قراءة في قاموس شتائم فؤاد النمري


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 6699 - 2020 / 10 / 10 - 11:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

المقال المزدوج المعنون ب "أن تاريخ أي مجتمع حتى الآن ليس سوى تاريخ صراعات طبقية" لم يكن موجها الى النمري ولا الى أي أحد غيره، المقال في اصله مساهمة شفوية في ندوة داخلية بين ماركسيين لينينيين تتطرق للمواضيع التالية: نمط الإنتاج، التشكيلة الاجتماعية، العلاقة بين البنيات الفوقية والبنيات التحتية، تشكل الطبقات، سيرورة الصراع الطبقي، وأخيرا مآل نمط الإنتاج الرأسمالي في ظل الصراع الطبقي في القرن الواحد والعشرين.

وعندما طلب مني الرفاق المشاركون في الندوة الداخلية ان أوفر لهم نسخة ورقية مكتوبة من المداخلة اجتهدت قليلا في البحث عن مقولات ماركس وانجلز ولينين وستالين التي تعزز الاطروحات المقدمة حول المواضيع محل المناقشة، علما ان هذه المقولات ليست من نسج خيال ميتافيزيقي لهؤلاء الثوار، وانما هي الافراز الطبيعي لصراعات طبقية ملموسة عاشوها في الواقع وليس في الخيال، وتشكل بالتالي نظريات تشتغل عليها الحركة العمالية العالمية في مختلف مواقعها وحسب قدرتها الاستيعابية ومقدرتها على التنظيم والانخراط في الصراع الطبقي.

كانت تلك هي قصة المقال المزدوج المشار اليه أعلاه، أما قصة عجرفة النميري وطغيانه وشتائمه المجانية وتحامله على الجميع لرغبته في ان يعتنق الجميع أفكاره المنشورة في الحوار المتمدن وفي مواقع أخرى، فليست جديدة وقد عانى منها العديد من الماركسيين من كتاب الحوار المتمدن وخاصة ماركسيين آخرين من المغرب. سؤاله للجميع حول أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي ما فتئ يطرحه على الجميع منذ بداية عقد التسعينات، وعندما لا يتطابق الجواب مع أفكار النمري الجاهزة يطلق لنقسه العنان للشتائم والاستهزاء بمخاطبيه، ومن أشهر هؤلاء الذين طرح عليهم سؤاله المشار اليه في بداية عقد التسعينات، سمير أمين، الذي تجاهله كلية ولم يقدم له أي جواب، وهو ما أدى الى كراهية النميري لسمير امين والشروع في شتمه والاستهزاء به بمناسبة أو بغير مناسبة ويمكن للقارئ الرجوع الى كتابات النمري لاستعراض شتائمه في حق سمير امين.

كتب النمري يوم 22 شتنبر 2020 مقالا في الحوار المتمدن تحت عنوان "الصراع الطبقي أودى بالاتحاد السوفياتي" خصصه بالكامل لتوجيه شتائمه لي من قاموسه الشتائمي المعروف، وقد اضحكتني قراءته كثيرا، لانني اقتنعت بان البليد يبقى بليدا مهما فعل، وأن نعت البليد بالبليد ليست شتيمة وانما اقرارا لواقع قائم. وقد احصيت عدد الشتائم الواردة في المقال والموجهة لي وهي كما يلي:

1 - أحد المتثاقفين من حوافي البورجوازية الوضيعة في المغرب؛

2 – اعواءاته البرجوازية؛

3 – المتثاقف الطرقي؛

4 – مدعي الشيوعية لا يعلم أسباب اتهيار الاتحاد السوفياتي؛

5 – دعي الشيوعية؛

6 – المتثاقف من الحوفي؛

7 – متثاقف برجوازي وضيع؛

8 - وصل به الغباء لأن يلف بيده حبل المشنقة حول عنقه؛

9 - المتاقف البورجوازي المتصعلك؛

10 – هذا المغامر الغبي؛

11 – الصعلوك؛

12 – أفعال البلهاء الأغبياء×

13 – في غاية السفاهة؛

14 – السفيه؛

15 - السفيه الأخوث المعادي للشيوعية وللدولة السوفياتية؛

16 - يا للرقاعة في مثل هذا الحديث عن الاشتراكية السوفياتية؛

17 - يا لرقاعة هذا الرقيع من حواف البورجوازية الوضيعة المغربية؛

18 - أحداً من هذا الفش لم يصدف أن كان رقيعاً مثل هذا الرقيع؛

19 - المتثاقفون من حوافي البورجوازية الوضيعة غير مؤهلين بالطبع لأي حديث في الماركسية.

تلك هي المصطلحات الأدبية التي يبتكرها فؤاد النمري لتوجيه الشتائم لمن لا يؤمن بأطروحاته، علما ان هذه الشتائم لن تكن هي الأولى التي وجهها في حقي من خلال مقاله المشار اليه، بل كثيرا ما وجه لي شتائمه في المكان المخصص للتعليقات أسقل العديد من مقالاتي السابقة عندما لا تتوافق تلك الكتابات مع ما يعتقده النمري اطروحات ماركسية، وذلك طيلة أكثر من عشر سنوات سابقة. ولم توجه لي انا فقط مثل هذه الشتائم بل وجهت للعديد من كتاب الحوار المتمدن، كان ابرزهم سمير امين وحسقيل قوجمان وآخرون.

لم أفكر ابدا في ان اقدم أي تعليق على شتائم النمري الواردة في مقاله، وقد سألني عدد من الرفاق عن سبب امتناعي عن الرد على شتائم النمري، كما اعتقد البعض الآخر انه شتائم النمري جاءت تعقيبا على شتائم وجهتها له، وهم لا يعلمون عدد المرات التي استمعت فيها الى شتائم التمري طيلة عشرة سنوات. وأخيرا اقتنعت انه بدلا من ان أجيب رفاقي وقراء الحوار المتمدن واحدا واحدا عن أسباب امتناعي عن الرد على شتائم النمري ومناقشته في أفكاره، أن اكتب هذه الورقة أوضح فيها وجهة نظري من كل ما قيل.

في البداية يمكن لقراء الحوار المتمدن وللرفاق العودة الى تعليقات النمري سواء على كتاباتي أو على كتابات كتاب آخرين في الحوار المتمدن، فتلك التعليقات تفيد بان النمري لا يقرأ مضمون تلك الكتابات، بدليل انه يتهمك بأشياء لم تتطرق لها أو يتهمك بإغفالك لأشياء واردة فعلا في تلك الكتابات، كاتهامك بانك لم تتطرق للصراع الطبقي بينما مقالك هو أصلا حول الصراع الطبقي. وحتى وان حاول الكاتب ان يفحم تعليقات النمري بتقديم الدليل على خطئه، فلا يعترف بارتكابه أي خطأ ويتمادى في الشتم والإساءة. لكن ما هي مضامين تعليقات النمري على كتاب الحوار المتمدن؟ في الغالب تكون تعليقات خارج الموضوع المطروح، ويستهدف جر الكاتب الى مناقشة أفكار النمري الواردة في كتاباته السابقة وعدم التطرق لمضمون المقال الجديد المطروح للمناقشة. الاستراتيجية الهجومية للنميري هي السخرية من الكتابات المقدمة في الحوار المتمدن، فهو يقول للقراء ان صاحب هذا المقال هو اقل شأنا من فؤاد النمري ولا يستحق ان يدخل نادي الماركسيين اللينينيين الذي يعتبر النمري هو صاحب الاعتماد لتأهيل أي كان للدخول اليه. وحتى يتمكن أي كان من ان يحضى باعتمادية فراد النمري فعليه ان يفكر مثله ويؤمن بأطروحاته، فما هي هذه الأطروحات إذن؟
من بين اطروحات النمري المشهورة والتي أضاف اليها مؤخرا أطروحات جديدة حول اختفاء الطبقات هناك ما يلي:

1 – الرأسمالية انتهت سنة 1975، بقرار من مجموعة السبعة الكبار المجتمعين في رامبويي، وان هذا القرار جاء عقب انهاء معاهدات بروتن وودز، وفك ارتباط العملات بالذهب وسيادة الدولار بدلا من الذهب؛

2 – انتهاء الرأسمالية بمعنى انتهاء البرجوازية والإنتاج الرأسمالي الصناعي، وأن ما هو سائد حاليا هو اقتصاد الخدمات فقط، والقائمين على اقتصاد الخدمات هي البرجوازية الصغرى التي يسميها بالوضيعة، وقد استتبع اختفاء الطبقة البرجوازية اختفاء اتوماتيكي للطبقة العاملة، وهذا يعني ان العالم دخل نفقا مسدود المنافد تغيب فيه الطبقات ويغيب فيه الصراع الطبقي.

3 – انتهاء التاريخ مع انتهاء حياة ستالين، أي ان النمري يعتقد باطروحة نهاية التاريخ قبل ان يكتب عنها الكاتب الأمريكي فوكو ياما

4 – يعتبر الاتحاد السوفياتي هي اعظم دولة في التاريخ، ومع انهيارها انهارت السياسة وانهار الصراع الطبقي ولا مجال لتسييس الطبقة العاملة لغياب الاتحاد السوفياتي ولغياب الطبقة العاملة أصلا حسب اطروحات النمري.

تلك هي بعضا من أطروحات النمري والتي يسعى بكل ما يستطيع أن يفرضها على كتاب وكاتبات الحوار المتمدن، وفي هذا السياق يعتبر كل من لا يؤمن بهذه الأطروحات مجرد وغد وأفاق برجوازي وضيع وسفيه الى غير ذلك من شتائم النمري التي حفضها كتاب الحوار المتمدن عن ظهر قلب. وقد علق احد كتاب الحوار المتمدن "حسين الصاحب" : "لو كان بيد النمري لا اعدم كل من يخالفه في الحوار المتمدن".

حتى أكون عادلا ما هي الشتائم التي كتبتها في حق فؤاد النمري بعد ان كتب تعليقا كما العادة خارج الموضوع المقدم، والذي استهله بما يلي: "نحن لا نحتاج اليوم إلى استذكار ماركس ولينين في مسألة الصراع الطبقي طالما أن كتابتهما متواجدة بالنص الأصلي علي الشبكة، لكننا بحاجة ماسة جدا في أن نعرف كيف قرر الصراع الطبقي مصير الاتحاد السوفياتي وهو ما يحجم أديب حتى عن ذكره لعجبي عداك عن الخوض فيه"؟ فيما يلي ردي على تعليقه:

1 - طلبت منك مرارا ان تعفيني من اسئلتك البليدة بل وان تبتعد عن هذا الموقع لأنني لم اعد اطيق هذيانك وجهلك الفضيع بابسط الادبيات الماركسية؛

2 - لو كنت تقرأ فعلا ادبيات الماركسية اللينينية الموجودة في شبكة الانترنيت، ولو انك قرأت فعلا العرض المقدم أعلاه في حلقتين وكنت تفهم فعلا ما تقرأ لما أعدت علي طرح سؤالك البليد؛

3 - لو كنت تقرأ جيدا ما تعلق عليه لتذكرت كتاباتي حول هذا الموضوع سنة 2013 وتذكرت حتى تعليقاتك البليدة حولها بخصوص الصراع الطبقي مما يؤكد انك لا تقرأ وحتى ان قرأت لا تفهم فتحافظ على استمرارية هذيانك المعهود، راجع المقالين ربما تعفيني من أسئلتك وتعليقاتك البليدة الوقحة الحالية:

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=346504

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=346950

أتساءل مع القراء هل ترقى شتائمي الى النمري الى مستوى شتائمه؟ أليس من حقي ان أنهي أكثر من عشر سنوات من الاسئلة الغبية، التي طالما أجبته عنها انطلاقا من وجهة نظري الخاصة وليس اطلاقا من اطروحات النمري التي اعتبرها مجرد هذيان متافيزيقي لا أساس مادي لها. فالرأسمالية التي تعيشها البشرية اليوم بازيد من ثمانية مليارات نسمة هي اكبر وأعمق من تلك الرأسمالية التي سادت خلال حياة ماركس وحللها بشكل عميق الى درجة انه توقع مآلها في القرن الواحد والعشرين أي مرحلة الهيمنة المطلقة لنمط الإنتاج الرأسمالي على العمل. ان الإنتاج الرأسمالي الصناعي العالمي ينتج أربعة عشرة مرة حاجيات 8 مليارات نسمة، وهو الإنتاج الذي يتم على يد البروليتاريا المحكومة بوسائل الإنتاج التي تتملكها الطبقة الرأسمالية العالمية، بمعنى ان رأس المال الحي أي العامل يتحكم فيه رأس المال الميت أي وسائل الإنتاج وهي أيضا عمل سابق اصبح ميتا مكتفا في وسائل الإنتاج والذي بواسطته تتحكم الرأسمالية العالمية في العمل. بل ان الخدمات أيضا أصبحت صناعة رأسمالية، فشركة DHL لخدمات البريد الدولي المعروفة تمتلك الطائرات والمطارات والعديد من وسائل الإنتاج والعمال الذين يشتغلون بهذه الشركة وعبر هذه الوسائل للإنتاج يحصلون على اجر نسبي مهما ارتفع لا يشكل سوى نسبة ضئيلة من معدل فائض القيمة المحقق الذي تستحود عليه الشركة. نفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للمطارات والأسواق الممتازة وخدمات البواخر التجارية ، ان مختلف هذه الخدمات سبق لت تحدث عنها كارل ماركس في المجلد الثاني من رأس المال أي التداول والتوزيع، فالانتاج والتداول وجهان لعملة واحدة هي الإنتاج الرأسمالي.

لقد سبق لي مرارا ان عرضت وجهة نظري هذه كأجوبة على تعليقات النمري التي تكون دائما خارج الموضوع لكنه لا يستمع اليها رغم تقديمي لاستشهادات حولها من كتابات كارل ماركس، وبدلا من أن يتوقف عن إعادة تكرار نفس التعليقات، فإنه يعود دائما الى طرحها بنفس النزعة المتعجرفة، لذلك اقتنعت ببلادة النمري وعجرفته، وعندما اخبرته بذلك كخصلة من خصائله لم اكن اقصد شتمه بل فقط تحصيل حاصل موضوعي.

الآن ما هو ردي على تعليقاته الأخيرة حول تعليقي الأخير على استفهاماته؟

يقول النمري: "لما كان العنوان هو التفسير الماركسي للتاريخ، كل التاريخ، وأن الماركسيين والشيوعيين طرّا عزفوا عن تفسير تاريخ الاتحاد السوفياتي وعن البحث في أسباب انهياره ولا يمكن تفسير ذلك على أنه قصور فكري فقط بل الأولى أنه موقف طبقي معادٍ للشيوعية". الجمود العقائدي عند النمري جعله ينحرف عن الفكرة الكامنة في التفسير الماركسي للتاريخ، ويتوقف تفكيره فقط عند أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي، وأن أي ماركسي لا يقدم نفس تفسير النمري لاسباب انهيار الاتحاد السوفياتي (كأعظم دولة في التاريخ بحسبه) فهو معادي للشيوعية، فدولة الاتحاد السوفياتي هي المثل الأعلى للاشتراكية وللشيوعية عند فؤاد النمري لكنها انهارت بسبب الصراع الطبقي.

مع الأسف ان هذا الفهم للماركسية هو تحريف للماركسية، فلو قرأ النمري كتاب الدولة والثورة عند لينين وكيف يستعرض نظرية ماركس وانجلز حول تصورهما للدولة أية دولة كأداة طبقية، وان انتصار الثورة وفرض ديكتاتورية البروليتاريا كمرحلة انتقالية نحو مرحلة الشيوعية التي تضمحل فيها الدولة تدريجيا وتختفي مع اختفاء الطبقات، لاقتنع بأن ما حدث في الاتحاد السوفياتي عقب اغتيال ستالين هو تحول جذري من مرحلة دولة دكتاتورية البروليتاريا التي حتمت استمرارها ظروف الحرب الاهلية وعمليات التخريب والحرب العالمية الثانية، نحو رأسمالية الدولة وتكريس نفس نمط الإنتاج الرأسمالي ببنياته الفوقية والتحتية والاستغلال المفرط للطبقة العاملة الروسية مما حتم انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1989 وتحوله كلية نحو دولة رأسمالية كاملة الأركان.

هل كان الصراع الطبقي هو أساس حدوث هذه التحولات؟ بطبيعة الحال فهو تحصيل حاصل ما دامت التناقضات والتطلعات الهيمنية الطبقية هي ما أدى الى سقوط ديكتاتورية البروليتاريا على اثر انهاء تجمعات عمال السوفياتات وقدرتها المستقلة على قيادة اشكال الصراع الطبقي السياسية والاقتصادية والأيديولوجية والى تصدير الثورة العمالية الى مختلف البلدان الرأسمالية، وذلك بدلا من هيمنة الحزب والدولة فقط كتمثيل طبقي للبيروقراطية المهيمنة على أجهزة الحزب وأجهزة الدولة. فمن يؤمن بهيمنة الدولة والحزب بدلا من الجماهير العمالية هو من يعادي الشيوعية.

إن الكتابة عن أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي لا يختلف كثيرا عن أسباب انهيار مختلف الحضارات والدول وانماط الإنتاج التاريخية. لكن فهم الماركسية في تفسير التاريخ من خلال الصراع الطبقي هو اعمق من كل ذلك، فالتاريخ عند كارل ماركس وفردريك انجلز بدأ مع انهيار الجماعات الشيوعية البدائية وحدوث الثورة الزراعية في العصر النيوليتي أو ما يسمى بالعصر الحجري الأعلى، منذ اكثر من 12 الف سنة قبل الميلاد، لكتها فترة قصيرة جدا في حياة البشرية، فلقد مضت مليوني سنة الآن على ظهور الانسان العاقل او ما يسمى بالأومو سابيان. فالثورة التي حدثت منذ 12 الف سنة قبل الميلاد كانت ثورة قلبت حياة الانسان جذريا ونشأت على اثرها العديد من الظواهر التي لا زالت سلرية الى الآن ويمكن القول بكل وثوق ان نمط الإنتاج الرأسمالي بدأت بوادره الأولى منذ الثورة الزراعية، ومنذ ذلك الحين لم تحدث أي ثورة مهمة ماعدا ثورة أكتوبر 1917 التي كان من المفروض ان تقود نحو تحول انساني جديد مختلف تماما عما كان سائدا من قبل.

إذن فمع الثورة الزراعية المستقرة، وتخزين الحبوب في أواني الفخار، وبالتالي إمكانية التخلص من فائض الغذاء، وظهور طبقة من الناس تتغذى على هذا الفائض وتستغني عن مشاركتها المباشرة في المهام الإنتاجية، وبالتالي ايجاد دولة، معززة بأولئك الذين يحملون أسلحة معدنية، وبالتالي ظهرت الكتابة اليدوية مخصصة للعد الأولي لمنتجي الماشية وتحصيل الضرائب. وفي هذا السياق، وجدت المخازن الكبرى للمواد الغذائية التي تأسست حولها الدول والحضارات، وظهور المدن العظيمة والتجارة الدولية، وطريق البر والبحر. فظهور الدولة كأداة طبقية هو الذي كرس أنواع الاستغلال والاضطهاد والانتقال من دولة العبيد نحو دولة الاقطاع نحو الدولة الرأسمالية، أما الدولة السوفياتية فنموذج مشوه للدولة الرأسمالية سرعان ما انهارت، لان الثورة البلشفية لم تتمكن من إتمام مهامها في تصدير الثورة وانهاء الطبقات وبالتالي الدخول في المجتمع الشيوعي المتحرر من كافة القيود والغطرسة الاستبدادية للافراد والجماعات. فلو كان فؤاد النمري يفهم الماركسية على هذا النحو بما تغنى بالاتحاد السوفياتي كأعظم دولة في التاريخ ولما تحدث عن انتهاء الرأسمالية والطبقات المتصارعة الأساسية أي الرأسمالية والبروليتاريا.

إذن فالقول بأن "تاريخ أي مجتمع حتى الآن ليس سوى تاريخ صراعات طبقية" يشمل المجتمع السوفاتي الذي لم ينجح في السير نحو الثورة الشيوعية العالمية، وحوله انتصار البرجوازية الصغرى في الصراع الطبقي على البروليتاريا الروسية الى مجتمع رأسمالي يخضع الى رأسمالية الدولة كمرحلة انتقالية نحو المجتمع الرأسمالي الكامل الأركان والى الهيمنة الفعلية للرأسمال على عملية العمل.

لقد نزل النمري في محاولته ذكر امجاد الاتحاد السوفياتي كأعظم دولة في التاريخ باستشهادات القيادات الرأسمالية في العالم الغربي حول عظمة دولة الاتحاد السوفياتي، وتناسى تماما ان اطراء هؤلاء نابع من ارتياحهم من انتصار الثورة المضادة داخل الاتحاد السوفياتي وتوقف تصدير الثورات البروليتارية الى مختلف البلدان الرأسمالية خاصة مع تبني عقيدة خروتشوف حول التعايش السلمي، فمنذ ذلط الحين بدأ العد العكسي لانهيار "أعظم دولة في التاريخ" وعدم تحقق الثورة الشيوعية الحقيقية منذ الثورة الزراعية قبل اثني عشرة الف سنة قبل الميلاد.
جميع شتائم فؤاد النمري مردودة عليه.