الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 5-20 ، نقد أطروحات منصور حكمت المعادية للماركسية


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 6696 - 2020 / 10 / 6 - 16:08
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

باء / القانونان العلميان لماركس و إنجلز : لا يموت الدين إلا موتاً طبيعياً بانتفاء وظائفه ؛ و محاولة قتل الدين قبل موته الطبيعي تُديمه
الموت الطبيعي للدين
أيديولوجيا الدين هي مطيّة مصالح راكبيه ، و هي متاحة لكل من يريد ركوبه و لكل الناس في نفس الوقت و في كل الأزمنة للمضي في كل فجاج الأرض المؤدية لشتى تلاوين المنحنيات الممتدة بين التطرف و الاعتدال ، السعادة و الجنون ، جحيم الحياة و جنتها ، خدمة الذات والآخرين بتعليق كل ذلك على صنارة الوعود السماوية الفتانه الموهومة . و ركوب الدين امتياز قوي و مناسب و مريح و مخدر للآلام قابل للتصديق و القبول الجماعي بالترغيب و الترهيب لفضل هالته الاجتماعية المقدسة التي تتيح لراكبه تسخير السماء لتتكلم بلسانه في كل ما يريد و لخدمته في شتى مناحي الحياة أصالة ام وكالة . و هو فوق كل هذا يتيح للطبقات و الجماعات و للدول ركوبه فرادى و جماعات لتوظيف هذا التسخير السماوي الموهوم في خدمة كل مصالحها ، و أولها و آخرها هي المصالح الاقتصادية لكسب الذهب و السبب (توفير التبرير المقدس) و أي شيء آخر . لذا ، نجد الساسة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين في شتى البقاع و الأزمان يتسابقون لركوبه مثلما تتسابق على ذلك الطبقات المظلومة و الظالمة للتخدير أو التسلطن أو التمييز (نحن الأعلون و هم الأدنون) سواءً بسواء . قوة سلطة الدين تتأتى من قوة راكبيه الاجتماعية المادية و المعنوية في الزمكان .
و لكن واحدة من أخص خصائص الدين إنما هو رفضه المطلق للموت إلا موتاً طبيعيا من تلقاء نفسه حالما لا يعود أفراد المجتمع بحاجة إلى ركوبه بعدما يتحقق وعده السماوي الموهوم بالجنة ببنائهاعلى الأرض فعلاً بعقول و سواعد البشر الواعين فتنتفي وظائفه لأن دوام حياته مرهونة بدوام امتطاء البشر له . ما أن تنتفي وظائفة فيكف الإنسان عن امتطاءه، يموت الدين لكونه وهماً من صنع الانسان . كان إنجلز و ماركس أول من اكتشف هذه الخصيصة العلمية لطبيعة الدين ، فرسما كل البراكسيس الماركسي حياله حسب مقتضياتها الجدلية القائلة للثوار : إبنوا الجنة حقيقةً فعليةً على الأرض فيضمحل تدريجياً و يتوارى وهم الدين لانتفاء وظائفه . عند تحرر البشرية التام من حالة العبودية التي يفرضها نمط الإنتاج الرأسمالي ، ستُلغى أخيراً و أخراً الدولة أيضًا وسيختفي الدين "بالموت الطبيعي".
هذه هي المهمة التاريخية لكل البشر مثلما يقول ماركس .
في عام 1843 ، و في مقدمة كتابه الموسوم "مساهمة في نقد فلسفة الحق لهيجل" ، كتب ماركس [الأقواس لي] :
لذا ، فإن مهمة التاريخ هي التأسيس بمجرد اختفاء عالم الحقيقة الآخر [للنظام الرأسمالي بايديولوجيته الدينية] لحقيقة هذا العالم [في النظام الشيوعي] . إنها المهمة المباشرة للفلسفة ، التي هي في خدمة التاريخ ، للكشف عن اغتراب الذات بأشكاله غير المقدسة [في النظام الرأسمالي] بمجرد الكشف عن الشكل المقدس للاغتراب الذاتي للبشر. وهكذا يتحول نقد السماء إلى نقد الأرض ، ونقد الدين الى نقد القانون ، ونقد اللاهوت الى نقد السياسة.
هذه هي مهمة الماركسيين قبل إقامة دكتاتورية الروليتاريا : نقد القانون و السياسة و ليس النفد المباشر للدين المنبثقين من أيديولوجيته .
أما في مستهل دكتاتورية البروليتاريا ، فيعلمنا الثوري الماركسي العظيم لينين بوجوب العمل على مكافحة الفقر و الجهل لتجفيف منابع التعصب الديني . لاحظوا أن لينين يخاطب في النص ما بعد الآتي البلاشفة في تشرين الثاني عام 1919 - و هو على رأس السلطة البلشفية و جيشه الأحمر أقوى جيوش العالم الذي دحر عدوان 14 جيشاً لأقوى الدول الأوربية - ليس ليقول لهم مثلما يقول البرجوازي الصغير المتمركس منصور حكمت و هو لاجيء على رؤوس جبال كردستان أيران ثم شارد منها :
" ايران ليس بمجتمع اسلامي ولايقبل بالاسلامية، بيد اننا لازلنا نفتقد الى حركة مقتدرة مناهضة للاسلام، حركة فكرية وسياسية قوية مناهضة للاسلام بحيث تتحول الى مكسب تاريخي لذلك المجتمع. ليس ثمة حركة، على سبيل المثال، في عام 1999، تقوم بانقطاع حاسم مع ميراث المجتمع القديم، اي الاسلام. ان هذه احد المشكلات المهمة لذلك المجتمع."
و إنما بالقول الماركسي الثوري :
"يجب أن نكون حذرين للغاية في محاربة التعصب الديني ؛ بعض الناس يتسببون في الكثير من الأذى في هذا النضال بإساءتهم للمشاعر الدينية . يجب علينا استخدام الدعاية والتعليم [في هذا النضال]. فإذا ما أكسبنا هذا النضال حافة حادة للغاية فقد نتسبب في إثارة الاستياء الشعبي . مثل أساليب النضال هذه تميل إلى إدامة الانقسام بين الناس على أسس دينية ، بينما قوتنا تكمن في الوحدة . إن أعمق مصدر للتعصب الديني إنما هو الفقر والجهل . وهذا هو الشر الذي علينا مكافحته ."

لاحظوا عبقرية عبارة " إدامة الانقسام بين الناس على أسس دينية" في الجملة : " مثل أساليب النضال هذه تميل إلى إدامة الانقسام بين الناس على أسس دينية " و التي تستبطن جدل القانون الثاني لطبيعة الدين : "محاولة قتل الدين قبل موته الطبيعي تُديمه".

محاولة قتل الدين قبل موته الطبيعي تُديمه
أعيد إيراد نص انجلز الذي يوجز هذا القانون الماركسي :
"غير أن الهير دوهرينج لا يستطيع الانتظار حتى يموت هذا الدين ميتته الطبيعية . إنه يندفع بطريقة أكثر عمقًا ، انه بسماركي أكثر من بسمارك، فيصدر القوانين الأشد صرامة من قوانين شهر مايس ليس فقط ضد الكاثوليكية ، بل و ضد كل دين على الإطلاق . إنه يحرض رجال درك المستقبل ضد الدين ، وبالتالي فهو يساعد الدين على الاستشهاد ليطيل أمد عمره .."
لاحظوا الجدل الرائي الفاتن في الجملة : " إنه يحرض رجال درك المستقبل ضد الدين ، وبالتالي فهو يساعد الدين على الاستشهاد ليطيل أمد عمره ."
و هذا ما يقطع بخطل جملة منصور حكمت : " بيد اننا لازلنا نفتقد الى حركة مقتدرة مناهضة للاسلام، حركة فكرية وسياسية قوية مناهضة للاسلام بحيث تتحول الى مكسب تاريخي لذلك المجتمع " . المحاربة المباشرة للدين سواء قبل دكتاتورية البروليتاريا أو بعدها مياشرة – مثلما يعلمنا ماركس و انجلز و لينين – هي خطأ اجتماسياسي (و ليست "مكسباً تاريخياً " مثلما يتوهم منصور حكمت) لأنها تُديمه بدلاً من القضاء عليه . هذا القانون يصفه إنجلز مجددا في نص شهير له يعود لعام 1874 تحت عنوان "أدب المهاجر" (أورده الأستاذ الفاضل عبد الحسين سلمان المحترم في معرض تعليق له على الحلقة السابقة من باب "المعارضة بقصد التأييد ") ينتقد فيه تطرف البلانكيين إبان الثورة الفرنسية (كل التقويسات هي لإنجلز) :
"لكي يثبتوا أنهم الأكثر تطرفاً من كل الآخرين نراهم يبطلون الله بمرسوم مثلما حدث في سنة 1793 :
"دعوا الكومونة تحرر البشرية إلى الأبد من شبح بؤس الماضي" (الله) ، " لأنه هو علة (الله غير الموجود هو العلة !) بؤسهم الحالي . لا مكان للكهنة في الكومونة ولا لأي مظهر ديني . يجب حظر كل منظمة دينية . "
هذا المطلب الذي يقضي بضرورة تحويل البشر إلى ملحدين "بأمر من المفتي" ، كتبه عضوان من الكومونة ممن توفرت لديهما بالفعل الفرصة الكافية لإدراك ما يأتي : أولاً ، يمكن طلب كمية كبيرة من الأشياء على الورق دون الحاجة إلى تنفيذها ؛ ثانياً ، أن الاضطهاد هو أفضل وسيلة لنشر المعتقدات غير المرغوب فيها !
الأمر المؤكد تمامًاً هو أن الخدمة الوحيدة التي يمكن تقديمها لله اليوم إنما هي تشريع الإلحاد كمادة إلزامية للإيمان تبز قوانين بسمارك المناهظة للمعتقدات الكنسية من خلال تحريم الدين بشكل عام ."
انتهى نص انجلز .
و هذا النص يؤكد مدى ضرورة عمق الرؤية الماركسية للينين التي جعلته يلقي خطابه ألآنف الذكر للبلاشفة : عدم تكرار خطأ البلانكيين "لكي يثبتوا أنهم الأكثر تطرفاً من كل الآخرين" الذي شرحه لنا أنجلز .
يتبع ، لطفاً .