رأس المال: الفصل الحادي والعشرون (77) تجديد الإنتاج البسيط


كارل ماركس
الحوار المتمدن - العدد: 6741 - 2020 / 11 / 23 - 09:38
المحور: الارشيف الماركسي     


مهما يكن الشكل الاجتماعي لعملية الإنتاج، فينبغي لها، أن تمضي كعملية متواصلة، أن تمضي باستمرار لتجتاز، دورياً، نفس المراحل. وليس بوسع أي مجتمع أن يكفّ عن الإنتاج مثلما لا يسعه أن يكف عن الاستهلاك. لذلك فإن أي عملية إنتاج اجتماعية، حين ننظر إليها ككل دائم الترابط وسير متصل من التجدد، تؤلف في الوقت نفسه، عملية لتجديد الإنتاج(*).

إن شروط الإنتاج هي كذلك شروط تجديد الإنتاج. وليس ثمة مجتمع يستطيع أن يواصل الإنتاج، أو بتعبير آخر ليس ثمة مجتمع يستطيع تجديد الإنتاج، ما لم يحول باستمرار جزءا من منتوجه إلى وسائل إنتاج، أي إلى عناصر لتولید منتوجات جديدة. وإذا ما بقيت الظروف الأخرى على حالها، فلا يمكن للمجتمع أن يعيد إنتاج ثروته أو الحفاظ عليها عند المستوى ذاته سوى بالتعويض عن وسائل الإنتاج – أي وسائل العمل، والمواد الأولية، والمواد المساعدة، المستهلكة خلال العام – تعویضاً عينياً (in natura) بمواد جديدة ذات كمية متساوية، تُفصل عن كتلة المنتوجات السنوية، لكي تزج مجدداً في عملية الإنتاج. لذا، فإن جزءاً معينة من المنتوج السنوي يعود إلى الإنتاج. ولما كان هذا الجزء مخصصاً للاستهلاك الإنتاجي منذ البداية، فإنه يوجد في الغالب، بهيئة مواد لا تصلح للاستهلاك الفردي.
وإذا كان الإنتاج رأسمالية من حيث شكله، فإن تجديد الإنتاج يكون كذلك، ومثلما أن عملية العمل لا تبرز، في نمط الإنتاج الرأسمالي، إلا بوصفها وسيلة لتحقيق عملية إنماء القيمة، كذلك لا يبرز تجديد الإنتاج إلا كوسيلة لتجديد إنتاج القيمة المدفوعة سلفا بوصفها رأسمالا – أي بوصفها قيمة متنامية ذاتية. إن الدور الاقتصادي المتميز للرأسمالي

لا يلازمه إلا لأن نقوده تعمل، باستمرار، بوصفها رأسمالا. ولو كان ثمة مبلغ قدره 100 جنيه تحول هذه السنة إلى رأسمال، وأنتج فائض قيمة مقداره 20 جنيها، فإن على هذا المبلغ أن يكرر العملية ذاتها في السنة اللاحقة أيضا والسنوات التي تليها. ولما كان فائض القيمة هو الزيادة الدورية على قيمة رأس المال المسلّف، أو الثمرة الدورية لرأس المال الناشط، فإن فائض القيمة هذا يتخذ شكل إيراد يتأتّى من رأس المال(1).

وإذا استخدم الرأسمالي هذا الإيراد کرصيد لتغطية حاجاته الاستهلاكية فقط، أو راح ينفقه مثلما اكتسبه دورياً، فسيكون ثمة تجديد إنتاج بسيط، شريطة بقاء الظروف الأخرى ثابتة. ورغم أن تجديد الإنتاج هذا هو محض تكرار لعملية الإنتاج بالمستوى نفسه، فإن التكرار أو الاستمرارية ذاتها تضفي طابعاً جديداً على العملية، أو بالأحرى تفضي إلى اختفاء ذلك الطابع الظاهري المميز لهذه العملية حين كان ينظر إليها كعملية معزولة، منفردة.

إن شراء قوة العمل لفترة محددة، يمهد لعملية الإنتاج، ويتكرر هذا التمهيد باستمرار حين ينقضي الأجل المقرر، حين تنصرم معه فترة إنتاج محددة، كأن تكون أسبوعا أو شهراً، إلخ. لكن العامل لا يتقاضى أجوره إلا بعد أن يكون قد بذل قوة عمله، وحقق في السلع، قيمة هذه القوة علاوة على فائض قيمة. ولهذا فإنه قد أنتج فائض قيمة، نعتبرها في الوقت الحاضر رصيداً يلبي حاجات الاستهلاك الشخصي للرأسمالي، كما أنتج الرصيد الذي دفع منه أجوره بالذات، أي رأس المال المتغير قبل أن يأتيه هذا بهيئة أجور؛ واستخدام العامل يدوم ما دام مستمراً في تجديد إنتاج هذا الرصيد. من هنا مصدر تلك الصيغة “ثانياً”، المشار إليها في الفصل السادس عشر، حيث يمثل الاقتصاديون الأجور (Salaire) كحصة من المنتوج ذاته(2). فما يعود إلى العامل بهيئة أجور هو جزء من المنتوج الذي يقوم العامل نفسه بتجديد إنتاجه على الدوام. صحيح أن الرأسمالي يدفع للعامل قيمة السلعة بشكل نقود، غير أن هذه النقود ليست إلا الشكل المحول لمنتوج العمل. وبينما يقوم العامل بتحويل جزء من وسائل الإنتاج إلى منتوجات، فإن جزءا من منتوجه السابق يكون قد تحول إلى نقود من جديد. إن عمله المنجز في الأسبوع الماضي، أو نصف السنة الماضية، هو المصدر الذي تدفع منه أجوره لقاء عمله في الأسبوع الحالي أو نصف السنة الحالية. والوهم الذي يولده الشكل النقدي يتلاشى في الحال منذ أن نقصي الرأسمالي الفرد والعامل الفرد، لنأخذ، عوضا عنهما، طبقة الرأسماليين وطبقة العمال. إن الطبقة الرأسمالية تعطي للطبقة العاملة، باستمرار، حوالات، بهيئة نقود، على جزء من المنتوج الذي أنتجه العمال واستولى عليه الرأسماليون. ويعيد العمال هذه الحوالات بنفس الاستمرار إلى الطبقة الرأسمالية، فيحصلون بذلك على نصيبهم من منتوجهم بالذات. إلا أن حقيقة هذه الصفقة تختفي برداء الشكل السلعي الذي يكتسيه المنتوج، وبالشكل النقدي الذي تكتسيه السلعة.

وعليه فإن رأس المال المتغير، ليس سوى شكل تاريخي خاص لظهور الرصيد المخصص لتأمين وسائل العيش، أو رصيد العمل الذي يحتاجه العامل لإدامة وتجديد إنتاج حياته، والذي ينبغي عليه أن ينتجه ويجدد إنتاجه على الدوام، مهما كانت طبيعة نظام الإنتاج الاجتماعي. إن رصيد العمل يتدفق على العامل باستمرار بشكل وسيلة دفع مقابل عمله، وذلك لسبب واحد هو أن المنتوج الذي خلقه هو نفسه يبتعد عنه باطراد، بشكل رأسمال. إلا أن هذا الشكل لتجلي رصيد العمل لا يغير شيئا من واقع أن عمل العامل بالذات، المتشیئ في المنتوج، هو ما يسلفه الرأسمالي للعامل(3). لنأخذ فلاحاً مرغماً على أداء عمل السخرة. إنه يكدّ في حقله الخاص، مستخدماً وسائل إنتاجه الخاصة، لثلاثة أيام في الأسبوع مثلا أما الأيام الثلاثة الباقية فيؤدي فيها عملا إجبارية في حقل السيد. إنه يجدد إنتاج رصيد العمل الخاص به دون انقطاع، إلا أن هذا الرصيد لا يتخذ أبدا شكل وسائل دفع مقابل عمله، يسددها شخص آخر. وبالمقابل، فإن عمله الإجباري المجاني لا يتخذ، بدوره، طابع عمل طوعي مدفوع الثمن. وإذا حدث غداً أن استولى السيد على الأرض والمواشي والبذور، أو باختصار على وسائل الإنتاج، التي تخص هذا الفلاح العامل بالسخرة، فإن هذا الأخير سيجد نفسه مرغماً، منذ تلك اللحظة فصاعدة، على بيع قوة عمله للسيد. ولسوف يعمل، شريطة بقاء الظروف الأخرى ثابتة، 6 أيام في الأسبوع كما من قبل، أي 3 أيام لنفسه، و3 أيام لسيده السابق، الذي يغدو الآن رأسمالياً دافع أجور. وعلى غرار ما سبق، سیستخدم وسائل الإنتاج كوسائل إنتاج، فينقل قيمتها إلى المنتوج. وكما من قبل، فإن قسماً معيناً من المنتوج سوف يكرس لتجديد الإنتاج. ولكن مثلما يتحول عمل السخرة إلى عمل مأجور، يتخذ رصيد العمل، الذي يواصل الفلاح ذاته إنتاجه وتجديد إنتاجه كالسابق، شكل رأسمال يدفعه السيد السابق للفلاح. لكن الاقتصادي البورجوازي الذي يعجز عقله الضيق عن التمييز بين شكل تجلي الظاهرة وبين الشيء الذي يتجلى في هذا الشكل، يغمض عينيه عن الواقع التالي، وهو أن رصيد العمل لا يبرز في شكل رأسمال على وجه الأرض كلها إلا في حالات استثنائية، حتى في يومنا هذا(4).

ومهما يكن من أمر، فإن رأس المال المتغير لا يفقد صفته كقيمة يدفعها الرأسمالي سلفا من رصيد أمواله الخاصة (4a)، إلا حين ننظر إلى عملية الإنتاج الرأسمالية في مجری تجددها المستمر. إلا أنه ينبغي أن تكون لهذه العملية بداية ما من حيث المكان والزمان.

ومن وجهة النظر التي طرحناها حتى الآن يبدو من المحتمل القول إذن، إن الرأسمالي قد أصبح، ذات مرة، مالكاً للنقود عن طريق نوع ما من التراكم البدائي تحقق بمعزل عن العمل المجاني للآخرين، فتمكن، بالتالي، من دخول السوق کشارٍ لقوة العمل. ومهما يكن من أمر، فإن الاستمرار المحض لعملية الإنتاج الرأسمالية، نعني بذلك تجدید الإنتاج البسيط، يولد تغیرات أصيلة أخرى، لا تمس رأس المال المتغير وحده، بل رأس المال الكلي أيضا.

فلو كان ثمة رأسمال مقداره 1000 جنيه يدرّ فائض قيمة سنوية مقداره 200 جنيه، ولو كان فائض القيمة هذا يستهلك برمته خلال عام، فمن الجلي أن المبلغ المستهلك من فائض القيمة سيبلغ بعد خمس سنوات ما مقداره 200 × 5 = 1000جنيه، وهو نفس المبلغ المسلف بالأصل. ولو لم يكن يستهلك من فائض القيمة السنوية سوى قسم کالنصف مثلا، فإن النتيجة المشار إليها تتحقق بعد 10 سنوات، لأن 100 × 10 = 1000 جنيه. فالقانون العام إذن هو: عند تقسيم رأس المال المسلف على فائض القيمة المستهلك سنوياً، نحصل على عدد السنوات، أو فترات تجديد الإنتاج، التي يكون الرأسمالي عند انصرامها قد استهلك رأس المال الأصلي المسلف بأجمعه، فيتلاشى هذا الأخير تماما. إن الرأسمالي يتصور أنه يستهلك منتوج العمل المجاني للغير، أي فائض القيمة، ويبقي على رأسماله الأصلي سليماً من دون مساس؛ ولكن تصوره هذا لن يغير هذه الحقيقة مطلقاً. فبعد انقضاء عدد معين من السنين، تغدو قيمة رأس المال الذي يمتلکه مساوياً للمقدار الإجمالي لفائض القيمة التي استولى عليه من دون معادل خلال تلك السنوات، وأن إجمالي القيمة الذي استهلکه يساوي إجمالي قيمة رأسماله الأصلي. صحيح أن بين يديه رأسمال لم يتغير مقداره، وأن قسماً من رأس المال هذا، أي المباني والآلات، إلخ، كان بحوزته في الأصل حين بدأ أعماله. لكن ما يعنينا، هنا، ليس الأجزاء المادية المكونة لرأس المال ذاك، بل قيمة رأس المال ذاك. فحين يبدد شخص كل ثروته، بأن يأخذ قروضاً تعادل قيمة تلك الثروة، فبديهي أن كل ثروته لا تمثل غیر مجموع دیونه. كذلك الحال مع الرأسمالي؛ فحين يكون قد استهلك ما يعادل رأسماله الأصلي، فإن قيمة رأسماله الحاضر لا تعود تمثل غير إجمالي فائض القيمة الذي استولى عليه من دون أن يدفع لقاءه قرشا. ولم يعد ثمة وجود لذرة واحدة من قيمة رأسماله القديم.

إذن، بصرف النظر عن كل تراكم، فإن الاستمرار البحت لعملية الإنتاج، أو بتعبير آخر تجديد الإنتاج البسيط، لا بد أن يحيل كل رأسمال، إن عاجلا أو آجلا، إلى رأسمال متراکم، أو إلى فائض قيمة مُرسمل. حتى لو كان رأس المال ثروة مكتسبة في الأصل، بالعمل الشخصي لمالكه، فإنه يغدو، إن عاجلا أو آجلا، عند دخوله عملية الإنتاج قيمة مأخوذة من دون معادل، عملا مجانياً للغير، متجسداً في هيئة نقود، أو مادة، أو أي شيء آخر.

سبق أن رأينا في الفصل الرابع، أن تحویل النقد إلى رأسمال يتطلب شيئا أكثر من إنتاج سلعه وتداول سلع(**). إذ ينبغي أولا أن يتقابل في السوق طرفان کشارٍ وبائع: مالك القيمة أو النقد على هذا الجانب ومالك الجوهر الخالق للقيمة على الجانب الآخر، هنا – مالك وسائل الإنتاج والعيش، وهناك – من لا يملك شيئا سوى قوة العمل. وعليه لقد كان فصل منتوج العمل عن العمل نفسه، فصل شروط العمل الموضوعية عن العنصر الذاتي، نعني به قوة العمل، كان في الواقع القاعدة الحقيقية لعملية الإنتاج الرأسمالية، ونقطة انطلاقها.

ولكن ما كان بادئ الأمر نقطة انطلاق يغدو، بتكرار العملية لا أكثر، أي بتجديد الإنتاج البسيط، النتيجة الخاصة للإنتاج الرأسمالي التي تتجدد بلا انقطاع وتتأبد. فعملية الإنتاج تحول دائما الثروة المادية إلى رأسمال، إلى وسائل لإنماء القيمة للرأسمالي وإلى وسائل متعة له. من جهة أخرى فإن العامل يخرج كل مرة من العملية وحاله كما دخلها، أي كمصدر ذاتي للثروة، لكنه محروم من جميع الوسائل التي تتيح له جعل تلك الثروة ملكاً له. فبما أن عمله قد اغترب عنه قبل دخوله العملية، وبما أن الرأسمالي قد استولی على هذا العمل ودمجه برأس المال، فإن هذا العمل يتجسد شيئياً دوماً، خلال العملية، في منتوج غريب عن العامل. وبما أن عملية الإنتاج هي في الوقت نفسه العملية التي يستهلك فيها الرأسمالي قوة العمل، فإن منتوج العامل يتحول، باستمرار، لا إلى سلعة فحسب، بل إلى رأسمال أيضا، إلى قيمة تمتص القوة الخالقة للقيمة، إلى وسائل عيش تشتري الناس، إلى وسائل إنتاج تُسخّر المنتجين (5). لذا فالعامل ينتج، باستمرار، ثروة موضوعية، ولكن في شكل رأسمال، فيشكل قوة غريبة تهيمن عليه وتستغل قوته؛ والرأسمالي ينتج، باستمرار أيضاً، قوة العمل، ولكن في شكل مصدر ذاتي للثروة مفصول عن الوسائل التي تمكن هذه القوة من أن تتجسد شيئياً وتتحقق، أي مصدر مجرد للثروة لا وجود له إلا في جسد العامل نفسه، وباختصار أنه ينتج العامل، ولكن كعامل مأجور(6). إن تجديد الإنتاج المتواصل هذا، إن هذا التخليد للعامل، هو الشرط اللازم للإنتاج الرأسمالي (sine qua non).

إن العامل يستهلك الأشياء على نحو مزدوج. فهو حين ينتج، إنما يستهلك بعمله وسائل الإنتاج، محولا إياها إلى منتوجات ذات قيمة أكبر من قيمة رأس المال المُسلّف. وهذا هو استهلاكه الإنتاجي. ولكنه في الوقت نفسه استهلاك لقوة عمله من قبل الرأسمالي الذي اشتراها. ومن ناحية أخرى يحول العامل النقود المدفوعة له لقاء قوة عمله، إلى وسائل عيش: وهذا هو استهلاكه الفردي. لذا فإن الاستهلاك الإنتاجي للعامل يختلف كليا عن استهلاكه الفردي. ففي الأول، يتصرف كقوة محركة لرأس المال، ويخص الرأسمالي. وفي الثاني يخص ذاته، ويقوم بوظائفه الحياتية خارج نطاق عملية الإنتاج. نتيجة الأول عيش الرأسمالي، ونتيجة الثاني عيش العامل.

لقد رأينا، عند دراسة “يوم العمل” ولواحقه، أن العامل كثيراً ما يجبر على أن يجعل استهلاكه الفردي حادثاً عرضياً صرفاً في سير عملية الإنتاج. وفي وضع كهذا نراه يستهلك وسائل العيش. لغرض واحد فقط هو إدامة قوة عمله، مثلما يستهلك المحرك البخاري الفحم والماء، وتستهلك العجلة الزيت. فوسائل استهلاكه هي، في هذه الحالة، وسائل استهلاك محض تتطلبها وسيلة من وسائل الإنتاج؛ إن استهلاكه الفردي يغدو مباشرة، استهلاكا إنتاجياً. لكن هذا يبرز كإساءة استخدام لا تتعلق بجوهر عملية الإنتاج الرأسمالية(7).

لكن هذه الأمور تتبدى في مظهر جديد لو تأملنا، لا الرأسمالي المفرد والعامل المفرد، بل الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة، لا عمليات الإنتاج المنفردة، بل العملية الرأسمالية في مسارها، وفي کامل نطاقها الاجتماعي. إن الرأسمالي ينمي قيمة رأسماله الكلي، عبر تحويل جزء منه إلى قوة عمل. فيصيب بذلك عصفورين بحجر واحد. فهو لا يربح فقط مما يتلقاه من العامل بل أيضا مما يعطيه إلى العامل. فرأس المال الذي يتم الانفصال عنه في التبادل مقابل قوة العمل، يتحول إلى وسائل للعيش تتجدد، باستهلاكها، عضلات وأعصاب وعظام ودماغ العامل الموجود کیما ينجب عمالاً جدداً. وبالتالي، فإن الاستهلاك الفردي للطبقة العاملة هو، في حدود الضرورة المطلقة، تحویل وسائل العيش، التي ينفصل عنها رأس المال مقابل قوة العمل، ثانياً إلى قوة عمل صالحة للاستغلال من جديد من قبل رأس المال. فهو إنتاج وتجديد إنتاج لوسيلة الإنتاج التي لا غنى للرأسمالي عنها وهي: العامل ذاته. وهكذا فإن الاستهلاك الفردي للعامل، سواء جرى في ورشة العمل أم في المصنع أم خارجهما، وسواء كان جزءا من عملية العمل أم لا، يؤلف عنصرا من عناصر إنتاج وتجديد إنتاج رأس المال، شأنه في ذلك شان تنظيف الآلات، سيان إن جرى أثناء عملية العمل أو عند توقفها. وكون العامل يستهلك وسائل العيش لأغراضه الخاصة، لا إرضاء للرأسمالي، لا يغير في هذه المسألة شيئا. ومع أن استهلاك دابة الجر والحمل للعلف هو عنصر ضروري من عناصر عملية الإنتاج، إلا أن مجرد كون الدابة تلتذ بما تأكل لا يقلل من ذلك. فاستمرار الحفاظ على الطبقة العاملة وتجديد إنتاجها يظل شرطاً دائماً لتجديد إنتاج رأس المال. ولكن بوسع الرأسمالي، أن يوكل هذه المهمة، باطمئنان، إلى العمال أنفسهم متّكلاً على غريزتهم في حفظ الذات والتكاثر. وجل ما يأبه له الرأسمالي هو أن يختزل الاستهلاك الفردي للعامل إلى أدنى حد ضروري ممكن، وهو بعيد، بعد الأرض عن السماء، عن تلك الفظاظة الأميركية الجنوبية التي يرغم العمال بموجبها على تناول الغذاء الأكثر غنى لا الأقل فائدة (8).

من هنا فإن الرأسمالي وممثله الإيديولوجي، أي عالم الاقتصاد السياسي، يعتبران أن ذلك الجزء من الاستهلاك الفردي للعامل اللازم لتخليد الطبقة العاملة والذي يجب أن يحدث فعلا بغية أن يستطيع الرأسمالي استهلاك قوة العمل، هو وحده الاستهلاك المنتج؛ أما كل ما يستهلكه العامل فوق هذا الجزء لإمتاع نفسه، فهو استهلاك غير منتج(9). ولو أدى تراكم رأس المال إلى ارتفاع في الأجور وبالتالي زيادة ما يستهلکه العامل، دون أن يقترن ذلك بتزايد استهلاك رأس المال لقوة العمل، فإن رأس المال الإضافي سوف يكون عرضة للاستهلاك استهلاكا غير منتج(10). وفي الواقع، إن الاستهلاك الفردي للعامل هو استهلاك غير منتج فيما يتعلق به نفسه، لأن ذلك لا يجدد سوى إنتاج الفرد المعوز؛ وهو استهلاك منتج في نظر الرأسمالي والدولة، بما أنه إنتاج للقوة التي تخلق ثروة للغير(11).

إن الطبقة العاملة هي، من وجهة النظر الاجتماعية، تابع لرأس المال أسوة بوسائل العمل الميتة، حتى حين لا تكون منخرطة مباشرة في عملية العمل، بل إن استهلاك العمال الفردي يغدو، في حدود معينة، مجرد عنصر من عناصر عملية تجديد إنتاج رأس المال. وإن هذه العملية بالذات تضمن منع أدوات الإنتاج الواعية هذه من الافلات، فتجردها باستمرار من منتوجها وتنقل، هذه المنتوجات بمجرد أن تصنع، من هذا القطب إلى القطب المعاكس، إلى رأس المال. ويوفر الاستهلاك الفردي للعمال، من جهة، الوسيلة لإدامتهم وتجديد إنتاجهم، ويضمن، من جهة أخرى، بإفنائه لوسائل العيش، استمرار ظهور العمال على الدوام، في سوق العمل. لقد كان العبد الروماني مشدوداً إلى مالکه بالأغلال، أما العامل المأجور فهو مشدود إلى مالكه بخيوط غير مرئية. ويجري الحفاظ على مظهر استقلاله بالتبدل المستمر لأرباب العمل الفرديين وكذلك بالوهم الحقوقي (fictio juris) لوجود عقد. لجأ رأس المال، في الأيام الخوالي، حيثما اقتضت الضرورة، إلى فرض حقوق المالك على العامل الحر بقوة القانون القسرية. فمثلا، كانت هجرة العمال الميكانيكيين في إنكلترا، محظورة حتى عام 1815 تحت طائلة عقوبات صارمة.

إن تجديد إنتاج الطبقة العاملة ينطوي في الوقت ذاته على انتقال وتراكم المهارة من جيل لآخر(12). أما إلى أي مدى يعتبر الرأسمالي وجود هذه الطبقة من العمال الماهرين من ضمن شروط الإنتاج التي تخصه، وإلى أي مدى يعتبر هذه الطبقة بمثابة الوجود الفعلي لرأسماله المتغير، فيظهر بجلاء تام ما إن تندلع أزمة تهدده بفقدان شرط الإنتاج هذا. نتيجة للحرب الأهلية الأميركية والمجاعة القطنية التي رافقتها، طردت أغلبية عمال القطن في لانكاشير وغيرها، كما هو معروف. وتصاعد النداء من صفوف الطبقة العاملة نفسها، ومن فئات أخرى في المجتمع، طلبا للنجدة من الدولة، أو طلباً لتبرعات طوعية على المستوى الوطني، بغية تمكين هذه الأيدي العاملة «الفائضة» من الهجرة إلى المستعمرات الإنكليزية أو إلى الولايات المتحدة. ونشرت صحيفة تایمز Times، في حينه، (24 آذار/ مارس 1863)، رسالة بقلم إدموند بوتر، وهو رئیس سابق لغرف تجارة مانشستر، وقد سُمّيت هذه الرسالة في مجلس العموم، عن حق «ببيان الصناعيين»(13).

ونقتبس منها بضعة مقاطع دالّة، تعبر بصراحة تامة عن النظرة إلى قوة العمل بوصفها ملكاً لرأس المال.

“قد يقال له (للعامل العاطل) إن عرض عمال القطن أكثر مما ينبغي … ولعله ينبغي في الواقع اختزال ثلث العدد، حتى يتوافر طلب معقول على الثلثين الباقيين من العمال… أما الرأي العام فيصر على الهجرة … ولا يسع رب العمل (صاحب مصنع القطن) أن يقبل إبعاد احتياطي يده العاملة، وقد يعتبر ذلك، ولربما عن حق، إجراء خاطئاً وغير حصيف في آن واحد… وإذا ما خصصت الأموال العامة لدعم الهجرة، فإن لرب العمل الحق في اسماع صوته، ولربما في الاحتجاج”.
وبعد ذلك يبين بوتر نفسه منافع صناعة القطن، وكيف أنها «امتصت، بلا ريب، السكان الفائضين من إيرلندا والمناطق الزراعية الإنكليزية»، ومدى ضخامة هذه الصناعة وكيف أنها أعطت في عام 1860 5/13من إجمالي الصادرات الإنكليزية، وكيف أنها، بعد سنوات قلائل، سوف تتسع بتوسع السوق، وبالأخص سوق الهند، وبما ستوفره من «قطن كاف بسعر 6 بنسات للباون الواحد». ثم يمضي بعد ذلك إلى القول:

“والزمن – في عام أو عامين أو ثلاثة – كفيل بإنتاج هذه الكمية … والسؤال الذي أطرحه هو هذا – أفلا تستحق هذه الصناعة الحفاظ عليها؟ أفلا تستحق الآلات (يقصد الآلات العاملة الحية) أن تبقى لوقت الحاجة، أليس التفكير بالافتراق عنها حماقة كبرى؟ أظن أن نعم. إنني أقر بأن العمال ليسوا ملكاً، للانکشایر وأرباب العمل، إلا أنهم قوة الاثنين، فهم القوى الذهنية المدربة التي لا يمكن التعويض عنها خلال جیل واحد، أما الآلات العادية التي يشتغلون بها فيمكن التعويض عن الكثير منها بصورة نافعة، بل وتطويرها، في مدة إثني عشر شهرا (14). بوسعكم تشجيع القوة العاملة أو السماح (!) لها بالهجرة، ولكن ماذا سيحل بالرأسمالي؟ إن هذه الصرخة النابعة من القلب تذكرنا بمارشال البلاط كالب(***).

… خذوا زبدة العمال، وسيندثر رأس المال الأساسي (fixed) بدرجة كبيرة، فيما رأس المال الدائر لن يتغلب في الصراع مع وجود عرض شحيح ليد عاملة من نوع أدنى… يقال لنا إن العمال أنفسهم يريدون الهجرة. جد طبيعي أن يرغبوا بذلك … قلّصوا واختزلوا صناعة القطن بأخذ قوتها العاملة (by taking away its working power) وخفض نفقات أجور هذه القوة، بمقدار الثلث، أو خمسة ملايين، وانظروا ماذا سيحل بالطبقة التي تعلو العمال مباشرة، أي أصحاب الدكاكين الصغار؛ وماذا سيحل بالريع وإيجارات الأكواخ؟… اقتفوا آثار النتائج صعوداً إلى المزارع الصغير، ومالك البيت الأفضل، ومالك الأرض، وقولوا بأنفسكم إن كان ثمة اقتراح يفتك بجميع طبقات البلاد أكثر من هذا الاقتراح المؤدي إلى اضعاف الأمة بتصدير زهرة عمالها الصناعيين، وتدمير قيمة قسم من أكثر ثرواتها ورأسمالها وفرة في الإنتاج”. “أنصح بتقديم قرض قدره خمسة أو ستة ملايين جنيه استرليني لمدة عامين أو ثلاثة أعوام. ويجب أن تنفق الأموال تحت اشراف مفتشين خاضعين لهيئات رعاية المعوزين في مناطق صناعة القطن؛ ينبغي ضبط هذه القضية بإصدار قانون خاص لفرض شغل أو عمل إجباري معین، کوسيلة للحفاظ على مستوى أخلاق العمال المستفيدين من القرض… هل هناك بالنسبة لمالكي الأرض وأرباب العمل أسوأ (can anything be worse for landowners or masters) من فقدان خيرة عمالهم، وتدمير معنویات وآمال البقية منهم بنزيف هجرة واسعة، وإفراغ مقاطعة كاملة من القيمة ومن رأس المال؟».. يميز بوتر، هذا الممثل الذي لا نظير له لصناعيي القطن، يميز نوعين من الآلات وكلاهما ملك للرأسمالي سواء بسواء، فالنوع الأول يجثم في المصانع على الدوام، فيما ركن النوع الثاني، في الليل وأيام الآحاد، في الأكواخ. الأولى آلات ميتة، والثانية آلات حية. إن الآلات الميتة لا تذوي وتفقد قيمتها من يوم الآخر فحسب، بل إن التقدم التكنیكي المطرد يتجاوز القسم الأعظم منها بسرعة كذلك، بحيث يمكن الاستعاضة عنها بآلات جديدة في غضون أشهر معدودة، وبفائدة أكبر. أما الآلات الحية، فعلى العكس من ذلك، تزداد جودة كلما طال أمد عملها، وبمقدار ما تتراكم المهارة من جيل لآخر. لقد ردت صحيفة تايمز على قطب أساطين الصناعة بما يلي:

إن السيد إدموند بوتر متأثر بالغ التأثر بالأهمية الفائقة والاستثنائية للسادة صناعيي القطن، بحيث أنه لا يتورع، في مسعاه للحفاظ على هذه الطبقة وإدامة صناعتها، عن حبس نصف مليون إنسان من الطبقة العاملة في بيت عمل أخلاقي كبير جدا رغما عن إرادتهم. ويتساءل السيد بوتر: «أتستحق هذه الصناعة الحفاظ عليها؟» ونجيب، طبعاً، أنها تستحق ذلك بكل الوسائل النزيهة. ثم يتساءل السيد بوتر ثانية، أتستحق الآلات الحفاظ عليها بصورة سليمة؟ هنا نقف مترددين أمام قبول كلامه. فحين يذكر السيد بوتر «الآلات»، فهو يقصد الآلات البشرية؛ إذ يحتج بأنه لا يقصد استخدام هؤلاء كملكية مطلقة للسادة. وينبغي لنا أن نعترف بأننا لا نعتقد بأن الأمر يستحق، أو أنه من الممكن الحفاظ على الآلات البشرية بصورة سليمة – أي أن نحبسها في مستودع بعد أن نزيتها كي نحفظها لوقت الحاجة. إن الآلات البشرية سوف تصدأ إن بقيت دون حركة مهما صببت عليها من زيت ومهما لمعتها. زد على ذلك أن الآلات البشرية، كما رأينا توا، تستطيع أن تنفث البخار من تلقاء ذاتها وتنفجر أو تهتاج مستعرة في مدننا الكبرى. وقد يتطلب الأمر، كما يقول السيد بوتر، وقتا أطول لتجديد إنتاج العمال، ولكن ما دام هناك میکانیکيون محنكون ورأسماليون في الوجود، فإن بالوسع، دوما، أن نجد رجالا مقتصدين، أشداء، مجتهدين يمكن أن نخلق منهم معلمين مصنعيين أكثر مما نحتاج أبدا. إن السيد بوتر يتحدث عن انتعاش جدید للصناعة في مدة عام أو عامين أو ثلاثة أعوام ويطلب ألا نشجع أو نسمح لقوة العمل بالهجرة! ويقول إن من الطبيعي أن يرغب العمال في الهجرة، ولكنه يرى أن على الأمة، رغم مشيئة العمال، أن تحبس نصف مليون عامل مع 700 ألف فرد من ذريتهم، في مناطق صناعة القطن، وينبغي بالنتيجة الحتمية، على الأمة أن تخمد سخطهم بالعنف، وأن تعيلهم بالصدقات – وكل ذلك على أمل أن تحين الفرصة ويغدو صناعيو القطن بحاجة إليهم… لقد آن الأوان لكي يفعل الرأي العام الواسع في هذه الجزر شيئاً لإنقاذ «قوة العمل، هذه من أولئك الذين يعاملونها معاملة الحديد والفحم والقطن»(15).
لقد كان مقال صحيفة تايمز مجرد مزاج ذهني لبيب. في «الرأي العام الواسع» ما كان، في واقع الأمر، إلا من رأي السيد بوتر وهو أن العامل الصناعي ليس إلا جزءا من لوازم المصنع المنقولة. لقد مُنعت هجرة العمال(16). وحبسوا في «بيوت العمل الأخلاقية» في مناطق القطن، وهم يؤلفون، كما من قبل، «قوة» صناعيي القطن في لانکشایر.

وهكذا فإن عملية الإنتاج الرأسمالية تعيد، بمجراها بالذات، إنتاج فصل قوة العمل عن شروط العمل. وهي بذلك تعيد إنتاج شروط استغلال العامل وتخلدها. فهي ترغم العامل، دون انقطاع، على بيع قوة عمله لكي يعيش، وتمكن الرأسمالي على الدوام من شراء قوة العمل لكي يثرى(17). وهكذا ليس من باب المصادفة أن يتقابل الرأسمالي والعامل في سوق السلع کشارٍ وبائع. إن رحی مطحنة هذه العملية ذاتها تقذف العامل، دون انقطاع، إلى سوق السلع بوصفه مالك قوة عمله، وتحول منتوجه الخاص باستمرار إلى وسيلة يستخدمها إنسان آخر لشرائه. وفي الواقع يصبح العامل ملكا لرأس المال قبل أن يبيع نفسه إلى الرأسمالي. إن عبوديته الاقتصادية (18) تتحقق وتتموه، في آن واحد، بواسطة البيع الدوري لنفسه، وتغييره لسادته كأفراد، وتقلب أسعار قوة عمله في السوق(19).
وعليه فإن عملية الإنتاج الرأسمالية، منظوراً إليها في ترابطها، أي كعملية تجدید الإنتاج، لا تنتج سلعة وحسب، ولا فائض قيمة وحسب، بل تنتج وتجدد إنتاج العلاقة الرأسمالية بالذات، الرأسمالي في هذا الجانب، والعامل المأجور، في الجانب الآخر(20).

___________

(*) أو: إعادة الإنتاج. [ن. ع].
(1) «الأثرياء الذين يستهلكون منتوجات عمل الغير، لا يستطيعون أن يحصلوا عليها إلا عبر عمليات التبادل» (شراء السلع) “وعليه يبدو أنهم عرضة لاستنفاد رصيدهم الاحتياطي سريعاً … لكن الثروة قد استمدت، من النظام الاجتماعي الراهن، القدرة على تجديد إنتاج نفسها بعمل الغير… فالثروة، شأن العمل وبواسطة العمل، تدر ثمرة سنوية يمكن استهلاكها خلال السنة من دون أن يصبح مالك الثروة أكثر فقراً. هذه الثمرة هي الإيراد الذي يأتي من رأس المال». (سیسموندي، المبادئ الجديدة للاقتصاد السياسي، المجلد الأول، ص 81-82).
(Sismondi, Nouveaux Principes d’économie Politique, T. I, p. 81-82).
(2) “ينبغي اعتبار الأجور… والأرباح، بالمثل، على أنها حقا جزء من المنتوج الناجز”. (ج. رامزي G. Ramsay ، المرجع المذكور، ص 142). “الحصة من المنتوج التي تؤول إلى العامل بشكل أجوره”. (جیمس میل، عناصر الاقتصاد السياسي، الترجمة الفرنسية، ترجمة باريسوت، ب اريس، 1823).
(3) “حين يستخدم رأس المال في تسليف أجور العمال، فإنه لا يضيف شيئا لأرصدة إعالة العمل”. کازنوف في حاشية لطبعة كتاب مالتوس التي أشرف عليها، تعريفات في الاقتصاد السياسي، لندن، 1853، ص 22.
(4) “إن الرأسماليين يدفعون سلفاً أجور العمل لأقل من ربع عمال الكرة الأرضية”. (ريتشارد جونز، مقرر محاضرات في الاقتصاد السياسي للأمم، هيرتفورد، 1852، ص 36).
(Richard Jones, Text-book of Lectures on the Political Economy of Nations, Hertford, 1852, p. 36).
(4a) “رغم أن المانيفاکتوري «manifacturer» (يقصد عامل المانيفاکتورة) يتلقى أجوراً يدفعها له سيده، فإنه لا يكلف السيد، حقا، أية نفقات، لأنه يعيد قيمة هذه الأجور، عموما، مع ربح، من خلال زيادة قيمة المادة التي أنفق عليها عمله، (آدم سميث، المرجع المذكور، الكتاب الثاني، الفصل الثالث، ص 355).
(**) في الطبعة الرابعة: إنتاج قيمة. [ن. برلین].
(5) “إنها لخاصية متميزة للغاية للاستهلاك المنتج. فما يستهلك بصورة منتجة يغدو رأسمالا، وهو يغدو رأسمالا حين يستهلك”. (جیمس میل، لعناصر الاقتصاد السياسي، ص 242). إلا أن جيمس ميل لم يستقص أثر هذه الخاصية المتميزة للغاية.
(6) “حقا أن المانيفاکتورة، لدى ظهورها أول الأمر، تستخدم العديد من الفقراء، ولكنهم لا يكفون عن كونهم فقراء، واستمرار المانيفاکتورة يخلق المزيد منهم. أنظر: أسباب التصدير المحدود للصوف، لندن، 1677. يؤكد المزارع الآن، بغباء، أنه يبقي على أود الفقراء. حقا أنه يبقي حالة بؤسهم” (اسباب ارتفاع معدلات الفقراء، أو نظرة مقارنة إلى أسعار العمل والمؤن، لندن، 1777، ص 31).
(Reasons for the late Increase of the Poor-Rates: or, a comparative view of the prices of Labour and Provisions, London, 1977, p. 31).
(7) ما كان روسّي ليحجم عن إلقاء خطبة فخمة ضد هذا الأمر، لو كان قد توغل حقا في اسرار الاستهلاك الإنتاجي (productive consumption).
(8) “إن عمال المناجم في أميركا الجنوبية، الذين تنطوي مهمتهم اليومية (ولعلها الأكثر مشقة في العالم) على جلب حِمل من المعدن، على الكتف، زنته 180 إلى 200 باون، من أسفل منجم عمقه 450 قدماً، إلى سطح الأرض، يقتاتون على الخبز والفاصولياء وحدها، وهم يفضلون الخبز وحده طعاما، إلا أن سادتهم، وقد رأوا أن الرجال لا يستطيعون أداء عمل شاق كهذا بالخبز وحده، يعاملونهم كما تعامل الخيول، حيث يرغمونهم على أكل الفاصولياء، وهذه، على أية حال، أغنى نسبياً، من الخبز، بالفوسفورا. (لیبش، [لتطبيق الكيمياء في الزراعة والفسلجة]. Liebig, [Die Chemie in ihrer Anwendung auf Agrilkultur und Physiologie, 7. Aufl., 1862,] 1. Teil, S. 194, Note).

(9) جيمس ميل، لعناصر الاقتصاد السياسي، ص 238 وما يليها.
(James Mill, [Éléments d’économie Politique,) p. 238 sqq).
(10) “لو ارتفع سعر العمل ارتفاعاً عالياً بحيث لا يمكن استخدام المزيد منه بالرغم من ازدياد رأس المال، فيمكن لي القول إن مثل هذه الزيادة في رأس المال سوف تستهلك بصورة غير منتجة”. (ریکاردو، [مبادىء الاقتصاد السياسي، الطبعة الثالثة، لندن، 1821]، ص 163). (Ricardo, [Principles of Political Economy, 3rd Ed. London, 1821], p. 163). (11) إن الاستهلاك المنتج الوحيد الذي يمكن تسميته بهذا الاسم عن حق، هو استهلاك أو تدمير للثروة (يقصد مالتوس استهلاك وسائل الإنتاج) على يد الرأسماليين بهدف تجديد الإنتاج… إن العامل… مستهلك منتج بالنسبة إلى رب عمله وبالنسبة إلى الدولة، ولكن ليس بالنسبة إلى نفسه، بالمعنى الدقيق للكلمة. (مالتوس، تعريفات [في الاقتصاد السياسي، لندن، 1853]).
(Malthus, Definitions [in Political Economy, London, 1853], p. 30).
(12) “إن الشيء الوحيد الذي يمكن للمرء أن يقول عنه إنه مختزن ومُعدّ سلفاً، هو مهارة العامل… إن تراكم واختزان العمل الماهر، وهما من أهم العمليات، يتحققان، بالنسبة لمعظم العمال، من دون أي رأسمال مهما كان”. (هودجسکین، الدفاع عن العمل، إلخ، ص12-13).
(Hodgskin, Labour Defended etc., p. 12-13).
(13) “يمكن اعتبار هذه الرسالة بمثابة بيان للصناعيين”. (فيراند، مشروع قرار Motion حول المجاعة القطنية cotton famine، جلسة مجلس العموم في 27 نيسان/ إبريل 1863).
(14) يتذكر القارئ أن رأس المال هذا نفسه يعزف لحنا آخر تماما في الظروف العادية، حيثما يتعلق الأمر بخفض الأجور. عندها يعلن السادة بصوت واحد (راجع الجزء الرابع، الحاشية رقم 188، ص 389، [الطبعة الألمانية الحديثة، ص466، والطبعة العربية، ص324-525. ن.ع]: “يجدر بعمال المصانع أن يتذكروا جيدا أن عملهم هو في الواقع من أدنى مراتب العمل الماهر، وإن ليس ثمة ما هو أيسر منه تعلماً، وهو أوفر مكسباً من الأعمال التي من نوعيته، كما لا يدانيه عمل آخر في سرعة ووفرة الحصول عليه بأقصر تدریب لأقل الناس معرفة … والحق أن آلات السيدة (التي عرفنا قبل قليل أنه يمكن التعويض عنها، دون خسارة، في ظرف 12 شهراً) تلعب عملياً في الإنتاج دورة أكبر أهمية بكثير مما يلعبه العامل بعمله ومهارته، (الذي عرفنا عنه قبل قليل أنه لا يمكن التعويض عنها بعد 30 عاما) بهذه المهارة التي تمكن حيازتها بستة أشهر من التدريب، وبوسع أي أجير قروي أن يتعلمها.
(***) کالب: شخصية في تراجيديا الشاعر شیللر الغدر والحب Kabale & Liebe: المشهد الثاني، الفصل الثالث، مارشال في بلاط أحد الأمراء. وحين يسمع بعزم رئيسه على الاستقالة مما يحتم سقوطه يصرخ نادباً: “ماذا سيحل بي؟ ومن سأكون إذا أحالني صاحب السمو على التقاعد”. [ن. برلین].
(15) صحيفة تایمز، 24 آذار/ مارس 1863.
(16) لم يصوت البرلمان بصرف قرش واحد دعما للهجرة واكتفى، ببساطة، بإقرار بعض التشريعات التي تمحض البلديات صلاحيات إبقاء العمال على شفا الموت جوعا، أي استغلالهم بأجور أقل من المعتاد. من جهة أخرى، حين تفشى وباء المواشي بعد 3 سنوات من ذلك، أصابت البرلمان الحمية فتجاوز أصوله المرعية ليصوت مباشرة بصرف الملايين تعويضاً للمتضررين من الملاك العقاريين أصحاب الملايين، الذين خرج مزارعوهم من الوباء من دون خسارة بفعل ارتفاع أسعار اللحوم. إن صرخات الملاك العقاريين عند افتتاح البرلمان عام 1866، التي تشبه خوار الثيران، تبين أن بوسع الإنسان أن يعبد البقرة سابا لا من دون أن يكون هندوسياً، وأن بوسعه أن ينمسخ ثورة من دون أن يكون الإله جوبيتر.
(17) “العامل طلب القوت ليعيش، والسيد طلب العمل لكي يربح”. (سیسموندي، المرجع المذكور، ص 91).
(18) ثمة شكل قروي جلف من هذا الاسترقاق في مقاطعة دورهام. وهي واحدة من المقاطعات القليلة التي لا تتوافر فيها ظروف تضمن للمزارع حقوق ملكية لا جدال فيها على الأجير الزراعي المياوم. فالصناعة المنجمية الموجودة هنا توفر لهذا الأخير خياراً آخر. لذلك فإن المزارع، في مقاطعة دورهام، على خلاف العُرف الجاري في أماكن أخرى، يستأجر فقط تلك الأراضي التي تقوم عليها أكواخ لسكن العمال. ويؤلف بدل إيجار الكوخ (Cottage) جزءا من الأجور. وتعرف الأكواخ ببيوت الأجراء (hind ‘ s houses). ويسمح للعمال باستئجارها مقابل بعض الخدمات الاقطاعية بموجب عقد يعرف بـ “الاسترقاق” (bondage) وهذا العقد يلزم العامل بأمور كثيرة منها أن يأتي بمن يحل محله، كابنته مثلا، حين يجد عملا في موضع آخر. ويدعى هذا العامل نفسه بـ “القن” (bondsman)، إن العلاقة القائمة هنا تبين لنا من وجهة نظر جديدة تماما كيف أن الاستهلاك الفردي للعامل يغدو استهلاكا لصالح رأس المال – أي يغدو استهلاكاً منتجاً. ومن طريف ما نلاحظ أنه حتى غائط هذا الفن يعتبره السيد الحصيف عنصرا من عناصر إيراداته … والمزارع لن يسمح بإقامة أية مراحيض في الجوار غير ما أقامه، ولا يتنازل عن ذرة من حقوق سيادته الاقطاعية. الصحة العامة، التقرير السابع.
(19) ينبغي ألا ننسى أنه حتى المظهر الشكلي لحرية البيع يتلاشى تماما بالنسبة لعمل الأطفال، إلخ.
(20) “إن رأس المال يشترط وجود العمل المأجور، والعمل المأجور يشترط وجود رأس المال. فكل واحد هو الشرط الضروري لوجود الآخر، إنهما يستدعيان أحدهما الآخر إلى الوجود. هل يقتصر العامل في محلج القطن على إنتاج أقمشة قطنية وحسب؟ كلا، إنه ينتج رأس المال. إنه ينتج القيم التي تخلق سيطرة جديدة على عمله، وبواسطة هذا العمل يخلق قيماً جديدة”. (كارل مارکس، العمل المأجور وراس المال، في صحيفة نيو راینیشه تسايتونغ، العدد 266، 7 نيسان/ إبريل، 1849). إن المقالات المنشورة تحت العنوان المذكور أعلاه في الصحيفة المذكورة أعلاه، هي أجزاء من بعض المحاضرات التي ألقينها حول ذلك الموضوع عام 1847 في جمعية العمال الألمان في بروكسيل، وقد حال اندلاع ثورة شباط/ فبراير(م) دون مواصلة نشرها. (م) [في شباط/ فبراير عام 1848 اندلعت في فرنسا ثورة أطاحت بالملك لويس فيليب وأعلنت قيام الجمهورية، وفي حزيران/يونيو عام 1848 ثار عمال باريس احتجاجا على السياسة التي مارستها الحكومة المؤقتة، وعلى حل الحكومة للورش الوطنية التي تكونت بطلب من العمال. وقد قُمعت الانتفاضة، مما أسفر عن مقتل عشرات آلاف العمال، والحكم عليهم بالأشغال الشاقة، ونفيهم إلى خارج فرنسا. وفي نهاية عام 1848 أصبح لويس بونابرت، ابن أخ نابليون الأول، رئيسا لفرنسا. وقام لویس بونابرت في 2 كانون الأول/ديسمبر عام 1851 بانقلاب حكومي وحل الجمعية الوطنية، وعقب مرور سنة على ذلك نصّب نفسه إمبراطوراً لفرنسا]. [ن. برلین].