متى تقال حقيقة تطرف الإخوان كاملة للفرنسيين


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 6753 - 2020 / 12 / 6 - 00:54
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

يبدو أن المسؤولين الفرنسيين قد بدأوا ينظرون إلى ظاهرة التطرف الإسلامي التي تضرب بلدهم بأعين نصف مفتوحة بعدما بلغ السيل الزبى كما يبين تقرير برلماني مثير للتساؤل، صدر أخيرا مشيرا إلى الخطر الإسلاموي المتغلغل في قلب المؤسسات الفرنسية عن طريق موظفين متشددين يعملون في مختلف المرافق العمومية.

لقد تسلّل الإخوان والسلفيون إلى السجون والشرطة والجيش والتربية الوطنية والجامعة والنوادي الرياضية ومترو الأنفاق والسكك الحديدية والنقل الحضري ومطارات باريس وشركات الحراسة والمستشفيات والحماية المدنية وغيرها من المصالح والقطاعات الهامة حسب التقرير البرلماني الذي جاء تحت عنوان “الخدمات العمومية في مواجهة التطرف”.

تشدّد وإن اعتبره عضوا البرلمان مارتل إريك بويا وإيريك ديار مُعدا الوثيقة ظاهرة متعددة الأوجه ينبغي التحلي باليقظة حيالها، والبداية تكون بفحص دقيق لملف كل من يريد الالتحاق ببعض المهن الحساسة تجنبا لأيّ انزلاق إرهابي، فإنهما لا يعتبران الأمر مثيرا للرعب.

من جهة أخرى حذّر الكاتبان من السقوط في الخلط بين التطرف الديني والممارسات المتزمتة للشعائر الدينية أو الأصولية. كما حاولا إقناع الفرنسيين بموضوعية عملهما إذ يقول مارتل إريك بويا أحد الكاتبين والنائب من حزب الرئيس ماكرون إنه لا ينبغي أن نكون في حالة إنكار أو في حالة من الذعر تجاه التطرف الإسلاموي المتفشي في المؤسسات العمومية.

ولئن يبقى التطرف حسبهما هامشيا في الجيش (0.05 بالمئة) والقوات البحرية (0.03 بالمئة) والشرطة (30 حالة) والدرك الوطني (30 حالة)، وبنسب ضعيفة أيضا في التربية الوطنية والعدالة، فإنهما يبديان على العكس انشغالا قلقا في ما يتعلق بالشرطة البلدية وشركات الحراسة الخاصة والتي لا تخضع لمراقبة صارمة في حين أن عناصر هذه الهيئات تقوم بمهمات أمنية وتكون في بعض الأحيان مسلحة.

ولكن المحققين يدقان ناقوس الخطر عندما يتحدثان عن “مناطق ظل” في ميادين الصحة والنقل والسجون والرياضة والجامعات التي تبقى تعاني من نقص في الوقاية والكشف عن الأفراد المتطرفين وحتى عدم الوعي بالخطر الإسلاموي.

أما عن التطرف الإسلامي في إطار الممارسة الرياضية فهو يتخذ أشكالا عديدة؛ قد يبدأ من الصلاة الجماعية في غرف تغيير الملابس، بل حتى أثناء المنافسات، إلى الأكل الحلال دون سواه. ومنهم بعض الأفراد يرفضون الانحناء الرياضي التقليدي أمام منافسيهم في رياضة المصارعة والملاكمة وغيرهما بحجة أن السجود لا يكون إلا لله.

وهناك نواد رياضية تطلب من الراغبين في الانضمام إليها عند التسجيل أن يقبلوا تأدية الصلاة في غرف تغيير الملابس. لقد تحولت الرياضة التي من المفروض أن تكون عاملا مهما من عوامل الاندماج إلى عمل ممنهج ضد الاندماج حسب التقرير. وفي مدينة ليون جمعية تقترح حصصا رياضية لمرتديات الحجاب فقط.

يشير التقرير إلى وجود 500 من المتطرفين في السجون بتهمة الإرهاب و1100 من مساجين الحق العام تم الإبلاغ عنهم على أنهم في طريق التطرف، وتمس الظاهرة حتى النساء السجينات والحراس بحكم الاحتكاك بالمتطرفين المسجونين إلا أن عدد الحراس يبقى ضئيلا إذ من بين 41000 لا نعثر سوى على 10 يخضعون للرقابة.

كما يكشف التقرير عن وجود 84 شخصا مراقبا من بين 80000 من حاملي بطاقة الدخول إلى المناطق الحساسة في مطار رواسي شارل ديغول بباريس و15 في مطار أورلي. علاوة على 29 منهم خاضعين لمتابعة دقيقة.

أما عن الإدارة المستقلة للنقل الباريسي المشرفة على ميترو الأنفاق والحافلات، فالتأسلم بها بات حديث العام والخاص بسبب المشاكل التي يثيرها الملتحون خاصة مع زميلاتهم في العمل. والجميع يتذكر أن سامي عميمور، أحد أعضاء الجماعة الإرهابية التي ارتكبت مجزرة قاعة الباتكلان في 13 نوفمبر 2015 بباريس كان سائق حافلة في الشركة المذكورة. في الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية وتجنبا لمشاكل تجارية والدعاية السلبية، يحاول المسؤولون التستر عن ظاهرة التطرف المنتشرة بين العمال كما هو الحال في شركة الخطوط الجوية الفرنسية.

وفي ميدان التربية والتعليم، يلاحظ الكاتبان أن التطرف يبقى ظاهرة غير مفهومة جيدا في الجامعة بسبب غياب المعطيات الضرورية بينما تمت مقاربة الظاهرة بشكل أفضل في مدارس التعليم الابتدائي والثانوي. ولم يعد المعلمون والأساتذة يترددون في إبلاغ مصالح الدولة عن التلاميذ الذين تظهر عليهم علامات التطرف الديني.

في 2015 تم الإبلاغ عن 900 تلميذ قاصر و580 في 2016 و370 سنة 2017. أما المعلمون والأساتذة فلا يمسهم التشدد إلا بشكل طفيف وخاصة الوقتيين منهم. ولكن ما هو أخطر يوجد بالمدارس والمراكز الدينية التي يشرف عليها إخوان وسلفيون في ضواحي المدن الكبرى والتي تقترح دروسا في العربية لأطفال صغار في سن الروضة والمساعدة في إنجاز الواجبات المدرسية للمتمدرسين إلا أنه بدل ذلك يغرس الإسلاميون بذور الإسلام السياسي والتطرف في أذهان هؤلاء الأبرياء.

وعموما فمن بين الـ20000 المصنفين إرهابيين بالقوة، بمعنى القادرين على ارتكاب أعمال إرهابية في أي لحظة، يوجد بينهم 1500 يحتلون وظائف حساسة.

ما هو غير مطمئن محاولة كاتبي التقرير طمأنة الفرنسيين على أن التطرف الإسلامي ظاهرة هامشية وذلك لأسباب كثيرة أهمها الخوف من رد فعل المسلمين واتهامهما بالإسلاموفوبيا. ويبقى الخطر يتعاظم باستمرار لسبب بسيط هو عدم توفر راديكالية ديمقراطية لمعارضة الراديكالية الإسلامية. وفي الحقيقة يعكس هذا التقرير العجز السياسي في معالجة ظاهرة أيديولوجية هدفها القضاء على الجمهورية ذاتها، يسيرها ويخطط لها ويضع برامجها وأهدافها الإخوان المسلمون. فمتى تقال حقيقة الإخوان كاملة للمواطن الفرنسي؟