور مرتفعاً أو منخفضاً. وأخيرا فإن القانون الذي يوازن، دوما، فيض السكان النسبي، أو الجيش الصناعي الاحتياطي، مع أبعاد وشدة التراكم، إن هذا القانون يقيد العامل برأس المال أشد من تقييد مطرقة هيفايستوس لبروميثيوس(**) إلى الصخرة. فهو يملي تراكم البؤس، بموازاة تراكم رأس المال. وإن تراكم الثروة في هذا القطب، هو في الوقت عينه تراکم للبؤس وعذابات العمل والعبودية والجهل، والقسوة والانحطاط الخلقي، في القطب المعاكس، أي في قطب الطبقة التي تصنع منتوج يدها هي في شكل رأسمال.

ويفصح الاقتصاديون عن هذا الطابع التناحري للتراكم الرأسمالي (5)، بصيغ شتی، رغم أنهم يخلطونه بظواهر أخرى، وإن كانت متناظرة في بعض النواحي، إلا أنها، مع ذلك، تختلف جوهرياً، وتنتمي إلى أنماط إنتاج ما قبل رأسمالية.

فراهب البندقية أورتيس، وهو واحد من كبار الكتاب الاقتصاديين في القرن الثامن عشر، يرى في تناحر الإنتاج الرأسمالي قانونا طبيعية عامة للثروة الاجتماعية

“إن الحسنات والمساوئ في اقتصاد أمة من الأمم، تتوازن دائما، فوفرة النعم عند البعض، مساوية دومة لفقدانها عند البعض الآخر، ووجود الثروات العظمى عند القلة، مصحوب دومة بحرمان مطلق لأولى ضروريات العيش عند الكثرة. إن ثروة أمة من الأمم تطابق سكانها، وبؤسها يطابق ثروتها. والمثابرة عند البعض تفرض الخمول عند الغير. إن الفقراء والخاملين هم عاقبة محتومة للأثرياء والنشطاء” إلخ(6).
وبعد حوالي عشر سنوات من ذلك جاء كاهن الكنيسة العليا البروتستانتية تاونزند، ليمجد البؤس بأسلوب وحشي تماما، ويصفه بأنه الشرط الضروري للثروة.

“إن الإكراه القانوني على العمل يقترن بالكثير من المتاعب والعنف، والصخب. أما الجوع، فليس فقط ضغطاً هادئاً، صامتاً، لا ينقطع، بل إنه يستثير بذل أعظم الجهود، بوصفه أكبر دافع طبيعي على المثابرة والعمل”.
وهكذا، فكل شيء رهن بإدامة جوع الطبقة العاملة، وهذه الإدامة، براي تاونزند، يضطلع بها مبدأ السكان، الذي يسري بصفة خاصة بين الفقراء.

“ويبدو أنه قانون من قوانين الطبيعة أن يكون الفقراء طائشين (improvident) إلى حد معين (أي طائشين إلى حد أن يولدوا بدون ملعقة فضية في أفواههم) لكي يكون هناك دوما أناس يؤدون أحقر وظائف الجماعة وأكثرها وضاعة وقذارة. وبهذا ينمو رصيد السعادة البشرية (happiness كثيرة، في حين أن الناس الأرق حاشية the more)، لا يتحررون من الأعمال الشاقة فحسب، بل تترك لهم حرية الانصراف من دون منغص، إلى مشاغلهم السامية، إلخ. إنه [قانون الفقراء] ينزع إلى تدمير الانسجام والجمال، تدمير التناسق والانتظام، في ذلك النظام الذي انشأه الله والطبيعة في العالم” (7).
وإذا كان راهب البندقية قد وجد في القدر المهلك الذي يخلد البؤس، مبرراً لوجود الإحسان المسيحي، وعزوبية الكهنة، والأديرة، والمؤسسات الخيرية، فإن الكاهن البروتستانتي الذي يعيش على راتب الكنيسة، يجد في ذلك، على العكس، ذريعة لشجب القوانين التي ينال الفقراء، بفضلها، الحق في إعانة رسمية بائسة.

ويقول شتورخ: «إن تقدم الثروة الاجتماعية ينجب هذه الطبقة النافعة للمجتمع… التي تؤدي أشق الأعمال وأكثرها حقارة وإثارة للقرف، وبكلمة، طبقة تأخذ على عاتقها كل ما في الحياة من اذلال ومهانة، وتمنح بذلك الطبقات الأخرى، وقت الفراغ، وراحة البال، وسمو الطباع التقليدي، دوما إلى ذلك»(8).

ثم يتساءل شتورخ فيم إذن تكمن أفضلية هذه الحضارة الرأسمالية، بما تحمله للجماهير من بؤس وانحطاط، بالقياس إلى البربرية، فلا يجد غير كلمة واحدة جوابا: في الأمان!

ويقول سیسموندي «بفضل تقدم الصناعة والعلم، يستطيع كل عامل أن ينتج كل يوم أكثر بكثير مما تقتضيه حاجته إلى الاستهلاك. ولكن بينما يقوم هذا العامل بإنتاج الثروة، فإن هذه الثروة ستجعله أقل صلاحاً للعمل فيما لو قيض له أن يستهلكها هو بنفسه». وحسب رأيه فإن الناس (الذين لا يعملون) «قد يفضلون الاستغناء عن الكمال الفني، والمتع التي تمنحنا إياها الصناعات، إذا اقتضى أن يشتريها الجميع بأداء عمل مضن متواصل كالذي يؤديه العامل… إن جهد العمل في أيامنا منفصل عن مكافأته، فالإنسان الذي يعمل أولا، ليس هو الذي يرتاح ثانية، بل، على عكس ذلك، فلأن هذا الواحد يعمل، ينعم الآخرون بالراحة… إن الازدياد المتواصل لإنتاجية العمل لا نتيجة له سوى زيادة ترف ومتع الأغنياء الخاملين(9)». أخيراً، فإن دیستوت دو تراسي، العقائدي البورجوازي بارد الدم، يفصح بقسوة:

“في الأمم الفقيرة، يعيش الناس في رغد، أما في الأمم الغنية، فهم، عادة، فقراء”(10).

_____________

(1) بينما كان ثمة 80 – 90 ألف عامل قد صرفوا من العمل في لندن خلال النصف الثاني من عام 1866، كان تقرير المصانع للفترة نفسها يقول: «لا يبدو أن من الصائب تماما القول بأن الطلب يولد العرض في كل مكان، على الدوام، حينما تدعو الحاجة، ولم يحدث ذلك بالنسبة إلى العمل، فالكثير من الآلات ظل ساكنة في السنة الماضية بسبب قلة اليد العاملة». (تقارير مفتشي المصانع، 31 تشرين الأول/ أكتوبر، 1866، ص 81).
(2) خطاب الافتتاح في المؤتمر الصحي، برمنغهام، 15 كانون الثاني / يناير 1875، الذي ألقاه ج. تشامبرلين رئيس بلدية المدينة يومذاك [وهو يشغل الآن – 1883 – منصب وزير التجارة] [كما هو واضح من التاريخ، فهذه إضافة من إنجلز. ن. ع].
(3) تشير الإحصاءات الرسمية للسكان في إنكلترا وويلز لعام 1861 إلى أن هناك 7810 مدينة يقطنها 10 ملايين و960 ألفا و998 شخصا، بينما كانت القرى والأبرشيات الريفية تضم 9 ملايين و105 آلاف و220 شخصا. وجرى تصنيف 580 مدينة في عام 1851، فاتضح أن نفوسها تضارع نفوس الأرياف المجاورة تقريبا. ولكن خلال السنوات العشر اللاحقة ازداد سكان القرى والأرياف بمقدار نصف مليون فقط، أما سكان المدن ال 580 فقد ازدادوا بمقدار 1,554,067. وكانت نسبة الزيادة السكانية في أبرشيات الريف 6,5، ونسبتها في المدن 17,3. ويعزى الفرق في معدل الزيادة إلى النزوح من الريف إلى المدينة. إن ثلاثة أرباع الزيادة الكلية في السكان قد تحققت في المدن، (إحصائيات السكان، إلخ. 12-11)
(4) یبدو الفقر موائماً للتكاثر، (آدم سميث) لثروة الأمم، الجزء الأول – الفصل الثامن، طبعة 1835، ص 195 – ن. برلين. بل إن هذا تدبير الرب الحكيم، حسبما يقول الراهب، الشهم، الفطن، غالياني: “فالرب جعل الناس الذين يزاولون أنفع المهن، حسب هذا التدبير، يتوالدون بوفرة” (Galiani، المرجع المذكور، ص 78). إن البؤس الذي يبلغ ذروة المجاعة والأوبئة، ينزع إلى زيادة عدد السكان عوضا عن كبحها. (ص. لينج، البؤس القومي – ص 69) وبعد أن يوضح لينج ذلك بالاحصاءات، يمضي إلى القول:
(“If the people were all in easy circumstances, the world would soon be depopulated.”)
“لو كان الناس جميعا يعيشون عيشة مريحة، لخلا العالم من السكان عاجلا”.
(*) جاغرنات: تجسيد للإله فيشنو، الذي يلقي الهندوس أنفسهم تحت عجلاته. [ن. برلین].
(**) بروميثيوس: في الميثولوجيا الإغريقية: سارق النار من الآلهة، حكم عليه بربطه إلى صخرة لتنهش الصقور من لحمه. [ن.ع].
(5) “يوما بعد يوم، يزداد وضوحا أن علاقات الإنتاج التي تتحرك البورجوازية في إطارها، لا تتسم بطابع واحد وبسيط، بل هي ذات طابع مزدوج، فالعلاقات نفسها التي تنتج الثروة في ظلها ينتج فيها البؤس أيضا، وفي ظل العلاقات ذاتها التي تتطور فيها القوى المنتجة، تتطور كذلك قوة القمع؛ فهذه العلاقات لا تنتج الثروة البورجوازية، أي ثروة الطبقة البورجوازية، إلا عبر القضاء المستمر على ثروة أعضاء أفراد في هذه الطبقة، وعبر إنتاج بروليتاريا متنامية أبدا”. (کارل مارکس، بؤس الفلسفة، ص 116).
(6) ج. أورتيس، الاقتصاد الوطني، في طبعة كوستودي، القسم الحدیث، ويقول اورتيس في الكتاب المذكور نفسه على الصفحة 32 ما يلي: “عوضا عن ابتكار أنظمة لا فائدة منها لسعادة الشعوب سأقصر بحثي على دراسة أسباب تعاستها”.
(7) أطروحة حول قوانین الفقراء، تأليف محب للبشرية، 1786 (القس السيد ج. تاونزند) أعيد نشرها في لندن 1817، ص 15، 39، 41.
هذا الكاهن الرقيق، الذي يقتبس مالتوس صفحات كاملة في الغالب من كتابه المذكور تواً، وكذلك من “رحلة في أرجاء إسبانيا”، إنما يستعير، هو نفسه، القسم الأعظم من عقيدته من السير جيمس ستیوارت، ولكنه يحرف النص أثناء الاستعارة. فمثلا حين يقول ستيوارت: “لقد كانت العبودية، هنا، طريقة قسرية لحمل البشرية على العمل بدأب، لمصلحة الذين لا يعملون) كان الناس إذن مرغمين على العمل (مجانا لأجل الآخرين) لأنهم كانوا عبيداً للآخرين، أما الآن فالناس يرغمون على العمل (مجانا لأجل الذين لا يعملون) لأنهم عبيد لحاجاتهم الضرورية، فإنه لا يستنتج من ذلك، على غرار ما يفعل الكاهن الذي يسمن على الدخل الكنسي، أن على العامل المأجور، أن يظل صامتاً، بل يتمنى، على العكس، أن يزيد حاجاتهم، وأن يجعل هذه الزيادة في الحاجات محفزة للعمل من أجل “الناس الأرق حاشية”.(ج. ستيورات، بحث في مبادئ الاقتصاد السياسي، ج1، دبلن، 1770، ص 39، 40). [ن. برلین].
(8) شتورخ، المرجع المذكور، الكتاب الثالث، بطرسبورغ، 1815، المجلد III، ص 223).
(Storch, L.c., Éd. Pétersbourg, T. III, 1815,], p. 223).
(9) سیسموندي، المرجع المذكور، المجلد 1، ص 79-80-85.
(Sismondi, L.c., T. I, p. 79-80-85).
(10) دیستوت دو تراسي المرجع المذكور، ص 231.