التعليم ... ولاشيء غيره


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 6699 - 2020 / 10 / 10 - 23:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

هذا جزء مقتطع من حديث أجراه معي اليوم فى لندن (عبر :زووم) صحفي إسكتلندي لمحطة تلڤزيونية محلية إدنبرة. وقد ترجمت هذا الجزء بنفسي من الإنجليزية للعربية. وهذا النص هو إجابتي عن تقييمي لعددٍ من النشطاء التنويريين. علماً بأنني هنا أتحدث عن الأديان Religions وليس عن الإيمان Faith : بسببِ خوفِ الإنسانِ من الموتِ وما سيكون (من وجهةِ نظرِ البعضِ) أو قد يكون (من وجهةِ نظرِ غيرهم) فإن الدينَ و رجلَ الدينِ والكلامَ الديني أصبحت لهم قوةً وهيمنةً ونفوذاً وسيطرةً لا مثيل لهم. ويخبرنا التاريخُ أنه كلما إرتقت المستوياتُ التعليميةِ والعلميةِ والمعرفيةِ والثقافيةِ كلما تضاءلت قوةُ وهيمنةُ ونفوذُ وسيطرةُ الدينِ وجاله على أفرادِ المجتمعِ. ورغم أن عالمَنا عامرٌ بالأمثلةِ على صوابِ هذا التحليل ، فإن دراسةَ حالتى مجتمعين هما أفغانستان واليابان توضح بشكلٍ قاطعٍ صوابَ هذا التنظيرِ. فالدينُ هو الشغل الشاغل للإنسانِ الأفغاني ، ورجال الدين هم المرجعية المجتمعية الفوقية. أما فى اليابان فإن 99% من الشعبِ لا يشغلهم الدينُ (أيّ دين) بأيّ شكلٍ و بأيةِ درجةٍ. ودارسُ التاريخِ يري بمنتهي الوضوحِ العلاقةَ بين "الدين" و "رجال الدين" و "الحكّام المستبدين" و "السيطرة". ورغم تقديري للدورِ الذى يقوم به عددٌ من النشطاءِ لفتحِ عيون المصريين ليروا الكوارثَ التى فى المرجعياتِ الدينيةِ ، فإنني أري أن ما يقومون به هو أمرٌ ثانوي. فالذى جعل الملايين يغلقون عيونَ عقولِهم ويسيرون كقطيعٍ وراء الكلامِ الهزلي لأعدادٍ لا تُحصي من رجالِ الدينِ والدعاةِ هو المستوى الثقافي المتدهور للملايين الذين ساروا فى القطيعِ وليس قوة منطقِ رجالِ الدينِ والدعاةِ. وأنا لم أقل أن ما يقوم به عددٌ من النشطاءِ معدومُ الجدوي وإنما أقول بمحدوديةِ جدوي ما يقومون به. منذ سنواتٍ كنت أَحدَ أعضاءِ مجموعةٍ صغيرة وضعت وصاغت "رؤية" و "سياسات التعليم" فى إمارة "أبو ظبي" بتكليف من الحاكم الحقيقي للإمارة الشيخ محمد بن زايد. وكانت مهمة مشوقة إستغرقت سنةً بأكملها. وخلال تلك السنة تعرفتُ جيداً (وبأدقِ تفصيلٍ) على فلسفةِ وسياساتِ أفضلِ نظمِ التعليمِ على ظهرِ الكرةِ الأرضيةِ : الفنلندية والسنغافورية و اليابانية والتايوانية. ولاشك عندي أن المنتجَ النهائي لهذه النظمِ التعليمية (أي المواطن) من المستحيلِ أن يسير فى قطيعٍ وراء الهزل الذى يسوّقه معظمُ رجالِ الدينِ فى العديدِ من المجتمعاتِ ومنها مجتمعنا المصري. بل من المستحيلِ أن يستمع لأيٍّ منهم ولو لنصفِ دقيقةٍ. فلو تخيلنا وجود شخصياتٍ مثل الدعاةِ الذين تحولوا لنجومِ فى مِصْرَ خلال العقودِ الخمسةِ الأخيرةِ فى أي بلدٍ من البلدان التى ذكرتُها (فنلندا ، سنغافورة ، اليابان ، تايوان) فإن الأمورَ لن تقف عند تجاهلِ المجتمعِ لهم وإنما قد تنته الأمورُ بهؤلاءِ الدعاةِ بسبب ما يروجونه من أفكارٍ تخريفيةٍ تخريبيةٍ هدّامة ومضادة للعقلِ والعلمِ والتقدمِ وحقوقِ المرأةِ لإيداعِ بعضهم فى السجنِ وإيداعِ البعض الآخر فى مصحةٍ عقلية/نفسية. ومن الأمور الموجعة للقلوب ، أن ذات المجتمع (مصرَ) تحولت نوعيةُ قادةِ الرأيّ فيه (وخلال نفس القرن - الماضي) من أمثالِ طه حسين لأمثالِ الشيخ م.م.ش الذى هو المثال الأشمل للشعبوية والديماجوجية. ونفس الشيء يُقال عن الفن. فأغاني الفترة من 1940 الى 1970 فى مصرَ هى إنعكاس لواقع معين. وأغنيات سنة 2020 فى مِصْرَ هى أيضاً إنعكاس لواقع آني.