ما وراء التصعيد المغربي الأخير في الصحراء الغربية؟


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 6731 - 2020 / 11 / 13 - 20:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تعرف منطقة شمال أفريقيا تصعيدا خطيرا من المغرب الأقصى الذي شعر مؤخرا انه يلقى دعما من بعض الدول التي تناور ضد المنطقة، ومنها الإمارات العربية المتحدة التي لعبت دورا لايخدم مصالح الجزائر في ليبيا، لكن ما يؤسف له عدم إدراك البعض للرهانات الدولية والأخطار المحدقة بالجزائر، فكثيرا ما يلومنا البعض على إصرارنا ودفاعنا المستميت عن حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره، وإلحاحنا على أن لا تقدم الجزائر أي تنازلات للمغرب في هذه المسألة مهما كانت طفيفة. يعتبر هؤلاء أن موقفنا هذا يناقض إيماننا الشديد بضرورة تحقيق إتحاد مغاربي أو ما نسميه إقامة دولة مغاربية واحدة وقوية في جنوب المتوسط لمواجهة وموازنة كل الأخطار المحدقة بأوطاننا من شمال المتوسط، لكن لا يعلم هؤلاء أن فكرتنا في الوحدة المغاربية ليس معناه تحقيق وحدة إندماجية، بل يجب أن تتم في إطار دولة فيدرالية وديمقراطية، أي بمعنى تحافظ كل دولة من الدول المغاربية على كيانها، لكن في وحدة مع الدول الأخرى، أي إتحاد فيدرالي شبيه بالولايات المتحدة الأمريكية، وسيكون لدولة الصحراء الغربية مكانتها في هذا الإتحاد الفيدرالي كغيرها من الدول المغاربية، بل يمكن إعتبار أن هذا الإتحاد المغاربي الفيدرالي هو حلا لمشكلة الصحراء الغربية، فليس دعمنا للشعب الصحراوي معناه تخل منا عن حلمنا في إقامة دولة مغاربية واحدة كما حلم بذلك ماسنيسا وبن تومرت وعلي الحمامي ومفدي زكريا ومؤسسي نجم شمال أفريقيا وغيرهم الكثير.
فما يؤسف له هو إعتقاد البعض أن إصرار النظام في الجزائر على دعم الشعب الصحراوي نابع من حسابات تكتيكية هدفها الإبقاء على النظام بخلق عدو خارجي توجه له أنظار الجزائريين، وتلهيهم عن مشاكلهم ومطالبهم ، فيجب على هؤلاء أن يميزوا بين معارضتهم للنظام والمصالح الإستراتيجية للدولة الجزائرية، فليعلم هؤلاء أن المسألة أعمق من ذلك بكثير، فهي مسألة إستراتيجية، وليست تكتيكية، فهي تخص السلام في منطقتنا المغاربية، وأيضا الأمن الإستراتيجي للجزائر، فيجب أن نضع في الحساب أن الوقوف في وجه النظام المغربي وسياساته التوسعية في المنطقة، ليس معناه خلق عداء مع الشعب المغربي الذي نشترك معه في الجذور والثقافة والمصير والتاريخ. فيجب أن نعي متطلبات أمننا الإستراتيجي بغض النظر عن معارضتنا لسلطة أم لا، فالسلطة شيء والدولة الجزائرية وأمنها ووحدتها شيء آخر، فلنعلم أنه حتى ولو كانت سلطة أخرى تضم هؤلاء المعارضين وأصحاب هذا الطرح المشكك في التحذيرات الجزائرية، فالمغرب ستتحرش بالجزائر إلا في حالة خيانة هؤلاء للمصالح الإستراتيجية العليا للجزائر.
إن موقف هؤلاء المشككين ينم عن جهل تام بالإستراتيجيات وأبسط مباديء السياسة الدولية، فلنتساءل كم ستنفق الجزائر من أموال لحماية حدودها الطويلة جدا مع ليبيا والمالي والنيجر والمغرب الأقصى وغيرها من الدول التي تعيش فوضى أمنية كبيرة إضافة إلى الإنعكاسات السلبية معنويا وعسكريا وأمنيا على قواتنا المرابطة هناك؟ فلنتساءل كيف سنواجه كل هذه الإنفاقات الأمنية مع إنخفاض أسعار النفط الذي تتحكم فيها دول مناوئة لنا، ويأتي على رأسها الإمارات العربية المتحدة والسعودية التي تريد معاقبة الجزائر بسبب مواقفها الصارمة في اليمن؟، فلنذكر الجميع أن أسعار النفط تتحكم فيها أحيانا عملية تعويم السوق، كما تعودت السعودية على فعله منذ بدايات الثمانينيات، فلم تكن وراء أزمتنا اٌلإقتصادية في منتصف ثمانينات القرن الماضي إلا ذلك التعويم السعودي للأسواق النفطية، فمن غير المستبعد قيام السعودية بذلك مستقبلا لدفعنا إلى عجز على مواجهة إنفاقاتنا الأمنية على الحدود الطويلة المهددة إضافة إلى إنفاقاتنا الإجتماعية، مما سيؤدي إلى إنتفاضات شعبية في شمال البلاد، فتستغل ذلك الجماعات الإرهابية الموالية أيديولوجيا للسعودية لإعادة إنتشارها ثم إقامة إمارات ودويلات في الجنوب الغني بالنفط موالية لها، فتتحكم في المصدر الرئيسي لإقتصادنا، فتسقط الجزائر كلها فيما بعد.
لا نتحدث عن كل هذا لتخويف الجزائريين كي يستمر النظام كما يعتقد البعض، بل هي حقائق يعرفها النظام المغربي جيدا، ويعمل على إستغلالها بهدف تحقيق هدف إستراتيجي توسعي واضح في منطقتنا، فليعلم شعبنا بأن الكثير من دول العالم لها هدف إستراتيجي توسعي، فمنها مثلا روسيا التي تستهدف منذ االقيصر بطرس الأكبر في القرن 17 الوصول إلى المياه الدافئة أي التوسع لإيجاد ممرات إلى البحر الأبيض المتوسط، وهو نفس الهدف الذي بقي سائدا لدى الروس إلى حد اليوم بما فيها في العهد الشيوعي، فمثلا بريطانيا بحكم موقعها الجزيري تعمل دائما للحفاظ على التوازن في أوروبا القارية كي لايسيطر عليها قوة واحدة، فتعزلها وتحاصرها، فمثلا نجد الهدف الإستراتيجي للكيان الصهيوني هو “دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات”، ولاننسى الصراع من أجل السيطرة على أوراسيا لأنه الطريق للسيطرة على العالم لدى القوى العالمية الكبرى، وقد وضح بريجنسكي ذلك بالتفصيل في كتابه “لعبة الشطرنج”، فنحن هنا لسنا لإعطاء دروس في إستراتيجيات الدول، فما يهمنا هو جارنا المغرب الأقصى، فمنذ أن أعلن زعيم حزب الإستقلال علال الفاسي في خطاب له عام 1956 عن “المغرب الأقصى الكبير” الذي يتطلب إسترجاع مايعتبره “الحدود التاريخية للمغرب الممتدة من غرب وجنوب غرب الجزائر حتى سانت لوي في السنغال”، فهذا الهدف تحول إلى عقيدة للنظام المغربي، فليعلم هؤلاء بأن الخريطة السياسية في المغرب التي تدرس للأطفال هي هذه الخريطة التي يتحدث عنها علال الفاسي، ولهذا يشعر الكثير من المغاربة بأن سيادتهم ناقصة، ويقفون إلى جانب النظام الملكي في هذه المسألة، لأنها درست لهم وهم أطفال، فلا نكون أغبياء، فمعارضة النظام الجزائري ليس معناه معارضته في كل شيء بما فيها دفاعه المستميت عن المصالح الإستراتيجية العليا للجزائر التي يعيها جيدا، ونعترف له بذلك، فمسألة الصحراء الغربية هي بالنسبة للجزائر مسألة إستراتيجية هامة جدا لأمننا وللسلم في كل المنطقة، فلو أخذ المغرب هذه البقعة أو تم التنازل له عنها، سيطالب بأكثر من ذلك، وسيتشجع لتحقيق المتبقي مما يعتبره “إستردادا لأرضه التاريخية”، وهو ما سيهدد الأمن في المنطقة، ويدخلها في حروب لا تذر ولا تبقى، فلنضع نصب أعيننا أن تنازل الوزير الأول البريطاني تشامبرلين عن السوديت لهتلر في مؤتمر ميونيخ عام1938 لم يحقق السلام كما كان يعتقد قبل ذلك، بل شجع هتلر على إلتهام كل أوروبا وإدخال العالم في حرب عالمية مدمرة.
يجب أن نضع في أذهاننا النوايا التوسعية للنظام المغربي في منطقتنا، فهو يستند في إستيلائه على آراضي الصحراء الغربية على مبرر واه، يتمثل في مبايعة بعض قبائلها لملك دولة السعديين في1660، ويستند أيضا على وهم “الحقوق التاريخية للمغرب” في العديد من أراضي المنطقة، وعلى حساب دول مغاربية وفي أفريقيا جنوب الصحراء، فهو يعتقد أن حدود المغرب تتوقف عند الحدود التي وصلها الملك مولاي إسماعيل(1672-1727) في القرن18، عندما توسع في عدة بلدان، ومنها مناطق في الجنوب الغربي الجزائري تصل إلى عين صالح، وكذلك كل الصحراء الغربية وموريطانيا وجزء من المالي والسنغال، فلندرك بأن أي تنازل له عن أي جزء مهما كان صغيرا، ستدفعه لهضم مناطق أخرى بدعوى إستعادة ما يعتبرها “الحدود التاريخية للمغرب”، وهو مايدخل المنطقة كلها في دائرة من حروب لاتنتهي، مثلها في ذلك مثل كل الأنظمة التوسعية، فقد تجاهل هذا النظام، بأن إذا كانت كل دولة توسعت في التاريخ تعتبر ذلك حدودها التاريخية يجب الإستيلاء عليها، فإن العالم سيعيش دوما في حروب ومآسي، وإذا أخذنا بهذا المنطق، فحتى الجزائر من حقها أن تطلب بأجزاء من المغرب وتونس، لأن جدنا الأقليد ماسنيسا قد تجاوز حدودهما، عندما كان تسمى جزائرنا ب”نوميديا”.
يجب على المعارضين للموقف الجزائري المؤيد للصحراء الغربية أن لاينسوا أو يتناسوا، أنه كلما تحرر بلد في منطقتنا المغاربية، إلا وطالب النظام المغربي بضم جزء أو كل آراضيه، فأعلن حربا على الجزائر في1963، وسعى لضم كل موريطانيا، وزحف على الصحراء الغربية في1975، ويسعى لإقناع المغاربة والعالم، بأن الجزائر هي التي تعرقله في تحقيق أوهامه التوسعية تحت شعار “إستعادة الحقوق التاريخية المغربية”، فعمد إلى إقلاق وإضعاف الجزائر بأساليب شتى، ومنها “حرب المخدرات”.
إن أي تنازل عن قضية الشعب الصحراوي معناه تهديد السلم في المنطقة، لأنه سيدفع النظام في المغرب إلى المطالبة بالمزيد، فلنضع في ذهننا أن أي تنازل لأي نظام توسعي أو ثوري معناه تهديد للسلم، فلو لم تتم تنازلات أوروبية لنابليون بونابرت في اواخر القرن18م لماقامت الحروب النابليونية التي دامت أكثر من 15سنة، وحصدت عشرات الآلاف من الأرواح، ولو لم يتنازل رئيس الوزراء البريطاني تشامبرلين للنازي الألماني هتلر عن السوديت في تشيكوسلوفاكيا في مؤتمر ميونيخ في 1938، لما وقعت الحرب العالمية الثانية، ولو تنازل الغرب لللزعيم السوفياتي ستالين بعد محاصرته برلين في 1948 لسعى لإلتهام أوروبا الغربية كلها، ولقامت حرب عالمية ثالثة، وهو نفس ماينطبق على النظام المغربي، فاي تنازل عن الصحراء الغربية، سيدفعه لإلتهام أجزاء من دول ضعيفة في المنطقة كالمالي والسنيغال وموريطانيا ثم الجزائر، فتدخل المنطقة كلها في حرب شاملة، يجد الغرب فيها سوقا للأسلحة، ويعيدنا عشرات السنين إلى الوراء، ولهذا يجب تحالف كل هذه الدول في مواجهة المغرب حفاظا على ترابهم وعلى السلم في المنطقة كلها.