كيف عكّر الاسلاميون صفو ثورة الابتسامة في الجزائر؟


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 6729 - 2020 / 11 / 11 - 03:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

حاول الاسلاميون في بداية الانتفاضة الشعبية تجنب الاخطاء القاتلة التي ارتكبوها اثناء أحداث 5 اكتوبر 1988 و التي عطلوا عبرها المسار الديمقراطي في الجزائر حينما ديّنوا الانتفاضة و سيطروا على الشارع لأنهم كانوا القوة المنظمة العلنية الوحيدة لان السلطة منحت لهم المساجد و المدارس و الجامعات ضربا لليسار، و دفعتهم للتصعيد الى ان وجدوا انفسهم في النهاية وجه لوجه في حرب مسلحة معها لم تكن تنتظر في الحقيقة سوى الاستفراد بهم لتجهز عليهم و على ما اضطرت للقيام به من انفتاح منذ 1988.
و لئن تمكنوا من تغليط الحراكيين في البداية بمقولة وجوب تجنب الصراع العقائدي ، فمع سقوط العهدة الخامسة التي كانت اهانة لكل الجزائريين على مختلف مشاربهم كان لا بد ان يعود الناس الى قناعاتهم الايديولوجية إذا اصبحت المسألة سياسية خالصة و من هنا كان من الحتمي اثارة طبيعة مشروع المجتمع المأمول.
وسرعان ما تفطن المناضلون العلمانيون والجمعيات النسوية إلى وجود بقايا أنصار جبهة الانقاذ المحظورة في المسيرات و الاحتجاجات، بل شاهدوا على القنوات حتى بعض قيادات الحزب الممنوع تجتمع مع قيادات احزاب سياسية شرعية! و لاحظوا ان نفس مساجد أحياء بلكور و باش جراح و القبة و باب الواد و مسجد الرحمة التي كانت و لاتزال تحت تأثير الجبهة الاسلامية للانقاذ، عادت الى ما كانت عليه في التسعينات كنقطة انطلاق للمسيرات.
و من هنا بدأ الديمقراطيون يدقون أجراس خطر الاصولية المتسترة. و فككوا شعار "دولة مدنية لا عسكرية" الذي هو في النهاية عبارة عن تضليل لا يقصد به اقامة الدولة الديمقراطية التي هي علمانية وجوبا و انما يقصدون الدولة الاسلامية اذ لا معنى للدولة المدنية في واقع الامر و كل المسألة أنهم يريدون التضليل بمعارضة الدولة العسكرية بالدولة المدنية في حين ان الدولة العسكرية يجب ان تعارض بالدولة الديمقراطية، فكلمة مدنية كلمة فضفاضة يخفي تحتها الاسلاميون مشروعا لدولة دينية لا تمت للعصر بصلة.
مع مرور الجُمعات الاحتجاجية بات واضحا ان هدف الاسلاميين ليس الديمقراطية و ما يتبعها من حقوق الانسان و حقوق المرأة خصوصا بل هدفهم الاول هو تصفية حساباتهم القديمة مع جينرالات الجيش الجزائري الذين وقفوا امامهم و لم يتركوا لهم فرصة تحقيق مآربهم في اقامة دولتهم الاسلامية في بداية التسعينيات و هزموهم عسكريا شر هزيمة .
استيقظ الشارع الديمقراطي ايضا لما بدأ يرى شعارات و يسمع هتافات في المسيرات يقترحها من لندن إسلاميو حركة رشاد و التي هي تسمية اخرى للجبهة الاسلامية التي كان لها جيش يسمى الجيش الاسلامي للإنقاذ ذبح من الجزائريين الالاف و ارتكب هو و اخته الحركة الاسلامية المسلحة ابشع الجرائم في حق الانسانية الجزائرية. شعار "الله اكبر كذا الله اكبر كذا " ماركة المتطرفين المسجلة، اعادت الى الاذهان شعارات الجبهة الاسلامية للإنقاذ المحظورة الحالمة بفرض الدولة الدينية :" عليها نحيا و عليها نموت و عليها نلقى الله و عليها نجاهد"، و "دولة اسلامية بلا انتخابات"، تلك الاوهام المدمرة التي خلفت اكثر من 200 الف قتيل خلال عشرية حمراء كاملة و التي باتت تهتف بها جهارا بعض الجماعات المحدودة العدد في الايام الاخيرة داخل المسيرات لجس نبض الحراكيين و قوات الامن.
كل هذا تريد أن تمحيه من لندن قناة اوراس(المغاربية سابقا) المملوكة من طرف ابن مؤسس تلك الجبهة الراديكالية العنيفة و الذي يعمل هو و امير قطر، ممول القناة، على تبرئة جرائمها و اعادة المصداقية لبقاياها في الخارج و دعم المواصلين لنهجها في الداخل كالمسمى سمير بلعربي الذي اصبح وجها من وجوه الحراك في غفلة عن الديمقراطيين و الديمقراطيات و الضيف الدائم في قناة اوراس الانقاذية و الذي يكشف أخيرا عن هويته الحقيقة حينما يصرح لقناة فضائية بأنه مع تطبيق الشريعة و انه يرفض كل قانون يتعارض معها. و هو في الحقيقة يمثل نموذجا للحضور الاسلاموي المدسوس في الحراك.
و لحسن الحظ انفجرت القنابل الاسلاموية المنصوبة وسط ثورة الابتسامة وانكشف امر الظلاميين و بات شعار المرحلة في باريس بين المحتجين المهاجرين : لا دولة اسلامية و لا دولة عسكرية. فإما ان ينتقل هذا الشعار الى الداخل و تستمر ثورة الابتسامة سلمية تنشد الديمقراطية و إما ان ينسحب الديمقراطيون العلمانيون و يبقى الاصوليون وحدهم و تتحول ثورة الابتسامة السلمية إلى حركة عبوس و عنف و دمار.