إسلاميو الغرب.. جهاد حربي وسياسي وقضائي


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 6747 - 2020 / 11 / 29 - 17:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

يبدو أن الغرب بدأ يرضخ شيئا فشيئا لضغوطات الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان المسلمون، الذين يحاولون اختبار رد فعله تجاه ضغوطات ممنهجة تستهدف فرض رقابة وحجر على الفكر في عقر داره تطبيقا لما يسمونه شريعة إسلامية. فهل يتحول الغربيون إلى ذميين على أرضهم؟

في بلد فولتير يمارس الاستهزاء وحتى الشتم ضد الكنيسة الكاثوليكية وغيرها دون أن يندد بذلك أحد رسميا. ولكن حينما يتعلق الأمر بالديانة الإسلامية اليوم، فالذين يحملون وعيا شقيا كمستعمرين سابقين من إعلاميين وسياسيين ومثقفين قد سقطوا في فخ الإسلاميين المزدوج: فخ المتعصبين الذين يرعبون ويقتلون، والمتعاملين مع السلطة المتحاورين الرسميين معها الذين يضعون تجريم “الإسلاموفوبيا” كشرط لرفض العنف الإرهابي.

ولتجنب القلاقل وتهدئة الغاضبين راح المسؤولون الغربيون يعتذرون أفرادا وجماعات عن كل ما يعتبره الإسلاميون “أفعالا إسلاموفوبية” كنقد بعض السلوكات المنتشرة بين المسلمين كارتداء النقاب أو تزويج الصغيرات أو ختان البنات أو الصلاة في الشوارع… هي آراء أفراد ولا مسؤولية قضائية فيها لا للحكومات الغربية ولا للجماهير الشعبية بأي حال من الأحوال. وحينما يرتبك المسؤولون ويتراجعون أمام الضغط الإسلاموي، فكأنهم يعترفون بضرورة تقييد حرية التعبير. وهو خطأ استراتيجي، إذ كلما تراجع أنصار الحرية كلما ازدادت طلبات الإسلاميين أكثر فأكثر وكلما حوكم صحافي أو سينمائي أو أي إنسان يغضب الإسلاميين فهذا يشجعهم على الضغط أكثر.

لقد ثمّن الناطق الرسمي باسم الإخوان المسلمين محمود غزلان انتقادات الحكومة الفرنسية للجريدة الهزلية شارلي إيبدو ودعا مباشرة الدولة الفرنسية إلى سن قوانين لتجريم “الإسلاموفوبيا” معتبرا الأسبوعية متحاملة على الإسلام. مثل تلك المواقف هي التي حرضت الإخوة كواشي على ارتكاب الجريمة الشنيعة ضد صحافيي الجريدة.

أما منظمة المؤتمر الإسلامي، فتحت يافطة الدفاع عن الأقليات المسلمة المهددة، وتستعمل كل ضغوطها من أجل عدم اندماج المغتربين المسلمين في المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها. حكومات غربية رمت بالمغتربين في أحضان الإخوان المسلمين استجابة لضغط عرابيهم في منظمة المؤتمر الإسلامي. المنظمة التي تحاول منذ 1999 فرض مفهوم “تشويه وازدراء الديانات” و”الإسلاموفوبيا” على الساحة القانونية الدولية، وهي أسلحة حرب قانونية ضد حرية التعبير ومن أجل نشر الشريعة في العالم. وكما هو معلوم، فإن الحكومات الأكثر دفاعا عن إصدار قانون يجرّم ما يطلق عليه ممثلوهم في الغرب بـ”الإسلاموفوبيا” هي الحكومات الأكثر معاداة للمسيحية والأكثر لا تسامحا مع غير المسلمين، كباكستان والسعودية والسودان وتركيا التي تنكر مذبحة نصف مليون من المسيحيين والأرمن والآراميين.

والأغرب أن باكستان هي من بين أكثر البلدان المنضوية تحت لواء منظمة المؤتمر الإسلامي ضراوة في المطالبة بتجريم “الإسلاموفوبيا”، هذا البلد الذي يمارس قمعا رسميا على الأقليات من خلال قانون عقوبات يسخر للحكم بعقوبة الإعدام على كل من اتهم بازدراء الدين الإسلامي أو المتهم بالتنصير المسيحي.

ورغم هذا الظلم الممارس من البلدان المنضوية تحت لوائها، لا تتورع منظمة المؤتمر الإسلامي في المطالبة من الديمقراطيات الغربية بمعاقبة ما يسمى “إسلاموفوبيا”. وجراء ذلك الضغط، أصبحت سياسة الكيل بمكيالين واضحة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إذ تتم إدانة ما يسمى “الإسلاموفوبيا” في الغرب بشكل علني ورسمي، بينما يبقى غير مدان وغير معترف به ذلك القمع المسلط فعليا على المسيحيين ومختلف الأقليات في السعودية وباكستان والسودان ونيجيريا ومصر وغيرها من البلدان.

ويبدو واضحا اليوم تواطؤ البلدان الغربية في الهيئات الأممية من أجل إصدار العقوبات ضد الدول التي تهدد مصالحها الاستراتيجية والبترولية الموالية للروس والصينيين والإيرانيين وغض الطرف دائما عن البلدان ذات التوجه السني التي يضطهد فيها المسيحيون والشيعة وكل الطوائف والاعتقادات الأخرى.

متى تدافع الديمقراطيات عن أسسها بجدية أمام هجومات الأصوليات المتخفية تحت يافطة التسامح واحترام الثقافات؟ متى تهضم تلك الأصوليات أن بعض المبادئ كونية وغير قابلة للتفاوض والتكيف مع الفهم الديني للعالم؟ فهل على الديمقراطيات أن تقبل مثلا العبودية أو دونية المرأة أو نظام التراتبية الاجتماعية أو التضحية بالبشر بدعوى أنها مسموح بها في بعض الديانات؟