الديالكتيك الماركسي


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6715 - 2020 / 10 / 26 - 20:25
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

الديالكتيك الماركسي


My dialectic method is not only different from the Hegelian, but is its -dir-ect opposite.

Afterword to the second German edition 1873
Capital Vol. 1
منهجي الديالكتيكي ليس مختلفاً فقط عن منهج هيجل بل هونقيضه
"خاتمة الطبعة الألمانية الثانية لرأس المال 1873"
هوذا القول الفصل لماركس بخصوص علاقة الديالكتيك الماركسي بالديالكتيك الهيجلي .

ثمة قوم فرحون بـ"نهاية الشيوعية" وتعبيراً عن فرحهم أخذوا ينكرون الديالكتيك المادي لماركس ويزعمون أن الديالكتيك الماركسي إن هو إلا الديالكتيك الهيجلي وهو ليس إلا أسلوباً للتفكير .

لا يمكنني أن أصدق أن هؤلاء القوم هم أغبياء لدرجة أنهم يعتقدون أن ديالكتيك ماركس هو نفسه ديالكتيك هيجل وأنه مجرد منهج للتفكير الذي هو أصلاً منهج سقراط في الحوارالمحسن عبر ما يزيد على عشرين قرناً . يعتقدون ذلك بعد كل الإكتشافات الصاعقة في علوم الطبيعة وخاصة علم الفيزيا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين وأهمها على الإطلاق إكتشاف ماركس لديالكتيك الطبيعة (Nature Dialectics) .
ليس من المستحب التقليل من شأن الفيلسوف هيجل وديالكتيكه المثالي كون الرجل كان من فلاسفة القرن الثامن عشر ولم يعاصر التقدم الهائل في علوم الفيزياء وعلم الفضاء خلال القرنين التاسع عشر والعشرين إلا أننا لا نملك إلا أن نشك في الأهلية الفكرية لهؤلاء الذين لا يمايزون بين الديالكتيك الهيجلي والديالكتيك الماركسي رغم أنهما من عالمين مختلفين .. الديالكتيك الهيغلي هو مقاربة محدثة لعلم المنطق وعلم الكلام بينما الديالكتيك الماركسي هو علم العلوم أو علم الطبيعة (Nature Science) الذي تتوالد منه كل العلوم بمختلف أجناسها وخاصة علوم الفيزيا ومنها الفيزياء الكونية (Cosmophysics).

الديالكتيك الهيجلي يقوم على افتراض مسبق وهو أن الوجود المادي للكون بكل أشيائه هو في الأصل في حالة سكون تام وثمة قوة خارجه ذات حكمة مطلقة (الله) تحركه وفق شروط مناسبة . مثل هذا التصور هو أقرب إلى الديانات اليونانية القديمة التي كانت تعتقد أن للريح إله وللبحار إله وللنار إله وللحرب إله وللحب إله ثم جاء هيجل فوحد مختلف أولئك الآلهة في إله واحد هو "الحكمة المطلقة" التي تقرر كل حركة في الكون وهو ما تقوله الديانات الإبراهيمية الثلاث السابقة لديالكتيك هيجل .
فيض العبقرية لدى كارل ماركس جعله يتخلى عن دراسة الحقوق في بون وينتقل إلى برلين ليدرس الفلسفة على يد جورج هيجل الذي طبقت شهرته أوروبا في عمادة الفلسفة . كان السؤال الكبير الذي يستولي على اهتمام ذلك الشاب العبقري كارل ماركس هو .. "أي عالم هو هذا العالم !؟" وهو السؤال الذي لا تجيب عليه غير الفلسفة .
في برلين درس فلسفة هيغل المثالية دون أن تقدم جواباً شافياً لما يشاغله وتعرف على فيورباخ وفلسفته المادية دون أن تطفئ غليله المعرفي . دراسته العميقة للفلسفتين المتناقضتين المادية والمثالي عملت على الإفاضة في عبقريته فكان اكتشافه للديالكتيك المادي وأن الأصل في الكون هو الحركة (Motion) أو الطاقة (Energy) وأن الكون بمختلف تجلياته المادية إنما هو الطاقة تنتظم في أشكال مختلفة .
عاش الإنسان ملايين السنين على الأرض دون أن يكتشف "الحقيقة المطلقة" أو أصل وعلة الوجود حتى جاء ماركس واكتشف قوانين المادية الدياكتيكية ونقل الفلسفة من دائرة الآداب إلى دائرة العلوم وبذلك قبرت كل الفلسفات الأخرى عميقاً في مزبلة التاريخ باكتشافها قانون الحركة في الطبيعة وهو علة الوجود .
قال ماركس أن وجود الشيء مرتبط أولاً وأخيراً بتزامن التناقضين الرئيسيين فيه ؛ وقال إنجلز أن الحركة أو الطاقة هي سبب وجود الأشياء ؛ ومعادلة آىينشتاين الشهيرة قالت بتحول الكتلة إلى طاقة . فأن تكون الطاقة أصل الأشياء وسبب الوجود فذلك يعني أن الديالكتيك الماركسي هو القانون العام للطبيعة وللوجود وتطوره دون أن تسكن حركته لرمشة عين .
وللتدليل على الفرق النوعي بين الديالكتيك لبهيجلي والديالكتيك الماركسي فالأول يقول بأن الحكمة المطلقة – كما "الله" في الديانات القديمة – هي التي تتحكم بالكون وتغيره وفق حكمتها بينما ينفي الديالكتيك الماركسي أية قوى خارج الطبيعة وتتطور الطبيعة بفعل قواها الذاتية ، قوة الطاقة الكامنة فيها . وبموجب هيجل تتمثل الحكمة المطلقة بالدولة التي تقوم بتطوير المجتمع بينما الدولة حسب ماركس تتشكل ممثلة للطبقة التي تمتلك أدوات الإنتاج في المجتمع وتحول دون تطوير المجتمع .

وأخيراً قالت مراكز الاستقصاءات المتخصصة أن كارل ماركس هو أكبر المفكرين في الألفية الثانية، لا بل هو أكبر المفكرين في كل تاريخ البشرية فحتى بعد ولادته بأكثر من قرنين يذكر اسمه والاستشهاد به ملايين المرات يومياً .
التحليل الملحمي للنظام الرأسمالي ما كان لماركس أن يقوم به لولا الإعتماد على قوانين الديالكتيك المادي (الماركسي) كما أكد ماركس نفسه . انهيار النظام الرأسمالي حتى في مركزه الأخير، الولايات المتحدة، برهن على صحة تحليلات ماركس . النجاحات غير المتوقعة التي حققتها الاشتراكية السوفياتية منذ العام 1917 وحتى العام 1953 إعتماداً على الاسترشاد بمبادئ الماركسية وقفت دليلاً قاطعاً على صحة تلك المبادئ، لا بل انهيار الاتحاد السوفياتي منذ العام 1953 وحتى العام 1991 كان أبلغ قطوعا على صحة الماركسية التي تخلى عنها الحزب الشيوعي السوفياتي في الأعوام 1953 – 61 .

ما يثير السخرية حقاً هو إدعاء بعض أـنصاف المتعلمين بأن الماركسية انتهت إلى الفشل وقد لفظها التاريخ . الماركسية هي أولاً وأخيراً قوانين المادية الديالكتيكية أي القانون العام للحركة في الطبيعة والذي هو سبب وجود الطبيعة بكل تجلياتها ومنها أنصاف المتعلمين أنفسهم. وبناء علية فإن الثورة البلشفية برهنت على أنها أقوى من كل أعدائها وهي ما زالت في الأرض وستفاجئ الجميع في وقت قريب .



الديالكتيك الماركسي


My dialectic method is not only different from the Hegelian, but is its -dir-ect opposite.

Afterword to the second German edition 1873
Capital Vol. 1
منهجي الديالكتيكي ليس مختلفاً فقط عن منهج هيجل بل هونقيضه
"خاتمة الطبعة الألمانية الثانية لرأس المال 1873"
هوذا القول الفصل لماركس بخصوص علاقة الديالكتيك الماركسي بالديالكتيك الهيجلي .

ثمة قوم فرحون بـ"نهاية الشيوعية" وتعبيراً عن فرحهم أخذوا ينكرون الديالكتيك المادي لماركس ويزعمون أن الديالكتيك الماركسي إن هو إلا الديالكتيك الهيجلي وهو ليس إلا أسلوباً للتفكير .

لا يمكنني أن أصدق أن هؤلاء القوم هم أغبياء لدرجة أنهم يعتقدون أن ديالكتيك ماركس هو نفسه ديالكتيك هيجل وأنه مجرد منهج للتفكير الذي هو أصلاً منهج سقراط في الحوارالمحسن عبر ما يزيد على عشرين قرناً . يعتقدون ذلك بعد كل الإكتشافات الصاعقة في علوم الطبيعة وخاصة علم الفيزيا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين وأهمها على الإطلاق إكتشاف ماركس لديالكتيك الطبيعة (Nature Dialectics) .
ليس من المستحب التقليل من شأن الفيلسوف هيجل وديالكتيكه المثالي كون الرجل كان من فلاسفة القرن الثامن عشر ولم يعاصر التقدم الهائل في علوم الفيزياء وعلم الفضاء خلال القرنين التاسع عشر والعشرين إلا أننا لا نملك إلا أن نشك في الأهلية الفكرية لهؤلاء الذين لا يمايزون بين الديالكتيك الهيجلي والديالكتيك الماركسي رغم أنهما من عالمين مختلفين .. الديالكتيك الهيغلي هو مقاربة محدثة لعلم المنطق وعلم الكلام بينما الديالكتيك الماركسي هو علم العلوم أو علم الطبيعة (Nature Science) الذي تتوالد منه كل العلوم بمختلف أجناسها وخاصة علوم الفيزيا ومنها الفيزياء الكونية (Cosmophysics).

الديالكتيك الهيجلي يقوم على افتراض مسبق وهو أن الوجود المادي للكون بكل أشيائه هو في الأصل في حالة سكون تام وثمة قوة خارجه ذات حكمة مطلقة (الله) تحركه وفق شروط مناسبة . مثل هذا التصور هو أقرب إلى الديانات اليونانية القديمة التي كانت تعتقد أن للريح إله وللبحار إله وللنار إله وللحرب إله وللحب إله ثم جاء هيجل فوحد مختلف أولئك الآلهة في إله واحد هو "الحكمة المطلقة" التي تقرر كل حركة في الكون وهو ما تقوله الديانات الإبراهيمية الثلاث السابقة لديالكتيك هيجل .
فيض العبقرية لدى كارل ماركس جعله يتخلى عن دراسة الحقوق في بون وينتقل إلى برلين ليدرس الفلسفة على يد جورج هيجل الذي طبقت شهرته أوروبا في عمادة الفلسفة . كان السؤال الكبير الذي يستولي على اهتمام ذلك الشاب العبقري كارل ماركس هو .. "أي عالم هو هذا العالم !؟" وهو السؤال الذي لا تجيب عليه غير الفلسفة .
في برلين درس فلسفة هيغل المثالية دون أن تقدم جواباً شافياً لما يشاغله وتعرف على فيورباخ وفلسفته المادية دون أن تطفئ غليله المعرفي . دراسته العميقة للفلسفتين المتناقضتين المادية والمثالي عملت على الإفاضة في عبقريته فكان اكتشافه للديالكتيك المادي وأن الأصل في الكون هو الحركة (Motion) أو الطاقة (Energy) وأن الكون بمختلف تجلياته المادية إنما هو الطاقة تنتظم في أشكال مختلفة .
عاش الإنسان ملايين السنين على الأرض دون أن يكتشف "الحقيقة المطلقة" أو أصل وعلة الوجود حتى جاء ماركس واكتشف قوانين المادية الدياكتيكية ونقل الفلسفة من دائرة الآداب إلى دائرة العلوم وبذلك قبرت كل الفلسفات الأخرى عميقاً في مزبلة التاريخ باكتشافها قانون الحركة في الطبيعة وهو علة الوجود .
قال ماركس أن وجود الشيء مرتبط أولاً وأخيراً بتزامن التناقضين الرئيسيين فيه ؛ وقال إنجلز أن الحركة أو الطاقة هي سبب وجود الأشياء ؛ ومعادلة آىينشتاين الشهيرة قالت بتحول الكتلة إلى طاقة . فأن تكون الطاقة أصل الأشياء وسبب الوجود فذلك يعني أن الديالكتيك الماركسي هو القانون العام للطبيعة وللوجود وتطوره دون أن تسكن حركته لرمشة عين .
وللتدليل على الفرق النوعي بين الديالكتيك لبهيجلي والديالكتيك الماركسي فالأول يقول بأن الحكمة المطلقة – كما "الله" في الديانات القديمة – هي التي تتحكم بالكون وتغيره وفق حكمتها بينما ينفي الديالكتيك الماركسي أية قوى خارج الطبيعة وتتطور الطبيعة بفعل قواها الذاتية ، قوة الطاقة الكامنة فيها . وبموجب هيجل تتمثل الحكمة المطلقة بالدولة التي تقوم بتطوير المجتمع بينما الدولة حسب ماركس تتشكل ممثلة للطبقة التي تمتلك أدوات الإنتاج في المجتمع وتحول دون تطوير المجتمع .

وأخيراً قالت مراكز الاستقصاءات المتخصصة أن كارل ماركس هو أكبر المفكرين في الألفية الثانية، لا بل هو أكبر المفكرين في كل تاريخ البشرية فحتى بعد ولادته بأكثر من قرنين يذكر اسمه والاستشهاد به ملايين المرات يومياً .
التحليل الملحمي للنظام الرأسمالي ما كان لماركس أن يقوم به لولا الإعتماد على قوانين الديالكتيك المادي (الماركسي) كما أكد ماركس نفسه . انهيار النظام الرأسمالي حتى في مركزه الأخير، الولايات المتحدة، برهن على صحة تحليلات ماركس . النجاحات غير المتوقعة التي حققتها الاشتراكية السوفياتية منذ العام 1917 وحتى العام 1953 إعتماداً على الاسترشاد بمبادئ الماركسية وقفت دليلاً قاطعاً على صحة تلك المبادئ، لا بل انهيار الاتحاد السوفياتي منذ العام 1953 وحتى العام 1991 كان أبلغ قطوعا على صحة الماركسية التي تخلى عنها الحزب الشيوعي السوفياتي في الأعوام 1953 – 61 .

ما يثير السخرية حقاً هو إدعاء بعض أـنصاف المتعلمين بأن الماركسية انتهت إلى الفشل وقد لفظها التاريخ . الماركسية هي أولاً وأخيراً قوانين المادية الديالكتيكية أي القانون العام للحركة في الطبيعة والذي هو سبب وجود الطبيعة بكل تجلياتها ومنها أنصاف المتعلمين أنفسهم. وبناء علية فإن الثورة البلشفية برهنت على أنها أقوى من كل أعدائها وهي ما زالت في الأرض وستفاجئ الجميع في وقت قريب .