من سرق المصحف؟


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 6740 - 2020 / 11 / 22 - 22:24
المحور: الادب والفن     

في كتابه، افكار.. ومواقف، الذي جمع فيه مقالات له منشورة، كتب الدكتور أمام عبد الفتاح امام، أستاذ الفلسفة:في هذا الكتاب مجموعة من المقالات المنوّعة، كتبت على فترات متباعدة.. واضاف وقد يكون من المفيد
أن تجمع بين دفتي كتاب، حتى يستطيع من يريد قراءتها أن يحصل عليها في سهولة ويسر، ورأيت أيضا أن تظل بعنوان الزاوية الأسبوعية التي كانت تظهر في الصحيفة..، افكار .. ومواقف. وختم تقديمه وإني لآمل أن تفتح هذه المقالات أمام القارئ أبواب التساؤل الثقافي، فماساتنا الحقيقية أننا نملك من الأجوبة اكثر بكثير مما نطرح من الأسئلة، وهذا هو المعنى الدقيق للانغلاق، بل التخلف الفكري الذي يمنعنا من الحركة والانطلاق.
والاستاذ إمام عبد الفتاح إمام (1934 - 18 حزيران/ يونيو 2019)، كما كتب عنه في ويكيبيديا، أكاديمي ومترجم مصري تخصص في الفلسفة والعلوم الإنسانية، واشتهر بترجمته لأعمال الفيلسوف الألماني هيغل إلى العربية. درس بجامعة عين شمس وعمل في العديد من الجامعات المصرية والعربية وله مؤلفات وترجمات غزيرة متفاوتة الجودة والدقة. هو أبرز تلاميذ أستاذ الفلسفة المصري زكي نجيب محمود، وأحد من تولوا التعليق على فكره في الفكر العربي المعاصر. له مساهمات فكرية في الأوساط الثقافية المصرية.
قسم الكتاب الى ابواب، وعناوين، ووضع تحت كل عنوان مجموعة من المقالات. تساءل في مقاله الاول المنشور تحت باب؛ تخلف المجتمع العربي، والذي وضع له عنوان، كلكم يبكي .. فمن سرق المصحف؟! عن وقائع واحداث، عاشها أو شاهدها. وابتدأها استشهادا بما نقله عن حادث حصل لأبي موسى الأشعري ( ت 42 او44 هج), واصفا جلس أبو موسى يلقي درسه على تلاميذه في مسجد البصرة، فافاض الشيخ وأجاد. لكنه ما أن انتهى من الدرس، وتلفت حوله حتى اكتشف أنه فقد المصحف. وقبل أن ينطق لسانه بسؤال كانت آيات التقوى، والورع، والخشوع ترتسم على وجوه التلاميذ، وكانت الدموع الغزيرة تبلل منهم اللحى، فعجب الشيخ مما رأى، وشاهد، وتساءل في دهشة، كلكم يبكي... فمن سرق المصحف؟!.
واضح بعد هذا النص ما اراد الكاتب الوصول اليه، أو التعبير عنه، فالنص التراثي شهادة له تذكره وهو يرى أمثاله في المجتمع الذي يعيش، والألم يحز في نفسه، كما فعل في الشيخ الذي استذكره، ولا سيما حين يجد من حوله يبكون ولا يجد مصحفه الذي تلا منه إليهم آيات بينات. لا يعرف صحة البكاء والهدف منه، هل هو ورع وتقوى ام خداع وتضليل؟!.. وفي المرويات التاريخية عرف عنه استخدامه المصحف، وتوارث عنه تلاميذه ما كان هو عليه، أو ما حصل معه ورد عليه، ولكن الكاتب هنا اخذ منه ما يعنيه في علم النفس من انفصام الشخصية وتناقضها في المجتمع العربي. وبعد اقتناع من خلال أمثلة كثيرة حدثت أو شاهدها بنفسه، "اني اتذكرك يا ابا الحسن صباح مساء، كلما اجيل النظر في اي مجال من مجالات الحياة التي يؤمن فيها المرء بأفكار ويسلك سلوكا يتناقض مع هذه الأفكار، فيحدث هنا " الصدع " العجيب بين الفكر والواقع، بين النظر والعمل الظاهر والسلوك المعوج بين الإعتقاد من ناحية والحياة من ناحية أخرى. وافهم ما الذي يعنيه الفيلسوف الألماني هيجل عندما قال: أن الأمانة والوداعة وبراءة الوجه لا علاقة لها بالاخلاق"!."
ما تذكره الكاتب الفيلسوف من صراعات اجتماعية في مجتمعه وما ذكره بقصة الأشعري عممت عنده الحالة وزادتها قلقا واعتبارا، فلفت الإنتباه واراد أن يكون المجتمع افضل مما رآه، ودعا من يحرص عليه أن يعمل من أجله وسبيله، فمثل هذه الصراعات لا تتولد من نفسها وانما تحركها عوامل متعددة، اساسها في المجتمع وطبقاته ودورها او بعضها فيها. احزنه ما رآه وكأنه في درس الأشعري، رغم كل السنوات التي مرت واندثرت. ومن المسؤول عما يحصل أو يحدث أو يجري أمامه وبين ناسه، تلاميذه من أبناء الأجيال التي تدير العباد وتعمر البلاد، حاضرا ومستقبلا.
واصل الأستاذ امام تعجبه مما شاهده من أمثلة صارخة، "والعجب أن انفصام الشخصية في بلادنا لا يقتصر على "فئة" ولا طبقة، فسواء كان الفرد عندنا من علية القوم أو أوسطهم أو ادناهم، فهو يعاني من هذه الشخصية المزدوجة." وضرب أمثلة عديدة ومعبرة، وهو ما دعاه إلى كشف المستور فيها والحث على تصحيح المسار. ومثله أو في وصف أهمية دور المثقف في مجتمع كهذا، يمكن الذهاب الى ما طرحه المثقف علي شريعتي ( 23 تشرين ثاني/ نوفمبر 1933 - 18 حزيران/ يونيو 1977 م) في أكثر ما كتب ونشر، من مقالات وكتب. ففي مقالاته رسائل للمثقفين، ومنها كتب: كن على وعي دائما بمسؤوليتك العظيمة داخل المجتمع، فعلى المثقف أن يجد السبب الأساسي لانحطاط المجتمع، وإن التناقضات الاجتماعية كالفقر والغنى لن تحرك الشعوب إلا إذا حُملت تلك التناقضات من داخل النظام الاجتماعي ووضعت في ضمائر الناس ووعيهم. وحده الفقر لن يحرك أحدا وإنما الإحساس به، فكن على وعي بالتناقضات الاجتماعية، فالمجتمع ليس مفعولا به نسقط عليه أفكارنا ونجرب فيه أساليب تعسفية تناقض الفطرة السوية غالبا ولا تقود إلا إلى انهيار. عامل المجتمع كفاعل به لكنه فاعل مريض ينطق بأسباب مرضه. كن كالطبيب خذ احتياطاتك، وقم بتفحصاتك وابحث عن التناقضات الموجودة واعلمها جيدا قبل أي خطوة عملية تقوم بها على الأرض.
في ما كتبه علي شريعتي عموما او في اغلبه قدم لما تعجب منه أمام عبد الفتاح أجوبة موضوعية تسجل للإصلاح والتغيير الاجتماعي والنظر إلى الأسباب التي المت بالمجتمع وتطوره. وتبقى الصورة التي عرضها الأستاذ امام معبرة عن حالة من الحالات التي تعاني منها مجتمعاتنا، في زمنه أو بعده، ولكن الدكتور شريعتي رد عليه بما يكمل الصورة نحو خيارات افضل وحلول توفر ما يمنع التلاميذ من سرقة المصحف، بكل ما يعنيه، من استاذهم وينطلقون معا اذا ما وعوا وأدركوا موقعهم ودورهم في مجتمعهم نحو آفاق جديدة. ولابد من وضع الأسئلة الصحيحة قبل معرفة الأجوبة عليها، وبلا وعي وإرادة يبقى الأشعري يلقى درسه ويفقد مصحفه..ويظل سؤاله.. من سرق المصحف؟!.