للأسف .. ليس بوسع ماركس ان يسعفك!! (رد على تحريفات حسين علوان بخصوص موقف منصور حكمت من الدين)


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 6717 - 2020 / 10 / 28 - 16:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تريثت في نشر الرد على حسين علوان فيما يخص التعامل مع الدين لانه خصص له عدة حلقات، لم ينتهي بعد منها. ولكني وجدت في المطاف الاخير انه يستند لحد الان الى موضوعة معينة. تفنيد منصور حكمت من خلال مقولات ماركس ولينين من جهة، وارتباطاً بها، ان منصور حكمت بولبوتي لانه يدعو بخلاف ماركس ولينين، الى استئصال الدين من "خالقه" أي الانسان بـ"العنف" و"القسر"! رغم نشره عدة حلقات لحد الان الا ان لب نقده هو واحد. ورغم كون ردي هنا (على حلقتين) على حلقة واحدة من مقاله، الا انه يمكن ان يسري المنطق ذاته باشكال مختلفة على بقية الحلقات. ساقرر لاحقا، ان كنت ارد على بقية الحلقات ان كانت هناك ضرورة.
ساوضح للقاريء كم ان اراء حسين علوان بهذا الخصوص هي غير منهجية، غير علمية ولا تاريخية وانتهازية ومبنية على تحريف لمقولات ماركس ولينين او فهم سطحي لها. لقد غض النظر قصداً وعمداً عن القسم الاغلب من احاديث منصور حكمت التي ترد على اتهاماته بوضوح وصراحة. ان هذا امر غير مقبول، ولكن مفهوم. اذ هو يدور "لزمة" مثلما يقولون بالعراقي اكثر مما هو يبحث بصورة امينة. ولهذا فانه غير جدي، وبرايي انفق وقته هدراً، ونصيحتي المخلصة ان لايفعل ذلك.
الاهم من هذا وذاك، اقول هل هو هذا كل ما خرج به من ثنايا ابحاث عظيمة وتاريخية في غاية الاهمية، وثرية الى ابعد الحدود؟ ابحاث لايمكن سوى وضعها في خانة واحدة مع ارقى الاعمال الفكرية-السياسية في تاريخ الحركة الشيوعية. واوصي القاريء بقرائتها. سارفق روابطها في اخر المقال.
منصور حكمت "بولبوتياً"!!!
لأسهل الموضوع الطويل على القاريء العزيز اورد له مقتطف واضح وصريح لمنصور حكمت يفند كل افتراءات حسين علوان وكل العمارات "الشاهقة" والهشة في الوقت ذاته التي بناها حول: "ولو كانت لديه (اي منصور حكمت) السلطة لتحول الى بول بوت اخر"، ويبين دوسه على اي علمية وانعدام الامانة السياسية.
في البداية، ان هذه هي ذات العبارات التي ترددها البرجوازية وابواقها المعادية للشيوعية باتهام الاخيرة بالستالينية او البولبوتية.
ان محور منهجية منصور حكمت هو "الانسان هو الاساس"، "الاشتراكية حركة اعادة الخيار للانسان" و...الخ، والتي لا تختلف في محتواها ذرة عن "الانسان اثمن رأسمال" (ماركس).
لقد أورد حسين علوان فقرات طويلة لمنصور حكمت ولكن تحاشى خلسة، بصورة انتهازية، المقطع ادناه الذي هو امتداد لما ورد في المقابلة ذاتها. ان تحاشيه هذا هو مغرض وانتقائي وهدفه لوي الحقائق من اجل خدمة هدفه السياسي. من الواضح ان كل الاسلحة مباحة في المعركة غير السياسية لحسين علوان.
ليطلع القاريء على هذا النص ويحكم بنفسه!:
"رأيي، ان تأسيس "فدائيي الاسلام"، بحد ذاته، ليس بجريمة. ان نشدان ارساء عالم اسلامي ليس بجريمة ايضاً. علينا، بدءاً، تعريف الجريمة، وبالتالي منعها. لو ياتي امرء ويقول اني انشد ارساء مجتمع اسلامي يكون فيه الناس تعساء، وتوثق النساء بسلاسل العبودية، ويبلغ افكاره للجماهير ويسمعوا منه، عندها ليس ثمة جريمة قد ارتكبت حتى هذه اللحظة. لكن لو شرع بالقتل، الارهاب، السجن، حرمان طفل من حقوقه، تطاول على حياة امرء ما ووجوده وحريته، عندها، واستنادا الى هذه الجرائم، يجب ان ينال جزاءه. على هذا الاساس، برايي، ان نفس تشكيل احزاب اسلامية حتى في نظامنا لن يكون جريمة. ان تشكيل جماعة تتبنى جعل العالم كله اسلامياً ليس بجريمة طالما ان التعبير عن اكثر الافكار جنوناً وحماقة هو من حق الناس. بوسعهم طرح نظراتهم. ان هدفنا هو، وعبر اقامة مجتمع لايتستر فيه اي امرء على طموحاته ونياته السياسية خلف مثل هذه الامور، مجتمع يكون امراً معلوم فيه اين يقع مكتب ومقر اي حزب وماذا يعمل، مجتمع بوسع الجماهير فيه رؤية نشاطات وكتابات كل الجماعات، الحيلولة دون تنامي هذه التيارات. في مجتمع حر حيث يتمتع الجميع بحق التعبير عن رايهم، يحق لكل امرء ان يكتب مسرحية او شعراً، ان يخرج للشارع جاهراً بافكاره، او منتقداً للمناهج المدرسية او يستخدم الاذاعة والتلفزيون اللتان تتيحان الفرصة للجميع بالتساوي للتعبير عن ارائهم، عندها لو اتى امرء من بين عشرة الاف امرء اخر لينطق بالنظرات الفاشية، العنصرية او الاسلامية، ستكون ظاهرة يمكن تحملها من قبل المجتمع، بل وحتى سيستسخفها ولايأخذها على محمل الجد. ولكن اذا ذهبت ونظمت جماعة الفدائيين الاسلامية، لتشتري بعدها المتفجرات، تجمع الاسلحة، تهيء وبصورة غير مشروعة قائمة باسماء وعناوين الناس لتغتالهم، او تمضي لتضع المتفجرات في بلد اخر، عندها ستقوم الدولة المعنية باعتقال هذه الجماعة لابسبب اسلاميتها، بل بسبب الاعمال التي أوردتها".
منصور حكمت لايدعو الى استئصال الدين من عقول الناس او قمع المتدينين من الاساس، بل ان حتى تأسيس أحزاب دينية، إسلامية تدعو الى نشر الإسلام يعتبره حق. يؤكد منصور حكمت في نفس المقابلة التي يقتبس منها حسين علوان وفي الف مكان ومكان على ضرورة القضاء على الظروف المادية التي تعزز وتديم الدين وكل الايديولوجيات التي لا تخدم الانسان. ان هذه بديهية لا يتحدث بها ماركس ولينين وكل من يسير على نهجهما فحسب، بل كل انسان يتمتع بادنى درجات العقلانية والواقعية تحت مصطلح تجفيف منابع ظاهرة ما!.
يقول منصور حكمت للمرة الالف من حق الانسان ان يعتنق اكثر الأفكار حماقة وسفاهة مادام لايلحق الأذى بالاخرين. الذي يتهم به حسين علوان منصور حكمت هو تقليد الحزب الشيوعي، تقليد التيار الستاليني عندما يكون قويا. عندما يكون في موقع قوة يقومون بالاعمال التي قام بها بول بوت، يكونواعلى استعداد لسحل الناس في الشوارع، وقاموا بذلك في اواخر الخمسينيات واوائل الستينيات، وعندما يكونوا ضعفاء يصبحون متملقين للاسلاميين والقوميين وشديدي الشراسة معنا ومع اليساريين. ان رفاق حسين علوان من قام برمي الكلاب في الجوامع، وليس منصور حكمت! فحكمت نفسه يقول "اني لا اؤمن بوجوب ممارسة العنف والقسوة على الاسلام او اساساً استخدام العنف بوجه المسائل الاجتماعية الاخرى الموجودة. بيد اني اؤمن ان استخدام القوانين والتوعية سوية بوسعه صد باب الاسلام" (بصدد النضال ضد الدين).
كما قلت يعرّف منصور حكمت الاشتراكية بـ"حركة إعادة الخيار الحر والواعي للإنسان". كيف لصاحب هذه المقولة ان يكون استبدادياً وبولبوتيا؟! هل ننظر الى ماكتبه وقاله منصور حكمت ام نصغي الى تحريفات حسين علوان عنه. يذكر منصور حكمت في برنامج الحزب الشيوعي العمالي-عالم افضل، فيما يخص التعامل مع الدين "حرية الدين والإلحاد". فهو لايتحدث عن حرية الالحاد فقط، بل عن حرية التدين والالحاد وحتى قدم كتابياً حرية الدين على حرية الالحاد.
ياتي علوان ويتهمه بالبول بوتية التي هي احد تقاليد تياره السياسي. طالما اطلع علوان على منصور حكمت، لماذا لم يدرج هذا النص الواضح حول تعامل منصور حكمت مع موضوعة الدين؟! لماذا غض النظر عن هذا المقطع اعلاه؟ هل في هذه علمية؟ ان هذه لاعملية وانعدام امانة وانتهازية سياسية ذات اهداف سياسية.
منهجية "لا تاريخية"!
لقد وعدني حسين علوان بالعلمية. للاسف لم يفي بوعده. فالاقتباسات لوحدها لا تدلل على العلمية. العلمية امر متعلق بالمنهجية. ان مسعى حسين علوان الاساسي هو تفنيد منصور حكمت بمقولات ماركس ولينين دون اي حسبان للزمان، للمكان، الظرف والسياق التاريخي للمقولات. ان هذا خطأ منهجي فاحش. لايمكن ذلك. اين عصر ماركس ولينين من عصرنا؟! اين كانت مكانة الدين أنئذ وصلتها بهذا العصر. ما هي الصلة بين "الدين افين الشعوب" والدين حكومات ودول ومليشيات وعصابات واجرام ومافيات؟ ان هذه المقارنة هو عمل واعي، مدروس هدفه التضليل والخداع وايهام الجماهير، وبالتالي، الدفاع عن موقف وسياسة مساومة مع الدين ومطأطاة الراس له. وهدفها العملي بلوغ الطرف الاخر لهذا الحبل، تبرير ممارسات وسياسات من مثل "تحالف سائرون"!
ماهي الصلة بين ذاك العالم، عالم كان فيه الدين امر هامشي في المجتمع، لا دور له يذكر في السياسة ولا في الحركات الثقافية والفكرية لذاك العصر، ناهيك عن تحديد مصير المجتمع، ظاهرة مزدراة ومبعث سخرية وبين دين اليوم، دين "ماكنة جز رقاب"، "ماكنة حصد ارواح" بكل ما للكلمة من معنى حين تكون في المعارضة، فكيف الحال بها وهي في السلطة!!، دين داعش، النصرة، القاعدة، ابو سياف، امارة القوقاز الاسلامية، الحشد الشعبي، عصائب اهل الحق، حزب الله، الشباب المسلم و... دين يجز رقبة معلم في ضواحي باريس وليس في المدينة او مكة، بل في مدرسة في قلب باريس، معلم احترم شعور طلابه المسلمين، وقال بوسع المسلمين ان يخرجوا من الصف لمجرد ان يعرض على البقية صور كاريكاتورية توضيحاً لمفهوم حرية الراي والتعبير؟!
ما هي الصلة بين دين مرحلة ماركس حيث يتناوله كظاهرة باقية في حياة الناس، فردية، ومبررات بقائها لدى الانسان، وبين دين اليوم الذي تشتكي منه اوربا، معقل التقدم والعلمانية والحريات، من اكتساح الاسلام لها وهجمته على قيمها العلمانية؟! وطبعا باموال السعودية وقطر وايران وتركيا والامارات و.... لاهداف سياسية واضحة تتعلق بالهيمنة والتوسع.
حين قال ماركس "الدين افيون الشعوب"، لم يرى الدين والحكومات والجماعات الاسلامية في اواخر القرن العشرين. صادرت الثورة الفرنسية ممتلكات الكنيسة وقمعت تدخل الكنيسة في الحياة الاجتماعية. الكنسية، كانت نشاط تحت سيطرة دولة علمانية، واصبحت مرة اخرى مجازة و"الفضل" في ذلك يعود للقوانين النابليونية. لم تكن مؤسسة قمع، بل "النظرية العامة للعالم المقلوب"، "زفرة وتنهيدة المضطهد"، "قلب عالم عديم الروح وروح عالم عديم الروح" و... (نحو نقد فلسفة الحق الهيغلية، ماركس 1844).
بيد ان الدين اليوم دولة ونشاط سياسي ومالي ضخم . الدين اليوم حكومة وسلطة ومليشيات يقف امامها الانسان عاجز الى ابعد الحدود جراء اجراميتها. الدين هو ممارسة القمع المنظم بالقانون على ابسط زوايا الحياة الاجتماعية والشخصية، يعني نهب مقدرات دول، يعني عصابات للتهريب النفط والسلام والمخدرات، يعني ممارسة الاضطهاد الجنسي، قمع ابسط الحقوق والحريات، يعني سلب الضحكة والفرح من الشاب، يعني الدمار المادي والمعنوي للبشر، يعني الاذلال والتراتبية، يعني النفاق والكذب والدجل الصريح والعاري يعني اغتصاب الاطفال في عمر التاسعة، يعني "مفاخذة الرضيع" و"التقبيل"، يعني بيدوفيليا قانونية، يعني ويعني ويعني...
لو ان ماركس عاش ايامنا هذه، لقال مثلنا ان الدين ليس افيون الشعوب فحسب، بل مؤسسة ابشع عصابات الافيون. ان بدء عملية ارساء تحرر الانسان هي خيال دون وضع حد لتطاول المؤسسة الدينية على حياة الناس. ببساطة لان الدين مثل الفاشية تنظيم سياسي واجتماعي معادي للانسان.
يورد حسين علوان " انظر الفرق بين السياسي الماركسي الحاذق لينين وبين هذا الغر . لينين على رأس السلطة ولكنه يحذر من المس بالدين مباشرة لتجنب التفرقة الاجتماعية ، بل يوجه ملايين البلاشفة بمحاربة الجهل والفقر بدلاً من ذلك مثلما شرح لنا ماركس وانجلز ، وهذا منهزم مع جماعتة من ساحة المعركة ويتفذلك بالبهلوانيات اللفظية ضد الدين دون ان يفهم ما هو الدين.. .
لايوجد في كلامه أي تحليل طبقي اقتصاسياسي يعتد به ، فقط رغائبيات مضحكة مبكية مخططها الأساسي هو تحويل الشيوعية من تحرير العمل الى محاربة الدين ، ولو كانت لديه السلطة لتحول الى بول بوت آخر ..." .
ساتحدث لاحقاً عن هذه الـ"المنهزم مع جماعته من ساحة المعركة ويتفذلك بالبهلوانيات اللفظية ضد الدين" البائسة.
انظر الى هذه المقارنة بين خطاب لينين في 18.11.1919 وبين مايقوله منصور حكمت، ليتبين بشكل واضح بان منطق حسين علوان ليس له أي ربط بالتاريخ. أفكار ماركس ولينين لدى علوان هي "أفكار" بحد ذاتها، "نصوص"، منزوعة من سياقها التاريخي ومن خلفيتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنضالية ومن القوى السياسية التي تقف خلفها.
يشيد منصور حكمت دوماً بالبراعة التكتيكية للينين. بيد ان موقفه هذا هو امر منطقي و"عادي" وليس فيه شيء "استثنائي"، اذ انه في عام 1919 في خضم صراعات مرحلة الثورة ومن حرب أهلية طاحنة والمخاطر كانت تحيط به من كل مكان. لقد كان كل همّ لينين هو حشد كل القوى صوب الاطاحة باعداء الثورة. لم يريد لينين في تلك الأوضاع اثارة اي موضوع يحرفهم عن هدفهم المباشر. ومنها موضوعة الدين او الجنس (نقاشه مع كلارازاتكين) مثلا، اذ طلب منها ان هذا ليس وقت اثارة الموضوع. لقد كان يريد كسب تاييد اوسع القطاعات ليس بانتهازية ولكن بتاجيل القضايا غير الاساسية في ذلك الوضع الحساس. لقد كانت المسالة الأساسية هو الإطاحة بسلطة البرجوازية والمحافظة على الثورة وعلى سلطة البروليتاريا.
مرة أخرى ما هي الصلة بين دين مرحلة لينين وتكتيك اتخذه لينين المتحفز للسلطة ويسعى لمركزة الحزب وكوادره حول جمع القوى نحو الاطاحة بالقيصرية، وحتى لايبعد قوى مها كانت صغيرة بطريقة غير سياسية وطفولية، وحرصه على عدم اثارة أي موضوع يشتت اهتمام الشباب والمجتمع عن الثورة والدين في يومنا هذا؟
ولكن رغم هذا الواقع، لم يتحدث لينين عن: "لا تنتقد الدين!". يقول يجب ان نكون "حذرين". يتحدث عن الأسلوب. يقول " فإذا ما أكسبنا هذا النضال حافة حادة للغاية فقد نتسبب في إثارة الاستياء الشعبي". ان هذا تعامل منطقي وصحيح.
ولكن هل هناك أي منطق في المقارنة الحرفية بين ما قاله ماركس في وقت كانت المؤسسة الدينية والكنيسة قد وضعتهما البرجوازية، في طورها التقدمي، في قفص ونزعت الانياب عنهما، او بين وضع لينين وهو في خضم مهام اكثر جسامة من الثورة نفسها ولم يكن الدين مسالة تذكر نوعا ما، وبين مايقوله منصور حكمت في زمن ان الغالبية العظمى من الجماهير في ايران تعد الايام والعدة لازاحة نظام الجمهورية الاسلامية. من السهل ان نفهم ان ماركس يصف ظاهرة معينة ويفسر سر وجودها وبقائها في حياة المجتمع والانسان آنئذ، فيما يتبنى لينين تكتيك وتعامل "هاديء" مع ظاهرة لاتمثل اي اولوية في اجندته الملغومة بالقضايا الحساسة والمعقدة. في حين منصور حكمت يواجه حقيقة: ثمة غول دموي يجثم على صدر المجتمع وينثر مصائبه على العالم اجمع، وان اساس هذه الظاهرة، "الصحوة الاسلامية"، هو تمكن الثورة المضادة من انتزاع السلطة ومجيئها للحكم. ولهذا، ومن اجل تغيير الواقع، لاندحة للجماهير في ايران من اللجوء الى ثورة والثورة بالأساس ستكون ضد الإسلام السياسي الحاكم وليس "تفتيش العقائد" وانكار حق الانسان في تبني العقيدة مثلما وضح مقتطفه في بداية المقال.
هناك فرق شاسع بين مجتمع يكون الدين قد حول الى مسالة شخصية وبين مجتمع تحكمه سلطة دينية فاشية. هناك فرق كبير بين ان تكون في الحكم مثل لينين وبين ان تكون في المعارضة لسلطة فاشية مثل الجمهورية الإسلامية.
هذه المقارنات تبين الفهم اللاتاريخي، والترديد الببغائي للمقولات الماركسية من قبل حسين علوان.

"تجريد" انتهازي....!
ان يتمكن شخص من تسويد عشرات الصفحات عن مسالة الدين ونقد موقف معين من الدين دون ان يتحدث بشيء عن المجتمعات التي نعيشها وواقع ووضع الانسان في ظل سلطة حركة فاشية سواء في ايران او العراق او المنطقة، وهي الإسلام السياسي التي تتخذ من الدين، وهنا الإسلام ايدويولوجيتها، وتحول حياة مئات الملايين من البشر الى جحيم حقيقي، وان يحول مسالة الدين الى "امر فكري محض" وثرثرة مثقفين تحتاج حقا الى عبقرية. لو يقوم شخص من ايسلاند مثلا، بمثل هذا النقاش التبريري، بالإمكان السكوت عنه، ولكن ان يكون هذا الشخص يعيش في العراق، وهو مجتمع يمر باسوأ مايمكن ان يمر به مجتمع انساني، بسبب الإسلام والعصابات الإسلامية، يتطلب فعلا قدرة هائلة في الجمنازيم والبهلوانية الفكرية، ولابد من التصدي له.
ان تحويل الماركسية الى محاججة فكرية هو امر سياسي وليس فكري يخدم أغراض معلومة، خدمة صريحة وسافرة للاسلام السياسي. اتحدى حسين علوان ان يربط مقولة من مقولاته بواقع مجتمعات المنطقة. فالامر مفهوم، يبتعد حسين علوان قدر المستطاع عن الحديث عن المجتمع ويحول النقاش الى ثرثرة فكرية، لانه يعرف بان الواقع لايدعمه. يعرف جيدا ان عليه الابتعاد عن المجتمع وحياة الانسان الواقعية لان عبارة "الانسان يخلق الدين" عبارة عامة "لاتهش ولاتنش" اليوم. ان الاستنتاج النهائي لكل ماقاله حسين علوان هو " لاتنتقد الدين" وهو بذلك يشارك البرجوازية بنصيبه من القمع، ولكنه قمع "فكري" منمق و"محترم" و"حصيف"، بحجة مرائية وكاذبة وسلطوية مختلفة، أي كون نقد الدين "موقف غير ماركسي".
تحدثت في رديّ السابقين على حسين علوان عن التهمتين الاولى والثانية التي ترمى في وجه الشيوعيين وهي "الخيانة" و " الصبيانية السياسية". اوكد ان التهمة الثالثة والتي تقذف في وجوههم، والتي يرددها بشكل وباخر حسين علوان هي " عدم الواقعية والابتعاد عن الواقع". ولكن من رده يتبين من هو الواقعي والمسؤول تجاه المجتمع، موقف الشيوعية العمالية من الإسلام والإسلام السياسي ام حسين علوان والحركة السياسية التي يمثلها؟!

مجتمع "اسلامي" ام مبتلى بالاسلام؟!
يعترض حسين علوان على تأكيد منصور حكمت على ان "ايران ليست بمجتمع إسلامي" بالقول "الدين إنما هو من صنع الإنسان...من صنع المجتمع لكون البشر يعيشون في المجتمعات حتماً .... "الدين إنما هو منتج اجتماعي" لا غير ؟ فإذا كان الدين الإسلامي موجوداً في إيران فلا بد أن يكون من انتاج المجتمع الإيراني و ليس مستورداً من اليابان، فكيف يدعي منصور حكمت علينا و الحالة هذه بأن "ايران ليست بمجتمع اسلامي " ؟
ويستشهد حسين علوان بماركس
" يقول ماركس " وعليه فإن فيورباخ لا يرى"الشعور الديني" إنما هو بحد ذاته منتج اجتماعي ، وأن الفرد المجرد الذي يحلله إنما ينتمي في الواقع إلى شكل اجتماعي محدد"
و يقول:
"إن الأساس في النقد اللاديني هو: أن الإنسان هو الذي يصنع الدين ، والدين لا يصنع الإنسان . الدين ، في الواقع ، هو وعي الذات واحترام الذات للإنسان الذي لم يكسب نفسه بعد ، أو الذي فقد نفسه بالفعل مرة أخرى . لكن الإنسان ليس كائنًا مجردًا يجلس خارج العالم . الإنسان هو عالم الإنسان - الدولة والمجتمع . و هذه الدولة وهذا المجتمع ينتجان الدين"...
ويضيف حسين علوان
"إذن بموجب العلم الماركسي فإن المجتمع الأيراني هو من أنتج الأديان الإيرانية كلها ـ سابقا و لاحقا ؛ و الدين الاسلامي هو دين غالبيته الآن على الأقل خصوصاً لأن شكل دكتاتورية ولاية الفقيه الأتوقراطي الخانق غير موجود إلا فيه".
ان انتقاد ماركس لفيورباخ هو انه "لايرى الشعور الديني انما هو بحد ذاته منتج اجتماعي" وعبارته الاخرى "الانسان هو عالم الانسان-الدولة والمجتمع. وهذه الدولة وهذا الانتاج ينتجان الدين" بحد ذاتهما تفندان كل موضوعة علوان. اذ بقاء الدين لايعني ان الناس كافراد قرروا الابقاء على الدين. وانما بقاء الدين هو جزء من الدولة والمجتمع اللذان ينتجانه بوصفه بنية فوقية للمجتمع هدفها ادامة عمر الطبقة الاجتماعية الحاكمة. اذ حين يتحدث عن الانسان يقصد "عالم الانسان".
قبل الحديث عن فهمه المشوه لمقولات ماركس وانجلس ولينين. دعني أقول لحسين علوان، دعنا من التنظيرات والتحليلات الفكرية، انظر الى أي صورة اخذت في مجتمعات ايران وأفغانستان والعراق في الخمسينيات، الستينيات او السبعينيات وقارنها مع وضع اليوم، مسالة حرية المرأة، الحجاب، المظاهر المدنية وغيرها، ما هو سبب هذا التقهقر المريع؟؟ هل بـ"قدرة قادر" زاد ايمان الانسان في هذه المجتمعات بالإسلام؟ هل تطورت وسائل انتاج الفكر الديني و أصبحت قدرة الانسان على انتاج الدين اكثر غزارة؟ كم من الظواهر الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل والحرائق الخ حدثت فادخلت الخوف في قلوب جماهير هذه البلدان لكي تلجأ الى الدين نتيجة الخوف من الطبيعة؟ كيف تفسر انتقال مجتمع متحرر مثل مجتمع ايران الى الوضع الحالي؟ ونفس الشئ ينطبق على المجتمع العراقي والافغاني والمصري و.... حتى ان مصطلحات من مثل "الصحوة الاسلامية" او "النهضة الاسلامية" ما هم الا كذبة صرف!
من اين اتى هذا التغيير؟ هل تغير المجتمع بذاته؟ هل كانت هناك قوانين جعفرية، زواج متعة، زواج القاصرات، هل كان أحدا يصوم غير كبار السن؟ لقد كان هناك ضغط على المجتمع. لقد شرعوا قوانين إسلامية وقاموا باسلمة المجتمع بالف طريقة وطريقة بما فيه استخدام القوة. لقد قامت السلطة وبطأطأة النخبة المثقفة لراسها من مثل علوان بتغيير المجتمع؟.

تحدثت في الحلقة السابقة ان تصنيف المجتمعات بوصفها "دينية"، "قومية" او... ليس بعمل علمي، بل عمل سياسي. لا اتطرق لهذا هنا. ولكن، بدءا، على علوان ان يرد على: لو كان المجتمع الإيراني او العراقي مثلا مجتمعات "إسلامية"، لماذا يصرف الإسلاميين مليارات الدولارات المنهوبة من المائدة الخاوية للمحرومين على اسلمة المجتمع؟! ولماذا يقومون بكل هذا العنف؟، لماذا يشكلون كل هذه المليشيات وكل ابواق الدعاية من فضائيات واذاعات ومدارس وجوامع الخ؟؟ لماذا يصادرون افكار الناس، ولماذا يقمعون اي راي او فكرة مخالفة، لماذا يرموا بالزنازين ويعدموا معارضيهم، لماذا يقفوا بوجه حريات الجماهير وحقوقها، لماذا يشيطنوا ويخوّنوا ويشهروا بمعارضيهم، لماذا يصيغوا العمارات الفكرية بوجه الغناء والرقص و.... هذا يدلل على ان المجتمع عصري ويتطلع لان يسير بركاب الغرب. ارفع الضغوطات عن المجتمع ودعه ان يكون حراً، عندها ترى كم هو "اسلامياً". كم الذين يتابعون مسلسل اسلامي مقارنة بمسلسل تركي؟! لم نسمع احد تحدث عن اخر تلاوات عبد الباسط، ولكنه يعدون الايام لاخر حفلات كاظم الساهر وراغب وياس خضر. بوسع الانسان ان ياتي بالف دليل ودليل حياتي ويومي عن "لا اسلامية" المجتمع.
يسعون بالعنف، بالضغوطات، بالحملات الدعائية، باموال طائلة لاسلمة المجتمع. يقولون عنه اسلامي كي يؤسلموه.
لقد وصلت الجمهورية الإسلامية التي هي منبع الإسلام السياسي الى الحكم في عملية سياسية بدعم من الغرب ضمن متطلبات الحرب الباردة. انا هنا لا اتحدث كيف ان الإسلام أساسا فرض على المجتمع العراقي والإيراني بالقوة اثناء الغزوات الإسلامية، بل انا اتحدث عما يجري في هذه المجتمعات اليوم وفي التاريخ المعاصر. لقد اتت التيارات الاسلامية على انقاض فشل المشاريع القومية التنموية والتحديثية لما بعد الاستقلال. لقد كان هذا النموذج مرغوباً للطبقة البرجوازية بوصفه انجع سلاح بوجهه الطبقة العاملة والشيوعية في عالم الحرب الباردة. مثلما سعى الغرب وامثال قطر وتركيا بالدفع ببديل الاخوان المسلمين ابان الربيع العربي. وبهذا السياق، اطلع الجميع على وثائق هيلاري كلينتون الاخيرة والتي تكشف تخصيص قطر 100 مليون دولار لانشاء قناة فضائية تلفزيونية في سياق الدفع بالاخوان المسلمين للسلطة!!! اي ان الامر سياسي صرف ولا صلة له بطبيعة المجتمعات.
الدين "من خلق الانسان" فلا تنتقدوه!
ان دين اليوم ليس "اساطير الاولين" النابعة من خوف الانسان من الطبيعة ومحاولة التقرب لقوة لا للإنسان حول او قوة عليها. خلق الانسان في المجتمعات القديمة الدين بدافع الخوف. كان الانسان يخاف من الموت، اذا لايوجد تفسير طبي للموت، فاخترع الة الموت، يتضرع له حتى يحميه من الموت. وكذلك الحال مع الهة البرق والرعد و.... مع بروز المجتمع الطبقي، تم توظيفه مثل ظواهر أخرى من اجل ادامة التفاوت الطبقي والقمع والاستغلال وتبريرهم. لقد اخذ الدين معنى ومسار اخر هو تفسير التفاوت الطبقي عن طريق اختراع الجنة والنار، وان وجود جنة دائمة في السماء هو مسعى لدفع الطبقات الكادحة لتحمل مصاعب ومشقات الارض، مشقات ظلم الطبقات السائدة لايرى حسين علوان كل هذا، بل يرى الدين كعقيدة الناس فقط.
يرى ماركس، بان الانسان يخلق الدين في المجتمع الطبقي ويديمه كسلوان له في ظروف عديمة الإنسانية التي يفرضها هذا المجتمع، ويوكد بان هناك مصلحة طبقية في ادامة الدين كبنية فوقية.
ان فهم حسين علوان لظاهرة الدين هو فهم ميكانيكي الى اقصى الحدود. ان يستنتج من قول ماركس بان الدين لايصنع الانسان، لايوجد اله خلق الانسان وان الانسان هو الذي يخلق الدين ويتم ادامته في ظروق مادية معينة، وفي ظل مجتمع طبقي وبوجود مصلحة طبقية، بان الدين هو منتوج الانسان لذا لايجوز نقده ومحاربته يحتاج الى عقلية ميكانيكية فريدة.
يقوم ماركس في كتاباته التي يقتبسها حسين علوان بوصف وضع خلقه المجتمع الطبقي، عن مكانة الدين في المجتمع الطبقي. يفسروضع الانسان الديني ولماذا يصبح الدين في المجتمع الطبقي الذي يقاسي فيه الانسان من الاغتراب والظلم والاستغلال وحياة مليئة بالعذاب سلوان له.
ماركس لايتحدث عن ان الناس تختار الدين بمحض ارادتها او عن كون الدين خيار من الخيارات المتاحة للإنسان، او كونه هواية يتبناها الانسان، بل يتحدث عن انسان يعمل 14 ساعة ليعود الى البيت مرهقاً مستنزفاً لكي يتعافى من عذابات العمل ويتحضر لليوم التالي، في حلقة مفرغة تدوم عقود مديدة حتى الموت. ماركس يتحدث عن انسان ليس له خيارات، عن كيف ان الدين هو وسيلة لتخفيف الالام. يتحدث عن وجود مصلحة طبقية في الاستفادة من الدين لادامة هذا الوضع وعن كيف ان الطبقات الحاكمة تشيع الدين والوهم الديني من اجل هذه المصلحة. ان تختزل كل هذا الى ان الدين هو منتوج الانسان لذا لايجوز نقده هو ايضاً فهم من نوع فريد.
لا افهم لماذا لايقول لنا حسين علوان كلامه الاثباتي ولماذا يقوم بالاعتماد على اقتباسات من ماركس وانجلس ولينين بعد تجريدها من سياقها التاريخي ليقول لنا رأيه. يتهموننا نحن في الشيوعية العمالية بعبادة الشخصية والكليشية ولكن هو يمثل رمز الكليشية وتحويل الماركسية الى دوغما ميتة وعديمة المعنى والروح.
ان هذا النوع من اللجوء لماركس ولينين هو مسالة سياسية، وليست فكرية، لها اسم محدد ومعروف في السياسة، انتهازية. لا ماركس، الثورة الاشتراكية، الصراع الطبقي، "علم تحرر البروليتاريا"، "لاوطن للعمال"، التغيير، ديكتاتورية البروليتاريا و... لها اي مكانة في المنظومة الفكرية والسياسية للتقاليد السياسية لامثال حسين علوان منذ عقود مديدة، ليس لها اي دور يذكر في حياته الفكرية والسياسية، لماذا تذكرها الان؟! ان جر اقدام ماركس ولينين لا صلة له بـ"حب" هما او الاسترشاد بهما، بل انتهازية سياسية محض. يريد صاحبنا جر اقدام ماركس او لينين لدعم حججه بالسكوت عن الاسلام السياسي ومماشاته. لا حاجة لذلك. ليقل كلامه، وان كان كلامه صحيحا، ستاتي الناس من خلفه.
للموضوع تتمة....
ايران ليس بمجتمع إسلامي -منصور حكمت

http://wpiraq.net/annoucmentDetail.aspx?Articleid=4111&AuthorID=2008#.X5lQPhLityw
نمو وأفول الاسلام السياسي-منصور حكمت
http://wpiraq.net/annoucmentDetail.aspx?Articleid=4113&AuthorID=2008#.X5lSkhLityw
الارهاب الإسلامي- منصور حكمت
http://wpiraq.net/annoucmentDetail.aspx?Articleid=4100&AuthorID=2008#.X5lTIhLityw
الاسلام وحقوق الأطفال منصور حكمت
http://wpiraq.net/annoucmentDetail.aspx?Articleid=4063&AuthorID=2008#.X5lT_RLityw
بصدد النضال ضد الدين-منصور حكمت
http://wpiraq.net/annoucmentDetail.aspx?Articleid=4059&AuthorID=2008#.X5lVDxLityw
حول حرية التعبير-منصور حكمت
http://wpiraq.net/annoucmentDetail.aspx?Articleid=4104&AuthorID=2008#.X5lWMhLityw