رأس المال: الفصل السادس عشر (71) صيغ مختلفة لمعدل فائض القيمة


كارل ماركس
الحوار المتمدن - العدد: 6715 - 2020 / 10 / 26 - 11:14
المحور: الارشيف الماركسي     



صيغ مختلفة لمعدل فائض القيمة
سبق أن رأينا أن معدل فائض القيمة يجد تعبيره في الصيغ التالية

أولاً – العمل الفائض/ رأس المال المتغير (ف/م) = فائض القيمة/ قوة العمل = العمل الفائض/ العمل الضروري

إن ما تمثله الصيغتان الأولى والثانية كتناسب بین قیم، تمثله الصيغة الثالثة كتناسب بين مدتين زمنيتين يتم خلالهما إنتاج تلك القيم. إن هذه الصيغ التي يعوض بعضها بعضا، هي دقيقة مفهومياً. ولذلك نجدها في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي وإن كانت مصاغة هناك بصورة مادية ولكن غير واعية. ولكننا، نجد هناك بالمقابل ما يلي من الصيغ المشتقة:

ثانياً – العمل الفائض (*)/ يوم العمل = فائض القيمة/ قيمة المنتوج = المنتوج الفائض/ المنتوج الكلّي

فالتناسب الواحد ذاته يجد، هنا، تعبيره بصورة تناسُب بين وقتي عمل، والقيم التي يتجسد فيها وقتا العمل هذان، والمنتوجات التي تتضمن هذه القيم. وبالطبع يفهم من تعبير “قيمة المنتوج” هنا القيمة المنتجة حديثة في يوم العمل، وذلك باستبعاد الجزء الثابت من قيمة المنتوج.

إن جميع الصيغ المذكورة في «ثانياً» تعبر تعبيراً زائفاً عن الدرجة الفعلية لاستغلال العمل أي معدل فائض القيمة. فلنفرض أن يوم العمل يتألف من 12 ساعة. ولو استخدمنا نفس الفرضيات المعمول بها في أمثلتنا السابقة، لوجدنا أن درجة استغلال العمل الحقيقية تتمثل في النسب التالية:

6 ساعات عمل فائض/ 6 ساعات عمل ضروري = 3 شلنات فائض قيمة/ 3 شلنات رأسمال متغير = 100%.
وإذا ما استخدمنا الصيغ الواردة في “ثانياً” فسنحصل على نسبة مختلفة تماما هي:
6 ساعات عمل فائض/ يوم عمل من 12 ساعة = 3 شلنات فائض قيمة/ 6 شلنات من القيمة المنتجة حديثة = 50%.
إن هذه الصيغ المشتقة تعبر، في واقع الأمر، عن النسبة التي يتقاسم بها الرأسمالي والعامل يوم العمل أو القيمة الجديدة المنتجة فيه. وإذا اعتبرناها بمثابة تعابير مباشرة عن درجة النمو الذاتي لقيمة رأس المال، فسينجم عن ذلك أن القانون الخاطىء التالي سيبدو صائباً وهو: أن العمل الفائض أو فائض القيمة لا يمكن أن يبلغ 100% قط (1). وبما أن العمل الفائض ليس غير جزء کسري من يوم العمل، أو بما أن فائض القيمة ليس أكثر من جزء من القيمة المنتجة حديثة، فلا بد من أن يكون العمل الفائض دائماً، أقل من يوم العمل، أو يكون فائض القيمة أقل دوماً من مجمل القيمة المنتجة حديثاً. وللحصول على تناسب كما في 100/100 فلا بد من أن يكونا متساويين. ولكي يستوعب العمل الفائض كامل يوم العمل (أي يوما وسطياً من أي أسبوع أو عام) فلا بد للعمل الضرروي من أن يتلاشى إلى نقطة الصفر. ولكن، إذا تلاشى العمل الضروري، تلاشى العمل الفائض أيضا، ما دام هذا الأخير دالة الأول.

العمل الفائض/ يوم العمل = فائض القيمة/ القيمة المنتجة حديث ” لا يمكن أبدا أن يصل إلى حد 100/100، ناهيك عن الارتفاع إلى 100+س/100. ولكن هذا أمر ممکن تماما فيما يخص معدل فائض القيمة، الدرجة الحقيقية لقياس الاستغلال. خذ على سبيل المثال، تقدير السيد ل. دي لافيرن، الذي يحصل العامل الزراعي في إنكلترا، بموجبه، على 1/4 المنتوج فقط، بينما يحصل الرأسمالي (المزارع المستأجر) على في هذا المنتوج أو 3/4 قيمته(2)، وذلك بمعزل عن الكيفية التي يتقاسم بها الرأسمالي والمالك العقاري وآخرون، لاحقا، هذه الغنيمة. وحسب هذا التقدير، فإن نسبة العمل الفائض الذي يؤديه العامل الزراعي الإنكليزي إلى عمله الضروري هي 1:3 مما يعطينا نسبة مئوية للاستغلال تبلغ 300%.

إن الطريقة الملازمة للاقتصاد السياسي الكلاسيكي والتي تتعامل مع يوم العمل بوصفه مقداراً ثابتاً، غدت ممارسة ثابتة بتطبيق الصيغ الواردة في «ثانياً»، لأن العمل الفائض، في هذه الصيغ، يقارن على الدوام بيوم عمل ذي طول ثابت. وينطبق قولنا هذا على النظر حصراً إلى تقاسم القيمة المنتجة حديثة بمعزل عن الأمور الأخرى. فيوم العمل المتشیئ في قيمة منتجة، لا بد بالضرورة من أن يكون ذا أمد معین.

إن تصویر فائض القيمة وقيمة قوة العمل كجزأين من القيمة المنتجة حديثا – وهي عادة تنبع من نمط الإنتاج الرأسمالي نفسه، وسنميط اللثام عن مغزاها فيما بعد – يخفي تلك السمة عينها التي تميز العلاقة الرأسمالية، نعني بها مبادلة رأس المال المتغير بقوة العمل الحية وما يترتب عليها من فصل العامل عن المنتوج. وهكذا عوضا عن الواقع الحقيقي، نحصل على مظهر زائف لعلاقة مشاركة يتقاسم فيها العامل والرأسمالي المنتوج بنسبة العناصر المختلفة التي أسهم بها كل واحد منهما في تكوين هذا المنتوج (3).

إلا أن الصيغ في «ثانياً»، يمكن أن ترد، متى شئنا، إلى الصيغ الواردة في «أولا». فلو كان لدينا، مثلا، الصيغة التالية:

عمل فائض من 6 ساعات/ يوم عمل من 12 ساعة
لأمكننا استخلاص نتيجة أخرى، استنادا إلى أن العمل الضروري يساوي 12 ساعة مطروحة منها 6 ساعات عمل فائض، فنحصل على:

العمل الفائض، 6 ساعات / العمل الضروري، 6 ساعات= 100%/ 100%
وهناك صيغة ثالثة كنت قد ألمحت إليها سابقا في مناسبات معينة وهي:

ثالثاً – فائض القيمة/ قيمة قوة العمل= العمل الفائض/ العمل الضروري = العمل غير مدفوع الأجر/ العمل مدفوع الأجر

بعد الاستقصاءات التي قدمناها آنفا، لم يعد بوسع صيغة العمل غير المدفوع/ العمل المدفوع أن تخدعنا بوهم أن الرأسمالي يدفع لقاء العمل وليس لقاء قوة العمل. إن هذه الصيغة ليست سوى التعبير المبسط عن صيغة العمل الفائض/ العمل الضروري. إن الرأسمالي يدفع قيمة قوة العمل، بمقدار ما يتطابق السعر مع القيمة، ويحصل لقاء ذلك على حرية التصرف بقوة العمل الحية. إن تمتعه بثمار قوة العمل يتوزع على فترتين. خلال الفترة الأولى ينتج العامل قيمة تساوي، قيمة قوة عمله لا أكثر: إنه ينتج معادلها. وهكذا يتلقى الرأسمالي، لقاء السعر الذي دفعه سلفاً عن قوة العمل، منتوجاً له سعر مماثل. وسيكون الحال نفسه لو أن الرأسمالي اشترى هذا المنتوج جاهزاً في السوق. وخلال الفترة الثانية، فترة العمل الفائض، فإن التمتع بثمار قوة العمل يخلق للرأسمالي قيمة، لا تكلفه قرشاً (4). فقوة العمل المبذولة هنا، تأتيه مجانا. وبهذا المعنى يمكن تسمية هذا العمل الفائض بالعمل غير مدفوع الأجر.

بناء على ذلك فإن رأس المال ليس محض متحكم يهيمن على العمل، كما يقول آدم سميث. فهو، من حيث جوهره، منحكم يهيمن على العمل غير مدفوع الأجر. إن كل فائض قيمة، مهما كان المظهر الخاص الذي يتبلور فيه لاحقا، سواء كان ربحا أم فائدة أو ريعاً، هو في جوهره تجسيد مادي لوقت العمل غير مدفوع الأجر. وسر النمو الذاتي القيمة رأس المال يكمن في تصرفه بكمية معينة من عمل الآخرين غير مدفوع الأجر.

______________

(*) في الطبعة الفرنسية التي دققها مارکس أحاط تعبير: العمل الفائض بين قوسين وذلك، حسب قوله: “لأن مفهوم العمل الفائض لا يجد له تعبيراً واضحاً في الاقتصاد السياسي البورجوازي”. [ن. برلین].
(1) كما هو، مثلا في: رسالة رودبرتوس الثالثة إلى کیرشمان، نقض مذهب ریکاردو في الريع

العقاري وتأسيس نظرية جديدة في الريع، برلین، 1851.
سأعود إلى تناول هذه الرسالة فيما بعد، فهي رغم خطل نظريتها في الريع العقاري، تغوص في جوهر الإنتاج الرأسمالي.

[إضافة إلى الطبعة الثالثة: نرى من ذلك مبلغ تقدير مارکس لأسلافه، حيثما وجد عندهم تقدمة حقيقية، أو أفكاراً صائبة، جديدة. إلا أن نشر رسائل رودبر توس إلى رود مایر، فيما بعد، جعل إطراء ماركس المذكور أعلاه، بحاجة إلى شيء من التخفيف. فنقرأ في هذه الرسائل الفقرة التالية: “ینبغي إنقاذ راس المال، ليس فقط من العمل، بل من نفسه أيضأ؛ وخير وسيلة لتحقيق ذلك هي اعتبار نشاطات الرأسمالي الصناعي أداء لوظائف اقتصادية وسياسية، أسندت إليه مع
الملكية الرأسمالية، واعتبار أرباحه بمثابة راتب، لأننا لا نعرف، حتى الآن، أي تنظيم اجتماعي آخر. ولكن الرواتب يمكن أن تضبط، وتقلص إذا ما اقتطعت من الأجور حصة أكبر مما ينبغي. ويجب كذلك صد غارة مارکس على المجتمع، وهذا هو الاسم الذي أعطيه لكتابه … وعلى العموم، فإن کتاب مارکس ليس بحثا في رأس المال، بل سجالا ضد الشكل الحالي لراس المال، حيث يخلط ماركس بين هذا الشكل وبين مفهوم رأس المال نفسه. (رسائل، إلخ، الدكتور رودبر توس – باغتسون، نشرها الدكتور رودولف مایر، برلین، 1881، المجلد الأول، ص 111. الرسالة رقم 48 من رودبرنوس) – إلى هذا المستوى البائس من الترهات الإيديولوجية، تنحدر، أخيراً، هجمات رودبرتوس الجسورة التي نجدها في مؤلفه “رسائل اجتماعية”. ف. إنجلز].
(2) إن ذلك الجزء من المنتوج الذي يعرض فقط عن رأس المال الثابت المدفوع، غير مدرج، بالطبع، في هذه الحسابات. ويميل السيد ل. دي لافيرن، وهو معجب بإنكلترا إعجابا أعمى، إلى المغالاة في تقليل حصة الرأسمالي، لا في تضخيمها.
(3) بما أن جميع الأشكال المتطورة لعملية الإنتاج الرأسمالية هي أشكال للتعاون، فليس ثمة بالطبع شيء أسهل من تجريدها مما يلازمها من طابع تناحري وتصويرها في صور اشكال من التشارك الحر. وهذا ما فعله، مثلا، (الكونت أ. دو لابورد في مؤلفه: روح التعاون في سائر مناحي المجتمع، باريس، 1818). وبنفس النجاح يقوم الأميركي هـ. کیري Carey H. أحيانا بنفس الحيلة حتى فيما يخص علاقات نظام الرق.
(4) رغم أنه لم يكن بمستطاع الفيزيوقراطيين أن ينفذوا إلى سر فائض القيمة، فقد كانوا يتوافرون على هذا القدر من الوضوح عنه وهو أنه “ثروة مستقلة متيسرة له (لمالكها) وهو يبيعها من دون أن يكون قد اشتراها”. (تورغو، تأملات في نشوء وتوزيع الثروات، ص 11).
(Turgot, Réflexions sur la Formation et la Distribution des Richesses, p. 11).