نحكم على الناس بأفعالهم وليس باقوالهم


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6717 - 2020 / 10 / 28 - 22:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بعد قرائتي الحوار ببن الدكتورين العزبزين, حسين علوان وتوما حميد, تكونت لدي بعض الافكار وخصوصا فيما يتعلق بموضوعة الدين, الماركسية عموما, وطبيعة النظام الطبقية في العراق, اسردها باختصار بالغ هنا ولربما سأسعى الى معالجتها بتوسع اكثر من جديد لاحقا.
.............
المادية التاريخية, كما نعلم, جزء من الماركسية وتعني ضمن امور اخرى دراسة الظواهر, الدينية او خلافها, في واقعها التاريخي المحدد ومن خلال تحديد قوى وعلاقات الانتاج التاريخية في فترة زمنية محددة. اي انه امر مناقض للمادية التاريخية وعموم الماركسية أن نتكلم عن إسلام محمد وكأنه نفس اسلام الأحزاب الدينية او ميليشاتها التي تحكم العراق باسم ألإسلام, لا حبا بالإسلام طبعا, بل كبضاعة رأسمالية, كبضاعة لقهر الشعب وإتخام جيوبهم وحساباتهم بالأموال عن طريق الفساد العارم وحرمان الشعب. ففي العراق 30% من الناس هم فقراء باعترافات السلطة نفسها وليس هناك شبكة رعاية اجتماعية فعالة للعاطلين والمشردين والأرامل والمعاقين بالملايين. الأحزاب الدينية لا تشتر الله-هم الإبراهيمي السادي العبوس (لأنهم هم ساديون ومتوحشون, اي انهم من يخلق مثل هذا الله وليس العكس), ولا محمدا ولا أئمتهم الاطهار وحتى مرجعياتهم بفلس واحد. ان الأحزاب الدينية ظاهرة سياسية بحتة وليست موضوعة فكرية يسعفنا فيها ماركس كثيرا بما هو مفيد. ماركس تحدث عن وظيفة الدين غير المسيس وكتجريد ثيولوجي او لاهوتي لا علاقة له بالإسلام السياسي وعصاباته وميليشياته التي تقمع البشر وتتاجر بالمخدرات وبالنساء والأطفال. ان هذه الاحزاب الدينية, حالها حال الاحزاب العَلمانية(!) في السلطة, كلها قناع لتغطية الوجه القبيح للنيوليبرالية التي ادخلها بريمر الى العراق بعد احتلاله حيث فصّل اتباعه على مقاييسهم دستورا لتكريس النوليبرالية باسم الإسلام والقداسة وخلق طبقة كومبرادورية تدين بولائها للرأسمالية العالمية, رأسمالية المحتل , رأسمالية رجالات البنوك والأعمال. الرأسمالية العالمية تسعى الى أبقاء العراق دولة ريعية وسوق تصريف لبضائعها لكي تحول دون نشوء دولة صناعية زراعية تقلل اعتمادها الاقتصادي على الخارج مما كان سيشكل ضربة قاصمة للكومبرادورية الحاكمة وسعيها لتنفيذ اجندتها لصالح الرأسمال العالمي-غلق بريمر آلاف المصانع ورمى نصف مليون عامل على قارعة الطري, وكما يشرح يوسف بكر بأسهاب
GLOBAL CAPITALISM AND IRAQ: THE MAKING OF A NEOLIBERAL STATE
Yousef K. Baker
https://www.jstor.org/stable/43499905?seq=1
او آخرون مثل روبرت لوني
Neoliberalism In a Conflict State: The Viability of Economic
Shock Therapy in Iraq
Strategic Insights, Volume III, Issue 6 (June 2004)
by Robert Looney
https://apps.dtic.mil/dtic/tr/fulltext/u2/a521633.pdf

العملية السياسية بكل احزابها وقواها هي جهاز لإدارة العراق لصالح الرأسمال العالمي. إنها الإمبريالية الجديدة التي تحكم بشكل لا مباشر وعن طريق أعوانها في الداخل. الامبربالية العالمية تستغل وتستخدم كل الظواهر, بضمنها الدينية, لنشر سرطانها الخبيث. فمن خلق القاعدة وبن لادن وداعش؟ أليست هي أمريكا لمحاربة الشيوعية وبسط فاشياتها في المنطقة؟ من أتى بأحزاب العملية السياسية الى السلطة؟ أليست هي أمريكا وحليفاتها التي وعدت باحالة العراق الى جنة بتحقيق الحلم ألرأسمالي كما تكتب مجلة الرأسمالية العالمية الايكونوميست؟

فتحول حلم الرأسمالية الى كابوس وبربرية تجثم على صدور العراقيين, فقامت بقتل واعاقة عشرات الألوف لانهم ارادوا ان يصحوا من الكابوس.

ونحن نتحدث هنا عن موضوعة سياسية او جنائية بحتة. فالفساد والسرقة والقتل والعنف وهدر الاموال العامة في العراق هي امور سياسية-جنائية تتطلب معاقبة من يرتكب مثل هذه الموبقات مهما كان مركزه او دينه او قوميته او جنسه. وهذه كلها أمور لا علاقة لها بالدين كمعتقد شخصي او كنظام ثيولوجي او طقوس, لان الجرائم تضر بالافراد وبالصالح العام, مما يستدعي تفعيل القوانين الرادعة واستقلال القضاء وعدم تسييسه, وهذه كلها أمور مستحيلة بوجود العملية السياسية التي تلهث فقط وراء مصالحها وفي خدمة الرأسمال العالمي ولا تشتري الوطن والقانون واستقلاله بشروى نقير. هذا كله لا علاقة له بماركس او بنظرته الى الدين. انها موضعات اساسا غير دينية وعندما نعتقد العكس فاننا سنصبح وجه العملة الآخر للعملية السياسية واحزابها الدينية التي تصور الصراع ضدها ليس كصراع ضد الرأسمالية الطفيلية
في العراق ونظامها الفاشي ,بل كصراع بين المؤمنين الاطهار بالضد من الكفار والارهابيين ومقوضي سيادة الدولة-اين هي الدولة؟- وليس كصرا ع بين سلطة غارقة في الفساد والدم حتى أذنيها ضد شعب محروم تتفشى فيه الامراض الجسدية والنفسية والفقر والبطالة ويُرجع فيه العراق ماديا وحضاريا الى القرون الوسطى كما اعلن بوش الابن قبيل احتلاله العراق.

كما اود التذكير بما ذكرته مرارا مسبقا ان الحزب الشيوعي العراقي وتحالفه المشين مع احد إطراف ألإسلام السياسي الفاشي بتبريرات غرامشية لا علاقة بها لا بغرامشي ولا بالشيوعية من قريب او بعيد وتصب فقط لصالح الاستبداد والبربرية وخدمة الرأسمال المحلي والعالمي, . فهذه ايضا قضية غير دينية وان كانت قضية فكرية. فالحزب يناقض الماركسية ويقبلها رأسا على عقب بزعمه إن دولة بريمر يمكن اصلاحها رغم جذورها وفلسفتها الرأسمالية وطبيعتها الاستبدادية والرجعية كدولة بروسيا التي اعتبرها هيغل تجسيدا لفكرته المطلقة في الديالكتيك. انهم هيغليون وليسوا ماركسيين, وهيغليون يمينيون فوق ذلك. دولة بروسيا الهيغلية كرّمت هيغل وبجلته, ولكنها قمعت ماركس لآرائه الثورية والديموقراطية والاشتراكية ووقوفه الى جانب الثورة الألمانية آنذاك. الحزب الشيوعي العراقي دخل مجلس الحكم والعملية السياسية واصبح جزءا من منظومة المنطقة الخضراء المعادية لمصالح ألأغلبية الساحقة من الشعب العراقي في المنطقة الحمراء. الحزب يقف في خانة المنطقة الخضراء وبالضد من المنطقة الحمراء. و لا يغير من هذه الحقيقة قيد شعرة اقتباسه لماركس او لينين ليل نهار. فنحن نحكم على الناس بأفعالهم وليس باقوالهم.