كلمات من دفتر الأحوال... (24)


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 6718 - 2020 / 10 / 29 - 19:00
المحور: سيرة ذاتية     

فن الانتفاضة، عنوان كتابي الثاني في تسلسل اصداراتي، وقد أصدرته بالسويد عام 1994 ، وله قصته هو الآخر. تبدأ من ما يصعب تسميته بالناشر ولا تنتهي عند قراء طفيليين فعلا أو مستمعين لا يهمهم غير ما في قحف امخاخهم! وإذا تجاوزت إعادة موضوع الناشر، فلا علاقة له بما يسمّى بهذا الاسم أساسا، ولكني أقدر فيه حرصه على العمل أو البحث عن العمل والعيش منه بأي شكل من الأشكال التي شاعت وقتها. ولكن لا بدّ من الإشارة إلى قارئ للكتاب الذي حفظته مكتبة مالمو المركزية، والذي بالصدفة زرتها وسحبته من رفوفها للاطّلاع على الرقم الدولي له ورقم تسجيله في سجل المكتبة، وإذا أرى اسطرا بخط ركيك ولغة أسوأ منه، تفضح صاحبها على الصفحة الأولى من الكتاب، وتشرح نصا المثل، الإناء ينضح مما فيه، هاجم من كتبها المؤلّف لأنه عراقي وكتب عن فلسطين، واضعا تساؤلات من مثل ما العلاقة بينهما، ولماذا لا يكتب عن العراق، ومثل هذه المفردات المخجلة التي لا علاقة لها بالنصّ ولا بالمؤلّف، مما اضحكني فعلا، وبيّن لي مستوى أمثال هذا المتطفل على الكتب والمكتبات. فقد شوّه الكتاب بمفرداته وبخطّه الرديء أوّلا، وفضح نفسه بأنَّه لم يقرأ الكتاب ثانيا، وكشف عن فقدانه أي احترام لأي كتاب مهما كان موضوعه أو اتّجاهه، ثالثا. وسجّل بكلماته تلك جوهره ووعيه، رابعا. كما إنَّ مثل هذه التصرفات الحمقاء لا يكشف مريضها عن اسمه ويضع رأيه بشجاعة للردّ عليه، خامسا. وهذا التشويه المتعمد يعبر عن ضحالة صاحبه وتشوهه نفسيا وعقليا، سادسا.
اهديت الكتاب: إلى أبطال الحجارة... صانعي دولة فلسطين... إلى كلّ من يرفع صوته احتجاجا... إلى كلّ من يناضل في سبيل الحرية والعدالة والديمقراطية. وضم فهرست الكتاب: كلمات، الانتفاضة الفلسطينية، قراءة في التراث الماركسي، لينين وفن الانتفاضة، وهوامش ومصادر. وفي كلمات التقديم كتبت: الانتفاضة، هذا الاسم الجديد - القديم، المعبر عن الحاجة إلى الحرية والكرامة والاستقلال والسيادة، بشكليها، السلمية والعنفية، أو المدنية والمسلّحة، هي شكل راق من أشكال الكفاح السياسي، والنضال الشعبي في سبيل أهداف سياسية، وطنية ديمقراطية. وهي بأي تعريف لها أو تحديد، ظاهرة سياسية – اجتماعية - اقتصادية، وحالة وعي جماعي، وتحوّل تاريخي، وحركة مرحلية في العملية الثورية.
كتبت أيضاً، وقد تستمر الانتفاضة وتتطور مراحلها أو تقمع ويبطش بقوتها. وقد تكون بروفة أولية أو خطوة في مسيرة، أو هزة أو إعلانا مدويا كحجرة في بركة راكدة. كما تتفاوت عوامل الخطر عليها في كلّ الأحوال داخليا أو خارجيا، وكذلك سبل حمايتها، ومثلما تصبح تموجاتها مظهراً لاستمراريتها من جانب، تصبح مبعث خوف عليها من جانب آخر، بضغط موازين القوى وطبيعة الصراع وأطرافه وحتّى من القوى المحتضنة أو المتعاطفة معها.
وختمت كلمات: أن محاولة استقراء فن الإرادة، فن الحجر والكلاشنكوف، فن الإضراب والعصيان، فن الانتفاضة من خلال النموذج الفلسطيني المضيء والمستمر في معناه ورمزه، ومن خلال التراث الثوري للشعوب وتحليل هؤلاء المفكرين العظام له في هذه الصفحات القليلة يستهدف تعميق الخبرة، وتطوير التجربة، ونشر الشرارة وتعميم الانتصارات وتعلم دروس الخيبات والانتكاسات... أهي محاولة انتفاضة في زمن آخر، زمن الإرهاب الدولي والطغيان الذي تقوده الإمبرياليات الجديدة ضدّ الشعوب المستضعفة، والمتطلعة إلى حريتها وكرامتها ومستقبلها؟ هذه الصفحات محاولة بحث في إرادة الإنسان الذي سينتصر لا محالة، مهما خيّم الظلام واشتدت الصعوبات، أو هي تكبيرة آذان لفجر جديد قادم.
في قراءة الانتفاضة الفلسطينية وبيانات ونداءات قيادتها التي تابعت تطوّراتها تأكيد على مبادئ أساسية في وحدة القوى المنتفضة ومركزية القيادة والشعارات والأهداف المنشودة، وتركيز على تنوع أساليبها وضرب قوى العدو في كلّ نقاط ضعفه ومراكز قوته، كلّما كان ذلك ممكنا وأينما تكون. وفي مطلع الفصل التالي عن التراث الماركسي، مقولة لكارل ماركس تقول، علينا أن نعلن للحكومات: أننا نعرف إنَّكم قوة مسلّحة، موجهة ضدّ البروليتاريين، ولسوف نواجهكم بصورة سلمية حيث يبدو ذلك ممكنا بالنسبة إلينا، والسلاح عندما يكون ذلك ضروريا... وكذلك في قراءة ما كتبه لينين عن فن الانتفاضة في العديد من مقالاته وتوجيهاته وتركيزه على ضرورتها العملية وعدم التوقف عند اندلاعها. وفي خاتمة الكتاب وهوامشه، سجلت، في عتمة ظلام الأوطان، حيث نحل، هنا أو هناك، تكون الانتفاضة الفلسطينية الشمعة المضيئة والمنارة في الرمز والمعنى، في الواقع والحلم. وهي تستحق أكثر من بحث ودراسة واستقراء، وفي هذا القدر من الاهتمام جرى التركيز على "فن" الانتفاضة، فن "الإرادة" والبحث في عناصر القوة والإشعاع، وعوامل النصر، وأسباب الديمومة، أساسا وهدفا.
دعتني جمعية ثقافية في مدينة مالمو السويدية للحديث عن الكتاب، فن الانتفاضة، وبحضور كبير من أعضاء الجمعية وأنصارها الحزبيين الذين أعرفهم جيدا، تمّ ذلك إيجابيا، ولكن ما فاجأني هو أسئلة بعض الحزبيين، مثل ما هو علاقة الموضوع وانتفاضة شعبنا في العراق، ولماذا تكتب عن فلسطين وليس عن العراق، وأحدهم بكلّ صلافة قال لقد جئت من مدينة أخرى لأني تصورت إنَّك ستتكلم عن العراق وغيرها من الأسئلة الأخرى التي تشبهها، وسخافة المشوه للكتاب في المكتبة. وبالتأكيد هناك أسئلة جدية ضاعت بين هذه الأسئلة ومستويات أصحابها في وعيهم وموقفهم المسبق أساسا من الموضوع والمحاضر. وحاولت الردّ على الجميع ومناقشة كلّ الأسئلة دون استثناء. في ردي على المتسائلين قلت لهم، بأنكم لم تقرأوا عنوان الدعوة لكم مما يدلّ على حضوركم بقرار وليس برغبة، ومن يحضر كذلك لم يسمع المحاضرة ولا أبعادها والثوابت فيها لكلّ انتفاضة شعبية أوّلا، وأن المحاضرة عن الكتاب الذي صدر لي هنا، وتحدثت عن محتوياته، وهي موجودة في نصّ الدعوة التي على ضوئها تمت مشاركتكم... ولو كانت أسئلتكم هذه بصيغة أخرى، أكثر موضوعية وتهذيب، لأجبتكم عنها بما يناسب من خلال النصوص التراثية التي ضمها الكتاب. للأسف هناك بعد كلّ ما جرى وحصل فينا وفي العالم وأوصلنا إلى هنا من لا يفكر بعقله ولا يريد أن يشغله بما يجب أو ينبغي أن يكون عليه الأمر. وهذه مشكلة لا بداية لها وبالتأكيد ليست لها نهاية واضحة إذا استمرّت العقلية ذاتها في التعبير عن سقف وعيها لما يحيط بها ويتطلب منها.
المضحك في الموضوع عند نهاية الندوة وخروجنا من القاعة تقرّب مني بعض من الذين سألوا تلك الأسئلة المخجلة معتذرين عنها وأنّهم أرادوا فقط الاستفزاز لي لأتحدّث أكثر عن الموضوع. وآخرون سألوني بعد كلّ ذلك أين يمكن أن نقرأ عن الانتفاضة في العراق خصوصاً، وآخرون اعتذروا عما حصل من جدل بيزنطي له تعبيراته طبعا. وفي كلّ الأحوال فهمت من السائلين والمحيطين بهم مستوى وعيهم وإدراكهم المهمات المطلوبة والأوضاع التي كانت عليها أحوال المنفيين والباقين هناك تحت سيف الدكتاتورية ووعي أمثال هؤلاء وقياديهم. ولا بدّ من التذكر أننا هنا في بلد متقدم معرفيا وسياسيا، وأن أغلب الحضور ممن صار له سنوات غير قليلة قابع فيه.
شكوت لصاحبي ذلك فردني بما قاله الإمام علي، حين سؤل من ابنه الحسن وإجابه: "سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: لا فقر أشدّ من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحشة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا ورع كالكف، ولا عبادة كالتفكّر، ولا إيمان كالحياء والصبر. وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة الحلم السفة، وآفة العبادة الفترة، وآفة الظرف الصلف، وآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة المن، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحسب الفخر. يا بني لا تستخفن برجل تراه أبداً، فإن كان أكبر منك فعد أنه أبوك، وإن كان في مثل عمرك فهو أخوك، وإن كان أصغر منك فأحسب أنه ابنك."
* لمراجعة الحلقات السابقة
www.kadhimmousawi.blogspot.com